بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ذكر أهل العلم قاطبة بأنَّ العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين :
أحدهما: الإخلاص لله عز وجل .
والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدارة الآخرة ، فلا يقصد جاهاً ولا مالاً ، ولا رئاسةً ، ولا أن يمدح بين الناس ، بل لا يقصد إلا الله والدار الآخرة فقط.
وأما المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يخرج عن شريعته لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)
وقوله تعالى : (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)
ولقوله تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)
فهذه النصوص تدل على أنه لا بدُّ لكل عمل يتقرب به الإنسان لله عز وجل بأن يكون مبنيًاً على الإخلاص.
الإخلاص لله موافقاً لشريعة الله عز وجل ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها و زمانها ومكانها
فمن تعبد لله تعالى عبادة معلقة بسبب لم يجعله الشرع سبباً لها فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع ، فلا تكون مقبولة و، إذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)
وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين ,, يكون الحكم بالبدعية أو العكس ....
مثــــــــال
القول ( صدق الله العظيم ) ولماذا يقال بأنها بدعة سيئة ؟ واستدلال بعض الناس بمسألة تنقيط المصحف وأنها لم تحدث إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلماذا لا يقال بالبدعية ؟
هنا نقول
ذكر أهل العلم قاطبة بأنَّ العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين :
أحدهما: الإخلاص لله عز وجل .
والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدارة الآخرة ، فلا يقصد جاهاً ولا مالاً ، ولا رئاسةً ، ولا أن يمدح بين الناس ، بل لا يقصد إلا الله والدار الآخرة فقط.
وأما المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يخرج عن شريعته لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)
وقوله تعالى : (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)
ولقوله تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)
فهذه النصوص تدل على أنه لا بدُّ لكل عمل يتقرب به الإنسان لله عز وجل بأن يكون مبنيًاً على الإخلاص.
الإخلاص لله موافقاً لشريعة الله عز وجل ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها و زمانها ومكانها
فمن تعبد لله تعالى عبادة معلقة بسبب لم يجعله الشرع سبباً لها فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع ، فلا تكون مقبولة و، إذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)
وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين ,, يكون الحكم بالبدعية أو العكس ....
مثــــــــال
القول ( صدق الله العظيم ) ولماذا يقال بأنها بدعة سيئة ؟ واستدلال بعض الناس بمسألة تنقيط المصحف وأنها لم تحدث إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلماذا لا يقال بالبدعية ؟
هنا نقول
إن قول الإنسان عند انتهاء قراءته "صدق الله العظيم" لاشك أنه ثناء على الله عز وجل بوصفه سبحانه وتعالى بالصدق: (ومن أصدق من الله قيلاً) والثناء على الله بالصدق عبادة ، والعبادة لا يمكن أن يتقرب الإنسان بها إلا إذا كانت موافقة للشرع وهنا ننظر هل جعل الشرع انتهاء القراءة سبباً لقول العبد صدق الله العظيم ؟؟؟
إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا بل إنَّ الشرع لم يجعل انتهاء القاري من قراءته سبباً لأن يقول:( صدق الله العظيم) .
فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" اقرأ قال يا رسول كيف أقرأ عليك وعليك أنزل ؟؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأ حتى بلغ قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسبك" ولم يقل عبد الله بن مسعود (صدق الله العظيم) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
وهكذا أيضاً قرأ زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة "النجم" حتى ختمها ولم يقل (صدق الله العظيم) وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع (صدق الله العظيم) .
فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها فإذا انتهيت من قراءتك فاسكت واقطع القراءة ، أما أن تقول صدق الله العظيم ، وهي لم ترد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، فإن هذا قول يكون غير مشروع .
قد يقول قائل أليس الله تعالى قال:(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فنقول: بلى إن الله تعالى قال :(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) ونحن نقول : صدق الله ، لكن هل قال الله تعالى قل عند انتهاء قراءتك قل صدق الله .
الجواب : لا .
