السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أدلة وجود الله عز وجل
من كتاب أصول الإيمان
أولاً : هل يوصف الله بالوجود ؟
قبل أن نشرع في الحديث عن أدلة وجود الله عز وجل نبـادر بالإجابة على شبهـة قد تعرض حول وصف الله بالوجود ، أو بأنه موجود ، وما قد يجره ذلك من القول بأن له موجد باعتبار أن كل موجود لا بد له من موجد ، فهل يليق وصفه تعالى بذلك ؟! فنقول :
الوجود صفة لله جل وعلا بإجماع المسلمين ، بل هو صفه لله عند جميع العقلاء حتى المشركين ، لم ينازع في ذلك إلا الدهريون والملاحدة ، ولا يلزم من إثبات صفة الوجود لله جل وعلا أن يكون له موجـد ، لأن الوجود نوعان :
- الأول : وجود ذاتي ، وهو ماكان وجوده ثابتاً له في نفسه وليس مكسوباً من غيره ، وهذا هو وجود الله عز وجل ، فإن وجوده لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم ، كما قال تعـالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) ( الحديد : 3 ) .
- الثاني : وجود حادث ، وهو ما كان حادثاً بعد عدم ، فهذا الذي لا بد من موجد يوجده وخـالق يحدثه ، وهو الله سبحانه وتعـالى ، كما يقول تعالى : ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيـل ) ( الزمر : 62 ) .
وعلى هذا فلا حرج في وصف الله تعالى بأنه موجود ،ولا حرج في الإخبار عنه بذلك في الكلام فيقال : الله موجود باعتبار أن الوجود صفة من صفاته وليس اسماً من أسمائه . والله أعلم .
وبعد ، فإن الأدلة على وجود الله بعدد مخلوقات الله ! فكل ما خلق الله في السماوات والأرض يحمل بذاته أبلغ الأدلة على وجود الله عز وجل ، بَدءاً من أصغر ذرة في الأرض إلى أكبر مجرة في السماء !
ولقد ظل الإقرار بالربوبية مركوزاً في فطرة الإنسان عبر التاريخ البشري ، ولهذا لم يكن رسل الله بحاجة إلى أن يخوضوا معركة كبرى لإثباته لفرط وضوحه وبداهته ، بل كانت تكفي الإشارة إليه والتنبيه عليه ، ثم الانطلاق منه بعد ذلك لتقرير بقية حقائق التوحيد والإيمان .
ونحن لا ننكر أن شُذَّاذاً في تاريخ الأمم تنكروا لهذه الحقيقية وجحدوا بها ، ولكنهم كانوا من النـدرة والقلة ، بحيث لا يشكلون ظاهرة عامة تتـنزل من أجلها الكتب وتبعث من أجلها الرسل ، ومن أجل ذلك خلت كتب السلف الصالح من التناول المفصل لهذه القضية وإفرادها بمؤلفات خاصة ، فلم يكن للملاحدة من الوجود الفكري أو السياسي ما يحفز إلى التصدي والمواجهة .
ولكن شُذّاذ الأمس قد أصبحوا في هذا الزمن وإلى وقت قريب أمة قائمة يشيدون على الإلحاد الدولَ ، ويبنون على أساسه الحضـارات ، بل ويقيمون له المعاهد العلمية التي تعمل على تاصيل الإلحـاد وإعطائه صبغة العلم والتقدمية ! وإن كان نجمهم قد أخذ مؤخراً في الأفول بعد أن زالت إمبراطوريتهم ومُزّقـوا في الأرض كل ممزق ! ومن هنا مسّت الحاجـة إلى أن يهتم المسلمون بإبراز الآيات الدالة على وجـوده جل وعلا ، والتي تبرهن على كثير من أسمائه وصفاته ، دحضاً لشبه المبطلين ، وقياماً بحجة الله على العـالمين ، وحماية للأمة من أن يصيبها رذاذ هذا الإلحاد الفاجر ، واستجابة لأمر الله لهم بالتدبر في ملكوت السماوات والأرض .
وسوف نتناول في هذه الوحدة دلالة الخلق على الحق من خلال العناصر الآتية :
- دلالة الفطرة .
- دلالة الحس .
- دلالة العقل .
- دلالة الآيات الكونية .
- دلالة إجماع الأمم.
يتبع بإذن الله
تعليق