ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ بالغة جعل لكل شيءٍ سبباً، فكل شيء له سبب، لكن الحقيقة الدقيقة هي: أن هذا السبب لا يخلق النتيجة، النتيجة من خلق الله تعالى ولكنها اقترنت بهذا السبب، وكل إنسان يتوهَّم أن الأسباب تخلق النتائج فقد أشرك، لذلك الشرق والغرب وقعا في الخطأ، الشرق عصى، والغرب أشرك، كيف ؟
الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألَّهها وعبدها من دون الله فأشرك، والشرق لم يأخذ بها فعصى
أمثلة من الواقع عن أناس أخذوا بالأسباب واعتمدوا عليها فأشركوا وخسروا :
يجب علي أن أتحرَّك وآخذ بالأسباب وبعدها أتوكَّل على الله عزَّ وجل، فالطريق المثالي طريق ضيِّق، هناك وادٍ على اليمين وهناك وادٍ على اليسار ؛ وادٍ آخر، عن اليمين وادي الشرك، وعن اليسار وادي المعصية، أنت إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فقد أشركت، هناك قصص كثيرة جداً:
الباخرة تيتانيك، وهي أضخم باخرة صُنِعَت في القرن التاسع عشر، بُنِيت هذه الباخرة في عام 1912، وقالوا في نشرتها أو كتيبها: هذه الباخرة لا يستطيع القَدَرِ أن يغرقها، لأنها صُنِعَت من جدارين، وبين الجدارين أبوابٌ كثيرة، فأي مكان خُرِقَت فيه أُغْلِقَت الأبواب الجانبيَّة، فمنعت تسرُّب الماء إليها، لذلك لم يعتنِ صانعوها بقوارب النجاة فيها، وفي أول رحلة لها من أوروبا إلى أمريكا، وعليها أثرياء العالَم، وحِلِيِّ النساء ببضعة عشرات الملايين ارتطمت بجبلٍ ثلجي فشطرها شطرين، ولم يستطع أحدٌ أن يُنجدها لأنهم ظنوا أن إشارات الاستغاثة هي أصوات الاحتفالات، فما أنجدها أحد، ومات معظم ركَّابها، قال بعض القساوسة: إنَّ غرق هذه الباخرة درس من السماء إلى الأرض.
كل شيءٍ وقع أراده الله، ما دام وقع فإن الله أراد وقوعه، لو دخل لص إلى بيتك، لا تقل: هكذا يريد الله، لا، يجب أن تقاومه، ليس معنى إذا سمح الله له بالدخول أن تبقى ساكتاً، وأن ترحِّب به، وأن تعطيه ما يريد، لا يجب أن تقاومه، أن تقبض عليه، أن تبلغ عنه الجهات المسؤولة، لكن اطمئن أن كل شيءٍ وقع فقد أراده الله وكل شيءٍ أراده الله لا بد واقع، وإرادة الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المُطلقة متعلِّقة بالخير المُطلق، إن أخذت بالأسباب لا تعتمد عليها بل اعتمد على الله
يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنَّها كل شيء، ويجب أن تعتمد على الله وحده وكأنها ليست بشيء، هكذا فعل النبيُّ في الهجرة، سيدنا عيسى جاء من دون أب فقد ألغى الله السبب، وكذلك العقيم فقد عطَّل الله السبب، زوجةٌ شابَّة وزوجٌ شاب لا يُنجبان، وامرأةٌ تنجب بلا زوج، فالسبب ملغي في حالة سيدنا عيسى، أما في حالة المرأة العقيم السبب معطَّل، هناك سبب ولكن ليس هناك إنجاب، وقد لا يكون هناك سبب لكن هناك إنجاباً، وهذا من أجل أن لا نؤلِّه الأسباب، فالله عزَّ وجل يخرق العادات، لماذا يخرقها ؟ ليلفتنا إليه، فالأمر بيده، إرادة الله طليقة لا يحدُّها شيء.
في دراستك، في عملك، في تجارتك، في سفرك اضبط المركبة وقل: توكَّلت على الله، أما أنك لم تراجعها ولم تفحصها منذ اثنتي عشرة سنة وتسير بسرعة مئة وعشرين، فيمكن أن يفلت الميزان، ويقضى على كل من فيها !! يقول لك: ترتيب الله وقضاؤه وقدره، لا، هذا جزاء التقصير، سمح الله بهذا ؛ ولكن هذا جزاء التقصير.
الابن مريض ويقـول لك: سلَّمته لله، هذا موقف غير إسلامي أبداً، هذا موقف فيه جهل، خذه إلى أحسن طبيب وأعطه العلاج، وبعدها قل: يا ربي سلَّمته لك، وادفع صدقة، ما أخَّر المسلمين إلا هذا الموقف موقف التواكل:
" من أنتم ؟ "، قـالوا: " نحن المتوكِّلون " كان سيدنا عمر صريحاً فقال لهم: "كذبتم، المتوكِّل من ألقى حبَّةً في الأرض ثمَّ توكَّل على الله ".
لم يدرس طيلة العام أما نجحت ؟ لا والله ما في نصيب أنجح هذه السنة، هذا الكلام لا معنى له، لا، أنت مقصِّر، بالتجارة، بالدراسة، بكل حركاتك، بصحَّتك، بعلاقاتك، خذ كل الأسباب وكأنَّها كل شيء، وتوكَّل على الله وكأنَّها ليست بشيء، هذا الموقف الكامل.
راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية
تعليق