إذا كان كذلك ، فإننا نقول صدق الله ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ، ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلقاً بسبب لم يجعله الشارع سبباً له ؛ لأنه كما أشرنا من قبل لا تكون العبادة موافقة للشرع حتى يتحقق فيها ، أو بعبارة أصح لا تتحقق المتابعة في العبادةحتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها و زمانها ومكانها وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول (صدق الله العظيم) أهـ
ولمزيد بيان أقول :
وأين فعل السلف لهذا الأمر حتى ينضبط الأمر ؟ فهل روي عن صحابي أو تابعي أو تابع تابعي أنه كان إذا قرأ القرآن ختمه بقول ( صدق الله العظيم ) ؟؟ أين هذا ؟ فما أعلم أنَّ أحدًا من سلفنا الصالح كان يلتزمها ، ويبقى على المخالف الاتيان بدليل من السنة أو أثر عن الصحابة يدل على مشروعية ذلك ، ولا يقال هنا بالتحسين العقلي ، وبأنَّ هذا ليس مذمومًا ، وما في هذا ؟؟ لأنَّ التزام ما لم يلتزمه الشرع ، والتعبد لله تعالى بما لم يرد به الشرع يدخل تحت نطاق البدع الإضافية ،
<< ومن استحسن فقد شرع >>
كما قال الشافعي - رحمه الله تعالى - [المنخول : ( ص476) ]
بمعنى أن من استحسن بعقله وهواه فقد أتى بشرع جديد من قبل نفسه كما قال الله تعالى :"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [ الجاثية : 23 ]
وأما من يقول أن تنقيط المصحف بدعة فهذا لا يعي ما معنى البدعة ؟ ولا يفرق بينها وبين ما يسميه العلماء بالمصالح المرسلة ، وهذا الأمر منها :
وإذا أردت بيانا شافيا لهذا الأمر فانقل هنا كلامًا جيدًا لبعض أهل العلم ذكر فيه الرد على هذه الشبهة :
إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا بل إنَّ الشرع لم يجعل انتهاء القاري من قراءته سبباً لأن يقول:( صدق الله العظيم) .
فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" اقرأ قال يا رسول كيف أقرأ عليك وعليك أنزل ؟؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأ حتى بلغ قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسبك" ولم يقل عبد الله بن مسعود (صدق الله العظيم) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
وهكذا أيضاً قرأ زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة "النجم" حتى ختمها ولم يقل (صدق الله العظيم) وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع (صدق الله العظيم) .
فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها فإذا انتهيت من قراءتك فاسكت واقطع القراءة ، أما أن تقول صدق الله العظيم ، وهي لم ترد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، فإن هذا قول يكون غير مشروع .
قد يقول قائل أليس الله تعالى قال:(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فنقول: بلى إن الله تعالى قال :(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) ونحن نقول : صدق الله ، لكن هل قال الله تعالى قل عند انتهاء قراءتك قل صدق الله .
الجواب : لا .
إذا كان كذلك ، فإننا نقول صدق الله ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ، ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلقاً بسبب لم يجعله الشارع سبباً له ؛ لأنه كما أشرنا من قبل لا تكون العبادة موافقة للشرع حتى يتحقق فيها ، أو بعبارة أصح لا تتحقق المتابعة في العبادةحتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها و زمانها ومكانها وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول (صدق الله العظيم) أهـ
ولمزيد بيان أقول :
وأين فعل السلف لهذا الأمر حتى ينضبط الأمر ؟ فهل روي عن صحابي أو تابعي أو تابع تابعي أنه كان إذا قرأ القرآن ختمه بقول ( صدق الله العظيم ) ؟؟ أين هذا ؟ فما أعلم أنَّ أحدًا من سلفنا الصالح كان يلتزمها ، ويبقى على المخالف الاتيان بدليل من السنة أو أثر عن الصحابة يدل على مشروعية ذلك ، ولا يقال هنا بالتحسين العقلي ، وبأنَّ هذا ليس مذمومًا ، وما في هذا ؟؟ لأنَّ التزام ما لم يلتزمه الشرع ، والتعبد لله تعالى بما لم يرد به الشرع يدخل تحت نطاق البدع الإضافية ،
<< ومن استحسن فقد شرع >>
كما قال الشافعي - رحمه الله تعالى - [المنخول : ( ص476) ]
بمعنى أن من استحسن بعقله وهواه فقد أتى بشرع جديد من قبل نفسه كما قال الله تعالى :"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [ الجاثية : 23 ]
وأما من يقول أن تنقيط المصحف بدعة فهذا لا يعي ما معنى البدعة ؟ ولا يفرق بينها وبين ما يسميه العلماء بالمصالح المرسلة ، وهذا الأمر منها :
وإذا أردت بيانا شافيا لهذا الأمر فانقل هنا كلامًا جيدًا لبعض أهل العلم ذكر فيه الرد على هذه الشبهة :
*- من المعلوم أن السنة في تعريف العلماء هي ::: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو ترك، وزاد من زاد من العلماء الصفة الخَلقية والخُلقية، وتفصيل ذلك في كتب الأصول ومصطلح الحديث.
