إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مباحث في العقيدة (البدعة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مباحث في العقيدة (البدعة)



    مباحث في العقيدة (البدعة)

    الحمد الله على ما وفقنا إليه من الحق والصلاة والسلام على خير الخلق وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بصدق ... وبعد،

    المبحث الأول:
    تعريف البدع.
    المبحث الثاني: ذم البدع.
    المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة.
    المبحث الرابع: حكم البدعة.

    فتابعونــــــا

    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 19-01-2018, 05:51 PM.


  • #2

    المبحث الأول: تعريف البدع.
    المطلب الأول: البدعة لغة:
    وأصل مادة بَدَعَ للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول الله تعالى: (بَدِيعُ السَّموَاتِ والأرْضِ) [البقرة: 117] أي مخترعهما من غير مثال سابق متقدم، وقوله تعالى:( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِن الرُّسُل) [الأحقاف: 9]، أي ما كنت أوَّل من جاءَ بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل، ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. وهذا أمر بديع، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن، فكأنَّه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه.
    ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع، وهيئتها هي البدعة، وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة: فمن هذا المعنى سُمِّيَ العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، وهو إطلاق أخص منه في اللغة(لسان العرب- تاج العروس. مادة (بدع))

    المطلب الثاني: البدعة اصطلاحًا:
    البدعة.. عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنَّما يخصها بالعبادات، وأمَّا على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ولا بد من بيان ألفاظ هذا الحد. فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنَّما قُيِّدت بالدين لأنَّها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.
    ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم، فمنها ما له أصل في الشريعة، ومنها ما ليس له أصل فيها، خُصَّ منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع، أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع، إذ البدعة إنَّما خاصَّتها أنَّها خارجة عما رسمه الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كلِّ ما ظهر لبادي الرأْي أنَّه مخترع مما هو متعلق بالدين، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأُصول الدين، وسائر العلوم الخادمة للشريعة فإنَّها وإن لم توجد في الزمان الأوَّل فأُصولها موجودة في الشرع.
    (فإن قيل): فإنَّ تصنيفها على ذلك الوجه مخترع.
    (فالجواب): أنَّ له أصلاً في الشرع، ففي الحديث ما يدل عليه، ولو سُلِّم أنَّه ليس في ذلك دليل على الخصوص، فالشرع بجملته يدل على اعتباره، وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة،
    فعلى القول بإثباتها أصلاً شرعياً لا إشكال في أنَّ كلَّ علم خادم للشريعة داخلٌ تحت أدلته التي ليست بمأْخوذة من جزئي واحد؛ فليست ببدعة البتَّة.
    وعلى القول بنفيها لا بد أن تكون تلك العلوم مبتدعات، وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة، لأنَّ كلَّ بدعة ضلالة من غير إشكال، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
    ويلزم من ذلك أن يكون كَـتْبُ المصحف وجَمْعُ القرآن قبيحاً، وهو باطل بالإجماع فليس إذاً ببدعة.
    ويلزم أن يكون دليل شرعي، وليس إلا هذا النوع من الاستدلال، وهو المأخوذ من جملة الشريعة.
    وإذا ثبت جزئيٌ في المصالح المرسلة، ثبت مطلق المصالح المرسلة.
    فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة، بدعة أصلاً.
    وقوله في الحد تضاهي الشرعية يعني: أنَّها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة:
    منها: وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد، ضاحياً لا يستظل، والاختصاص في الانقطاع للعبادة، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة.
    ومنها: التزام الكيفيات والهَيْئَات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك.
    ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.
    وثَمَّ أوجهٌ تضاهي بها البدعةُ الأمورَ المشروعة، فلو كانت لا تضاهي الأمورَ المشروعة لم تكن بدعة، لأنَّها تصير من باب الأفعال العادية.
    وقوله: يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها.
    وذلك أنَّ أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك. لأنَّ الله تعالى يقول: (وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، فكأنَّ المبتدع رأى أنَّ المقصود هذا المعنى، ولم يتبين له أنَّ ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كافٍ.
    وقد تبين بهذا القيد أنَّ البدع لا تدخل في العادات. فكل ما اختُرِع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية.
    وأمَّا الحد على الطريقة الأُخرى(أي: طريقة من يُدخل العادات في معنى البدع) فقد تبين معناه إلا قو.له: يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية.
    ومعناه أنَّ الشريعة إنَّما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأْتيهم في الدارين على أكمل وجوهها، فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته. لأنَّ البدعة إما أن تتعلق بالعادات أو العبادات، فإن تعلَّقت بالعبادات فإنَّما أراد بها أن يأتي تعبُّده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتم المراتب في الآخرة في ظنه. وإن تعلقت بالعادات فكذلك، لأنَّه إنَّما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها.
    وقد ظهر معنى البدعة وما هي في الشرع والحمد لله.


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 03-01-2018, 05:20 PM.

