إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقتطفات من كتاب تنببه ذوي الألباب السليمة عن الالفاظ المبتدعة الوخيمة لابن سحمان رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقتطفات من كتاب تنببه ذوي الألباب السليمة عن الالفاظ المبتدعة الوخيمة لابن سحمان رحمه الله

    مقتطفات من كتاب تنبيه ذوي الألباب السليمة هن الوقوع في الالفاظ المبتدعة الوخيمة

    تنبيه ذوي الألباب السليمة
    عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة
    لسليمان بن سحمان النجدي
    ► ويكي مصدر:إسلام ◄
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وبه نستعين

    من سليمان بن سحمان، إلى جناب عالي الجناب، الأخ المكرم الأخشم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، سلمه الله تعالى وهداه وحفظه وتولاه، وجعله من حزبه وأوليائه، الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه، آمين.

    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأزكى وأشرف تحياته.

    أما بعد، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو -وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير- على ما أولاه من نعمه وصرف عنا من نقمه. والخط الشريف وصل وصلك الله إلى خيري الدنيا والأخرى. وما ذكرته كان معلوما خصوصا ما ذكرته من جهة المرزوقي. فاعلم يا أخي أنه قد تبينت لنا حاله، فلا يروج علينا في الإخوان ما لفه وقاله، فلا يهمنك أمره. وقد اجتمعنا بك في البحرين ولم نسمع منك إلا ما يسرنا من حسن العقيدة ومحبة هذه الدعوة وأهلها والسعي في نشر ما ذكره وألفه شيخ الإسلام وقدوة العلماء الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، فلا نقبل بعد ذلك إلا ما تحققناه بأن لنا كالشمس في نحر الظهيرة. والقول السديد والكواكب الدرية وصلت إلينا، فلما قرأت ديباجة الكواكب الدرية ومر بسمعي قولك: وقد كنت قرأت في تراجم بعض الأفاضل من الحنابلة، كالشيخ العلامة حسن الشطي والشيخ الإمام محمد بن علي بن سلوم، لم تسمح نفسي بسماعها، بعد أن ذكرت هذين الرجلين، لأنه قد كان من المعلوم عندنا لما تحققناه من مشايخنا أن محمد بن علي بن سلوم ليس هو من أئمة أهل الإسلام ولا من الأفاضل الأعلام، بل كان ممن شرق بهذا الدين ولم يرفع به رأسا، بل عاداه وعادى أهله، واتبع غير سبيل المؤمنين. وكان من المعلوم أيضا عندنا أن آل الشطي من أئمة الضلال وممن يدعو إلى دعاء الأنبياء والأولياء والصالحين ويجيزون الاستغاثة بهم في المهمات والملمات؛ ومن هذا سبيله فليس هو من الأئمة الأعلام ولا من أفاضل أهل الإسلام، وإن كانوا من الحنابلة.

    ثم إني بعد برهة من الزمان أشرفت على ورقة اعترض صاحبها على أشياء مما في هذين الكتابين مما يخالف ما ذكره المحققون من أهل السنة والجماعة الذين هم الأسوة وبهم القدوة، وقد ذكرت لي أني إن عثرت على شيء مما يذكره المعارضون لها مما يخالف الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها أني أبين ذلك لك وأنك ترجع في ذلك إلى الحق والصواب مما قاله السلف الصالح رضوان الله عليهم وهذا هو الحق على من كان مقصوده طلب الحق والانصاف وترك التعصب والاعتساف. فلما تأملت ما في هذه الورقة وقابلتها بما في هذين الكتابين من الأشياء المخالفة لما عليه المحققون من السنة والجماعة أحببت أن أنبهك على ذلك.

    فمن ذلك ما ذكره الشارح على قوله: * ثم الصلاة والسلام سرمدا *
    قال: الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن غيرهم التضرع والدعاء بخير.
    وهذا خطأ؛ والصواب: ما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. وإذا كان هذا الصواب في المسألة فلا ينبغي للعالم أن يترك ما هو الراجح المقطوع به ويذكر القول المرجوح الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا ذكره المحققون من أهل العلم، وإن كانت هذه المسألة أخف مما بعدها. والله المستعان.

    ومنها ما ذكره في الكواكب في صفحة أربعة وعشرين قال في معنى الاستواء: "استواء منزهًا عن المماسة والتمكن والحلول"؛
    فاعلم أن هذا القول قول مبتدع مخترع لم يذكره أحد من أهل العلم من سلف هذه الأمة وأئمتها الذين لهم قدم صدق في العالمين. وقد تقرر أن مذهب السلف وأئمة الإسلام عدم الزيادة والمجاوزة لما في الكتاب والسنة وأنهم يقفون وينتهون حيث وقف الكتاب والسنة وحيث انتهيا.

    قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

    وذلك لعلمهم بالله وعظمته في صدورهم وشدة هيبتهم له وعظيم جلاله. ولفظ المماسة لفظ مخترع مبتدع لم يقله أحد ممن يقتدى به ويتبع؛ فإن أريد به نفي ما دلت عليه النصوص من الاستواء والعلو والارتفاع والفوقية فهو قول باطل ضال قائله، مخالف للكتاب والسنة ولإجماع سلف الأمة، مكابر للعقول الصحيحة والنصوص الصريحة، وهو جهمي لا ريب من جنس ما قبله؛ وإن لم يرد هذا المعنى بل أثبت العلو والفوقية والارتفاع الذي دل عليه لفظ الاستواء فيقال فيه: هو مبتدع ضال، قال في الصفات قولا مشتبها موهما؛ فهذا اللفظ لا يجوز نفيه ولا إثباته، والواجب في هذا الباب متابعة الكتاب والسنة والتعبير بالعبارات السلفية الإيمانية، وترك المتشابه. هذا ما ذكره شيخنا الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن في جوابه على بعض الجهمية.

    وأما قول الشارح في صفحة خمس وعشرين منه: "فمذهب السلف الصالح أن الله تعالى مستو على عرشه حقيقة من غير مماسة"؛
    فقوله من غير مماسة قول على السلف بلا علم ولا برهان كما قدمنا بيانه، اللهم إلا أن يكون من قول بعض من ينتسب إلى السلف من أهل الكلام الذين لا يعتد بقولهم ولا يعول عليه في هذا الباب، لأن هذا الفظ لم يرد في كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا قول أحد من الأئمة. زمن زعم هذا فعليه الدليل.


    الدليل على بطلان هذه الزيادة ما قاله الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون -وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم مالك بن أنس، وابن الماجشون وابن أبي ذئب- وقد سئل عما جحدت الجهمية: "أما بعد: فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير وإنما يقال "كيف" لمن لم يكن مرة ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يعد زمن لم يمت ولا يبلى، وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف، على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه، الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغرًا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله اعضل بك وأخفى عليك لما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم، وسيد السادة ربهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب نفسه بعجز عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف منها فما تكلفك على ما لم يصف؟ هل تستدل بذلك على شيء من طاعته أو تنزجر به عن شيء من معصيته، فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعمي عن البين بالخفي ويجحد ما سمى الرب بصمت الرب عن ما لم يسم منها" إلى آخر كلامه رحمه الله.

    والمقصود من ذلك قوله: "اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف" وقوله: "ويجحد ما سمى الرب من نفسه بصمت الرب عن ما لم يسم منها" والله سبحانه وتعالى لم يصف نفسه في كتابه ولا وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته بأنه استوى على العرش استواء منزها على المماسة والتمكن والحلول، وقد ذكرت بعد هذا ما ذكره الإمام ربيعة بن عبد الرحمن والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وإمام الأئمة محمد بن خزيمة رحمهم الله تعالى ولم يذكر أحد منهم هذا القول المخترع المبتدع؛ ولو كان هذا مذهب السلف لذكره أئمتهم المذكورون فعلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الصالح. والله أعلم.