وهل الترك من الفعل، فيه خلاف، وبعض العلماء يجعل الترك من الفعل، لأن الترك لا يكون سنة إلا إذا كان مقصوداً، وهو الكف عن فعل الشيء، والكف فعل، لأنه امتناع مع قصد، ولهذا قيل الأصح أن يقال الكف، لأنه ترك يتضمن قصداً، وليس مجرد الغفلة عن فعل الشيء.
والكفُّ عن فعل شيء، لا يتحقق إلا بعد وجود الداعي إلى فعله، فيكف الإنسان عن فعله، فيدل على أنه تركه عمداً، قاصداً لتركه.
فإذا كان هذا النوع من التروك من النبي صلى الله عليه وسلم كان من سنته، لأن سنته هي فعل ما فعل، وترك ما تركه قاصداً تركه مع قيام الداعي إلى فعله.
لكنه إن كان في أمور العادات، فلا يستدل بالترك على التحريم، بل على الإباحة،
أما إن كان في شأن العبادة، فإن الترك يدل على تحريم الفعل، لان الأصل في العبادات التوقيف، فقد دلت النصوص على أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع .
هذا إذا تركه مع وجوده في زمن النبوة، وتوفر الداعي إلى فعله، أما إن لم يتوفر الداعي إلى فعله، أو لم يكن موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلا يكون مجرد تركه صلى الله عليه وسلم سنة.
مثل تركه الطواف في الطابق الثاني في الحج، ومثل تركه مكبرات الصوت للآذان، فالأول لم يتوفر الداعي إلى فعله، والثاني لم يكن موجوداً في زمنه، ولهذا لم يكن فعل هذا، أو ذاك بدعة.
وبهذا يعلم أنه إن كان الفعل الذي تركه صلى الله عليه وسلم، في شؤون العبادة، فإن تركه إياه يدل على أنه لم يؤذن له في التعبد لله تعالى به، وتعبدنا به إذن، هو البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه أحمد وأبو داود
والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال: «من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ]
فالبدعة هي التعبد لله تعالى بما ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يكون -أعني وقوع التعبد على غير الهدي النبوي- بفعل ما تركه النبي قاصداً تركه، مع قيام الداعي إلى فعله.
أوترك ما فعله صلى الله عليه وسلم قاصداً بفعله التقرب إلى الله تعالى وبيان حدود العبادة.
فالقسم الأول هو: فعل ما تركه صلى الله عليه وسلم قاصداً مع قيام الداعي إلى فعله في شؤون العبادة.
والقسم الثاني: ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم تقرباً إلى الله تعالى مبيناً حدود العبادة.
ومن الأمثلة على الأول إضافة ألفاظ إلى الأذان، حتى لو كانت أذكاراً مستحبة، كإضافة التسبيح والتحميد، أو إضافة (أشهد أن علياً ولي الله) أو(حي على خير العمل) كما تفعل الرافضة، أو إضافة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جهراً مع قول المؤذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، مع وجود الداعي إلى فعله، ولكنه تركه، فعلمنا أنه غير متعبد به، وأن فعله يصدق عليه أنه إحداث في الدين.