    تعليق


    • #3
      المبحث الثاني: ذم البدع

      المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع:
      أمَّا النظر فمن وجوه:
      (أحدها) أنَّه قد عُلِمَ بالتجارب والخبرة، أنَّ العقول غير مستقلة بمصالحها، استجلاباً لها، أو مفاسدها، استدفاعاً لها. لأنَّها إما دنيوية أو أُخروية.
      فأمَّا الدنيوية فلا يستقل باستدراكها على التفصيل البتَّة لا في ابتداء وضعها أوَّلاً، ولا في استدراك ما عسى أن يعرض في طريقها، إما في السوابق، وإما في اللواحق، لأنَّ وضعها أوَّلاً لم يكن إلا بتعليم الله تعالى.
      فلولا أنْ منَّ الله على الخلق ببعثة الأنبياء لم تستقم لهم حياة، ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم وهذا معلوم بالنظر في أخبار الأوَّلين والآخرين.
      وأمَّا المصالح الأُخرويَّة، فأبعد عن مصالح المعقول من جهة وضع أسبابها، وهي العبادات مثلاً. فإنَّ العقل لا يشعر بها على الجملة، فضلاً عن العلم بها على التفصيل.
      فعلى الجملة، العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي. فالابتداع مضادٌ لهذا الأصل، لأنَّه ليس (له) مستندٌ شرعيٌ بالفرض، فلا يبقى إلا ما ادَّعوه من العقل.
      فالمبتدع ليس على ثقة من بدعته أن ينال بسبب العمل بها، ما رام تحصيله من جهتها، فصارت كالعبث.
      (الثاني) أنَّ الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان، لأن الله تعالى قال فيها: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" [المائدة: 3]. وفي حديث العِرباض بن سارية: ((
      وعظنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً ذَرَفتْ منها العيونُ ووجلت منها القلوبُ, فقلنا يا رسولَ اللهِ إن هذه لموعظةُ مودَّعٍ فماذا تعهد إلينا؟ قال قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي ...))الحديث، صحيح الألباني.
      فالمبتدع إنَّما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله:
      إنَّ الشريعة لم تتم، وأنَّه بقي منها أشياءُ يجب أو يستحب استدراكها، لأنَّه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كلِّ وجه، لم يبتدع ولا استدرك عليها. وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
      قال ابن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأنَّ الله يقول: اليوم أكملتُ لكم دينكم فما لم يكن يومئذٍ ديناً، فلا يكون اليوم ديناً.
      (الثالث) أنَّ المبتدع معاندٌ للشرع ومشاقٌّ له، لأنَّ الشارع قد عين لمطالب العبد طرقاً خاصة على وجوه خاصة، وقَصَرَ الخَلْقَ عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد وأخبر أنَّ الخير فيها، وأنَّ الشر في تعدِّيها ـ إلى غير ذلك، لأنَّ الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنَّه إنَّما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. فالمبتدع رادٌ لهذا كله، فإنَّه يزعم أنَّ ثمَّ طُرُقاً أُخر، ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عيَّنَه بمتعيّن، كأنَّ الشارع يعلم، ونحن أيضاً نعلم. بل ربما يُفهم من استدراكه الطرق على الشارع، أنَّه علم ما لم يعلمه الشارع.
      وهذا إن كان مقصوداً للمبتدع فهو كفرٌ بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود، فهو ضلال مبين.
      (الرابع) أنَّ المبتدع قد نَزَّل نفسه منزلة المضاهي للشارع، لأنَّ الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها، وصار هو المنفرد بذلك، لأنَّه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون. وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع، ولم يبق الخلاف بين الناس. ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام.
      هذا الذي ابتدع في دين الله قد صيَّر نفسه نظيراً ومضاهياً (لله) حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف باباً؛ ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع.
      (الخامس) أنَّه اتباع للهوى لأنَّ العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة؛ وأنت تعلم ما في اتباع الهوى وأنَّه ضلال مبين. ألا ترى قول الله تعالى: "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ " ص: 26
      فَحَصَرَ الحكمَ في أمرين لا ثالث لهما عنده، وهو الحق والهوى، وعزل العقل مجرداً إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك. وقال:"وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ..." الكهف:2، فجعل الأمر محصوراً بين أمرين، اتباع الذكر، واتباع الهوى، وقال "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ الله..." القصص: 50.
      وهي مثل ما قبلها. وتأملوا هذه الآية فإنَّها صريحة في أنَّ من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه، فلا أحد أضل منه.
      وهذا شأْن المبتدع، فإنَّه اتبع هواه بغير هدى من الله. وهدى الله هو القرآن.
      وما بينته الشريعة وبينته الآية أنَّ اتباع الهوى على ضربين: أحدهما، أن يكون تابعاً للأمر والنهي فليس بمذموم ولا صاحبه بضال.
      والآخرُ أن يكون هواه هو المقدم بالقصد الأوَّل، والمبتدع قدم هوى نفسه على هدى الله فكان أضل الناس وهو يظن أنَّه على هدى.
      وهنا معنى يتأكد التنبيه عليه، وهو أنَّ الآية المذكورة عينت للاتباع في الأحكام الشرعية طريقين:
      أحدهما:
      الشريعة، ولا مِرْية في أنَّها علم وحق وهدى؛ والآخر الهوى، وهو المذموم، لأنَّه لم يذكر في القرآن إلا في سياق الذم، ولم يجعل ثمَّ طريقاً ثالثاً. ومن تتبع الآيات، ألفى ذلك كذلك
      المصدر: مختصر كتاب الإعتصام للشاطبي ص15
      المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع:

      وأمَّا النقل فمن وجوه:
      (أحدها) ما جاء في القرآن الكريم مما يدل على ذم من ابتدع في دين الله في الجملة. فمن ذلك:
      1- قول الله تعالى: "وأنَّ هذا صِراطِي مُسْتقِيماً فاتَّبِعُوهُ ولاَ تَتَّبِعُوا السُبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"[ الأنعام: 153] فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السُّنَّة، والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع. وليس المراد سبل المعاصي، لأنَّ المعاصي من حيث هي معاصٍ لم يضعها أحد طريقاً تُسْلك دائماً على مضاهاة التشريع. وإنَّما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات.
      ويدل على هذا ما روى إسماعيل عن سليمان بن حرب، قال: حدَّثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: ((
      خَطَّ لنا رسولُ اللهِ خَطًّا ، وقال : هذا سبيلُ اللهِ ، ثم خَطَّ خطوطًا عن يمينِه وعن يَسَارِهِ ، وقال : هذه سُبُلٌ ، على كلِّ سبيلٍ شيطانٌ يَدْعُو إليه ، ثم قرأ: "وأنَّ هذا صِراطِي مُستَقِيماً فاتَّبِعُوهُ ولاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ "-يعني الخطوط- "فَتَفَرَّقَ بِكمْ عَنْ سَبِيلِهِ" الأنعام: 153.
      قال بكر بن العلاء: أحسبُه أراد شيطاناً من الإنس وهي البدع والله أعلم.
      وعن مجاهد في قوله: "ولاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ"، قال: (البدع والشبهات) رواه الطبري في تفسيره.
      2- قول الله تعالى: "وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ...." النحل: 9، فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائرٌ عن الحق؛ أي عادلٌ عنه، وهي طرق البدع والضلالات، أعاذنا الله من سلوكها بفضله. وكفى بالجائر أن يحذَّر منه. فالمساق يدل على التحذير والنهي.
      عن التستري: قصد السبيل طريق السُّنَّة، ومنها جائرٌ يعني إلى النار، وذلك الملل والبدع.
      وعن مجاهد (قصد السبيل) أي: المقتصد منها بين الغلو والتقصير، وذلك يفيد أنَّ الجائر هو الغالي أو المقصِّر، وكلاهما من أوصاف البدع.
      3- "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [ الأنعام: 159].
      قال ابن عطيَّة: (هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدال والخوض في الكلام. هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوءِ المعتقد) تفسير بن عطيِّة 2/427.
      قال القاضي (إسماعيل): ظاهر القرآن يدل على أنَّ كلَّ من ابتدع في الدين بدعة من الخوارج وغيرهم فهو داخل في هذه الآية؛ لأنَّهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعاً.


