فقد إنتشرت بدعة منكرة بين أئمة المساجد في مختلف بقاع العالم المسلم ربي عليها الصغير وهرم عليها الكبير واتخذها الناس سنة سرقها بعضهم عن بعض بلا دليل وإذا غيرت قالوا ربما غيرت السنة وهي أن أحدهم إذا دعا في قنوت وتر رمضان أو في قنوت النوازل رتل دعاءه كما يرتل القرآن وتغنى به وطرب حتى لو سمعه أعجمي ظن أنه يقرأ قرآنا وماهو من القرآن وهذا العمل بدعة عقلية محدثة منكرة لادليل عليه0 برهان ذلك من عدة أوجه :
الوجه الأول / أن الأصل في العبادات المنع لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حد يث عائشة رضي الله عنها عنه من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد وفي رواية من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وليس ذلك المنع في أصل العبادة فقط بل حتى في صفاتها وأسبابها وأو قاتها وأعدادها وأزمنتها وهيئاتها إذا ولو ثبت أصلها فدعاء القنوت في رمضان والنوازل عبادة مسنونة والأصل في صفاتها وأسبابها وهيئاتها0000 وما ذكرنا المنع فصفة الترتيل له في قنوت رمضان والنوازل ممنوع شرعا حتى يأتي دليل ولا دليل ولو كان خيرا لسبقونا إليه ولو سبقونا لكان مما تتوفر الدواعي لنقله فلما لم ينقل ترتيله في ذينك الموقفين علم أنه من محدثات الدين وقد قال رسول الله شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة 0
الوجه الثاني / أن صفة التغني والترتيل خاصة بالقرآن لما رواه البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَزَادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ
ولم يقل بالدعاء حتى التغني بالإستعاذة عند بدء القراءة فلم يرد عليها دليل فهي بدعة ولو كان التغني بالدعاء وتطريبه مأمور به أمر وجوب أو إستحباب لنقل ولكن لم يؤمر إلا بترتيل القرآن وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في إبتداع من خلف0
الوجه الثالث / أنه قد جاء الذم في القرآن لفريق يلون ألسنتهم بالكتاب ليظن أنه من الكتاب وماهو من الكتاب كما أفادني من سمع ذلك الإستدلال من العلامة ابن عثيمين يذكر ذلك في دروس رمضان في الحرم المكي عندما سئل عن ذلك وأقول إن طريقة الإستدلال عند الشيخ بهذه الأية لنهي هؤلاء عن ترتيل الدعاء ربما هي أن يقال إن هذا عندما يرتل الدعاء
قد يظن ظان أنه من الكتاب وما هو كذلك وإن كان لايقصد من ذلك الفعل التلبيس ولكن لما نهي عن التشبه في صورة العمل للكفار ولو لم يكن بقصد كما منع الشارع من الصلاة عند غروب الشمس ولو كانت نافلة مطلقة لأنها صلاة الكفار ولكن يحرم علينا فعلها ولو بغير قصد عبادة الشمس لأن التشبه في الظاهر يؤدي إلى التشبه في الباطن0
الوجه الرابع / أنه قد جاء في مد الدعاء مارواه النسائي في سننه قال أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ
فقوله يطيل في آخرهن يدل على مده لها ولو كان يفعله في غيرها من دعاءه لنقل فنبقى على مامد ونترك مالم يمد قال شيخ الإسلام فالترك الراتب من النبي صلى الله عليه وسلم سنة كما أن الفعل الراتب منه سنة قلت وقد ترك التغني في الدعاء تركا راتبا فكان ذلك الترتيل والتغني فيه سنة تركية العمل بها بدعة0
الوجه الخامس / ماذكره شيخ الإسلام من أن التلحين أثناء الدعاء في الصلاة أو قال مطلقا طريقة النصارى ومن تشبه بقوم فهو منهم0 ففي الفتاوى (ج28-ص 603 ) ) : وكذلك إدخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون)0
قلت ويفهم من هذا إنكار شيخ الإسلام لما أحدثه النصارى في صلواتهم من الألحان0