ومن الأمثلة أيضا إحداث أذان لصلاة العيد، أو لصلاة الكسوف، ونحو ذلك.
ومن الأمثلة على الثاني أي ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم، إنقاص الأذان بترك بعض ألفاظه.
وقد يجتمع في البدعة، فعل وترك، وذلك في تغيير هيئة العبادة عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مثل ترك الخطبة بعد صلاة العيد، وفعلها قبل صلاة العيد، كما فعل مروان بن الحكم، كما روى أبو داود: أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [رواه أبو داود].
ورواه مسلم: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم] وهو
في صحيح البخاري بألفاظ أخرى.
ففي هذه المثال، فعلت بدعتان: بدعة ترك، وبدعة فعل؛ بدعة ترك الخطبة بعد صلاة العيد وبدعة فعلها قبل صلاة العيد.
ولهذا قال من قال من العلماء إنه ما من بدعة إلا وتميت سُنة، لأنها تثمر ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً.
والحاصل أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الداعي إلى فعله في زمنه، في شؤون العبادة، فإنما تركه لبيان حدود العبادة، وهو من تمام بيانه الذي ذكره الله تعالى في قوله: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل:64] وحينئذ فلا يجوز فعله، وهو من معنى الإحداث في الدين.
أما ما تركه لأنه لم يكن ثمة داع إلى فعله، أو كان من قبيل الوسائل التي لا تقصد بذاتها، فلا يكون فعله من باب الإحداث في الدين.
ومثال الأول ترك النبي صلى الله عليه و سلم جمع القرآن مكتوباً في الصحف، لأنه لم يكن ثمة حاجة إليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الحفّاظ متوافرين، والقرآن محفوظ في صدورهم. وإنما جاءت الحاجة في زمن الصديق .
كما روى البخاري: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أرسل إلى أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه، إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [ التوبة:128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.[رواه البخاري].
وإنما لم يكن جمع القرآن في الصحف بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه كفاً عن فعله قاصداً التعبد لله تعالى بذلك، وإنما تركه لأنه لم يكن ثمة داع لفعله في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلم يكن فعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة إذن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "البدعة في الدين هي مالم يشرعه الله ورسوله، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر بالأدلة الشرعية، فهو من الدين الذي شرعه الله.." إلى أن قال: "سواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن". (مجموع الفتاوى 4/107ـ 108) .
وقال أيضاً: "السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله، سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل على زمانه، أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه، لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه، فما سنّه الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها، وإن كان يسمى في اللغة بدعة فكونه ابتدئ". (مجموع الفتاوى 21/317ـ 319) .
ومثل هذا تنقيط المصحف، فإن القرآن كان محفوظاً في الصدور في زمن النبوة، وكان يقرؤه العرب الفصحاء بسليقتهم لا يحتاجون إلى تنقيط، ولم يكن ثمة داع لتنقيطه، لأنه لم يكن مجموعاً في صحف أصلاً، وإنما احتيج إلى تنقيط المصحف بعد ذلك، عندما انتشرت العجمة، وقلّ في الناس حفظ القرآن في الصدور، ولهذا فإن تنقيطه عند قيام الحاجة إلى ذلك، لا يكون بدعة.
وأيضاً فإنه وسيلة لتصحيح القراءة، وباب الوسائل غير توقيفي، فيجوز استعمال الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة، حتى لو لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل مكبرات الصوت للآذان والصلاة، ومثل نقل العلوم الشريعة بوسائل الاتصال الحديثة، ومثل استعمال لغة الإشارة لتفهيم الصم تعاليم الإسلام، ونحو ذلك من الوسائل الكثيرة التي لا تحصى، والتي لا يقصد بها التعبد بذاتها على أنها عبادة، وإنما تتخذ وسائل فحسب، وكلما طرأت وسيلة أفضل منها تركت سابقتها، مما يدل على أنه لا يقصد التعبد بها لذاتها، فمثل هذا لا يدخل في باب الابتداع في الدين.