    ومنه ما ذكره في الكواكب أيضا على قوله:

    وليس ربنا بجوهر ولا ** عرض ولا جسم تعالى ذو العلا
    فاعلم وفقني الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح أن لفظ الجوهر والعرض والجسم ألفاظ مبتدعة مخترعة لم يرد بنفيها ولا إثباتها كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا أحد من أئمة التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين الذين يعتد بقولهم في هذا الباب. فإذا تحققت ذلك فهذه الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها لا تُطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قُبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ونحو ذلك. فإذا تبين هذا فالواجب على من منحه الله العلم والمعرفة أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبته، وما نفاه الله ورسوله نفاه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصها من الألفاظ والمعاني. وأما كون شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وتلميذه ابن القيم مالا إلى أنه لا وجود للجوهر الفرد، فحق ولكن المقصود بذلك الرد على من أثبت الجوهر الفرد وأنه لا حقيقة لوجوده؛ ولا يلزم من ذلك إذا رده ونفاه أنه يرى أن إطلاق هذه الألفاظ على الله نفيا وإثباتا جائز؛ فقد ذكر رحمه الله في بعض أجوبته ما نصه: فإن ذكر لفظ الجسم في أسماء الله تعالى بدعة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولم يقل أحد منهم إن الله تعالى جسم ولا أن الله تعالى ليس بجسم ولا أن الله تعالى جوهر ولا أن الله تعالى ليس بجوهر. انتهى. وكما صرح بذلك فيما ذكرناه عنهما وفي بعض مواضع أخر خلافا لما ذكره الناظم وأقره الشارح.

    إذا تقرر هذا فلا بد من ذكر كلام أئمة أهل السنة على هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي أدخلها بعض المنتسبين إلى السنة من أهل الكلام وغيرهم في العقائد ونسبها بعضهم إلى مذهب السلف رضوان الله عليهم، وذلك مثل لفظ الجوهر والجسم والأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث وغيرها.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وكانت المعتزلة تقول: إن الله منزه عن الأعراض والأبعاض والحوادث والحدود؛ ومقصودهم نفي الصفات ونفي الأفعال ونفي مباينته للخلق وعلوه على العرش، وكانوا يعبرون عن مذهب أهل الإثبات أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب، فإنهم إذا قالوا: إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر العبارة ما ينكر، لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأمراض والأسقام، ولا ريب أن الله منزه عن ذلك، ولكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضا. وكذلك إذا قالوا: إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات، أوهموا الناس بأن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ومقصودهم به أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه، وأنه ليس فوق السموات رب، ولا على العرش إله، وأن محمدا لم يعرج إليه، ولم ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه بشيء، ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره، ونحو ذلك من معاني الجهمية. وإذا قالوا إنه ليس بجسم، أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات ولا مثل أبدان الخلق، وهذا معنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يرى ولا يتكلم بنفسه ولا تقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق، وأمثال ذلك. وإذا قالوا لا تحله الحوادث، أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلا للتغيرات والاستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك: أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان أو مجيء، وأن المخلوقات التي خلقها الله لم يكن منه عند خلقها فعل أصلا بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول وخلق ومخلوق، بل المخلوق عين الخلق والمفعول عين الفعل ونحو ذلك. [1] انتهى.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: ويقولون نحن ننزه الله تعالى عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث، فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها أنهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة، فلا يشك أنهم يمدحونه ويمجدونه ويعظمونه، ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيرى تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالى عما يستحقه من كماله، فتنزيههم عن الأعراض هو جحد صفاته كسمعه وبصره وحياته وعلمه وكلامه وإرادته، فإن هذه أعراض له عندهم لا تقوم إلا بجسم، فلو كان متصفا بها لكان جسما وكانت أعراضا له، وهو منزه عن الأعراض.

    وأما الأغراض فهي الغاية والحكمة التي لأجلها يخلق ويفعل ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب، وهي الغايات المحمودة المطلوبة من أمره ونهيه وفعله، فيسمونها أغراضا منه وعللا ينزهونه عنها.

    وأما الأبعاض فمرادهم بتنزيهه عنها أنه ليس له وجه ولا يدان ولا يمسك السموات على أصبع والأرض على إصبع والشجر على أصبع والماء على أصبع، [2] فإن ذلك كله أبعاض والله منزه عن الأبعاض.

    وأما الحدود والجهات فمرادهم بتنزيهه عنها أنه ليس فوق السموات رب، ولا على العرش إله، ولا بشار إليه بالأصابع إلى فوق كما أشار إليه أعلم الخلق به، [3] ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، إذ لو كان كذلك لزم إثبات الحدود والجهات وهو منزه عن ذلك.

    وأما حلول الحوادث فيريدون به أن لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيا، ولا يرضى بعد أن كان غضبانا، ولا يقوم به فعل البتة، ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدًا له فيقول له كن حقيقة، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا، ولا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم، ولا يقول للمصلي إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدني عبدي، فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث.

    إلى أن قال: واعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا، فيكون له الإثبات، ولا نفيا، فيكون له النفي؛ فمن أطلقه أو إثباتا سئل عما أراد، فإن قال: أردت الجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، فلا يقال للهواء جسم لغة، ولا للنار ولا للماء، فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله عقلا وسمعا. وإن أردتم به مركب من المادة والصورة، والمركب من الجوهر الفرد، فهذا منفي عن الله قطعا، والصواب نفيه عن الممكنات أيضًا، فليس جسم المخلوق مركبا من هذا ولا من هذا. وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ولا يتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب فهذه المعاني ثابتة لله تعالى وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما - إلى أن قال: وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه حسية، فقد أشار أعرف الخلق به بأصبعه رافعا بها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم، مستشهدا له لا للقبلة، وإن أردتم بالجسم ما يقال له: أين، فقد سأل أعلم الخلق به عنه بأين منبها على علوه على عرشه، وسمع السؤال باين وأجاب عنه، ولم يقل: هذا السؤال إنما يكون عن الجسم، وإنه ليس بجسم. وإن أردتم بالجسم ما يلحقه "من" و"إلى" فقد نزل جبريل من عنده وعرج برسوله إليه، وإليه يصعد الكلام الطيب، وعبده المسيح رفع إليه. وإن أردتم بالجسم ما يتميز منه أمر غير أمر، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال جميعها من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة، وهذه صفات متميزة متغايرة، ومن قال إنها صفة واحدة، فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء، وقد قال أعلم الخلق به: "أعوذ برضاك من سخطك" الحديث. - قال: وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم به منه باعتبارين مختلفين، فإن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوف واحد ورب واحد، فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف بهما منه- وإن أردتم بالجسم ما له وجه ويدان وسمع وبصر، فنحن نؤمن بوجه ربنا الأعلى وبيديه وبسمعه وبصره وغير ذلك من صفاته التي أطلقها على نفسه. وإن أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ومستويا على غيره فهو سبحانه فوق عباده مستو على عرشه.

    وكذلك إن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني التي دل عليها الوحي والعقل فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطأ في اللفظ والمعنى وجناية على ألفاظ الوحي. أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك جسما مركبا مؤلفا مشبها بغيره وتسميتكم هذه الصفات تركيبا وتجسيما وتشبيها، فكذبتم على القرآن وعلى الرسول وعلى اللغة، ووضعتم لصفاته ألفاظا منكم بدأت وإليكم تعود، وأما خطأكم في المعنى فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر.

