تقليد الغرب المشركين
جمع وترتيب: أبى مصعب السيوطي
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى . لاسيما عبدُه المصطفى ، وعلى آله وصحبه المستكملين الشرف ، وبعد
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " فَمَنْ ؟ "
جمع وترتيب: أبى مصعب السيوطي
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى . لاسيما عبدُه المصطفى ، وعلى آله وصحبه المستكملين الشرف ، وبعد
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " فَمَنْ ؟ "
[ رواه : البخارى واللفظ له ، ومسلم وابن ماجه وأحمد وغيرهم ]
* توطئة *
إن من أبرز مواطن الجمال فى هذه الشريعة : التميز فى عقائدها، وتصوراتها، وأفكارها وهى تعمل جاهدة على بقاء هذا التميز فى الوقت الذى يدأب الأعداء ليل نهار على تذويب معالم الشخصية المسلمة، وتدمير عقيدة الولاء والبراء - أحد ثوابت التصور الإسلامى الصحيح -من خلال الدعوات التى يروج لها كـ : ثقافة العالم الواحد " العولمة " والحداثة، والتقارب بين الأديان وهذا وغيره يتناقض تمام التناقض مع ما أراده الله لهذه الأمة من التميز والاستقلال فى التصورات والأفكار .
* الكلام على الحديث من وجوه *
أولاً : الغريب :
- قوله ( سنن ) بفتح السين للأكثر، والمراد : الطريق .
- قوله ( جحر ضب ) الضب: دويبة معروفة .
يقال : خصت بالذكر لأن الضب يقال له قاضي البهائم والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم وأتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم .
- قوله ( قال فمن ؟ ) هو استفهام إنكار والتقدير: فمن هم غير أولئك.
وقد اخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد رفعه " لا تترك هذه الأمة شيئاً من سنن الأولين حتى تأتيه " .
ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح " لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها " .
ثانياً : دلالات الألفاظ والمعانى :
- قال ابن بطال : أُعلم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر، والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وأن الدين إنما يبقى قائماً عند خاصة من الناس .
- قال ابن حجر : وقد وقع معظم ما أنذر به صلى الله عليه و سلم وسيقع بقية ذلك .
- وقد تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساء التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم - مع الأسف- كثير من المسلمين جهلاً بدينهم، أو تبعاً لأهوائهم، أو انحرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم .
- ومما ينبغي أن يعلم أن أدلة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة، ومن أدلة الكتاب قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:19]
ومنها قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [الجاثية:18]
يخبر تعالى أنه جعل رسوله صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له، وأمره بإتباعها ، ونهاه عن إتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في ( الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) كل من خالف شريعته، و ( أَهْوَاءَ ) ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه: اتباع لما يهوونه، ولذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك.
وقال تعالى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [الحديد:16]
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : فقوله ( وَلَا يَكُونُوا ) نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهى عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي .
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية : ولهذا نهي الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية .
وفي الباب آيات أخر كثيرة وفيما ذكرنا كفاية.
فتبين من هذه الآيات أن ترك هدى الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها، وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة. قال صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من عمل بسنة غيرنا " .
حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشعروا أنه صلى الله عليه وسلم يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم فقالوا: " ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه " .
وهذا لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلاً، بل قد تعداها إلى غيرها من العبادات والآداب والعادات .
* أمثلة على مخالفة شريعتنا لغيرها *
1- من الصلاة :
- عَنْ أَبِى عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلاَةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاَةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ - يَعْنِى الشَّبُّورَ [البوق] - فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ». قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ». فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُرِىَ الأَذَانَ فِى مَنَامِهِ ... الحديث [رواه أبو داود]
- ومن ذلك ما رواه جندب بن عبد الله البجلي قال: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ « ... أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّى أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ » [رواه مسلم]
- ومن ذلك ما رواه شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِى نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ » [رواه أبو داود]
- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى رَجُلاً وَهُوَ جَالِسٌ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فِى الصَّلاَةِ وَقَالَ :« إِنَّهَا صَلاَةُ الْيَهُودِ » .