      (الثاني): ما جاء في الأحاديث المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
      وهي كثيرة تكاد تفوق الحصر، إلا أنَّا نذكر منها ما تيسر مما يدل على الباقي ونتحرى في ذلك - بحول الله- ما هو أقرب إلى الصحة. فمن ذلك:
      1- ما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ))وهذا الحديث عدَّه العلماءُ ثلث الإسلام، لأنَّه جمع وجوه المخالفة لأمره عليه السلام. ويستوي في ذلك ما كان بدعة أو معصية.
      2- وخرَّج مسلمٌ عن جابر بن عبدالله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: ((أمَّا بعد فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد، وشرَّ الأُمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة) صحيح مسلم.
      وفي رواية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: ((
      كان رسولُ اللهِ يخطبُ الناسَ فيحمَدُ اللهَ و يثني عليه بما هو أهلُه ، ثم يقولُ : مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له ، وخيرُ الحديثِ كتابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، وخيرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وشرُّ الأمورِ مُحْدَثاتُها ، وكلُّ مُحْدَثةٍ بدعةٌ)) صحيح على شرط مسلم.

      3- وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أُجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) رواه مسلم.

      4- وروى الترمذي وأبو داود وغيرهما عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينافـ "
      وعَظَنَا رسولُ اللهَ – صلَّى اللهُ عليهَ وسلَّمَ – مَوعِظةً بلِيغةً ، ذَرَفَتْ مِنها العُيُونُ ، ووَجَلَتْ مِنْها القُلُوبُ ، فقال قائِلٌ : يا رسولَ اللهِ كأنَّها مَوعِظةُ مُودِّعٍ ، فأَوصِنَا ! فقال : أُوصِيكُم بتقْوَى اللهِ ، والسَّمْعِ والطاعةِ ، وإنْ كان عبدًا حَبَشِيًّا ؛ فإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُم بَعدِي ، فَسَيَرَى اخْتِلافًا كثِيرًا ، فعليكُم بِسُنَّتِي ، وسُنةِ الخُلفاءِ الراشِدينَ المهدِيِّينَ ؛ تَمسَّكُوا بِها ، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدْعةٌ ، وكُلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ" صحيح الألباني.

      5- وفي الصحيح عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: "يا رسول الله! هل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي. قال فقلت: هل بعد ذلك الشر من شر؟ قال: نعم دعاة على نار جهنم من أجابهم قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا. قال: نعم هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأْمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن إمام ولا جماعة؟ قال: فاعتزل تلك الفِرقَ كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" متفق عليه.

      6- ومما جاء في هذا الباب أيضاً ما خرَّج ابنُ وضاح ونحوه لابن وهب عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((
      يكونُ في آخرِ الزمانِ دجَّالون كذَّابون ، يأتونكم من الأحاديثِ بما لم تسمَعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم و إياهم ، لا يضلُّونَكم و لا يَفتِنونكم)) صحيح الألباني.

      (الثالث): ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في ذمِّ البدع وأهلها وهو كثير.
      1- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال:
      (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيْتم) صحيح الألباني.
      2- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال يوماً: (إنَّ مِن ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيه القرآن، حتى يأْخذه المؤمن والمنافق، والرجل، والمرأة، والصغير، والكبير، والعبد، والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأْت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، وإياكم وما ابتدع فإنَّ ما ابتدع ضلالة، وأُحذِّركم زَيْغَةَ الحكيم فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.

      قال الراوي: قلت لمعاذ: وما يدريني يرحمك الله أنَّ الحكيم قد يقول كلمة ضلالة، وأنَّ المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى! اجتنب من كلام الحكيم غير المشتهرات التي يقال فيها: ما هذه؟ ولا يثنينَّك ذلك عنه، فإنَّه لعله أن يراجع وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته فإنَّ على الحق نورًا)رواه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/88)
      ومما جاء عمن بعد الصحابة رضي الله عنهم:
      1- عن أبي إدريس الخولاني أنَّه قال: (لأن أرى في المسجد ناراً لا أستطيع إطفاءها، أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها) رواه المروزي في السنة.
      2- وعن الفضيل بن عياض: (اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإيَّاك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين).
      1- وعن ابن المبارك قال: (اعلم أي أخي! إنَّ الموت كرامة لكل مسلم لقي الله على السُّنَّة، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فإلى الله نشكو وَحْشَتَنَا وذهابَ الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع. وإلى الله نشكو عظيم ما حَلَّ بهذه الأُمة من ذهاب العلماء وأهل السُّنَّة، وظهور البدع) رواه ابن وضاح في (البدع والنهي عنها).


      المصدر: مختصر كتاب الإعتصام للشاطبي، ص20



      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 04-01-2018, 06:09 PM.

      تعليق


      • #4

        المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة


        البدعة لا يُقْبَلُ معها عمل:
        كبدعة القدرية حيث قال فيها عبدالله بن عمر رضي الله عنه: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أنِّي بريءٌ منهم، وأنَّهم بُرَءَاءُ مني، فوالذي يحلف به عبدالله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أُحُدٍ ذهباً فأنفقه ما تَقَبَّله الله منه حتى يؤمن بالقدر)رواه مسلم.

        ومثله حديث الخوارج وقوله فيه: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - بعد قوله - تَحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم)) الحديث، متفق عليه.
        وإذا ثبت في بعضهم هذا لأجل بدعته فكل مبتدع يُخاف عليه مثل من ذُكِر، فإنَّ كون المبتدع لا يقبل منه عمل، إما أن يراد أنَّه لا يُقبل له بإطلاق على أي وجه وقع، من وِفاق سنة أو خلافِها، وإما أن (يراد) أنَّه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه.

