...
ضمن النشاط السياحي في بلدنا يتم إحضار بعض الشباب حيث يقوم هؤلاء ببعض الإعمال التي يطلق عليها (ألعاب سركية أو بهلوانية ) مثل :سحب السيارة بالاسنان أو ثني سيخ الحديد بالعين أو طعن نفسه بالسكينة وغير ذلك من الأعمال . . .
السؤال هل تلك الأعمال جائزة في الشرع ؟ ، حيث سمعت من بعض الاخوة أنها من السحر المسمى بالتخييل .
الجـواب/
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين . أما بعد :
هذه الألعاب التي انتشرت أخيراً في عدد من المدن والمواقع والمسماة : بالألعاب البهلوانية أو ألعاب السرك ، تحتاج إلى نظر عميق وتأمل في أحوالها وأشكالها وفحص دقيق ، وتحتاج إلى بحث موسع وتكييف أنواعها ليتم دراسة كل نوع ومعرفة الأدلة وتنزيلها عليها بشكل مفصل ذلك لأنه تنوعت أشكالها وأسبابها وطرائقها
وأقول في هذه الإجابة المختصرة : هذه الألعاب منها :
1- ما هو من قبيل السحر التخييلي حيث يسحر الأبصار فيخيل للناظر شيئا على خلاف حقيقته في الواقع وهذا كحال سحرة فرعون قال تعالى (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) [طه : 66]
وهو كثير في مثل هذه الأنواع من الألعاب فيخيل للرائي أن هذا اللاعب يطير في الهواء أو يجر أثقالاً كبيرة أو نحو ذلك وهو في الحقيقة خلاف ذلك وإنما هو سحر للأبصار . ولا شك حينئذ في حرمة هذا العمل ومشاهدته .
والسحر أنواع كثيرة ذكر عدداً منها الرازي في تفسيره وذكر أشياء تدخل في المعنى العام للسحر وهو الخفاء والاستتار . والمشهور عند أهل العلم- باعتبار كنهه وحقيقته - أنه قسمان
الأول :سحر حقيقي وهو ما يؤثر في بدن المسحور فيقتله أو يمرضه أو يفرق بينه وبين زوجه أو ولده ويكون غالبا بالتعامل مع الشياطين
والثاني : سحر التخييل وهو مالا يؤثر في بدن المسحور حقيقة وإنما يؤثر على بعض حواسه كالبصر فيتخيل المسحور أن العصي والحبال مثلاً حيات تسعى وأن الحجارة مثلاً سباعا تتحرك وهكذا
وينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين :
القسم الأول : ما يكون كفرا بالله وهذا هو عامة السحر وعليه تنزل النصوص الواردة في تكفير الساحر وأقوال الأئمة والعلماء ظاهرة في إطلاق هذا الحكم على هذا النوع . وعند النظر نجد أن مناط الحكم بالكفر يدور على أمرين الأول: أن يتقرب الساحر إلى الشياطين بنذر أو ذبح أو صدقة أو غير ذلك أويتقرب إليهم في معصية الله وترك الواجبات الشرعية أو يتقرب إلى الكواكب أو غيرها
وهذا الفعل كله كفر بالله بإجماع المسلمين لأنه صرف وتوجه بالعبادة لغير الله وحينئذ فالشياطين يخدمون هذا الساحر ويتشكلون له بأشكال متنوعة وتارة يتصورون بأشكال حيوانات سريعة الحركة والانتقال فيظهر الساحر نفسه بالقدرة على أنواع من الألعاب جنسها ليس بمقدور البشر أصلاً فيوهم الناس بقدرته وسرعته وتحمله وعدم تأثره مثلا بالضرب أو الطعن أو البقاء في النار فيضل الناس ويكسب من وراء ذلك أموالاً طائلة بل يتسابق الجهلة أوالمتواطئون معه .لاستضافته وجمع الناس له
المناط الثاني : أن يدّعي شيئا من علم الغيب الحقيقي الذي استأثر الله به ومن ادعى علم الغيب فقد نازع الله في ربوبيته ولا شك في كفره حينئذ قال تعالى (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل : 65]
فإن وجدا جميعا أو أحدهما حكم على السحروالساحر بالكفر .