الوجه السادس / ما أفادنا به الشيخ ربيع حفظه الله أن ترتيل الدعاء والتطريب فيه طريقة الشيعة وصدق فانظر إليهم في الحج وهم مجتمعون يرتلونه ويتغنون به ويطربون وكذلك بجوار البقيع عند قبور آل البيت زعموا ومن تشبه بقوم فهو منهم0
الوجه السابع / أنك لوسألت الذي يتغنى بالدعاء في القنوتين جماعة لو أنك دعوت في خطبة الجمعة أو عند قنوتك منفردا أو عند نزول كرب ألم بك هل ترتل أم يكون خطابا مؤدبا غير متكلف فيه فإن قال لك لاأفعل فقل له مالفرق فالشريعة كما قال شيخ الإسلام جاءت بالمتماثلات فلم تفرق بين متماثلين ألا يقال إن ذلك الذي على المنبر يسمى دعاء وهذا الذي في قنوت رمضان والنوازل كذلك فلماذا رتلت هنا وتغنيت وأعرضت هناك وقد ذكرت هذه الحجة لبعضهم وحجج أخرى فرجع والحمدلله عن ذلك التكلف المشين 0وإذا قال لك المناسبة العقلية تدل على الفرق فقل دين الله لايثبت بالمناسبات العقلية أو الأعمال التجريبية فدين الله إنما يثبت بالنقل الصحيح قال الإمام مالك من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة يراها برأيه فقد زعم أن النبي قد خان الرسالة إقرأوا قول الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمالم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا قال الشافعي من حسن فقد شرع وأحسن من هذا قول الله تعالى أم لم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله وقوله قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون0فالعقل ليس بحجة في التشريع وتقييد العبادات وتحسينها بلادليل0فقد قال علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخفين أولى من الظاهر0
الوجه الثامن / قولهم إن العرب كانوا يرتلون والدعاء يقرأ بلغة العرب فنقول أثبتوا ذلك عن العرب أولا ثم أن هذه الصفة لو كانت تفعل في الدعاء خصوصا لنقلت كما نقل ماكان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم عند الفراغ من وتره كما تقد عندما يقول ثلاثا سبحان الملك القدوس فمد الأخيرة ولم يمد ماقبلها فهل يسن لنا مدها كلها بزعم أن العرب كانوا يصنعون ذلك 0
الوجه التاسع / أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواما سيعتدون في الدعاء كما روا أبوداود في سننه حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ
ولم يخبرنا كيف يكون التعدي فكل دعاء خرج على غير الصفة المشروعة المعروفة في السنة وماوسع فيه السلف فهو تعدي لأن التعدي في الدعاء مجاوزة الحد المشروع فيه وهذه صفة محدثة فصاحبها متعد في الدعاء وخاصة مانسمعه من التفنن المحدث والتطريب المتكلف المسجوع فيه والصعود تارة والنزول تارة أخرى فكيف لايسمى مثل هذا النمط في الدعاء تعدي 0فإن النص إذا أحتمل دخلت فيه جميع المعاني المحتملة إلا بقرينة فإذا سألت عن التعدي هل هو دعاء الله بالمستحيل أم بما هوتفصيل لما يمكن إجماله كما جاء في السنن عن رجل أنه قال اللهم إني أعوذ بك من النار وزقزمها وسلاسلها والآخر يقول اللهم ارزقني البيت اأو القصر الذي على يمين باب الجنة 000فأنكر عليهم من قبل الصحابة وذكر أحدهم حديث النهي عن التعدي في الدعاء أم هو الإبتداع في صفته وأداءه لكان الجواب أنها أوجه محتملة لاتخصيص فيها لوجه دون وجه إلا بدليل وليس عندنا دليل يخصص الصفة فكل تعدي منهي عنه لأنه عام يشمل الصفة والأداء وغير ذلك والله أعلم 0