        فأمَّا الأوَّل: فيمكن على أحد أوجهٍ ثلاثة:

        1- أن يكون على ظاهره من أنَّ كلَّ مبتدع أي بدعة كانت؛ فأعماله لا تقبل معها - داخلتها تلك البدعة أم لا-.

        2- أن تكون بدعته أصلاً يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإنَّ عامة التكليف مبنيٌ عليه، لأنَّ الأمر إنَّما يَرِد على المُكلَّف من كتاب الله أو من سنة رسوله. وما تَفَرَّع منهما راجع إليهما.

        3- أنَّ صاحب البدعة في بعض الأُمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصيِّر اعتقاده في الشريعة ضعيفاً، وذلك يبطل عليه جميع عمله. بيان ذلك أمثلة:

        - منها أن يُشْرِكَ العقلَ مع الشرع في التشريع، وإنَّما يأتي الشرع كاشفاً لما اقتضاه العقل، فيا ليت شعري هل حكَّم هؤلاء في التعبد لله شَرْعَه أم عقولَهم؟ بل صار الشرع في نِحْلَتِهم كالتابع المعين لا حاكماً متبعاً، وهذا هو التشريع الذي لم يبق للشرع معه أصالة، فكلُ ما عمل هذا العامل مبنياً على ما اقتضاه عقله، وإن شَرَّك الشرع فعلى حكم الشركة لا على إفراد الشرع.

        - ومنها أنَّ المستحسن للبدع يلزمه عادة أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعدُ، فلا يكون لقوله تعالى: "الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" [ المائدة: 3] معنى يعتبر به عندهم.

        وأمَّا الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة فيظهر أيضاً، وعليه يَدُلُّ الحديث المتقدِّم ((مَن أحدَث في أمرِنا ما ليسَ فيهِ فهوَ ردٌّ. وفي لفظٍ : قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: من صَنع أمرًا على غيرِ أمرِنا فهوَ ردٌّ))صحيح الألباني، والجميع من قوله: ((كل بدعة ضلالة)) صحيح مسلم. أي أنَّ صاحبها ليس على الصراط المستقيم، وهو معنى عدم القبول، وفاق قول الله: "وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" [ الأنعام: 153]، وصاحبُ البدعة لا يقتصر في الغالب على الصلاة دون الصيام، ولا على الصيام دون الزكاة، ولا على الزكاة دون الحج، ولا على الحج دون الجهاد، إلى غير ذلك من الأعمال، لأنَّ الباعث له على ذلك حاضر معه في الجميع، وهو الهوى والجهل بشريعة الله.

        صاحب البدعة تُنْـزَع منه العصمة ويوكل إلى نفسه، فإنَّ الله تعالى بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين حسبما أخبر في كتابه، وقد كنا قبل طلوع ذلك النور الأعظم لا نهتدي سبيلاً، ولا نعرف من مصالحنا الدنيوية إلا قليلاً، ولا من مصالحنا الأُخروية قليلاً ولا كثيراً، حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم لزوال الريب والالتباس، وارتفاع الخلاف الواقع بين الناس، فإذا ترك المبتدع هذه الهبات العظيمة، والعطايا الجزيلة، وأخذ في استصلاح نفسه أو دنياه بنفسه بما لم يجعل الشرع عليه دليلاً، فكيف له بالعصمة والدخول تحت هذه الرحمة؟ وقد حل يده من حبل العصمة إلى تدبير نفسه، فهو حقيق بالبعد عن الرحمة. قال الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا" [ آل عمران: 103]، بعد قوله: "اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ" [ آل عمران: 102] فأشعرَ أنَّ الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقاً، وأنَّ ما سوى ذلك تفرقة، لقوله: "وَلاَ تَفَرَّقُوا" والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة، لأنَّه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام.

        الماشي إليه والموقِّر له مُعين على هدم الإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))الحديث. متفق عليه.

        فإنَّ الإيواء بجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر لأنَّ المشي إليه والتوقير له تعظيم له لأجل بدعته والشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا، كالضرب والقتل، فصار توقيره صدوداً عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه.

        وأيضاً فإنَّ توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
        إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنَّه أفضل الناس، وأنَّ ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السُّنَّة على سنتهم.

        والثانية: أنَّه إذا وُقِّـرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المُحرِّض له على إنشاء الابتداع في كلِّ شيءٍ. فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه، وعلى ذلك دلَّ النقل عن السلف زيادة إلى صحة الاعتبار، لأنَّ الباطل إذا عُمِل به لزم ترك العمل بالحق كما في العكس، لأنَّ المحلَّ الواحد لا يشتغل إلا بأحد الضدين.

        صاحبها ملعون على لسان الشريعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) متفق عليه، وعد من الإحداث، الاستنان بسنة سوء لم تكن.
        يزداد من الله بعداً. لما رُوِيَ عن الحسن أنَّه قال: صاحب البدعة ما يزداد لله اجتهاداً، صياماً وصلاة، إلا ازداد من الله بعداً.
        وعن أيوب السِّخْتِياني قال: (ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً)رواه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها"
        ويصحح هذا النقل ما أشار إليه الحديث الصحيح في قوله عليه الصلاة والسلام في الخوارج ((يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ـ إلى أن قال ـ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة)) متفق عليه، فبين أوَّلاً اجتهادهم ثم بيَّن آخراً بُعْدهُمْ من الله تعالى.
        البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام. لأنَّها تقتضي التفرق شِيَعًا.

        وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" [ الأنعام: 103]، وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ.."[الأنعام: 159]، وما أشبه ذلك من الآيات في هذا المعنى.

        وقد بيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ فساد ذات البيْنِ هي الحالقة وأنَّها تحلق الدين، هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع.