القسم الثاني : ماخلا من هذين الأمرين وما في حكمها وكان سحره مثلا بأدوية وتدخين وسقي شيء ونحوه فهذا محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ووسيلة إلى الأول لكنه لا يوجب كفراً يخرج من الملة ويصح إطلاق لفظ الكفر أو الشرك عليه والمراد به الكفروالشرك الأصغرلأنه وسيلة إلى الأكبر لعموم النصوص الواردة في تسميته كفراً كآية البقرة (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) وحديث (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ...) الحديث رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن مفلح .
وهذا القسم يكون كفراً أكبر إذا اعتقد المرء إباحته وحله .
2- ومن هذه الألعاب ما هو من باب الحيل كمن يدهن جسمه وأعضاءه بمواد دهنية تقيه من النار وهذا له ارتباط بالأول وقد كان الصوفية يفعلونه ويدعون من وراء هذا العمل الولاية والكرامة وقد كشفهم شيخ الإسلام رحمه الله في قصته مع الصوفية "البطائحية" حين أوهموا العامة بقدرتهم على دخول النار فتحداهم شيخ الإسلام بأن يدخل هو وكبير مشايخهم النارلكن بشرط أن يغتسلوا جميعا بالخل والماء الحار .
فسأله الأمراء والناس عن ذلك فقال : لأن لهم حيلاً في الاتصال بالنار يصنعونها من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق فضج الناس وامتنع كبيرهم وذلّ وتغيّر واصفرّ وجهه . والقصة في مجموع الفتاوى 11/459 ، 460 ، 465
وحين نقل ابن كثير عن الرازي: النوع السادس من أنواع السحروهو : الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات . عقبه ابن كثير بقوله : [ قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يَدّعي الفقر ويتخيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعيًا أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات].
ومن التحايل أيضاً وضع أحدهم حديداً مخفياً في جسده لا يراه الناس ثم يضربون الحديد والناس يظنون أنهم يضربونه ولهم طرائق في ذلك خفية وسريعة وخفيفة التنقل والتغيير
وهذا النوع ألحقه بعض أهل العلم بالأول وحكموا على أنه شعوذة وسحر وتلبيس على الناس وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله من الفتوى رقم (10683) في .الجزء الأول ص 641 من فتاوى اللجنة الدائمة
وسواء حكم عليه بأنه نوع من السحر أو قيل هو نوع من الحيل والمخادعة فلا شك في قبحه وحرمته لما فيه من إيهام الناس وتضليلهم وهو أخو السحر وصنوه ومقدمة له . خاصة إذا انضاف إلى ذلك صرف الأموال لهذه الأعمال وتشجيع أهلها وتلميعهم وتقديمهم كنجوم يعظمهم الأجيال ويفتنون بهم حيث يستضافون في المحافل والحفلات والمهرجانات الصيفية
وما فيه أيضا من إضاعة الأوقات وربما ترك الواجبات والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولا يجوز السماح لهؤلاء بمزاولة هذا الباطل والتدجيل على المسلمين بحليهم الباطلة والواجب على أهل العلم مناصحتهم وتوجيههم وعلى الولاة والأمراء منعهم وزجرهم .
ومن هذه الأعمال ما يوهم الناس أنه خرق للأسباب كمن يطأ الجمر بقدميه بل ويمشي عليه أو يضع السيف الحاد على رقبته مع طرقه بمطرقة أو ثني الحديد الصلب بعينيه فذلك مما يحدث ارتباكا للناس وتشويشاً عليهم لأن من حكمة الله في خلقه أنه ربط الأسباب بالمسببات
فجعل لكل شيء سبباً وإذا فعلنا مايضاد ناموس السببية بوجود شيء بلا سبب أو وجود السبب المقتضي وتخلف نتيجته أوجود أنه أقوى من سببه نكون بذلك هدمنا قاعدة كونية ثابتة مستقرة في العقول والفطر وسارية في الكائنات وهي قاعدة ارتباط الأسباب بالمسببات والنتائج بالمقدمات.وإذا كان من المتفق عليه أن طبائع الأشياء المستقرة: جارية على كل مخلوق لديه قابلية للتأثر بها فالنار مثلا من طبيعتهاالاحراق أي إحراق كل ماسوى المواد الصلبة كالحجارة مثلاً . فنقول لا يمكن أن يخرج عن هذا الناموس الخِلقي أيُّ إنسان فيستحيل أن يتعرض بدن للنار التي -من طبيعتها الإحراق-أو الجمرالمتقد ثم لايتأثر بذلك وإن وقع فهو لا يخرج عن إحدى حالتين :
إما أن البدن قد دهن بمادة واقية كماسبق ذكره في قصة شيخ الاسلام مع الصوفية أوأن ذلك سحر تخييل : بأنه مثلا دخل قريبامن النار أوخُيّل للبصر أنها نار وليست كذلك على الحقيقة كما أن الماء من طبيعته ترطيب البدن فيستحيل – وجوداً- أن ينغمس أحد في الماء أويسكب عليه ثم لاتبتلّ أعضاؤه إلا بوجود مانع على الجلد فهذا كالأول تماماً وهكذا في مثل هذه المواد المطردة طبائعها وعاداتها لاتنخرق هذه العادة إلا بقدرة خالقها فيسلبها خواصها إذا شاء لبعض عباده معجزة لمن شاء من أنبيائه وكرامة لمن شاء من أوليائه .