الوجه العاشر / أنهم لو قالوا نفعل مثل ذلك لترقيق القلوب وقد سمعت الشيخ عبدالرحمن السديس إذا جاء موضع ذكر فلسطين أثناء قنوته في رمضان يغير اللحن فيجعله تطريبا ولحنا حزينا يبكي الناس ويحزن القلوب لقيل لهم إن أولى الناس بهذا الخير الذي تريدونه النبي وأصحابه فقد قال ما من خير يقربكم من الله ويباعدكم من النار إلا دللتكم عليه أو كما ققال كما في مسند الشافعي فأين تطريبه وترتله في الدعاء عموما والقنوت خصوصا وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده 0 فلو كان يفعله لما كتم ذلك الأمناء على وحيه من صحابته الصادقون رضي الله عنهم ويلحق بذلك بدعة ترتيل التلبية في الحج0
الوجه الحادي عشر / سألت قبل حوالي خمسة عشر الشيخ السبيل
والشيخ السديس يسمع قبل الصلاة وهم في الصف الأول وبجانبهم وقتئذ الشيخ عبدالباري الثبيتي هل كان من هدي النبي هذا الترتيل في الدعاء أو التغني فيه أو كما قلت فأجابني والشيخ السديس يسمع قال ماودنا يفعلون هذا يطلعون وينزلون( أي نحن لانريهم يصنعون مثل هذا التكلف) 000وكان وقتئذ رئيسا للحرمين فجزاه الله خيرا على الصدع بكلمة الحق فالساكت عن الحق شيطان أخرس 0
الوجه الثاني عشر / أنه ليس كل من فعل بدعة مبتدع كما قرر شيخ الإسلام في رسالته( المعارج) لإحتمال التأويل والإعتماد على حديث يظن صحته وهو ضعيف وغير ذلك من أوجه العذرإذا عرف العالم بالسنة والدفاع عنها فراجع رسالته فإنها عظيمة النفع0
الوجه الثالث عشر / أن الحكم على عمل علم أن لاأصل له بأنه بدعة لايحتاج إلى سبق إمام لأن البدع كما قال العلامة المحدث الفقيه الألباني تتجدد وقد قال النووي رحمه الله عن المسح على الرقبة أنه بدعة ولم يذكر أحدا سبقه بالرغم من تصحيح الروياني لحديث رواه في مسنده وهو المسح على الرقبة أمان من الغل يوم القيامة 0 وقد نقل لي الأخ علي الهوساوي أمام مسجد الخلفاء الراشدين بالطائف أنه سمع الشيخ عبدالعزيز ابن باز ينكر هذا العمل في المذياع في نور على الدرب وقد كان يقول الحق في صدور أهل العلم أعظم من آراء الناس واجتهاداتهم فرحمه الله من إمام سنة00
الوجه الرابع عشر / إذا علم أن الدعاء خطاب طلب من الله فهل يليق أن يطرب ويتغنى بذلك الطلب أم هو سوء أدب مع الله فهل يقبل هؤلاء أن يتغنون ويطربون إذا طلبوا من ملك من ملوك الدنيا حاجة من الحاجات فكيف تقبل فطرهم تطريبهم وتغنيهم أثناء الطلب من ملك الملوك وإننا نخشى على هذا الذي يضاهي الدعاء بالقرآن فيتغنى به بل ويطرب أن يرد دعاءه 0
الوجه الخامس عشر / لايشترط عند الحكم على عمل لم يعمله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
من بعده أن يجمع العلماء على انه بدعة فيستدل بإختلافهم على التساهل في فعلها بل إذا اختلفوا في إنكار بدعة فالحق مع النافي حتى يأتي المثبت بدليل يسوغ له العمل بها لأن الأصل في العبادات المنع قال شيخ الإسلام ابن تيمية إذا اختلف العلماء فلا يجعل قول عالم حجة على عالم إلا بالأدلة الشرعية وقال ابن عبدالبر لايحتج بالخلاف إلا جاهل وأحسن من هذا قول ربنا تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأو يلا وقد قال الشافعي رحمه الله وأجمعت الأمة من لدن رسول الله أن من تبينت له سنة فليس له أن يدعها لقول أحد كائنا من كان وليس في الأجماع الذي نقله رحمه الله فرق بين السنة التركية والعملية فالسنة التركية تقدم على من خالفها من العلماء فأفتى متأولا بجوازها فكلام العلماء يحتج له ولا يحتج به وقد سمعت بعض المنتسبين للعلم يسلكون العمل بالبدع لإختلاف العلماء فيها وبذلك سلكوا بدعة التمثيليات الإسلامية وغيرها وعلى قوله فيلزمه تجويز بدعة المولد لأن بعض العلماء كالسخاوي قال بجوازها ولا قائل بذلك إن كان سلفيا 0
الوجه السادس عشر / أن إنتشار البدعة بين الناس لايعني أن يكون لها أصل في الشرع قال تعالى(و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك000الآية ولأن الناس ليسوا مشرعين إنما المشرع هوالله والزمن الذي يكون الإقرار فيه حجة هو زمن رسول الله وأصحابه0