        وأوَّل شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا يقتلونهم وَيَدَعُون الكفار. ثم يليهم كل من كان له صَوْلة منهم بقرب الملوك فإنَّهم تناولوا أهل السُّنَّةِ بكل نَكالٍ وعذاب وقتل.
        ثم يليهم كل من ابتدع بدعة فإنَّ من شأْنهم أن يُثَبِّطوا الناس عن اتباع الشريعة ويذمونهم.
        وأيضاً فإنَّ أهل السُّنَّةِ مأْمورون بعداوة أهل البدع وقد حذَّر العلماءُ من مصاحبتهم ومجالستهم، وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء. لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة مما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين لا على التعادي مطلقاً. كيف ونحن مأْمورون بمعاداتهم وهم مأْمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة؟

        وأما أنها مانعة من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لما في الصحيح قال: ((أوَّل من يُكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنَّه سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ـ إلى قوله ـ فيقال لم يزالوا مرتدين على أعقابهم)) الحديث، صحيح الألباني، ففيه أنَّه لم يذكر لهم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر من أوَّل الحديث أنَّ ذلك الارتداد لم يكن ارتداد كفرٍ لقوله: ((وإنَّه سيؤتى برجال من أمتي)) ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لما نُسبوا إلى أُمته، ولأنَّه -عليه الصلاة والسلام- أتى بالآية وفيها: "وَإنْ تَغْفِرْ لهُمْ فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ" [ المائدة: 118]، ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهم خارجون عن الإسلام جملة لما ذكرها، لأنَّ من مات على الكفر لا غفران له البتة، وإنَّما يرجى الغفران لمن لم يخرجه عملُه عن الإسلام لقول الله تعالى: "إنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" [ النساء: 116].

        وأمَّا أنَّ على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة؛ فلقوله تعالى: "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِعِلْمٍ" [ النحل: 25] ولما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ((ومَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيِّئةً فعليهِ وِزرُها ، ووِزرُ مَنْ عمِلَ بِها من بعدِهِا)) الحديث، صحيح الألباني، وأمَّا أنَّ صاحبها ليس له من توبة فلما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ اللهَ احتجزَ التَّوبةَ ، علَى كلِّ صاحبِ بِدعَةٍ)) صحيح الألباني.
        ويدل على ذلك أيضاً حديث الفِرَق إذ قال فيه: ((وإِنَّه سَيخرُجُ من أُمَّتِي أقوامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلكَ الأَهواءُ كَما يَتَجارَى الكلبُ(1) لِصاحِبِه، لا يَبقَى مِنه عِرقٌ ولا مِفْصَلٌ إِلَّا دَخَلَهُ)) صحيح الألباني، وهذا النفي يقتضي العموم بإطلاق، ولكنه قد يحمل على العموم العادي، إذ لا يبعد أن يتوب عما رأى ويرجع إلى الحق، كما نُقِل عن عبدالله بن الحسن العنبري، وما نقلوه في مناظرة ابن عباس الحرورية الخارجين على عليّ رضي الله عنه، وفي مناظرة عمر بن عبد العزيز لبعضهم. ولكن الغالب في الواقع الإصرار.
        ومن هنا قلنا: يبعد أن يتوب بعضهم لأنَّ الحديث يقتضي العموم بظاهره.
        وسبب بعده عن التوبة: أنَّ الدخول تحت تكاليف الشريعة صعبٌ على النفس لأنَّه أمرٌ مخالف للهوى، وصادٌ عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جداً لأنَّ الحق ثقيل، والنفس إنَّما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنَّها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، والمبتدع لا بد له من تعلُّقٍ بشبهةِ دليل ينسبها إلى الشارع، ويدَّعِي أنَّ ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصوداً بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به؟ وهو الدليل الشرعي في الجملة.
        المبتدع يُلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى. لقوله تعالى: "إنَّ الذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَينَالهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ في الحياةِ الدُّنْيا وكذلِك نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" [ الأعراف: 152] قال الله تعالى: وَكذلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم، من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله حسبما أخبر في كتابه في قوله تعالى: "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ.." [ الأنعام: 140]
        فإذاً كلُّ من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي في عِزِّهِ وجَبَرِيَّتِهِ فهم في أنفسهم أذلاء، وأيضاً فإنَّ الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال. ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التَّقِيَّة.
        البعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم: لحديث البخاري عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((أنا على حوضي أنتظر من يرد عليَّ، فيؤخذ بناسٍ من دوني، فأقول: أمتي، فيقال: إنَّك لا تدري، مشوا القهقرى)) .

        الخوف عليه من أن يكون كافراً. لأنَّ العلماء من السلف الأوَّل وغيرهم اختلفوا في تكفير كثير من فرقهم مثل الخوارج والقدرية وغيرهم، ودل على ذلك ظاهر قوله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ"[ الأنعام: 159]، وقولـه: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ "[ آل عمران: 106]. وقد حكم العلماءُ بكفر جملة منهم كالباطنية وسواهم، والعلماءُ إذا اختلفوا في أمر: هل هو كفر أم لا؟ فكل عاقل يربأُ بنفسه أن يُنسب إلى خطة خسف كهذه بحيث يقال له: إنَّ العلماءَ اختلفوا: هل أنت كافر أم ضال غير كافر؟ أو يقال: (إنَّ جماعة من أهل العلم قالوا بكفرِك وأنت حلال الدم).
        يُخافُ على صاحبها سوء الخاتمة والعياذ بالله. لأنَّ صاحبها مرتكبٌ إثماً، وعاصٍ لله تعالى حتماً، ومن مات مُصِرَّا على المعصية فيخاف عليه.
        لأنَّ المبتدع مع كونه مُصِرَّاً على ما نُهِيَ عنه يزيد على المُصِرِّ بأنه معارضٌ للشريعة بعقله، غير مُسَلِّمٍ لها في تحصيل أمرِه، معتقداً في المعصية أنها طاعة، حيث حسَّن ما قبَّحه الشارع، وفي الطاعة أنها لا تكون طاعة إلا بضميمة نظره، فهو قد قبَّح ما حسَّنه الشارع، ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة إلا ما شاء الله.
        اسوداد الوجه في الآخرة، لقوله تعالى: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ "[ آل عمران: 106].
        البراءَةُ منه في قوله: "إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ" [ الأنعام: 159]
        وقال ابن عمر رضي الله عنه في أهل القدر: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم بُرَآءُ مني).