وهذا بخلاف - مثلا - الاحتفال بالمولد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه مع إمكان فعله في زمنه، ووجود الداعي إلى ذلك، فلم يكن أحد يحب النبي صلى الله عليه وسلم كما يحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يشرع لهم الاحتفال بمولده، فدلّ على أنه قصد هذا الترك، وأن فعله بدعة.
وقد شرع لهم التعبد لله تعالى بتعظيم عيد الأضحى والفطر ويوم الجمعة، كما شرع لهم أيضاً ترك التعبد بتعظيم يوم الثاني عشر من ربيع الأول، أو تخصيصه بشيء من العبادات، فالواجب إتباع هديه في الأمرين، في الفعل والترك.
وهذا من تمام الائتساء به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب:21]
وقال تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} [سورة الحشر:7].
مع أنه تكرر عليه يوم مولده منذ بعثته، ثلاث وعشرون مرة، في ثلاث وعشرين سنة، مدة رسالته صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يحتفل ولا مرة واحدة بمولده صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء الخلفاء الراشدون، فتركوا أيضاً الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ومضى على هذا الترك القرون المفضلة، حتى جاء الفاطميون الباطنيون الرافضة فأحدثوا هذه البدعة، فهم أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي،
فكيف تقاس هذه البدعة، على مسألة تنقيط المصحف، وما بينهما كما بين المشرقين.
وكيف ندع - ليت شعري - هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وصحابته الكرام، ونستبدله ببدعة أحدثتها أضل فرقة، فحق للعقلاء إن فعلنا ذلك، أن يتمثلوا فينا بقول الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبيداء أبعد منزل
والخلاصة: أن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة، ولم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة إليها، وليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تركها قاصداً ذلك، تعبدا لله تعالى بتركها.
وأخيرا نختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد بين فيه أن دين الإسلام، قائم على أصلين.
قال: "فَصْلٌ: الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ والاتباع لا على الْهَوَى وَالابْتِدَاعِ فَإِنَّ الإسلام مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَعْبُدَهُ بالأهواء وَالْبِدَعِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [سورة الجاثية:17,18]،
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى:21] ، فَلَيْسَ لأحَدِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إلا بما شَرَعَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ لا يَعْبُدُهُ بالأمور الْمُبْتَدَعَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «خَيْرُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الأمور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» [رواه مسلم]". انتهى كلام شيخ الإسلام.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول للأهمية
وهل الترك من الفعل، فيه خلاف، وبعض العلماء يجعل الترك من الفعل، لأن الترك لا يكون سنة إلا إذا كان مقصوداً، وهو الكف عن فعل الشيء، والكف فعل، لأنه امتناع مع قصد، ولهذا قيل الأصح أن يقال الكف، لأنه ترك يتضمن قصداً، وليس مجرد الغفلة عن فعل الشيء.
والكفُّ عن فعل شيء، لا يتحقق إلا بعد وجود الداعي إلى فعله، فيكف الإنسان عن فعله، فيدل على أنه تركه عمداً، قاصداً لتركه.
فإذا كان هذا النوع من التروك من النبي صلى الله عليه وسلم كان من سنته، لأن سنته هي فعل ما فعل، وترك ما تركه قاصداً تركه مع قيام الداعي إلى فعله.
لكنه إن كان في أمور العادات، فلا يستدل بالترك على التحريم، بل على الإباحة،
أما إن كان في شأن العبادة، فإن الترك يدل على تحريم الفعل، لان الأصل في العبادات التوقيف، فقد دلت النصوص على أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع .
هذا إذا تركه مع وجوده في زمن النبوة، وتوفر الداعي إلى فعله، أما إن لم يتوفر الداعي إلى فعله، أو لم يكن موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلا يكون مجرد تركه صلى الله عليه وسلم سنة.