    إلى أن قال: وكذلك إذا قال الفرعوني [4] لو كان على السموات رب أو على العرش إله لكان مركبا، قيل له: لفظ المركب في اللغة هو الذي ركبه غيره في محله، كقوله تعالى {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} وقولهم ركبت الخشبة والباب وما يركب من أخلاط أجزاء بحيث كانت أجزاؤه مفرقة فاجتمعت وركبت حتى صار شيئا واحدا، كقولهم ركبت الدواء من كذا وكذا؛ وإن أردتم بقولكم لو كان فوق العرش كان مركبا هذا التركيب المعهود وأنه كان متفرقا فاجتمع فهو كذب وفرية وبهت على الله وعلى الشرع وعلى العقل؛ وإن أردتم أنه لو كان فوق العرش لكان عاليا على خلقه بائنا منهم مستويا على عرشه ليس فوقه شيء فهذا المعنى حق، فكأنك قلت: لو كان فوق العرش لكان فوق لعرش فنفيت الشيء بتغيير العبارة وقبلها إلى عبارة وأخرى، وهذا شانكم في أكثر مطالبكم. وإن أردتم بقولكم كان مركبا أنه يتميز منه شيء عن شيء فقد وصفته أنت بصفات يتميز بعضها من بعض فهل كان عندك هذا تركيبا؟ [ فإن قلت هذا لا يقال لي وإنما يقال لمن أثبت شيئا من الصفات وأما أنا ] فلا أثبت له صفة واحدة فرار من التركيب؛ قيل لك: العقل لم يدل على نفي المعنى الذي سميته أنت مركبا، وقد دل الوحي والعقل والفطرة على ثبوته، أتننفيه بمجرد تسميتك الباطلة؟ فإن التركيب يطلق ويراد به خمسة معان:

    تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يجعل وجودها زائدا على ماهيتها، فإذا نفيت هذا جعلته وجودا مطلقا إنما هو في الأذهان لا وجود له في الأعيان.

    الثاني: تركيب الماهية من الذات والصفات، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتا مجردة عن كل وصف لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يقدر ولا يريد ولا حياة له ولا مشيئة ولا صفة أصلا، فكل ذات في المخلوقات [ أكمل ] من هذه الذات، فاستفدت بهذه التركيب كفرك بالله وجحدك لذاته ولصفاته وأفعاله.

    الثالث: تركيب الماهية الجسمية من الهيولى والصورة كما يقوله الفلاسفة.

    الرابع: التركيب من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام.

    الخامس: تركيب الماهية من أجزاء كانت متفرقة فاجتمعت وتركبت.

    فإن أردت بقولك لو كان فوق العرش لكان مركبا كما يدعيه الفلاسفة والمتكلمون قيل لك: جمهور العقلاء عندهم أن الأجسام المحدثة المخلوقة ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، فلو كان فوق العرش جسم مخلوق ومحدث لم يلزم أن يكون مركبا بهذا الاعتبار، فكيف ذلك في حق خالق الفرد والمركب الذي يجمع المتفرق ويفرق المجتمع ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاء؟ والعقل إنما دل على إثبات إله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له لم يلد ولم يولد، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة له ولا وجه ولا يدين، ولا هو فوق خلقه ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء؛ فدعوى ذلك على العقل كذب صريح عليه كما هي كذب صريح على الوحي. وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى؛ ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعنى. وإن أردتم بالجهة أمرا يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه فنفيكم بهذا المعنى باطل وتسميته جهة وقلتم منزه عن الجهات وسميتم العرش حيزًا وقلتم ليس بمتحيز وسميتم الصفات أعراضًا وقلتم الرب منزه عن الأعراض، وسميتم كلامه بمشيئة ونزوله إلى سماء الدنيا ومجيئة يوم القيامة لفصل القضاء بمشيئته وإرادته المقارنة لمرادها وإدراكه المقارن لوجود المدرك وغضبه إذا عصي ورضاه إذا أطيع وفرحه إذا تاب إليه العباد، ونداءه لموسى حين أتى الشجرة، ونداءه للأبوين حين أكلا من الشجرة، ونداءه لعباده يوم القيامة، ومحبته لمن كان يبغضه حال كفره ثم صار يحبه بعد إيمانه، وربوبيته التي هو كل يوم هو في شأن حوادثَ، وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث؛ وحقيقة هذا التنزيه أنه متنزه عن الوجود وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالا لما يريد بل عن الحياة والقيومية.

    فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النفاة بقولهم ليس بجسم ولا جوهر ولا مركب ولا تقوم به الأعراض ولا يوصف بالأبعاض ولا يفعل بالأغراض ولا تحله الحوادث ولا تحيط به الجهات ولا يقال في حقه أين وليس بمتحيز؛ كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وتكليمه لخلقه ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته هذه الألفاظ ثم توسلوا إلى نفيها بواسطتها وكفروا وضللوا من أثبتها واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى؛ فالله الموعد وإليه التحاكم وبين يديه التخاصم.

    نحن وإياهم نموت ولا ** أفلح يوم الحساب من ندما

    انتهى.

    وقال شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته إلى عبد الله بن سحيم، وقد طلب منه أن يذكر له شيئا من معنى كتاب الموليس، فقال رحمه الله في الجواب بعد كلام له: وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم الأول علم الأسماء والصفات الذي يسمى علم أصول الدين ويسمى أيضا العقائد. والثاني الكلام على التوحيد والشرك. والثالث الاقتداء بأهل العلم واتباع الأدلة وترك ذلك.

    أما الأول فإنه أنكر على أهل الوشم إنكارهم على من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، وهذا الإنكار جمع اثنتين، إحداهما: أنه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه. الثانية أنه لم يفهم صورة المسألة؛ وذلك أن مذهب الإمام أحمد وغيره من السلف أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما تكلم به الله ورسوله فما أثبته الله لنفسه وأثبته رسوله أثبتوه، مثل الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير ذلك. وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم نفوه، مثل المثل والند والسمي وغير ذلك. وأما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ولا نفيه مثل الجوهر والعرض والجهة وغير ذلك لا يثبتونه، فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عبدان وصاحبه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته مثل هشام بن الحكم وغيره فهو عندهم مبتدع؛ والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - إلى أن قال: وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة:

    قال الشيخ تقي الدين بعد كلام له على من قال إنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ككلام صاحب الخطبة، قال رحمه الله تعالى: فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها، كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك من الألفاظ، ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين وقال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع. والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره إذا ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز لم يوافقوهم لا على إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي. انتهى كلام الشيخ تقي الدين.

    إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عبدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا هو عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة، ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك وأن الله جسم وكذا وكذا تعالى الله عن ذلك. وظن أيضا أن عقيدة أهل السنة هي نفي أنه لا جسم ولا جوهر ولا كذا وكذا. وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت؛ من أثبت بدّعوه، ومن نفى بدعوه. فالذي يقول ليس بجسم ولا ولا هم الجهمية والمعتزلة. والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه. والسلف بريئون من الجميع؛ من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه. فالمويس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات، وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف، وظهر أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام وأتباعه، ولكن العجب من ذلك استدلاله على فهمه بكلام أحمد المتقدم.

    ومن كلام أبي الوفاء بن عقيل قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا وما عرفا الجوهر والعرض، فإن رأيت أن طريقة أبي علي الجبائي أو أبي هشام خير لك من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأبت. انتهى.

    وصاحبكم يدعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر والعرض؛ فمن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده على مذهب هشام الرافضي. فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجوهر أخذه من مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عبدان وصاحبه أنكر ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع. انتهى.

    فتأمل رحمك الله ما تحت إطلاق هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي خالف من وضعها سلف الأمة وأئمتها واغتر بها من حسن ظنه بهؤلاء الذين قلدوا من ابتدعها من المتكلمين، الذين ليس لهم قدم صدق في العالمين، حيث أرادوا بها التنزيه، ووقعوا في التعطيل والتشبيه، فساروا على مناهجهم من غير دليل ولا برهان من الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الأئمة. فالله المستعان.