كتبه :الشيخ/ماهر بن ظافر القحطانى0حفظه الله تعالى0
المصدر:من موقعه على الانترنت0
الوجه الأول / أن الأصل في العبادات المنع لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حد يث عائشة رضي الله عنها عنه من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد وفي رواية من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وليس ذلك المنع في أصل العبادة فقط بل حتى في صفاتها وأسبابها وأو قاتها وأعدادها وأزمنتها وهيئاتها إذا ولو ثبت أصلها فدعاء القنوت في رمضان والنوازل عبادة مسنونة والأصل في صفاتها وأسبابها وهيئاتها0000 وما ذكرنا المنع فصفة الترتيل له في قنوت رمضان والنوازل ممنوع شرعا حتى يأتي دليل ولا دليل ولو كان خيرا لسبقونا إليه ولو سبقونا لكان مما تتوفر الدواعي لنقله فلما لم ينقل ترتيله في ذينك الموقفين علم أنه من محدثات الدين وقد قال رسول الله شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة 0
الوجه الثاني / أن صفة التغني والترتيل خاصة بالقرآن لما رواه البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَزَادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ
ولم يقل بالدعاء حتى التغني بالإستعاذة عند بدء القراءة فلم يرد عليها دليل فهي بدعة ولو كان التغني بالدعاء وتطريبه مأمور به أمر وجوب أو إستحباب لنقل ولكن لم يؤمر إلا بترتيل القرآن وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في إبتداع من خلف0
الوجه الثالث / أنه قد جاء الذم في القرآن لفريق يلون ألسنتهم بالكتاب ليظن أنه من الكتاب وماهو من الكتاب كما أفادني من سمع ذلك الإستدلال من العلامة ابن عثيمين يذكر ذلك في دروس رمضان في الحرم المكي عندما سئل عن ذلك وأقول إن طريقة الإستدلال عند الشيخ بهذه الأية لنهي هؤلاء عن ترتيل الدعاء ربما هي أن يقال إن هذا عندما يرتل الدعاء
قد يظن ظان أنه من الكتاب وما هو كذلك وإن كان لايقصد من ذلك الفعل التلبيس ولكن لما نهي عن التشبه في صورة العمل للكفار ولو لم يكن بقصد كما منع الشارع من الصلاة عند غروب الشمس ولو كانت نافلة مطلقة لأنها صلاة الكفار ولكن يحرم علينا فعلها ولو بغير قصد عبادة الشمس لأن التشبه في الظاهر يؤدي إلى التشبه في الباطن0
الوجه الرابع / أنه قد جاء في مد الدعاء مارواه النسائي في سننه قال أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ
فقوله يطيل في آخرهن يدل على مده لها ولو كان يفعله في غيرها من دعاءه لنقل فنبقى على مامد ونترك مالم يمد قال شيخ الإسلام فالترك الراتب من النبي صلى الله عليه وسلم سنة كما أن الفعل الراتب منه سنة قلت وقد ترك التغني في الدعاء تركا راتبا فكان ذلك الترتيل والتغني فيه سنة تركية العمل بها بدعة0
الوجه الخامس / ماذكره شيخ الإسلام من أن التلحين أثناء الدعاء في الصلاة أو قال مطلقا طريقة النصارى ومن تشبه بقوم فهو منهم0 ففي الفتاوى (ج28-ص 603 ) ) : وكذلك إدخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون)0
قلت ويفهم من هذا إنكار شيخ الإسلام لما أحدثه النصارى في صلواتهم من الألحان0
الوجه السادس / ما أفادنا به الشيخ ربيع حفظه الله أن ترتيل الدعاء والتطريب فيه طريقة الشيعة وصدق فانظر إليهم في الحج وهم مجتمعون يرتلونه ويتغنون به ويطربون وكذلك بجوار البقيع عند قبور آل البيت زعموا ومن تشبه بقوم فهو منهم0
