الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أيها الأخوة الكرام :
نصيحةٌ لوجه الله، أحب زوجتك، أحب أولادك، أحب من حولك، ولكن لا تعتمد عليهم، اعتمد على الله وحده، ضع ثقتك بالله، ضع آمالك في الله، علق أهمية على رضاء الله عنك فقط.
رجل له قريب مدير مكتب السلطان عبد الحميد، افتقر، فذهب إليه على نية أن يبحث له عن عمل كوظيفة، فاستقبله قريبه، وأقام عنده مدة طويلة، يقول هذا القريب: كلما وضع كتاب التعيين لا يوقعه السلطان لثلاثين يوماً، يبدو أن القريب على علم بالله، فعلم أن قريبه متعلقٌ به ونسي الله عز وجل، أعطى توجيهاً لأحد الخدم أن يتجهم به، ثلاثون يوماً يكفي، الزيارة ثلاثة أيام، فهذا المسكين خرج من بيت قريبه هائماً على وجهه يبكي، قال له: اتبعه، انظر أي مكان ذهب، فذهب إلى بعض الخانات - الفنادق قديماً- قدم الطلب ووقعه السلطان فاستدعاه، قال له: ثلاثون يوماً وأنت معتمد عليّ، فلما خرجت من البيت مكسوراً اعتمدت على الله فوقع لك.
أحياناً إنسان يعتمد على الله، في توفيق، أحياناً يضع أمله بإنسان، هذا الإنسان الذي وضعت فيه كل أملك هو الذي سيخيب ظنك، هذا تأديب من الله لأن هذا شرك خفي.
أيها الأخوة:
لا تــسـألــن بني آدم حــاجـةً وسل الــذي أبــوابه لا تــغــلقُ
الله يغضبُ إن تــركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضبُ
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
فيها إشارة إلى معية عظيمة من الله عز وجل
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾
( سورة النساء الآية : 81 )
أي إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
( سورة طه )
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
سيدنا يونس وهو في بطن الحوت ، والأمل بمنظور الناس في النجاة معدوم .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، الله عز وجل القوي ، الغني ، الحكيم ، العليم ، يستجيب لك .
من أخذ بمنهج الله عز وجل فهو في رعايته و تأييده :
لكن في قوله تعالى
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
هذه الآية يمكن أن تكون في سياقها متعلقة بالطلاق ، بمعنى أنه من يتقِ الله في تطليق امرأته ، فيطلقها طلاقاً سنياً لا بدعياً
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
في إرجاعها ، أما لو نزعنا هذه الآية من سياقها أصبحت قانوناً ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من تلف ماله
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي ،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
فيوحده يجعل الله له مخرجاً من الشرك الجلي أو الخفي ، يمكن أن تكتب حول هذه الآية مجلدات ، أي ما دمت تأخذ بمنهج الله فأنت في رعاية الله ، وفي مظلة الله ، وفي حفظ الله ، وفي تأييد الله .
يقول ابن القيم.
" من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف نقصان، أو طلب صحة أو فرارًا من سقم، وعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه بنفسه، وأبر به منه بنفسه، وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يديه، ولا متأخر، فألقى نفسه بين يدي الله عز وجل، وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك بين يدي ملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بكل ما شاء ".
الوصف سهل، أما أن تعيش هذه الحقيقة فهذا يحتاج إلى إيمان كبير.
راتب النابلسى
موسوعة النابلسى