ما هو حال المغتر؟
الغرَّة حال المغتر الذي غرَّته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربه حتى أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يُوثَق به وسكونك إلى من لا يسكن إليه، ورجاؤك النفع من المحل الذي لا يأتي بخير، كحال المغتر بالسراب، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39]، وقال تعالى في وصف المغترين:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104،103].
وهؤلاء إذا انكشف الغطاء، وثبتت حقائق الأمور؛ علموا أنهم لم يكونوا على شيء، {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47].
وفي أثرٍ معروف: "إذا رأيت الله سبحانه يزيدك من نعمة وأنت مقيم على معصيته؛ فاحذره، فإنَّما هو استدراج يستدرجك به، وشاهد هذا في القرآن في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، وهذا من أعظم الغرة أن تراه يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره، فالشيطان مُوكَل بالغرور، وطبع النفس الأمَّارة الاغترار، فالشياطين غرُّوا المغترين بالله، وأطمعوهم مع إقامتهم على ما يسخط الله ويغضبه في عفوه وتجاوزه، وحدَّثوهم بالتوبة؛ لتسكن قلوبهم، ثم دافعوهم بالتسويف حتى هجم الأجل، فأُخِذوا على أسوأ أحوالهم، وقال تعالى:{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5].
وأعظم الناس غرورًا بربه من إذا مسه الله برحمة منه وفضل؛ قال: هذا لي أنا، أهله وجدير به ومستحق له، ثم قال:وما أظن الساعة قائمة، فظن أنه أهل لما أولاه من النعم مع كفره بالله، ثم زاد في غروره، فقال:ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى يعني: الجنة والكرامة، فهكذا تكون الغرَّة بالله، فالمغتر بالشيطان مغتر بوعوده وأمانيه، وقد ساعد اغتراره بدنياه ونفسه، فلا يزال كذلك حتى يتردى في آبار الهلاك.
المرجع: موسوعة الأعمال الكاملة للإمام ابن القيم الجوزية "جامع الآداب"
جمعه ووثق نصوصه: يسري السيد محمد
تعليق