الوجه السابع / أنك لوسألت الذي يتغنى بالدعاء في القنوتين جماعة لو أنك دعوت في خطبة الجمعة أو عند قنوتك منفردا أو عند نزول كرب ألم بك هل ترتل أم يكون خطابا مؤدبا غير متكلف فيه فإن قال لك لاأفعل فقل له مالفرق فالشريعة كما قال شيخ الإسلام جاءت بالمتماثلات فلم تفرق بين متماثلين ألا يقال إن ذلك الذي على المنبر يسمى دعاء وهذا الذي في قنوت رمضان والنوازل كذلك فلماذا رتلت هنا وتغنيت وأعرضت هناك وقد ذكرت هذه الحجة لبعضهم وحجج أخرى فرجع والحمدلله عن ذلك التكلف المشين 0وإذا قال لك المناسبة العقلية تدل على الفرق فقل دين الله لايثبت بالمناسبات العقلية أو الأعمال التجريبية فدين الله إنما يثبت بالنقل الصحيح قال الإمام مالك من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة يراها برأيه فقد زعم أن النبي قد خان الرسالة إقرأوا قول الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمالم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا قال الشافعي من حسن فقد شرع وأحسن من هذا قول الله تعالى أم لم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله وقوله قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون0فالعقل ليس بحجة في التشريع وتقييد العبادات وتحسينها بلادليل0فقد قال علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخفين أولى من الظاهر0
الوجه الثامن / قولهم إن العرب كانوا يرتلون والدعاء يقرأ بلغة العرب فنقول أثبتوا ذلك عن العرب أولا ثم أن هذه الصفة لو كانت تفعل في الدعاء خصوصا لنقلت كما نقل ماكان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم عند الفراغ من وتره كما تقد عندما يقول ثلاثا سبحان الملك القدوس فمد الأخيرة ولم يمد ماقبلها فهل يسن لنا مدها كلها بزعم أن العرب كانوا يصنعون ذلك 0
الوجه التاسع / أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواما سيعتدون في الدعاء كما روا أبوداود في سننه حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ
ولم يخبرنا كيف يكون التعدي فكل دعاء خرج على غير الصفة المشروعة المعروفة في السنة وماوسع فيه السلف فهو تعدي لأن التعدي في الدعاء مجاوزة الحد المشروع فيه وهذه صفة محدثة فصاحبها متعد في الدعاء وخاصة مانسمعه من التفنن المحدث والتطريب المتكلف المسجوع فيه والصعود تارة والنزول تارة أخرى فكيف لايسمى مثل هذا النمط في الدعاء تعدي 0فإن النص إذا أحتمل دخلت فيه جميع المعاني المحتملة إلا بقرينة فإذا سألت عن التعدي هل هو دعاء الله بالمستحيل أم بما هوتفصيل لما يمكن إجماله كما جاء في السنن عن رجل أنه قال اللهم إني أعوذ بك من النار وزقزمها وسلاسلها والآخر يقول اللهم ارزقني البيت اأو القصر الذي على يمين باب الجنة 000فأنكر عليهم من قبل الصحابة وذكر أحدهم حديث النهي عن التعدي في الدعاء أم هو الإبتداع في صفته وأداءه لكان الجواب أنها أوجه محتملة لاتخصيص فيها لوجه دون وجه إلا بدليل وليس عندنا دليل يخصص الصفة فكل تعدي منهي عنه لأنه عام يشمل الصفة والأداء وغير ذلك والله أعلم 0
الوجه العاشر / أنهم لو قالوا نفعل مثل ذلك لترقيق القلوب وقد سمعت الشيخ عبدالرحمن السديس إذا جاء موضع ذكر فلسطين أثناء قنوته في رمضان يغير اللحن فيجعله تطريبا ولحنا حزينا يبكي الناس ويحزن القلوب لقيل لهم إن أولى الناس بهذا الخير الذي تريدونه النبي وأصحابه فقد قال ما من خير يقربكم من الله ويباعدكم من النار إلا دللتكم عليه أو كما ققال كما في مسند الشافعي فأين تطريبه وترتله في الدعاء عموما والقنوت خصوصا وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده 0 فلو كان يفعله لما كتم ذلك الأمناء على وحيه من صحابته الصادقون رضي الله عنهم ويلحق بذلك بدعة ترتيل التلبية في الحج0