    وتأمل ما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حيث قال: فمن نفاه -مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه- فهو عند أحمد والسلف مبتدع والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - إلى أن قال: وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت؛ من أثبت بدّعوه، ومن نفى بدّعوه. فالذي يقول ليس بجسم ولا ولا هم الجهمية والمعتزلة، والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه. والسلف بريئون من الجميع؛ من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى

    منها ما ذكره الناظم بقوله:

    وإن ما جاء مع جبريل ** من محكم القرآن والتنزيل
    كلامه سبحانه قديم ** أعيا الورى بالنص يا عليم
    فقوله: * كلامه سبحانه قديم * هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها. والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع أن كلام الله سبحانه وتعالى حادث الآحاد.....اي متجدد الاحاد،،،،،،،،،،،،،،قديم النوع، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، وأن الله تعالى متصف بالأفعال الاختيارية القائمة به، فهو سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء ويتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد، وهو الفعال لما يريد {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وأهل البدع المخالفون للسلف ينفون ذلك ويسمون هذه الأفعال الاختيارية القائمة به سبحانه وتعالى حلولَ الحوادث والله لا يكون محلا للحوادث؛ ويريدون بهذا أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا ولا يرضى بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدا له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا ولا يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا ولا يقول للمصلي إذا قال {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدني عبدي. فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث كما تقدم بيان هذا وإيضاحه في كلام ابن القيم رحمه الله. وقال في الكافية الشافية لما ذكر أقوال أهل البدع المخالفين لأهل السنة:

    والآخرون أولو الحديث كأحمد ** ذاك ابن حنبل الرضي الشيباني

    قد قال إن الله حقا لم يزل ** متكلما إن شاء ذو إحسان

    جعل الكلام صفات فعل قائم ** بالذات لم يفقد من الرحمن

    وكذاك نص على دوام الفعل بالإ ** حسان أيضا في مكان ثان

    وكذا ابن عباس فراجع قوله ** لما أجاب مسائل القرآن

    وكذاك جعفر الإمام الصادق الـ ** مقبول عند الخلق ذو العرفان

    قد قال لم يزل المهيمن محسنا ** برا جوادا عند كل أوان

    إلى آخر كلامه فإنه قد أجاد فيه وأفاد فراجعه فيها.

    وأما ما ذكره في القول السديد في الأبيات التي نسبها لشيخ الإسلام قدس الله روحه إن صح النقل بذلك عنه حيث قال:

    وأقول في القرآن ما جاءت به ** آياته فهو القديم المنزل؛
    فهذا القول إن صح لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لأهل الكلام من المبتدعة وغيرهم. والله أعلم.


    ما ذكره الشارح في الكواكب في صفحة ثلاثة عشر:

    فكل ما جاء من الآيات ** أو صح في الأخبار عن ثقات
    من الأحاديث نمره كما ** قد جاء فاسمع من نظامي واعلما
    قوله: فكل ما جاء أي عن الله تعالى من الآيات القرآنية أو صح مجيئه في الأخبار بالأسانيد الصحيحة بخلاف الضعيفة فإن وجودها كعدمها، فلا بد من أن تكون الأخبار عن رواة ثقات في النقل من الأحاديث والآثار فما يوهم تشبيها فهو من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله نؤمن به وبأنه من عند الله ونمره كما قد جاء عنه تعالى أو عن رسوله. فمذهب السلف عدم الخوض في هذا والسكوت عنه ونفوض علمه إلى الله. قال ابن عباس: هذا من المكتوم الذي لا يفسر، وكذا قال غيره من الصحابة والتابعين. وأما أهل التأويل فأبوا إلا أن يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الأمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك كل بدعة ضلالة. انتهى.
    فأقول: اعلم وفقك الله أن هذا الكلام الذي أوردته في هذا المقام لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه ونسبته إلى مذهب أهل السنة والجماعة من السلف رضوان الله تعالى عليهم، بل فيه ما هو حق من كلام السلف وفيه ما هو من بعض أقوال المتكلمين الذين ينتسبون إلى أهل السنة ممن كثر في باب أسماء الله وصفاته اضطرابهم وكثف عن معرفته حجابهم، فإن السلف رضوان الله عليهم لا يدخلون أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله؛ نعم فيه ما ذكر عن السلف أنهم يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت وسيأتي بيان معنى ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في الرسالة المسماة بالإكليل في المتشابه والتأويل:

    فصل
    وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم فإنهم وإن أصابوا كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام على هذا من وجهين: الأول من قال إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه، فنقول: أما الدليل على ذلك فأني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة -لا أحمد بن حنبل ولا غيره- أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في في هذه الآية ونفى أحد أن يعلم معناه [7] وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم ولا قالوا إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه؛ وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات تمر كما جاءت ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه. ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منه للبعض ما دلت عليه كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك. وأحمد قد قال في غير أحاديث الصفات تمر كما جاءت في أحاديث الوعيد مثل قوله: "من غشنا فليس منا" وأحاديث فضائل؛ ومقصوده أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه ويسمى تحريفه تأويلا بالعرف المتأخر، فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل. وكذلك نص أحمد في كتاب الرد على الزنادقة والجهمية أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن، وتكلم أحمد على ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية وجرى في ذلك على سنن الأئمة قبله. فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأن لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو الحاد في أسماء الله وآياته. انتهى.

    فتأمل ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال: فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأن لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسماء الله وآياته. ثم تأمل ما ذكر الشارح بقوله: "فمذهب السلف عدم الخوض في هذا والسكوت عنه" فإنه يخالف ما ذكره شيخ الإسلام عن اتفاق الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأن لا يسكت عن بيانه في تفسيره، فتبين أن هذا ليس هو مذهب السلف وأنه من القول عليهم بلا علم ولا برهان. يدل على ذلك..

    ثم قال شيخ الإسلام: ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب أن أهل السنة متفقون على إبطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المحرفين الملحدين، والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره، فلو قيل: إن هذا هو التأويل المذكور في الآية وأنه لا يعلمه إلا الله وليس هذا مذهب السلف والأئمة وإنما مذهبهم نقي هذه التأويلات وردها لا التوقف عنها، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها. - وذكر كلاما طويلا أجاد فيه وأفاد وبلغ غاية المراد، فمن أراد الوقوف عليه فهو في الرسالة المسماة بالإكليل في المتشابه والتأويل، وإنما لم نذكره خوف الإطالة إذ المقصود التنبيه على هذه الورطات.

    وأما قول الشارح: "فمذهب السلف عدم الخوض هذا والسكوت عنه وتفويض علمه إلى الله"؛
    فاعلم يا أخي أن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في العقل والنقل أقوال أهل التفويض، فنذكر من ذلك ما يدل على بطلانه وأنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.

    قال شيخ الإسلام قدس الله روحه في صفحة خمسة عشر ومائة في الوجه السادس عشر: وأما التفويض فمن المعلوم أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟ - فذكر أقوال الفلاسفة ثم قال: والجهمية والمعتزله وأمثالهم يقولون إنه أراد أن يعتقدوا الحق على ما هو عليه مع علمهم بأنه لم يبين ذلك في الكتاب والسنة، بل النصوص تدل على نقيض ذلك، فأولئك يقولون أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به، وهؤلاء يقولون أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا على نقيضه؛ والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل. ولابد للنفاة أهل التأويل من هذا أو هذا، وإذا كان كلاهما باطلا كان تأويل النفاة للنصوص باطلا فيكون نقيضه حقا وهو إقرار الأدلة الشرعية على مدلولاتها. ومن خرج عن ذلك لزمه [ من ] الفساد ما لا يقوله [ إلا ] أهل الإلحاد. وما ذكرناه من لوازم قول أهل التفويض هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم إذ قالوا إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة ولكن لم يبين للناس مراده بها ولا أوضحه إيضاحا يقطع به النزاع. وأما على قول أكابرهم إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله، وإن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهر - فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه بل بقولون كلاما لا يعقلون معناه، وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة والنصوص المثبتة للأمر والنهي والوعد والوعيد عند طائفة، والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة. ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتبدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته أو عن كونه خالقا لكل شيء وهو بكل شيء عليم أو عن كونه أمر ونهى ووعد وتوعد أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين؛ وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي وليس في النصوص ما ينافي ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة ولا يعلم أحد معناها وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سدًا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء وفتحا لباب من يعارضهم ويقول إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلا عن أن يبينوا مرادهم. فتبين أن قول أهل التقويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. آخر إلى كلامه رحمه الله.