        والآثار في ذلك كثيرة. ويعضدها ما رُوِيَ عنه عليه السلام أنه قال: ((المرءُ على دينِ خليلِهِ ، فلينظُر أحدُكم من يخالِلُ)) حسنه الألباني. ووجه ذلك ظاهر.
        يخشى عليه الفتنة لما حكى عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال: سألت مالكاً عمن أحرم من المدينة وراءَ الميقات؟ فقال: هذا مخالف لله ورسوله، أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة. أما سمعت قوله تعالى: "فلْيَحْذَرِ الَّذِين يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ"[النور: 63]، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُهلَّ من المواقيت.

        (1) الكَلَبُ: مرض معروف يعرض للكلب، فمن عضَّه قتله. أنظر لسان العرب(14/139).


        التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 12-01-2018, 03:49 PM.

        تعليق


        • #5


          المبحث الرابع: حكم البدعة


          معلوم أن النهي عن البدع قد ورد على وجه واحد، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) (1) . وهذا عام في كل بدعة.
          وقد فصل الإمام الشاطبي رحمه الله القول في أحكام البدعة تفصيلاً لا يبقى بعده مجال للشك بأن كل بدعة محرمة. وإذا سلمنا أن منها ما هو مكروه فهو كراهة تحريم وليس كراهة تنزيه ...
          قال الشاطبي: (ثبت في الأصول أن الأحكام الشرعية خمسة نخرج عنها الثلاثة، فيبقى حكم الكراهية, وحكم التحريم. فاقتضى النظر انقسام البدعة إلى قسمين: فمنها بدعة محرمة، ومنها بدعة مكروهة. وذلك أنها داخلة تحت جنس المنهيات، لا تعدو الكراهة والتحريم، فالبدع كذلك هذا وجه.
          ووجه ثان: أن البدع إذا تؤمل معقولها وجدت رتبها متفاوتة، فمنها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن كقوله تعالى: وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا [الأنعام: 136].
          وقال تعالى: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [المائدة: 103] (2) .
          قلت: ويلحق بالبحيرة والسائبة وما ذكر بعدهما ما يفعله المريدون في هذا الزمان من شيوخ الطرق الصوفية من النذور لمشايخهم, ووقف بعض أموالهم عليهم في الحياة وبعد الممات، حيث يعتنى بهذه الأموال كل العناية, فتترك بعض المواشي بحيث لا تحلب, ولا تركب, ولا تذبح، ولا يؤخذ صوفها ولا وبرها, ولا يتصرف فيها حتى تصل إلى مقام الشيخ أو تترك حتى تموت.
          وقد حدثني بعض من هداهم الله إلى الحق بعد أن كان مغرقاً في التصوف أنه كان يخصص جل أمواله لشيخ الطريقة ويكتفي منها بما يسد رمقه ورمق عياله. وقال لي بعضهم - وكنت في زيارة لبعض البلاد الإسلامية -: إنه يخصص ثلث ماله لشيخ الطريقة، وذكر لي غير واحد ممن أثق به أن شيوخ الطرق يرهبونهم, ويهددونهم بالانتقام, وحدوث المصائب العظام، إذا لم يهبوا بعض أموالهم للشيخ، وقد يدعي زوراً وبهتاناً أنه من ذوي الشرف والسيادة - أي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم - بقصد ابتزاز أموال الناس وأكلها بالباطل. والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النساء: 29-30].
          إن صرف هذه النذور والأموال لأصحاب القبور هو الشرك الأكبر بعينه. والكفر البواح الذي من أجله أرسل الله الرسل, وأنزل الكتب, فإلى متى يسكت علماء المسلمين عن هذا الشرك وذلك الضلال المبين, فاستيقظوا يا حماة التوحيد, واصدعوا بالحق يا رجال العقيدة, فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: 94].
          ثم نعود إلى الإمام الشاطبي رحمه الله وهو يضرب أمثلة على البدع المكفرة والمخرجة عن الملة حيث يقول: (وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا شك فيه أنه كفر صراح) (3) .
          قلت: ومن الفرق المارقة من الدين بإجماع المسلمين فرق الباطنية من إسماعيلية, وقرامطة, ودروز, ونصيرية, وغلاة الرافضة القائلين بارتداد الصحابة, ونقص القرآن الكريم, ودعوى العصمة لغير الأنبياء, ونحو ذلك من كفرياتهم. وكذا من ظهر في هذا العصر من الفرق المارقة الملحدة مثل القاديانية والبهائية ومن على شاكلتها.
          إذاً فالقسم الأول من البدع هي تلك البدع المكفرة بدون شك أو ريب كما أسلفنا. ثم بين الشاطبي القسم الثاني وهو ما دون الكفر, أو المشكوك في كفر صاحبه من عدمه. ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر, أو يختلف هل هي كفر أم لا؟ كبدعة الخوارج, والقدرية, والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة.
          ومنها ما هو معصية اتفاقاً وليست بكفر, كبدعة التبتل, والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع, ومنها ما هو مكروه، كقراءة القرآن بالإدارة، والاجتماع للدعاء عشية عرفة.
          فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة, فلا يصح مع هذا أن يقال: إنها على حكم واحد، هو الكراهة فقط، أو التحريم فقط (4) .
          ثم يذكر الشاطبي وجهاً ثالثاً لبيان أحكام البدع فيقول: (إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر، ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبة بلا إشكال، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين. ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل، ولا يمكن للمكمل أن يكون في رتبة المكمَّل، فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع المقصد، ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد، فقد ظهر تفاوت رتبة المعاصي والمخالفات. وأيضاً فإن الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه، فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين، وليس تستصغر حرمة النفس جنب حرمة الدين، فيبيح الكفر الدم, والمحافظة على الدين مبيح لتعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين.
          ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس، ألا ترى أن قتل النفس مبيح للقصاص؟ فالقتل بخلاف العقل والمال، وكذلك سائر ما بقي، وإذا نظرت في مرتبة النفس تباينت المراتب، فليس قطع العضو كالذبح، ولا الخدش كقطع العضو, وهذا كله محل بيانه الأصول.
          وإذا كان كذلك فالبدع من جملة المعاصي، وقد ثبت التفاوت في المعاصي, فكذلك يتصور مثلها في البدع، فمنها ما يقع في الضروريات - أي أنه إخلال بها -, ومنها ما يقع في رتبة الضروريات، ومنها ما يقع في الدين, أو النفس, أو النسل, أو العقل, أو المال) (5) .

          التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 19-01-2018, 05:46 PM.

          تعليق


          • #6


            المبحث الرابع: حكم البدعة



            وإليك أخي القارئ تلخيصاً للأمثلة التي أوردها الإمام الشاطبي رحمه الله لبيان تأثير البدع على الكليات الخمسة وغيرها من الأضرار مع زيادة نافعة إن شاء الله.
            1- مثال الابتداع في الدين: تحريم البحيرة, والسائبة, والوصيلة, والحام. والمقصود بذلك تحريم ما أحل الله بقصد التقرب به إلى الله تعالى مع كونه حلالاً. قلت ويلحق بهذا نحلة الطائفة التي يسمى أهلها بالنباتيين الذين يحرمون اللحوم وكل ما لم يكن نباتياً, ويقال إن منهم أبا العلاء المعري ومن على شاكلته من الفلاسفة.
            2- ومثال وقوعه في النفس: نحل الهند في تعذيبهم أنفسهم بأنواع العذاب الشنيع، والتمثيل الفظيع، بأنواع القتل التي تفزع منها القلوب، وتقشعر منها الجلود، كالإحراق بالنار، كل ذلك على جهة استعجال الموت لنيل الدرجات العلا في زعمهم، والفوز الأكمل بعد الخروج من هذه الدار العاجلة.
            قلت: ويلحق بهؤلاء بعض غلاة الشيعة – الرافضة – الذين يجتمعون في اليوم العاشر من المحرم بمناسبة استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه فيضربون أنفسهم بالحديد, والأخشاب, بدعوى الحزن كل ما تمر هذه المناسبة (6) . وكذلك بعض المتصوفة الذين اختاروا لأنفسهم طريق التقشف, والعيش في الغابات والبراري وهم حفاة عراة, وكل ذلك قلدوا فيه طوائف الهندوك, والبوذيين ومن على شاكلتهم.
            3- ومثال ما يقع في النسل: ما ذكر من أنكحة الجاهلية التي كانت معهودة فيها, ومعمولاً بها، ومتخذة فيها كالدين المنتسب, والملة الجارية التي لا عهد بها في شريعة إبراهيم عليه السلام، ولا غيره، بل كانت من جملة ما اخترعوا وابتدعوا, وهو على أنواع, فقد روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء:
            (الأول منها: نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته، أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.
            والثاني: نكاح الاستبضاع. كالرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يبين حملها من ذلك الرجل الذي يستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا نكاح الاستبضاع.
            والثالث: أن يجتمع الرهط ما دون العشرة، يدخلون على المرأة كلهم يصيبها, فإذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع منهم رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحب باسمه فيلحق به ولدها فلا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.
            الرابع: أن يجتمع الناس الكثيرون فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت أحداهن ووضعت حملها جمعوا لها, ودعوا لها القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به, ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم) (7) .
            قلت: ويلحق بهذا نكاح المتعة الذي حرمه الإسلام، كما دلت عليه السنة الصحيحة. ومع هذا فهو من أفضل الأنكحة عند الرافضة إلى اليوم.
            قلت: ويلحق بهذا نكاح المتعة الذي حرمه الإسلام، كما دلت عليه السنة الصحيحة. ومع هذا فهو من أفضل الأنكحة عند الرافضة إلى اليوم.
            4- ومثال ما يقع في العقل: أن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله، ولذلك قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: 15].
            وقال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59]. وقال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [يوسف: 40], وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث فخرجت عن هذا الأصل فرقة زعمت أن العقل له مجال في الاستقلال بالتشريع, وأنه محسن ومقبح في دين الله، فابتدعوا في دين الله ما ليس منه. ومما لاشك فيه أن العقل يدرك الحسن والقبح في الجملة, لكنه لا يستقل بالحكم دون الشرع كما تقوله المعتزلة، ومن تحكيم العقل المجرد أن الخمر لما حرمت، ونزل من القرآن في شأن من مات قبل التحريم وهو يشربها. قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ [المائدة: 93]. الآية. تأولها قوم – فيما ذكر – على أن الخمر حلال وأنها داخلة تحت قوله فِيمَا طَعِمُواْ فذكر إسماعيل بن إسحاق عن علي رضي الله عنه قال: (شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يزيد بن أبي سفيان، فقالوا: هي لنا حلال، وتأولوا الآية: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ الآية. قال: فكتب فيهم إلى عمر، قال فكتب عمر إليه: أن ابعث بهم إليَّ قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما قدموا إلى عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين: نرى أنهم قد كذبوا على الله, وشرعوا في دينه ما لم يأذن به, فاضرب أعناقهم، وعلي رضي الله عنه ساكت، قال: فما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، فإنهم قد كذبوا على الله، وشرعوا في دين الله ما لم يأذن به. فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين) (8) .
            فهؤلاء استحلوا بالتأويل ما حرم الله بنص الكتاب، وشهد فيهم علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة، بأنهم شرعوا في دين الله وهذه البدعة بعينها فهذا وجه.
            وأيضاً فإن بعض الفلاسفة الذين ظهروا بين المسلمين تأول فيها غير هذا وهو أنه إنما يشربها للنفع لا للهو، وعاهد الله على ذلك فكأنها عندهم من الأدوية النافعة, أو غذاء صالح يصلح لحفظ الصحة. ويحكى هذا العهد عن ابن سيناء (9) .
            قلت: وقد قلد ابن سيناء وغيره من الإباحيين كثير من الناس في هذا العصر بتعاطي المخدرات والمفترات والتي هي أخطر من الخمر في تأثيرها على الصحة, والعقل, والمال, والدين قبل كل شيء. يروجونها بدعوى أنها منشطة, ومنسية للهموم والأحزان، وهي لا تزيدهم إلا هماً وغماً، كما قال فيها الشاعر: (وداوني بالتي كانت هي الداء) (10) . وإن كثيراً من بلاد المسلمين تبيح قوانينها شرب الخمور, وتعاطيها دون حياء أو خجل أو خوف من الله عز وجل. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر, والحرير, والخمرة, والمعازف)) (11) .