3- ومن هذه الأعمال ما يكون ناشئاً عن طول تدريب وتمرين وممارسة كعروض القوة غير المعهودة أو المرونة الفائقة وهذه إن كانت في حدود المعقول والممكن فهي من أنواع الرياضات وألعاب القوى المكتسبة بالتدريب والمهارات، ولكن مع الحذر والتوقي لئلا تؤدي إلى تشويش عقول من لا تحتمل عقولهم ذلك كالصغار والجهلة وربما جرّ هذا الفعل إلى تجرئة الآخرين من الصغارومن في حكمهم المولعين بهذه الحركات إلى المحاكاة والتقليد من أول مرة فيحدث لهم نتائج عكسية كمن يريد أن يقفز من مكان عالي أو يضع الأثقال على صدره أو يتعامل مع الثعابين والعقارب بلا دربة ومران سابق وإنما لمجرد التقليد والمحاكاة لما يشاهد فينتج من ذلك أضرار ومفاسد .
وعلى كل حال غالب هذه الألعاب ليست من أفعال أهل الإسلام ولا من عاداتهم بل هي مستوردة ودخيلة عليهم وأصولها من الوثنيين الإغريق والهنود كما ذكر ذلك غير واحد ممن تحدث عن هذه الحالات كالرازي وابن بطوطة وغيرهما ، وفي الألعاب المباحة والرياضات النافعة غنية عن ذلك كله .
الدكتور/ محمد بن عبدالله الخضيري
موقع شبكة نور الإسلام
المصــدر
ضمن النشاط السياحي في بلدنا يتم إحضار بعض الشباب حيث يقوم هؤلاء ببعض الإعمال التي يطلق عليها (ألعاب سركية أو بهلوانية ) مثل :سحب السيارة بالاسنان أو ثني سيخ الحديد بالعين أو طعن نفسه بالسكينة وغير ذلك من الأعمال . . .
السؤال هل تلك الأعمال جائزة في الشرع ؟ ، حيث سمعت من بعض الاخوة أنها من السحر المسمى بالتخييل .
الجـواب/
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين . أما بعد :
هذه الألعاب التي انتشرت أخيراً في عدد من المدن والمواقع والمسماة : بالألعاب البهلوانية أو ألعاب السرك ، تحتاج إلى نظر عميق وتأمل في أحوالها وأشكالها وفحص دقيق ، وتحتاج إلى بحث موسع وتكييف أنواعها ليتم دراسة كل نوع ومعرفة الأدلة وتنزيلها عليها بشكل مفصل ذلك لأنه تنوعت أشكالها وأسبابها وطرائقها
وأقول في هذه الإجابة المختصرة : هذه الألعاب منها :
1- ما هو من قبيل السحر التخييلي حيث يسحر الأبصار فيخيل للناظر شيئا على خلاف حقيقته في الواقع وهذا كحال سحرة فرعون قال تعالى (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) [طه : 66]
وهو كثير في مثل هذه الأنواع من الألعاب فيخيل للرائي أن هذا اللاعب يطير في الهواء أو يجر أثقالاً كبيرة أو نحو ذلك وهو في الحقيقة خلاف ذلك وإنما هو سحر للأبصار . ولا شك حينئذ في حرمة هذا العمل ومشاهدته .