مثل تركه الطواف في الطابق الثاني في الحج، ومثل تركه مكبرات الصوت للآذان، فالأول لم يتوفر الداعي إلى فعله، والثاني لم يكن موجوداً في زمنه، ولهذا لم يكن فعل هذا، أو ذاك بدعة.
وبهذا يعلم أنه إن كان الفعل الذي تركه صلى الله عليه وسلم، في شؤون العبادة، فإن تركه إياه يدل على أنه لم يؤذن له في التعبد لله تعالى به، وتعبدنا به إذن، هو البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه أحمد وأبو داود
والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال: «من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ]
فالبدعة هي التعبد لله تعالى بما ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يكون -أعني وقوع التعبد على غير الهدي النبوي- بفعل ما تركه النبي قاصداً تركه، مع قيام الداعي إلى فعله.
أوترك ما فعله صلى الله عليه وسلم قاصداً بفعله التقرب إلى الله تعالى وبيان حدود العبادة.
فالقسم الأول هو: فعل ما تركه صلى الله عليه وسلم قاصداً مع قيام الداعي إلى فعله في شؤون العبادة.
والقسم الثاني: ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم تقرباً إلى الله تعالى مبيناً حدود العبادة.
ومن الأمثلة على الأول إضافة ألفاظ إلى الأذان، حتى لو كانت أذكاراً مستحبة، كإضافة التسبيح والتحميد، أو إضافة (أشهد أن علياً ولي الله) أو(حي على خير العمل) كما تفعل الرافضة، أو إضافة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جهراً مع قول المؤذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، مع وجود الداعي إلى فعله، ولكنه تركه، فعلمنا أنه غير متعبد به، وأن فعله يصدق عليه أنه إحداث في الدين.
ومن الأمثلة أيضا إحداث أذان لصلاة العيد، أو لصلاة الكسوف، ونحو ذلك.
ومن الأمثلة على الثاني أي ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم، إنقاص الأذان بترك بعض ألفاظه.
وقد يجتمع في البدعة، فعل وترك، وذلك في تغيير هيئة العبادة عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مثل ترك الخطبة بعد صلاة العيد، وفعلها قبل صلاة العيد، كما فعل مروان بن الحكم، كما روى أبو داود: أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [رواه أبو داود].
ورواه مسلم: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم] وهو
في صحيح البخاري بألفاظ أخرى.
ففي هذه المثال، فعلت بدعتان: بدعة ترك، وبدعة فعل؛ بدعة ترك الخطبة بعد صلاة العيد وبدعة فعلها قبل صلاة العيد.
ولهذا قال من قال من العلماء إنه ما من بدعة إلا وتميت سُنة، لأنها تثمر ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً.
والحاصل أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الداعي إلى فعله في زمنه، في شؤون العبادة، فإنما تركه لبيان حدود العبادة، وهو من تمام بيانه الذي ذكره الله تعالى في قوله: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل:64] وحينئذ فلا يجوز فعله، وهو من معنى الإحداث في الدين.
أما ما تركه لأنه لم يكن ثمة داع إلى فعله، أو كان من قبيل الوسائل التي لا تقصد بذاتها، فلا يكون فعله من باب الإحداث في الدين.
ومثال الأول ترك النبي صلى الله عليه و سلم جمع القرآن مكتوباً في الصحف، لأنه لم يكن ثمة حاجة إليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الحفّاظ متوافرين، والقرآن محفوظ في صدورهم. وإنما جاءت الحاجة في زمن الصديق .
كما روى البخاري: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أرسل إلى أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه، إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [ التوبة:128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.[رواه البخاري].
وإنما لم يكن جمع القرآن في الصحف بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه كفاً عن فعله قاصداً التعبد لله تعالى بذلك، وإنما تركه لأنه لم يكن ثمة داع لفعله في زمنه صلى الله عليه وسلم، فلم يكن فعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة إذن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "البدعة في الدين هي مالم يشرعه الله ورسوله، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر بالأدلة الشرعية، فهو من الدين الذي شرعه الله.." إلى أن قال: "سواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن". (مجموع الفتاوى 4/107ـ 108) .