            ولو نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم لوجدنا أن هذه الأمور قد استحلت, بل يعطى أصحابها تراخيص رسمية بموجب القانون. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
            ومما له تأثير على العقل أيضاً أن بعض المبتدعة تحولوا في ذكرهم لله إلى حالة من الرقص والغناء مصحوبة بآلات الطرب واللهو، فربما رقصوا بدعوى الذكر حتى تغيب عقولهم, ويصيبهم الزار, فيقعون على الأرض, ويزعمون أنهم سكروا في حب الله عندما تذهب عقولهم تحت تأثير هذا الرقص والغناء. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
            5- ومثال ما يقع في المال أن الكفار قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [ البقرة: 275]. فإنهم لما استحلوا العمل به احتجوا بقياس فاسد, فقالوا: إذا فسخ العشرة التي اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين, فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[ البقرة: 275], ليس البيع مثل الربا. فهذه محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأي فاسد، فكان من جملة المحدثات كسائر ما أحدثوه في البيوع الجارية بينهم المبنية على الخطر والغرر (12) .
            قال علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع رداً على من قاس الربا على البيع في الحل بعد أن أورد كلام الشاطبي.
            وحاصله: (أن ما ذكرتم قياس فاسد الوضع, لوقوعه في مقابلة النص، على أن بينهما فارقاً، وهو أن من باع ثوباً مثلاً قيمته عشرة في الحال بأحد عشر، فإنه أخذ الزائد بغير عوض، ولا يمكن جعل الإمهال عوضاً. لأنه ليس بمال حتى يكون في مقابلة الزائد. وهذا عين الربا لأنه زيادة لا يقابلها عوض في معاوضة مالية) (13) .
            قلت: وقد كثر الدعاة لإباحة الربا في هذا الزمان، ومما يؤسف له أن يكون بعض الناعقين بالدعوة إلى حله ممن يظن أنهم من أهل العلم، فقد صرحوا بإباحته على المنابر, وعبر وسائل الإعلام, متجاهلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لعلل واهية, وتمحلات اخترعوها من بنيات أفكارهم, احتيالاً على تحليل ما حرم الله, وهذا شأن اليهود فإنهم عندما حرم الله عليهم لحوم الميتة أخذوا شحومها فجملوها - أي أذابوها - فباعوها فأكلوا ثمنها.
            فقد روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه:
            أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكة: ((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر, والميتة, والخنزير, والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه)) (14) .
            كما ظهر في هذا الزمان كثير من الحيل بقصد ابتزاز أموال الناس وأكلها بالباطل مثل ما يسمى باليانصيب وغيره، من ألوان القمار, وكثير مما يجري في البورصات, والأسواق العالمية من الحيل, والمؤامرات, ناهيك عن انتشار البنوك الربوية في شتى بلاد العالم الإسلامي في كل مدينة وقرية. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
            وخلاصة القول إن البدع كلها حرام، وتتفاوت رتبها في دائرة الحرام، فمنها ما هو كفر صراح، ومنها ما هو مشكوك في كفر صاحبه, ومنها ما هو معصية لا يكفر صاحبها بلا نزاع، ومنها ما هو مكروه, وقد فصلنا أمثلة ذلك في أول الفصل.
            هذا ويجدر بنا... أن ننبه إلى أن ما يجري عليه حكم المكروه من البدع، لا يعني به كراهية التنزيه، وقد نبه على ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله.
            فإن إطلاق المكروه على ما هو مكروه تنزيهاً اصطلاح للمتأخرين لم يعرف عن المتقدمين من السلف، فلم يقولوا فيما لا حرج فيه إنه مكروه، ولم يكن شأنهم أن يقولوا فيما لا نص فيه هذا حلال وهذا حرام، لئلا يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: 116-117].
            وإنما كانوا يقولون فيه هذا مكروه, أو أكره هذا, أولا أستحب هذا (15) . وما أشار إليه الشاطبي هنا: من استعمال السلف لفظ المكروه بمعنى الحرام هو ما وضحه ابن القيم حيث بين أن في استعمال القرآن والسنة ما يشير إلى هذا كقوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى [الإسراء: 32]. وقوله: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ [الأنعام: 152]. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كره لكم قيل وقال...)) (16) إلخ.
            ومما يدل على أن البدع إذا عبر عنها بالكراهة فإنه يقصد بها كراهة التحريم هو ورود النهي عن البدع على وجه واحد، ونسبتها إلى الضلال على كل حال، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا إذا تأملنا حقيقة البدعة – جلت أو خفيت – وجدناها مخالفة للمكروه من المنهيات مخالفة تامة. فمرتكب المكروه يفعله متكلاً على العفو اللازم فيه, ورفع الحرج الثابت في الشريعة له. كما أن اعتقاده غير متزحزح، فهو يعتقد المكروه مكروهاً والحرام حراماً، ثم إنه يرى ترك المكروه أولى في حقه من الفعل, ويود لو لم يفعل، وعلى كل فطمعه في الإقلاع عن هذا المكروه, والتخلص من الوقوع فيه لا ينقطع.
            أما مرتكب أدنى البدع فإنه يعد ما دخل فيه حسناً, بل يراه أولى مما حد له الشارع، ويزعم أن طريقه أهدى سبيلاً، ونحلته أولى بالأتباع، فهو يفعل ما يخالف, ولا يستشعر سوء ما يفعل، ويندر أن يتحرك قلبه نحو التوبة مما هو واقع فيه (17) .
            وعلى كل حال فالبدعة لها أمران:
            أحدهما: أنها مضادة للشارع ومراغمة له, حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة لا نصب المكتفي بما حد له.
            والثاني: أن كل بدعة – وإن قلت – تشريع زائد, أو ناقص, أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على الانفراد، وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادح في المشروع(الاعتصام للشاطبي.) ولذلك فإن البدع مع كونها محرمة فهي في أعلى درجات المحرم، وتكاد كلها أن تكون كبائر, فإن التشريع الزائد, أو الناقص, أو تغيير الأصل لو لم يكن بناء على اجتهاد خاطئ, أو تأويل غير مقبول لكان كفراً, وكل ما ذكر في شأن البدعة وما ورد فيها من الذم يرجح ذلك.(تنبيه الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لصالح بن سعد السحيمي)


            التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 19-01-2018, 05:48 PM.

            تعليق

            يعمل...
            X