والسحر أنواع كثيرة ذكر عدداً منها الرازي في تفسيره وذكر أشياء تدخل في المعنى العام للسحر وهو الخفاء والاستتار . والمشهور عند أهل العلم- باعتبار كنهه وحقيقته - أنه قسمان
الأول :سحر حقيقي وهو ما يؤثر في بدن المسحور فيقتله أو يمرضه أو يفرق بينه وبين زوجه أو ولده ويكون غالبا بالتعامل مع الشياطين
والثاني : سحر التخييل وهو مالا يؤثر في بدن المسحور حقيقة وإنما يؤثر على بعض حواسه كالبصر فيتخيل المسحور أن العصي والحبال مثلاً حيات تسعى وأن الحجارة مثلاً سباعا تتحرك وهكذا
وينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين :
القسم الأول : ما يكون كفرا بالله وهذا هو عامة السحر وعليه تنزل النصوص الواردة في تكفير الساحر وأقوال الأئمة والعلماء ظاهرة في إطلاق هذا الحكم على هذا النوع . وعند النظر نجد أن مناط الحكم بالكفر يدور على أمرين الأول: أن يتقرب الساحر إلى الشياطين بنذر أو ذبح أو صدقة أو غير ذلك أويتقرب إليهم في معصية الله وترك الواجبات الشرعية أو يتقرب إلى الكواكب أو غيرها
وهذا الفعل كله كفر بالله بإجماع المسلمين لأنه صرف وتوجه بالعبادة لغير الله وحينئذ فالشياطين يخدمون هذا الساحر ويتشكلون له بأشكال متنوعة وتارة يتصورون بأشكال حيوانات سريعة الحركة والانتقال فيظهر الساحر نفسه بالقدرة على أنواع من الألعاب جنسها ليس بمقدور البشر أصلاً فيوهم الناس بقدرته وسرعته وتحمله وعدم تأثره مثلا بالضرب أو الطعن أو البقاء في النار فيضل الناس ويكسب من وراء ذلك أموالاً طائلة بل يتسابق الجهلة أوالمتواطئون معه .لاستضافته وجمع الناس له
المناط الثاني : أن يدّعي شيئا من علم الغيب الحقيقي الذي استأثر الله به ومن ادعى علم الغيب فقد نازع الله في ربوبيته ولا شك في كفره حينئذ قال تعالى (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل : 65]
فإن وجدا جميعا أو أحدهما حكم على السحروالساحر بالكفر .
القسم الثاني : ماخلا من هذين الأمرين وما في حكمها وكان سحره مثلا بأدوية وتدخين وسقي شيء ونحوه فهذا محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ووسيلة إلى الأول لكنه لا يوجب كفراً يخرج من الملة ويصح إطلاق لفظ الكفر أو الشرك عليه والمراد به الكفروالشرك الأصغرلأنه وسيلة إلى الأكبر لعموم النصوص الواردة في تسميته كفراً كآية البقرة (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) وحديث (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ...) الحديث رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن مفلح .
وهذا القسم يكون كفراً أكبر إذا اعتقد المرء إباحته وحله .
2- ومن هذه الألعاب ما هو من باب الحيل كمن يدهن جسمه وأعضاءه بمواد دهنية تقيه من النار وهذا له ارتباط بالأول وقد كان الصوفية يفعلونه ويدعون من وراء هذا العمل الولاية والكرامة وقد كشفهم شيخ الإسلام رحمه الله في قصته مع الصوفية "البطائحية" حين أوهموا العامة بقدرتهم على دخول النار فتحداهم شيخ الإسلام بأن يدخل هو وكبير مشايخهم النارلكن بشرط أن يغتسلوا جميعا بالخل والماء الحار .
فسأله الأمراء والناس عن ذلك فقال : لأن لهم حيلاً في الاتصال بالنار يصنعونها من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق فضج الناس وامتنع كبيرهم وذلّ وتغيّر واصفرّ وجهه . والقصة في مجموع الفتاوى 11/459 ، 460 ، 465
وحين نقل ابن كثير عن الرازي: النوع السادس من أنواع السحروهو : الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات . عقبه ابن كثير بقوله : [ قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يَدّعي الفقر ويتخيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعيًا أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات].
ومن التحايل أيضاً وضع أحدهم حديداً مخفياً في جسده لا يراه الناس ثم يضربون الحديد والناس يظنون أنهم يضربونه ولهم طرائق في ذلك خفية وسريعة وخفيفة التنقل والتغيير
وهذا النوع ألحقه بعض أهل العلم بالأول وحكموا على أنه شعوذة وسحر وتلبيس على الناس وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله من الفتوى رقم (10683) في .الجزء الأول ص 641 من فتاوى اللجنة الدائمة
وسواء حكم عليه بأنه نوع من السحر أو قيل هو نوع من الحيل والمخادعة فلا شك في قبحه وحرمته لما فيه من إيهام الناس وتضليلهم وهو أخو السحر وصنوه ومقدمة له . خاصة إذا انضاف إلى ذلك صرف الأموال لهذه الأعمال وتشجيع أهلها وتلميعهم وتقديمهم كنجوم يعظمهم الأجيال ويفتنون بهم حيث يستضافون في المحافل والحفلات والمهرجانات الصيفية
وما فيه أيضا من إضاعة الأوقات وربما ترك الواجبات والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولا يجوز السماح لهؤلاء بمزاولة هذا الباطل والتدجيل على المسلمين بحليهم الباطلة والواجب على أهل العلم مناصحتهم وتوجيههم وعلى الولاة والأمراء منعهم وزجرهم .