    وأما قول الشارح: قال ابن عباس: هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكذا قال غيره من الصحابة والتابعين، وأما أهل التأويل فأبوا إلا أن يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الأمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك وكل بدعة ضلالة. انتهى؛
    فاعلم يا أخي أن هذا القول الذي نسبة الشارح إلى ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة -إن كان صحيحا ثابتا- فليس معناه ما توهمه الشارح من أن نصوص الكتاب والسنة الواردة في أسماء الله وصفاته أن [8] مما يوهم تشبيها فيكون من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وأنه مما لا يعقل معناها [9] وأنها لا تفسر. وقد تقدم بيان ذلك في معنى التفويض. ونزيد ذلك إيضاحا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في هذا الكتاب حيث قال: وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر عنها، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره. ولهذا قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. وكذلك قال ابن الماجشون وأحمد بن حنبل وغيرهما من السلف يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله عن نفسه وإن علمنا تفسيره ومعناه. ولهذا رد أحمد بن حنبل على الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، فرد على من حمله على غير ما أريد به، وفسر هو جميع الآيات المتشابهة وبين المراد به. وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القرآن وكانوا يقولون إن العلماء يعلمون تفسيره وما أريد به وإن لم يعلموا كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وكذلك لا يعلمون كيفيات الغيب فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم ما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر، فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى فهذا حق. وأما من قال إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه إلا الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآن كله، وقالوا إنهم يعلمون معناه، كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عنها. وقال ابن مسعود: ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت. وقال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها. ولهذا كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين، كما قال مسروق: ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه. وقال الشعبي: ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها. وأمثال ذلك من الآثار الكثيرة المذكورة بالأسانيد الثابتة مما ليس هذا موضع بسطه. انتهى

    فهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من علم الكيفية عما أخبر الله به عن نفسه، وكذلك لا يعلمون كيفيات الغيب فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم مما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر، فذاك الذي أخبر الله به لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى، فهذا الذي ذكره شيخ الإسلام هو الذي يحمل عليه قول ابن عباس وغيره من الصحابة إن كان النقل بذلك ثابتا عنهم. وقد تقدم أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله عن نفسه وإن علمنا تفسيره ومعناه؛ فكان من المعلوم أن ابن عباس وغيره من الصحابة وأئمة السلف كانوا يفسرون ما تشابه من القرآن يعلمون معني ذلك ولم يسكتوا عن بيان ذلك.

    وأما قول الشيخ: وأما أهل التأويل فأبوا إلا أن يفسروا ويؤولوا حتى خالفوا سلف الأمة وأئمتها وابتدعوا في ذلك وكل بدعة ضلالة. انتهى؛
    فاعلم يا أخي أن التأويل المردود الذي سلكه الجهمية ومن تبعهم من المتكلمين هو صرف الكلام عن ظاهره، فلو قيل: إن هذا هو التأويل المذكور في الآية وإنه لا يعلمه إلا الله لكان في هذا تسليم للجهمية أن للآية تأويلا يخالف دلالتها، لكن ذلك لا يعلمه إلا الله، وليس هذا مذهب السلف والأئمة وإنما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها لا التوقف عنها. وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها. فكان من المعلوم أن السلف الذي قالوا لا يعلم تأويله إلا الله كانوا يتكلمون بلغتهم المعروفة بينهم، ولم يكن لفظ التأويل عندهم يراد به معنى التأويل الاصطلاحي الخاص وهو صرف اللفظ عن المعنى المدلول عليه المفهوم منه إلى معنى يخالف ذلك فان تسمية هذا المعنى وحده تأويلا إنما هو اصطلاح طائفة من المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم، ليس هو عرف السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، والله اعلم. إذا تبين لك هذا فاعلم أن مراد من قال من السلف رضي لله عنهم إنه لا يفسر يعنون أنه لايؤول ويحرف فيصرف عن ظاهره إلى ما لا يدل عليه ظاهره كما أولوا الاستواء وفسروه بأنه الاستيلاء وكما فسروا اليد بالنعمة، وهذا هو الذي نهى السلف عن تفسيره وتأويله بهذا المعنى. والله أعلم.









    فصل
    ومنها ما ذكره الشارح في صفحة خمس وثلاثين على قول الناظم:

    وجاز للمولى يعذب الورى ** من غير ما ذنب ولا جرم جرى
    إلى آخره.

    قال الشارح: وجاز للمولى جل جلاله -وهو رب العالمين- يعذب الورى أي الخلق من غير ذنب أي إثم ولا جرم، هو بمعنى ما قبله، وعطفه عليه لزيادة البيان، جرى من العدم. إلى قوله: حتى إثابة العاصي وعقوبة المطيع إلى قوله: لأنه تعالى لو عذبهم لعذبهم بعدله الخالص من شائبة الظلم لأنه تعالى تصرف في ملكه، والعدل وضع الشيء في محله من غير اعتراض على الفاعل عكس الظلم. إلى آخر كلامه.
    فأقول: اعلم وفقك الله أن هذا الكلام الذي قاله الناظم والشارح يخالف ما قاله المحققون من أهل العلم، بل هو من كلام أهل البدع الذين قابلوا باطلا بباطل المخالفين لأئمة السلف رضوان الله تعالى عليهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه بعد كلام له سبق: وهذه النصوص النافية للظلم تثبت العدل في الجزاء وأنه لا يبخس عاملا عمله، وكذلك قوله فيمن عاقبهم: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْء} وقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} بين أن عقاب المجرمين عدلا لذنوبهم لا لأنا ظلمناهم فعاقبهم بغير ذنب. والحديث الذي في السنن: "لو عذب الله أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم". [14] يبين أن العذاب لو وقع لكان لاستحقاقهم ذلك لا لكونه بغير ذنب. وهذا يبين أن من الظلم المنفي عقوبة من لم يذنب. وكذلك قوله: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلما بل لاستحقاقهم ذلك، وأن الله لا يريد الظلم. والأمر الذي لا يمكن القدرة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته، وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادرًا عليها، فعُلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله، وبذلك يصح قوله: "إني حرمت الظلم على نفسي". [15] وإن التحريم هو المنع. وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته، فلا يصلح أن يقال حرمت على نفسي أو منعت نفسي من خلق مثلي أو جعل المخلوقات خالقة ونحو ذلك من المحالات، وأكثر ما يقال في تأويل ذلك ما يكون معناه أني أخبرت عن نفسي بأن ما لا يكون مقدورا لا يكون مني، وهذا المعنى مما يتيقن المؤمن أنه ليس مراد الرب وأنه يحب تنزيه الله ورسوله عن إرادة مثل هذا المعنى الذي لا يليق الخطاب بمثله، إذ هو مع كونه شبه التكرير وإيضاح الواضح ليس فيه مدح ولا ثناء ولا ما يستفيده المستمع، فعلم أن الذي حرمه على نفسه هو أمر مقدور عليه لكنه لا يفعله لأنه حرمه على نفسه وهو سبحانه منزه عن فعله مقدس عنه. يبين [ ذلك ] أن ما قاله الناس في حدود الظلم يتناول هذا دون ذلك، كقول بعضهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كقولهم: من أشبه أباه فما ظلم، أي فما وضع الشبه غير موضعه. ومعلوم أن الله سبحانه حكم عدل لا يضع الأشياء إلا مواضعها، ووضعها غير مواضعها ليس ممتنعا لذاته بل هو ممكن، لكنه لا يفعله لأنه لا يريده، بل يكرهه ويبغضه إذ قد حرمه على نفسه. وكذلك من قال: الظلم إضرار غير مستحق، فإن الله لا يعاقب أحدًا بغير حق. وكذلك من قال: هو نقص الحق، وذكر أن أصله النقص كقوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئا}. وأما من قال: هو التصرف في ملك الغير؛ فهذا ليس بمطرد ولا منعكس، فقد يتصرف الإنسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالما، وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالما. وظلم العبد نفسه كثير في القرآن. وكذلك من قال: فعل المأمور خلاف ما أمر به، ونحو ذلك. أتسلم صحة هذا الكلام؟ فالله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم، فهو لا يفعل خلاف ما كتب ولا يفعل ما حرم. وليس هذا الجواب موضع بسط هذه الأمور التي نبهنا عليها فيه، وإنما نشير إلى النكت. وبهذا يتبين القول المتوسط وهو أن الظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل أن يترك حسنات المحسن فلا يجزيه بها، ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات، ويعاقب هذا بذنب غيره، أو يحكم بين الناس بغير القسط ونحو ذلك من الأفعال التي ينزه الرب عنها لقسطه وعدله وهو قادر عليها، وإنما استحق الحمد والثناء لأنه ترك هذا الظلم وهو قادر عليه. وكما أن الله منزه عن صفات النقص والعيب، فهو أيضا منزه عن أفعال النقص والعيب. وعلى قول الفريق الثاني ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلا، والكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها يدل على خلاف ذلك. [16]

    إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، فمن أراد الوقوف عليه فهو في الجلد الأول من الفتاوى في صفحة اثنتين وأربعين وثلاث مائة.

    إذا تحققت هذا وتبين لك من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا من عباده بغير ذنب، لأنه نزه نفسه عن ذلك فلا يريده بل يكرهه ويبغضه، لأنه حرمه على نفسه وإن كان قادرً عليه؛ فتبين بهذا خطأ الناظم والشارح حيث توهما أن ذلك جائز بغير ذنب ولا جرم استحق به العقاب والعذاب، فإن هذا هو حقيقة قول الفريق الثاني الذين قابلوا باطلا بباطل حيث قالوا: ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلا.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل في مناظرة جرت بين سني وجبري: قال السني في جواب الجبري: وصرحت بأنه يجوز عليه أن يعذب أشد العذاب لمن لم يعصه طرفة عين، فإن حكمته ورحمته لا تمنع ذلك بل هو جائز عليه ولولا خبره عن نفسه بأنه لا يفعل ذلك لم تنزهه عنه. وقلت إن تكليفه عباده بما كلفهم به بمنزلة تكليف الأعمى للكتابة، والزمن للطيران، فبغضت الرب إلى من دعوته إلى هذا الاعتقاد ونفرته عنه، وزعمت أنك [ تقرر ] بذلك توحيده، وقد قلعت شجرة التوحيد من أصلها. وأما منافاة الجبر للشرائع فأمر ظاهر لا خفاء به، فإن مبنى الشرائع على الأمر والنهي؛ وأمر الآمر لغيره بفعل نفسه لا بفعل المأمور ونهيه عن فعله لا فعل المنهي عبث ظاهر، فإن متعلق الأمر والنهي فعل العبد وطاعته ومعصيته، فمن لا فعل له كيف يتصور أن يوقعه بطاعة أومعصيته، وإذا ارتفعت حقيقة الطاعة والمعصية ارتفعت حقيقة الثواب والعقاب وكان ما يفعله الله بعباده يوم القيامة من النعيم والعذاب أحكاما جارية عليهم لمحض المشيئة والقدرة لا أنها بأسباب طاعتهم ومعاصيهم. بل هاهنا أمر آخر وهو أن الجبر مناف للخلق كما هو مناف للأمر، فإن الله سبحانه له الخلق والأمر، وما قامت السموات إلا بعدله فالخلق قام بعدله، وبعدله ظهر، كما أن الأمر بعدله، وبعدله وجد. فالعدل سبب وجود الخلق والأمر وغايته فهو علية الفاعلية الغائية، والجبر لا يجامع العدل ولا يجامع الشرع والتوحيد. [17] انتهى.

    والمقصود من هذا أنه نفى تجويز عذاب الله عباده على ما لم يفعلوه من الذنوب والجرائم وقد نزه الله نفسه عن ذلك لأنه لا يريده بل يكرهه ويبغضه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

    وقال أيضا رحمه الله في عدة الصابرين على قوله سبحانه {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}: كيف يجد في ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم كما يأبى إضاعة سعيهم باطلا فالشكور لا يضيع أجر محسن ولا يعذب غير مسيء، وفي هذا رد لقول من زعم أنه يكلف عبده ما لا يطيقه ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته -تعالى الله عن هذا الظن الكاذب، والحسبان الباطل علوا كبيرا- فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله، وذلك من لوازم هذه الصفة، فهو منزه عن خلاف ذلك كما تنزه عن سائر العيوب والنقائص التي تنافي كماله وغناه وحمده. انتهى.

    وأما قول الشارح: "واستدل بقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}"؛
    فأقول: هذه الآية لا تدل على ما توهمه الشارح من أنه جائز لله أن يعذب عباده من غير ما ذنب ولا جرم استحقوا به، بل الآية تدل على خلافه كما تقدم بيانه مبينا مفصلا.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين على هذه الآية في صفحة مائتين وإحدى عشر: وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام، أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم، وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك؛ فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك، فلولا أنهم عبيد سوء من أنجس العبيد وأعتاهم على سيدهم وأعصاهم له لم يعذبهم، لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته له، فلماذا يعذب أرحم الراحمين وأجود الأجودين وأعظم المحسنين إحسانا عبيدَه لولا فرط عتوهم وإبائهم عن طاعته وكمال استحقاقهم للعذاب؟ وقد تقدم قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم، فإذا عذبتهم عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه؛ فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة كما تظنه القدرية؛ وإنما هو إفراد واعتراف وثناء عليه بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

    فصل
    ومنها ما ذكره في القول السديد على قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}، فقال: "ومعنى الإيمان بالله أن تعتقد أنه هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه ومعنى الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله" إلى آخر كلامه؛
    فأقول: اعلم وفقك الله أنه لا يكفي في الإيمان بالله مجرد الاعتقاد بالقلب فقط، فإن هذا هو مذهب الجهمية ومن تبعهم من أهل الكلام، بل لا بد مع ذلك من نطق اللسان واعتقاد الجنان والعمل بالأركان. فإن اعتقاد القلب وحده لا يكفي في النجاة، بل هو مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة وأئمة الحديث وغيرهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتاب الإيمان: ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وكل هذا صحيح. فإذا قالوا: قول وعمل، فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعا، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ونحو ذلك - إلى أن قال: والمقصود هنا: أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، ومن أراد أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال قول وعمل ونية، قال القول يتناول ذلك، ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، وإنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط، فقالوا بل هو قول وعمل، والذين جعلوه أربعة فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قول وعمل ونية بلا اتباع سنة فهو بدعة. [18]

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة: وههنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نية وإخلاص، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله؛ وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة. [19] إلى آخر كلامه رحمه الله. إذًا المقصود بهذا، التنبيه. فمن أراد الكلام بتمامه فليراجعه هناك.

    وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كشف الشبهات ما ذكره بقوله: ولنختم الكلام إن شاء الله بمسألة عظيمة مهمة جدا - فذكر كلاما ثم قال: فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل؛ فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما؛ فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما. - إلى أن قال: فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرًا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص - إلى آخر كلامه.

    وكذلك الكفر بالطاغوت لا يكفي في ذلك مجرد اعتقاد القلب فقط كما قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}، قال في المسائل في معنى الطاغوت: الرابعة: وهي من أهمها: ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت؟ هل هو اعتقاد القلب أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟ [20] انتهى.

    فإذا تبين لك هذا فاعلم أن اعتقاد بطلان عبادة غير الله لا يكفي في النجاة وحده، بل لا بد مع ذلك من تكفيرهم والبراء منهم ومن دينهم والتصريح لهم بذلك وإظهار العداوة والبغضاء لهم، كما قال شيخنا عبد الرحمن بن حسن على ما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بقوله: أصل الإسلام وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه؛ الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتلفظ في ذلك والمعادة فيه وتكفير من فعله. - فذكر كلاما طويلا ثم قال رحمه الله تعالى: وقد وسم أهل الشرك بالكفر فيما لا يحصى من الآيات، فلا بد من تكفيرهم، وأيضا هذا هو مقتضى لا إله إلا الله كلمة الإخلاص، فلا يتم معناها إلا بتكفير من جعل لله شريكا في عبادته كما في الحديث الصحيح: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله". [21] فقوله: "وكفر بما يعبد من دون الله" تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله. فهذه الأمور هي تمام التوحيد، لأن "لا إله إلا الله" قيدت في الأحاديث بقيود ثقال: بالعلم والإخلاص والصدق واليقين وعدم الشك، فلا يكون المرء موحدا إلا باجتماع هذا كله واعتقاده وقبوله ومحبته والمعاداة فيه والموالاة. انتهى.

    ثم إني بعد ما حررت هذه الكلمات وقفت على ما ذكره في القول السديد أن أركان الإيمان ثلاثة، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان؛

    فقلت من التعجب ليت شعري ** أأيقاظ أمية أم نيام

    فإذا كان هذا هو الحق وتعتقد أنها أركان الإيمان فكيف ساغ لك أن تذكر أن معنى الإيمان بالله أن تعتقد أنه هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه. وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كشف الشبهات أنه لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما. وأنت لم تذكر في معنى الإيمان بالله في هذا الموضع إلا ركنا واحدا وهو الاعتقاد فقط، وقد علمت أنه لا بد من الركنين الآخرين لأنه لا يكون الرجل مسلما إلا بالقيام بهذه الأركان الثلاثة. وقد تقدم أن مذهب الجهمية هو التصديق فقط، وتقدم أقوال أئمة السلف في معنى الإيمان، فلا بد من المصير إلى ما ذكروه وقرروه، وكذلك ما ذكرته في معنى الطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وقد كان من المعلوم أنه لا بد مع ذلك من تكفير من فعل الشرك والبراءة منه والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، فتأمل ذلك. والله الموفق للصواب.

    ومنها ما ذكره في الكواكب في صفحة العشرين حيث قال في البصر: "ولا على سبيل تأثر حاسة"؛
    فأقول: اعلم أن هذه اللفظة من جملة الألفاظ المخترعة المبتدعة التي لم ينطق بها السلف رضوان الله عليهم لا نفيا ولا إثباتا، فاعلم ذلك.

    وكذلك ما ذكره الشارح بقوله في السمع والبصر: إنهما صفتان زائدتان على الذات؛ وهذا القول الذي ذكره الشارح من أقوال أهل البدع كالأشاعرة وغيرهم، وكما ذكره شيخ الإسلام عن ابن رشد وغيره. وإذا كان من المعلوم بالاضطرار أن السمع والبصر من الصفات اللازمة القائمة بذات الرب سبحانه وتعالى، فكيف يجوز أن يقال: إنهما صفتان زائدتان على الذات، وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل. فإن ما كان من الصفات زائدًا على الذات لا يكون منها بل يكون مفارقا لها، ومن المعلوم أن ما كان مفارقا للذات لا يكون من الصفات القائمة بذاته، بل يكون مخلوقا من مخلوقاته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

    وقد قال الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رده على الزيدية لما أثبت الصفات اللازمة القائمة بذات الله:

    قال الزيدي: فإن ترد أنها تدل على صفات زائدة على الذات لزمك ما لزم الأشاعرة وهو أن يكون مع الله قدماء، وهي المعاني التي لحقت ذاته تعالى بالوصف، ونحن نبرأ من هذا نحن وأنت؛ قال الشيخ عبد الله في جوابه: فيقال أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله تبارك وتعالى موجود كامل بجميع صفاته، فإذا قال القائل دعوت الله أو عبدت الله، كان اسم الله متناولا للذات المتضمنة لصفاتها، ليس اسم الله اسما لذات مجردة عن صفاتها اللازمة لها، وحقيقة ذلك أنه لا يكون نفسه إلا بنفسه ولا تكون ذاته إلا بصفاته، ولا يكون نفسه إلا بما هو داخل في مسمى اسمها، ولكن قول القائل إنه يلزم أن يكون مع الله قدماء تلبيس - فإن ذلك يشعر أن مع الله قدماء منفصلة عنه، وهذا لا يقوله إلا من هو من أكفر الناس وأجهلهم بالله كالفلاسفة، لأن لفظ الغير يراد به ما كان مفارقا له بوجود أو زمان أو مكان، ويراد به ما أمكن العلم به دونه، فالصفة لا تسمى غيرًا له؛ فعلى المعنى الأول يمتنع أن يكون معه غيره. وأما المعنى الثاني فلا يمتنع أن يكون وجوده مشروطا بصفات، وأن يكون مستلزما لصفات لازمة له، وإثبات المعاني القائمة التي يوصف بها الذات لا بد منها لكل عاقل، ولا خروج عن ذلك إلا بجحد وجود الموجودات مطلقا. وأما من جعل وجود العلم هو وجود القدرة، ووجود القدرة هو وجود الإرادة، فطرد هذه المقالة يستلزم أن يكون وجود كل شيء هو عين وجود الخالق تعالى، وهذا منتهى الاتحاد وهو مما يعلم بالحس والعقل والشرع أنه في غاية الفساد؛ ولا مخلص من هذا إلا بإثبات الصفات، مع نفى مماثلة المخلوقات، وهو دين الذين آمنوا وعملوا الصالحات. [22] - ثم ذكر كلاما طويلا تركناه خشية الإطالة.

    وقال الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة: فقالت الجهمية لنا لما وصفنا الله: هذه الصفات إن زعمتم أن الله ونوره، والله وعظمته، والله وقدرته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته؛ فقلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته وبنور، لا متى قدر ولا كيف قدر. وقالوا: لا تكونوا موحدين أبدا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء. فقلنا: نحن نقول كان الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته؛ وضربنا لهم في ذلك مثلا، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجُمّار واسمها اسم شيء واحد، نخلة، سميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى، بجميع صفاته إله واحد، ولا نقول إنه كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق القدرة؛ والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول إنه كان في وقت من الأوقات ولا علم له حتى خلق العلم؛ والذي لا يعلم هو جاهل؛ ولكن نقول لم يزل الله عالما قادرًا مالكا، لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي، فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} وقد كان هذا الذي سماه الله وحيدا وله عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيدا بجميع صفاته، فكذلك الله تعالى وله المثل الأعلى هو بجميع صفاته إله واحد. انتهى.

