السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكم الدعاء الجماعي
( بعد الصلوات وبعد الطاعات وعند القبر و في المنتديات وعُقيب المحاضرات وفي النوازل)
جزاكم الله خيرا جميعا وبارك فيكم وفي مساعيكم وأدعو الله أن يجعل أعمالنا جميعا خالصة لوجهه الكريم ... آمين
أخوتي الكرام :
لنعلم جميعا
أن الدعاء جاء في السنة النبوية في بعض العبادات انفرادياً وفي أخرى جماعياً, وربما الاثنين معاً في نفس العبادة تارة وتارة.
جاء عند الترمذي رحمه الله:(3640) حدثنا عَلِيٍّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ ، أخبرنا يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ زَحر عَن خَالِدِ بنِ أَبِيعِمْرَانَ أنَّ ابنَ عُمَرَ ، قَالَ: «قَلَّما كَانَ رَسُولُ الله يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدعواتِ لأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَعَاصِيكَ ومِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ. ومِنَ اليَقينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ومَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وأَبْصَارِنَا وقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَاعَلَى مَنْ عَادَانَا ولاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِيِننَا ولاَتَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ولاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلاَتُسَلِّطَ عَلَيْنَا مَن لاَ يَرْحَمُنَا» .
قال أبو عيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريبٌ. وقد رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن خَالِدِ بنِ أبي عِمْرَانَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ.
والحديث صحيح , ولكن لا يوجد في الحديث ما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام طلب من أصحابه أن يؤمّنوا على دعائه لهم , أو كان يدعو بأكثر مما ذكر في الحديث.
قلت ( أبو أنس) وكذا فإن كل المشايخ من كل المذاهب يدعون دعاء جماعياً عند نهاية المحاضرات العامة أو حلقات العلم, فهل ورد شيء خاص في هذا, والمحاضرة أو الموعظة ليست كخطبة الجمعة فهي عبادة مختلفة,
فهل ما يفعله البعض اليوم فهو من قبيل البدعة الإضافية؟
هذا كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي _ رحمهما الله _ في هذا الباب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في اقتضاء الصراط المستقيم ( ص - 306)
( وعليك أن تعلم أنه إذا استحب التطوع المطلق في وقت معين وجوز التطوع في جماعة لم يلزم من ذلك تسويغ جماعة راتبة غير مشروعة بل ينبغي أن تفرق بين البابين .
وذلك أن الاجتماع لصلاة تطوع أو استماع قرآن أو ذكر الله ونحو ذلك إذا كان يفعل ذلك أحيانا فهذا أحسن فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى التطوع في جماعة أحيانا وخرج على أصحابه وفيهم من يقرأ وهم يستمعون فجلس معهم يستمع وكان أصحاب رسول الله إذا اجتمعوا أمروا واحدا يقرأ وهم يستمعون وقد ورد في القوم الذين يجلسون يتدارسون كتاب الله ورسوله وفي القوم الذين يذكرون الله من الآثار ما هومعروف مثل قوله: " ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " وورد أيضا في الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجد قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم الحديث .
فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهوروالأعوام غير الاجتماعات المشروعة فإن ذلك يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة والعيدين والحج وذلك هو المبتدع المحدث
ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة فإن ذلك يضاهي المشروع وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة.
فروى أبو بكر الخلال في كتاب الأدب عن إسحاق بن منصور الكوسج أنه قال لأبي عبد الله يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم قال ما أكره للإخون إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا
وقال إسحاق بن راهويه كما قال الإمام أحمد و إنما معنى أن لا يكثروا أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا هذا كلام إسحاق.
قال المروزي سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا قال أرجو أن لا يكون به بأس .
وقال أبو السري الحربي قال أبو عبد الله وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون ويذكرون ما أنعم الله به عليهم كما قالت الأنصار .
وهذه إشارة إلى أن ما رواه أحمد حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله المدينة قالوا : لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعمالله به علينا فقالوا يوم السبت ثم قالوا لا نجامع اليهود في يومهم قالوا فيوم الأحد قالوا لا نجامع النصارى في يومهم قالوا فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم .
وقال أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي سألت أحمد بن حنبل عن القوم يجتمعون ويقرأ لهم القارئ قراءة حزينة فيبكون وربما أطفؤا السراج فقال لي أحمد إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس .
وروى الخلال عن الأوزاعي أنه سئل عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا يقص عليهم قال إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس .
فقيَّد الإمام أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يتخذ عادة .
قلت (أبو أنس): وهذا مدخل طيب للحديث عن حكم الدعاء جماعة بعد الصلوات:
جاء في الفتوى رقم 4994 وتاريخ 13 \ 10 \ 1402 هـ للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال عن هذا...
السؤال : بعض الناس يقرءون القرآن جماعة صباحا ومساء بعد صلاة الصبح والمغرب فهل هذا بدعة .