ومن هذه الأعمال ما يوهم الناس أنه خرق للأسباب كمن يطأ الجمر بقدميه بل ويمشي عليه أو يضع السيف الحاد على رقبته مع طرقه بمطرقة أو ثني الحديد الصلب بعينيه فذلك مما يحدث ارتباكا للناس وتشويشاً عليهم لأن من حكمة الله في خلقه أنه ربط الأسباب بالمسببات
فجعل لكل شيء سبباً وإذا فعلنا مايضاد ناموس السببية بوجود شيء بلا سبب أو وجود السبب المقتضي وتخلف نتيجته أوجود أنه أقوى من سببه نكون بذلك هدمنا قاعدة كونية ثابتة مستقرة في العقول والفطر وسارية في الكائنات وهي قاعدة ارتباط الأسباب بالمسببات والنتائج بالمقدمات.وإذا كان من المتفق عليه أن طبائع الأشياء المستقرة: جارية على كل مخلوق لديه قابلية للتأثر بها فالنار مثلا من طبيعتهاالاحراق أي إحراق كل ماسوى المواد الصلبة كالحجارة مثلاً . فنقول لا يمكن أن يخرج عن هذا الناموس الخِلقي أيُّ إنسان فيستحيل أن يتعرض بدن للنار التي -من طبيعتها الإحراق-أو الجمرالمتقد ثم لايتأثر بذلك وإن وقع فهو لا يخرج عن إحدى حالتين :
إما أن البدن قد دهن بمادة واقية كماسبق ذكره في قصة شيخ الاسلام مع الصوفية أوأن ذلك سحر تخييل : بأنه مثلا دخل قريبامن النار أوخُيّل للبصر أنها نار وليست كذلك على الحقيقة كما أن الماء من طبيعته ترطيب البدن فيستحيل – وجوداً- أن ينغمس أحد في الماء أويسكب عليه ثم لاتبتلّ أعضاؤه إلا بوجود مانع على الجلد فهذا كالأول تماماً وهكذا في مثل هذه المواد المطردة طبائعها وعاداتها لاتنخرق هذه العادة إلا بقدرة خالقها فيسلبها خواصها إذا شاء لبعض عباده معجزة لمن شاء من أنبيائه وكرامة لمن شاء من أوليائه .
3- ومن هذه الأعمال ما يكون ناشئاً عن طول تدريب وتمرين وممارسة كعروض القوة غير المعهودة أو المرونة الفائقة وهذه إن كانت في حدود المعقول والممكن فهي من أنواع الرياضات وألعاب القوى المكتسبة بالتدريب والمهارات، ولكن مع الحذر والتوقي لئلا تؤدي إلى تشويش عقول من لا تحتمل عقولهم ذلك كالصغار والجهلة وربما جرّ هذا الفعل إلى تجرئة الآخرين من الصغارومن في حكمهم المولعين بهذه الحركات إلى المحاكاة والتقليد من أول مرة فيحدث لهم نتائج عكسية كمن يريد أن يقفز من مكان عالي أو يضع الأثقال على صدره أو يتعامل مع الثعابين والعقارب بلا دربة ومران سابق وإنما لمجرد التقليد والمحاكاة لما يشاهد فينتج من ذلك أضرار ومفاسد .
وعلى كل حال غالب هذه الألعاب ليست من أفعال أهل الإسلام ولا من عاداتهم بل هي مستوردة ودخيلة عليهم وأصولها من الوثنيين الإغريق والهنود كما ذكر ذلك غير واحد ممن تحدث عن هذه الحالات كالرازي وابن بطوطة وغيرهما ، وفي الألعاب المباحة والرياضات النافعة غنية عن ذلك كله .
الدكتور/ محمد بن عبدالله الخضيري
موقع شبكة نور الإسلام
المصــدر
تعليق