وقال أيضاً: "السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله، سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل على زمانه، أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه، لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه، فما سنّه الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها، وإن كان يسمى في اللغة بدعة فكونه ابتدئ". (مجموع الفتاوى 21/317ـ 319) .
ومثل هذا تنقيط المصحف، فإن القرآن كان محفوظاً في الصدور في زمن النبوة، وكان يقرؤه العرب الفصحاء بسليقتهم لا يحتاجون إلى تنقيط، ولم يكن ثمة داع لتنقيطه، لأنه لم يكن مجموعاً في صحف أصلاً، وإنما احتيج إلى تنقيط المصحف بعد ذلك، عندما انتشرت العجمة، وقلّ في الناس حفظ القرآن في الصدور، ولهذا فإن تنقيطه عند قيام الحاجة إلى ذلك، لا يكون بدعة.
وأيضاً فإنه وسيلة لتصحيح القراءة، وباب الوسائل غير توقيفي، فيجوز استعمال الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة، حتى لو لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل مكبرات الصوت للآذان والصلاة، ومثل نقل العلوم الشريعة بوسائل الاتصال الحديثة، ومثل استعمال لغة الإشارة لتفهيم الصم تعاليم الإسلام، ونحو ذلك من الوسائل الكثيرة التي لا تحصى، والتي لا يقصد بها التعبد بذاتها على أنها عبادة، وإنما تتخذ وسائل فحسب، وكلما طرأت وسيلة أفضل منها تركت سابقتها، مما يدل على أنه لا يقصد التعبد بها لذاتها، فمثل هذا لا يدخل في باب الابتداع في الدين.
وهذا بخلاف - مثلا - الاحتفال بالمولد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه مع إمكان فعله في زمنه، ووجود الداعي إلى ذلك، فلم يكن أحد يحب النبي صلى الله عليه وسلم كما يحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يشرع لهم الاحتفال بمولده، فدلّ على أنه قصد هذا الترك، وأن فعله بدعة.
وقد شرع لهم التعبد لله تعالى بتعظيم عيد الأضحى والفطر ويوم الجمعة، كما شرع لهم أيضاً ترك التعبد بتعظيم يوم الثاني عشر من ربيع الأول، أو تخصيصه بشيء من العبادات، فالواجب إتباع هديه في الأمرين، في الفعل والترك.
وهذا من تمام الائتساء به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب:21]
وقال تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} [سورة الحشر:7].
مع أنه تكرر عليه يوم مولده منذ بعثته، ثلاث وعشرون مرة، في ثلاث وعشرين سنة، مدة رسالته صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يحتفل ولا مرة واحدة بمولده صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء الخلفاء الراشدون، فتركوا أيضاً الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ومضى على هذا الترك القرون المفضلة، حتى جاء الفاطميون الباطنيون الرافضة فأحدثوا هذه البدعة، فهم أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي،
فكيف تقاس هذه البدعة، على مسألة تنقيط المصحف، وما بينهما كما بين المشرقين.
وكيف ندع - ليت شعري - هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وصحابته الكرام، ونستبدله ببدعة أحدثتها أضل فرقة، فحق للعقلاء إن فعلنا ذلك، أن يتمثلوا فينا بقول الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبيداء أبعد منزل
والخلاصة: أن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة، ولم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة إليها، وليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تركها قاصداً ذلك، تعبدا لله تعالى بتركها.
وأخيرا نختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد بين فيه أن دين الإسلام، قائم على أصلين.
قال: "فَصْلٌ: الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ والاتباع لا على الْهَوَى وَالابْتِدَاعِ فَإِنَّ الإسلام مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَعْبُدَهُ بالأهواء وَالْبِدَعِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [سورة الجاثية:17,18]،
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى:21] ، فَلَيْسَ لأحَدِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إلا بما شَرَعَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ لا يَعْبُدُهُ بالأمور الْمُبْتَدَعَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «خَيْرُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الأمور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» [رواه مسلم]". انتهى كلام شيخ الإسلام.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول للأهمية
تعليق