الجواب : التزام قراءة القرآن جماعة بصوت واحد بعد كل من صلاة الصبح والمغرب أو غيرهما بدعة , وكذا التزام الدعاء جماعة بعد الصلاة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
عضو/ عبد الله بن قعود ... عضو/ عبد الله بن غديان ... نائب رئيس اللجنة/ عبد الرزاق عفيفي ... الرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وفي مجموع فتاوى العلامة ابن باز رحمة الله كان السؤال التالي:
س : الدعاء جماعة بعد الصلاة في الأيام العادية ، ما حكمه إذا استمر عليه البعض من الناس ؟
وكانت الإجابة:
هذا من البدع ، الإنسان يدعو ربه وحده ، ما يحتاج يجتمع مع مجموعة ويدعو بينه وبين ربه ، أما يكون لهم إماما يدعو بهم ، يرفع يديه ويدعون ، ليس له أصل ، هذا من المحدثات ، والله يهدينا وإخواننا المسلمين . وقد نشرت هذه الإجابة في جريدة الرياض, العدد 10763 وتاريخ 12\ 8\ 1418 هـ
قلت (أبو أنس) و لكن هناك صورة مشروعة للاجتماع على الدعاء دبر الصلاة:
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في ( الأم )(87) :
وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ ، فإن الله عز وجل يقول : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } [ الإسراء : 110 ] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء ، ولا تجهر : ترفع . ولا تخافت : حتى لا تسمع نفسك . انتهى .
قال الإمام النووي في المجموع(88) :
اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام ، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر ، فلا أصل له . انتهى .
قلت : ولقائل أن يقول : نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات ،
فنقول هذا زعم ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في ( التحقيق )(89) : يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به ، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر ، فإذا تعلموا أسر . انتهى .
يقول د. محمد بن حسين الجيزاني - عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية :
أما الدعاء جماعة؛ بحيث إن الإمام يدعو ويؤمن المأمومون على دعائه، يداومون على ذلك، فهذا الفعل بدعة قطعاً... اللهم إلا إن فعل ذلك على سبيل التعليم أو لعارض، لكن دون مداومة، مع أمن ذريعة أن يعتقد بعض الناس مشروعيته أو سنته بعد كل صلاة، والحاصل: أن الدعاء مشروع بل مسنون في أدبار الصلوات المكتوبات، وهو من مواطن إجابة الدعاء، لكن هل يدعو قبل التسليم من الصلاة أو بعد الانصراف من الصلاة فقد اختلف أهل العلم في معنى (دبر الصلاة) هل هو آخر الصلاة قبل التسليم منها، أو هو بعد الانصراف من الصلاة؛ لأن دبر الشيء يحتمل في اللغة كلا المعنيين، والأمر في هذا واسع، لكن من أراد أن يدعو بعد الانصراف من الصلاة كان الأولى في حقه أن يؤخر دعاءه حتى يفرغ من الإتيان بالأذكار التي تقال بعد الصلاة، والله الموفق.اهـ
أما عن حكم الدعاء جماعة على القبر:
ففي الفتاوى البازية سؤال رقم 48977- هل الدعاء للميت عند القبر يكون جماعة؟
إذا دفن الميت في قبره يقوم بعض الناس بالدعاء للميت ويؤمن الناس على دعائه فهل هذا الفعل من السنة ؟.
الحمد لله
أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز الدعاء جماعة ، فيدعو أحد المشيعين ويؤمن الناس على دعائه، أو يدعو كل شخص بمفرده .
قال رحمه الله :
"قد دلت السنة الثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شرعية الدعاء للميت بعد الدفن ، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : ( اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود (3221) . صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
ولا حرج في أن يدعو واحد ويؤمن السامعون أو يدعو كل واحد بنفسه للميت" اهـ .
جاء في مجلة البحوث الإسلامية (68/53) .
وهذا من حيث الجواز ، أما الأفضل والأقرب إلى السنة فيدعو كل واحد بمفرده .
وقد نهى الشيخ بن عثيمين رحمه الله عن الدعاء جماعة على القبر قولا واحدا فقال:
"ليس هذا من سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا من سنة الخلفاء الراشدين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، وإنما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرشدهم إلى أن يستغفروا للميت ويسألوا له التثبيت ، كلٌّ بنفسه، وليس جماعة" اهـ . وانظر "فتاوى الجنائز" (ص 228) . والله أعلم .
حكم دعاء القنوت في النوازل جماعة:
وأما الدعاء عند النوازل في جماعة فقد وقفت فيه على كلام طيب للإمام الشاطبي – رحمه الله –
قال في الاعتصام : ( لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع منأئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزالأنه على الشرط المذكور إذ لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمامولا كونه سنة تقام في الجماعات ويعلن به في المساجد كما دعا رسول اللهدعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب وكما أنه دعا أيضا في غير أعقابالصلوات على هيئة الاجتماع لكن في الفرط وفي بعض الأحايين كسائر المستحباتالتي لا يتربص بها وقتا بعينه وكيفية بعينها ... ) وذكر كلاما طيبا كثيرا وانظر في الاعتصام ( 1 / 304)
قلت (أبو أنس) : ومما سبق نستطيع أن نلخص الكلام فيما يلي:
-أمر الاجتماع على الدعاء في غير العبادة مختلف فيه إلا أن يكون من باب التعليم:
-وأن الصورة المنهي عنها في الدعاء هي الاجتماع في وقت واحد على دعاء واحد. بالتأمين أو الترديد.
وحتى لو أخذنا بقول من قال بعدم جواز الاجتماع على الدعاء فلا يخفى على من له نصيب من العلم الشرعي أن صورة الاجتماع الفعلية (المنهي عنها) للدعاء في المنتديات غير متحققة فكل منا يدخل في أوقات مختلفة وبصيغات متعددة وعليه لا يكون ذلك من البدع ...
والله أعلم
والله أعلم
جمعه ورتبه (أبو أنس/ حادي الطريق)
غفر الله له وأعاذه وإياكم من ميتة السوء ... آمين
غفر الله له وأعاذه وإياكم من ميتة السوء ... آمين
تعليق