الوجه الحادي عشر / سألت قبل حوالي خمسة عشر الشيخ السبيل
والشيخ السديس يسمع قبل الصلاة وهم في الصف الأول وبجانبهم وقتئذ الشيخ عبدالباري الثبيتي هل كان من هدي النبي هذا الترتيل في الدعاء أو التغني فيه أو كما قلت فأجابني والشيخ السديس يسمع قال ماودنا يفعلون هذا يطلعون وينزلون( أي نحن لانريهم يصنعون مثل هذا التكلف) 000وكان وقتئذ رئيسا للحرمين فجزاه الله خيرا على الصدع بكلمة الحق فالساكت عن الحق شيطان أخرس 0
الوجه الثاني عشر / أنه ليس كل من فعل بدعة مبتدع كما قرر شيخ الإسلام في رسالته( المعارج) لإحتمال التأويل والإعتماد على حديث يظن صحته وهو ضعيف وغير ذلك من أوجه العذرإذا عرف العالم بالسنة والدفاع عنها فراجع رسالته فإنها عظيمة النفع0
الوجه الثالث عشر / أن الحكم على عمل علم أن لاأصل له بأنه بدعة لايحتاج إلى سبق إمام لأن البدع كما قال العلامة المحدث الفقيه الألباني تتجدد وقد قال النووي رحمه الله عن المسح على الرقبة أنه بدعة ولم يذكر أحدا سبقه بالرغم من تصحيح الروياني لحديث رواه في مسنده وهو المسح على الرقبة أمان من الغل يوم القيامة 0 وقد نقل لي الأخ علي الهوساوي أمام مسجد الخلفاء الراشدين بالطائف أنه سمع الشيخ عبدالعزيز ابن باز ينكر هذا العمل في المذياع في نور على الدرب وقد كان يقول الحق في صدور أهل العلم أعظم من آراء الناس واجتهاداتهم فرحمه الله من إمام سنة00
الوجه الرابع عشر / إذا علم أن الدعاء خطاب طلب من الله فهل يليق أن يطرب ويتغنى بذلك الطلب أم هو سوء أدب مع الله فهل يقبل هؤلاء أن يتغنون ويطربون إذا طلبوا من ملك من ملوك الدنيا حاجة من الحاجات فكيف تقبل فطرهم تطريبهم وتغنيهم أثناء الطلب من ملك الملوك وإننا نخشى على هذا الذي يضاهي الدعاء بالقرآن فيتغنى به بل ويطرب أن يرد دعاءه 0
الوجه الخامس عشر / لايشترط عند الحكم على عمل لم يعمله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
من بعده أن يجمع العلماء على انه بدعة فيستدل بإختلافهم على التساهل في فعلها بل إذا اختلفوا في إنكار بدعة فالحق مع النافي حتى يأتي المثبت بدليل يسوغ له العمل بها لأن الأصل في العبادات المنع قال شيخ الإسلام ابن تيمية إذا اختلف العلماء فلا يجعل قول عالم حجة على عالم إلا بالأدلة الشرعية وقال ابن عبدالبر لايحتج بالخلاف إلا جاهل وأحسن من هذا قول ربنا تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأو يلا وقد قال الشافعي رحمه الله وأجمعت الأمة من لدن رسول الله أن من تبينت له سنة فليس له أن يدعها لقول أحد كائنا من كان وليس في الأجماع الذي نقله رحمه الله فرق بين السنة التركية والعملية فالسنة التركية تقدم على من خالفها من العلماء فأفتى متأولا بجوازها فكلام العلماء يحتج له ولا يحتج به وقد سمعت بعض المنتسبين للعلم يسلكون العمل بالبدع لإختلاف العلماء فيها وبذلك سلكوا بدعة التمثيليات الإسلامية وغيرها وعلى قوله فيلزمه تجويز بدعة المولد لأن بعض العلماء كالسخاوي قال بجوازها ولا قائل بذلك إن كان سلفيا 0
الوجه السادس عشر / أن إنتشار البدعة بين الناس لايعني أن يكون لها أصل في الشرع قال تعالى(و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك000الآية ولأن الناس ليسوا مشرعين إنما المشرع هوالله والزمن الذي يكون الإقرار فيه حجة هو زمن رسول الله وأصحابه0
كتبه :الشيخ/ماهر بن ظافر القحطانى0حفظه الله تعالى0
المصدر:من موقعه على الانترنت0