    فتبين بما ذكره الإمام أحمد أن الله سبحانه وتعالى إله واحد بجميع صفاته اللازمة القائمة بذاته، ولم يقل إن من هذه الصفات صفة زائدة على ذاته كالسمع والبصر كما أن النخلة بجذوعها وكربها وليفها وسعفها وخوصها وجمارها نخلة واحدة بجميع هذه الصفات لها، ولا يمكن في العقل أن السعف والليف زائدان على مسمى النخلة إذ جعل هذه المسميات من مسمى واحد وليس منها شيء زائد على ذاته. والله أعلم.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد بعد كلام سبق: حلوا لنا شبه من قال باتحادهما ليتم الدليل، فإنكم أقمتم دليلا وعليكم الجواب عن المعارض، فمنها أن الله وحده هو الخالق وما سواه مخلوق، فلو كانت أسماؤه غيره لكانت مخلوقة وللزم ألا يكون له اسم في الأزل ولا صفة، لأن أسماءه صفات، وهذا هو السؤال الأعظم الذي قاد متكلمي الإثبات إلى أن يقولوا الاسم هو المسمى فما عندكم في دفعه؟

    والجواب: أن منشأ الغلط في هذا الباب من إطلاق ألفاظ مجملة محتملة لمعنيين: حق وباطل، فلا ينفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني وتنزيل ألفاظها عليها. ولا ريب أن الله تبارك وتعالى لم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الكمال المشتقة أسماؤه منها، فلم يزل بصفاته وأسمائه وهو إله واحد له الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ وصفاته وأسماؤه داخلة في مسمى اسمه وإن كان لا يطلق على الصفة وحدها أنها إله يخلق ويرزق، فليست صفاته وأسماؤه غيره وليست هي نفس الإله. وبلاء القوم من لفظة الغير فإنها يراد بها معنيين: أحدهما: المغاير لتلك الذات المسماة بالله وكل ما غاير الله مغايرة محضة بهذا الاعتبار فلا يكون إلا مخلوقا، ويراد به مغايرة الصفة للذات إذا جردت عنها. فإذا قيل علم الله وكلام الله غيره بمعنى أنه غير الذات المجردة عن العلم والكلام كان المعنى صحيحا ولكن الإطلاق باطل، فإذا أريد أن العلم والكلام [23] مغاير لحقيقته المختصة التي امتاز بهما عن غيره كان باطلا لفظا ومعنى. وبهذا أجاب أهل السنة المعتزلة القائلين بخلق القرآن، قالوا: كلامه تعالى داخل في مسمى اسمه، فالله تعالى اسم للذات الموصوفة بصفات الكمال، ومن تلك الصفات صفة الكلام كما أن علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره غير مخلوق، ولا يقال إنه غير الله، فكيف يقال إن بعض ما تضمنه وهو أسماؤه مخلوقة، وهي غيره، فقد حصحص الحق بحمد لله وانحسم الإشكال، وأن أسماءه الحسنى التي في القرآن من كلامه، وكلامه غير مخلوق، ولا يقال: هو غيره، ولا هو هو. وهذا المذهب مخالف لمذهب المعتزلة الذين يقولون أسماؤه تعالى غيره، وهي مخلوقة، ولمذهب من رد عليهم ممن يقول أسماؤه نفس ذاته لا غيره. وبالتفصيل تزول الشبهة ويتبين الصواب، والحمد لله. انتهى.

    إذا تبين هذا فقد كان معلوما بالاضطرار أن أسماء الله وصفاته من الله، وأنها داخلة في مسمى اسمه، لا مغايرة له ولا منفصلة عنه. وقال الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد أيضا في رده على الزيدية بعد كلام ذكره عن أهل البدع في لفظ الغير: ولهذا أطلق كثير من مثبتة الصفات عليها أنها أغيار للذات، وقالوا إنها غير الذات، ولا يقولون إنها غير الله. [24] فإن لفظ الذات لا يتضمن الصفات بخلاف اسم الله فإنه يتناول الصفات، ولهذا كان الصواب على قول أهل السنة أن لا يقال في الصفات إنها زائدة على اسم الله، بل من قال ذلك فقد غلط عليهم. وإذا قيل هل هي زائدة على الذات أم لا كان الجواب أن الذات الموجودة في نفس الأمر مستلزمة للصفات، فلا يمكن وجود الذات مجردة عن الصفات، بل ولا يوجد شيء من الذوات مجردا عن جميع الصفات، بل لفظ الذات تأنيث "ذو" ولفظ "ذو" مستلزم للإضافة، وهذا اللفظ مولد، وأصله أن يقال: ذات علم وذات قدرة وذات سمع، كما قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} ويقال: فلانة ذات مال وجمال. ثم لما علموا أن نفس الرب ذات علم وقدرة وسمع وبصر ردا على من نفى صفاتها عرّفوا لفظ الذات وصار التعريف يقوم مقام الإضافة بحيث إذا قيل لفظ الذات فهو ذات كذا، فالذات لا يكون إلا ذات علم وقدرة ونحوه من الصفات لفظا ومعنى، وإنما يريد محققو أهل السنة بقولهم الصفات زائدة على الذات أنها زائدة على ما أثبته نفاة الصفات من الذات، فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة لا صفات لها، فأثبت أهل السنة الصفات زائدة على ما أثبته هؤلاء، فهي زيادة في العلم والاعتقاد والخبر لا زيادة على نفس الله جل جلاله، بل نفسه المقدسة متصفة بهذه الصفات لا يمكن أن تفارقها، ولا توجد الصفات بدون الذات ولا الذات بدون الصفات. والمقصود هنا بيان بطلان كلام المعترض.

    إذا تأملت هذا فاعلم أن ما قاله محققو أهل السنة حيث قالوا إن الصفات زائدة على الذات إنما مرادهم بذلك أنها زائدة على ما أثبته نفاة الصفات من الذات، فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة لا صفات لها، ومقصود أهل السنة أنها زائدة على ما أثبته هؤلاء النفاة، فهي زيادة في العلم والاعتقاد والخبر، لا زيادة على نفس الله جل جلاله؛ بل نفسه المقدسة متصفة بهذه الصفات لا يمكن أن تفارقها، ولا توجد الصفات بدون الذات ولا الذات بدون الصفات كما تقدم بيانه.

    إذا تحققت هذا فتخصيص الشارح السمع والبصر بأنهما صفتان زائدتان على الذات تخصيص لا أدري ما مقصوده بذلك. وأهل السنة أطلقوا لفظ الصفات ولم يخصوا السمع والبصر. فتأمل ذلك مع أن الإجمال والإطلاق في هذا الموضع وغيره من غير تفصيل ولا تبيين لما أرادوه من إثبات الصفات الزائدة على ما أثبته النفاة من الذات يوهم من لا معرفة له بكلام أهل السنة رضوان الله عليهم أن المقصود بذلك أنها زائدة على نفس الله جل جلاله، وهذا من أبطل الباطل وأمحل المحال، وقد قال ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:

    فعليك بالتبيين والتفصيل فالـ ** إطلاق والإجمال دون بيان

    كم أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ ** آراء والأذهان كل زمان

    ثم لا يخفى عن المحب أن أهل السنة لم يقولوا إن الصفات زائدة على الذات فقط كما توهمه الشارح، وإنما قالوا: إنها زائدة على ما أثبته النفاة من الذات، لأنهم إنما أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات، فتأمل ذلك. والله أعلم.

    وهذا آخر ما أردنا من التنبيه على هذه الورطات التي لا مخلص منها إلا باتباع مذهب السلف من أهل السنة المحضة الذين هم الأسوة وبهم القدوة في مسائل هذا الباب وغيره.

    إذا تحققت هذا فنحن لم نذكر في هذا التنبيه إلا ما ذكره أئمة الحنابلة وساداتهم الذين أخذوا بأقوال سلف هذه الأمة وأئمتها، وهذا الذي ذكرناه عن الأئمة هو الذي ندين الله به وهو الحق والصواب الذي لا شك فيه ولا ارتياب، وما خالفه فهو كلام أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة.

    و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَق}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.





    انتهى بحذف بعضه
يعمل...
X