وفي رواية: « لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذ بون » [رواه البيهقى والحاكم]
2- ومن الجنائز:
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ » [رواه أحمد بسند حسن]
3- ومن الصوم :
- ما رواه عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ » [رواه مسلم]
- وما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ » [رواه أبو داود وغيره]
- وعَنْ لَيْلَى - امْرَأَةِ بَشِيرٍ – قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصِلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَقَالَ عَفَّانُ يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَلَكِنْ صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا " [رواه أحمد وغيره]
- وعن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ » . قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
- وعن أُمِّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: « إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ » [رواه أحمد بسند حسن]
4- ومن الأطعمة :
ما رواه عدى بن حاتم قال: " قلت: يا رسول الله إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ طَعَامٍ لَا أَدَعُهُ إِلَّا تَحَرُّجًا، قَالَ: « لَا تَدَعْ شَيْئًا ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً »[رواه أحمد]
والمعنى: لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك، شابهت فيه النصرانية، فإنه من دأب النصارى وترهبهم.
5- ومن اللباس والزينة :
- ما رواه عبد اللهِ بن عمرو ، قَالَ : رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : « أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا ؟ » قلتُ: أَغْسِلُهُمَا ؟ قَالَ: « بَلْ أَحْرِقْهُمَا» .
وفي رواية ، فَقَالَ : « إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا » [رواه مسلم]
قال النووي : قوله : ( أمك أمرتك بهذا ؟ ) معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما فقيل : هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل .
- وفي كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: " ... وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ... " [متفق عليه]
- وعن علي رضي الله عنه رفعه: « إِيَّاكُمْ وَلُبُوس الرُّهْبَان ، فَإِنَّهُ مَنْ تَزَيَّا بِهِمْ أَوْ تَشَبَّهَ فَلَيْسَ مِنِّي » [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَدٍ لَا بَأْس بِهِ]
- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: « يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ، قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ [ لحاهم ] وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ [ شواربهم ] قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » [رواه أحمد]
- وعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ » [متفق عليه]
- وقال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ » [متفق عليه]
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى » [رواه أحمد والترمذى]
6- ومن الآداب والعادات :
- عن جابر بن عبد الله مرفوعاً : « لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيم الْيَهُود ، فَإِنَّ تَسْلِيمهمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفّ وَالْإِشَارَة » [رواه أبو يعلى وغيره]
- وعن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: قَالَ مَرَّ بِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِىَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِى وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِى فَقَالَ « أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ؟ » [رواه أبو داود وأحمد]
وأخيراً عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » [رواه أحمد وأبو يعلى]
فثبت من كل ما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا التى بنى على أساسها هذا الدين، فالواجب على كل المسلمين رجالاً ونساءً أن يراعوا ذلك في كافة شئونهم .
قال الحسن: " قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم " يعني في الدنيا والآخرة .
قال ابن تيمية : ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفراً بحسب الأدلة الشرعية .
وقال: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به، ودار التحريم عليه، فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر، وقد يتعسر أو يتعذر زواله، وكل ما كان سببا إلى الفساد فالشارع يحرمه .
* توطئة *
إن من أبرز مواطن الجمال فى هذه الشريعة : التميز فى عقائدها، وتصوراتها، وأفكارها وهى تعمل جاهدة على بقاء هذا التميز فى الوقت الذى يدأب الأعداء ليل نهار على تذويب معالم الشخصية المسلمة، وتدمير عقيدة الولاء والبراء - أحد ثوابت التصور الإسلامى الصحيح -من خلال الدعوات التى يروج لها كـ : ثقافة العالم الواحد " العولمة " والحداثة، والتقارب بين الأديان وهذا وغيره يتناقض تمام التناقض مع ما أراده الله لهذه الأمة من التميز والاستقلال فى التصورات والأفكار .
* الكلام على الحديث من وجوه *
أولاً : الغريب :
- قوله ( سنن ) بفتح السين للأكثر، والمراد : الطريق .
- قوله ( جحر ضب ) الضب: دويبة معروفة .
يقال : خصت بالذكر لأن الضب يقال له قاضي البهائم والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم وأتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم .
- قوله ( قال فمن ؟ ) هو استفهام إنكار والتقدير: فمن هم غير أولئك.
وقد اخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد رفعه " لا تترك هذه الأمة شيئاً من سنن الأولين حتى تأتيه " .
ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح " لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها " .
ثانياً : دلالات الألفاظ والمعانى :
- قال ابن بطال : أُعلم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر، والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وأن الدين إنما يبقى قائماً عند خاصة من الناس .
- قال ابن حجر : وقد وقع معظم ما أنذر به صلى الله عليه و سلم وسيقع بقية ذلك .
- وقد تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساء التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم - مع الأسف- كثير من المسلمين جهلاً بدينهم، أو تبعاً لأهوائهم، أو انحرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم .
- ومما ينبغي أن يعلم أن أدلة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة، ومن أدلة الكتاب قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:19]
ومنها قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [الجاثية:18]
يخبر تعالى أنه جعل رسوله صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له، وأمره بإتباعها ، ونهاه عن إتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في ( الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) كل من خالف شريعته، و ( أَهْوَاءَ ) ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه: اتباع لما يهوونه، ولذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك.
وقال تعالى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [الحديد:16]
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : فقوله ( وَلَا يَكُونُوا ) نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهى عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي .
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية : ولهذا نهي الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية .
وفي الباب آيات أخر كثيرة وفيما ذكرنا كفاية.
فتبين من هذه الآيات أن ترك هدى الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها، وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة. قال صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من عمل بسنة غيرنا " .
حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشعروا أنه صلى الله عليه وسلم يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم فقالوا: " ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه " .
وهذا لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلاً، بل قد تعداها إلى غيرها من العبادات والآداب والعادات .
* أمثلة على مخالفة شريعتنا لغيرها *
1- من الصلاة :
- عَنْ أَبِى عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلاَةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاَةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ - يَعْنِى الشَّبُّورَ [البوق] - فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ». قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ « هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ». فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُرِىَ الأَذَانَ فِى مَنَامِهِ ... الحديث [رواه أبو داود]
- ومن ذلك ما رواه جندب بن عبد الله البجلي قال: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ « ... أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّى أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ » [رواه مسلم]
- ومن ذلك ما رواه شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِى نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ » [رواه أبو داود]
- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى رَجُلاً وَهُوَ جَالِسٌ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فِى الصَّلاَةِ وَقَالَ :« إِنَّهَا صَلاَةُ الْيَهُودِ » .
وفي رواية: « لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذ بون » [رواه البيهقى والحاكم]
2- ومن الجنائز:
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ » [رواه أحمد بسند حسن]
3- ومن الصوم :
- ما رواه عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ » [رواه مسلم]
- وما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ » [رواه أبو داود وغيره]
- وعَنْ لَيْلَى - امْرَأَةِ بَشِيرٍ – قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصِلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَقَالَ عَفَّانُ يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَلَكِنْ صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا " [رواه أحمد وغيره]
- وعن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ » . قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
- وعن أُمِّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: « إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ » [رواه أحمد بسند حسن]
4- ومن الأطعمة :
ما رواه عدى بن حاتم قال: " قلت: يا رسول الله إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ طَعَامٍ لَا أَدَعُهُ إِلَّا تَحَرُّجًا، قَالَ: « لَا تَدَعْ شَيْئًا ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً »[رواه أحمد]
والمعنى: لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك، شابهت فيه النصرانية، فإنه من دأب النصارى وترهبهم.
5- ومن اللباس والزينة :
- ما رواه عبد اللهِ بن عمرو ، قَالَ : رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : « أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا ؟ » قلتُ: أَغْسِلُهُمَا ؟ قَالَ: « بَلْ أَحْرِقْهُمَا» .
وفي رواية ، فَقَالَ : « إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا » [رواه مسلم]
قال النووي : قوله : ( أمك أمرتك بهذا ؟ ) معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما فقيل : هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل .
- وفي كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: " ... وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ... " [متفق عليه]
- وعن علي رضي الله عنه رفعه: « إِيَّاكُمْ وَلُبُوس الرُّهْبَان ، فَإِنَّهُ مَنْ تَزَيَّا بِهِمْ أَوْ تَشَبَّهَ فَلَيْسَ مِنِّي » [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَدٍ لَا بَأْس بِهِ]
- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: « يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ، قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ [ لحاهم ] وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ [ شواربهم ] قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ » [رواه أحمد]
- وعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ » [متفق عليه]
- وقال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ » [متفق عليه]
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى » [رواه أحمد والترمذى]
6- ومن الآداب والعادات :
- عن جابر بن عبد الله مرفوعاً : « لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيم الْيَهُود ، فَإِنَّ تَسْلِيمهمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفّ وَالْإِشَارَة » [رواه أبو يعلى وغيره]
- وعن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: قَالَ مَرَّ بِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِىَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِى وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِى فَقَالَ « أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ؟ » [رواه أبو داود وأحمد]
وأخيراً عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » [رواه أحمد وأبو يعلى]
فثبت من كل ما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا التى بنى على أساسها هذا الدين، فالواجب على كل المسلمين رجالاً ونساءً أن يراعوا ذلك في كافة شئونهم .
قال الحسن: " قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم " يعني في الدنيا والآخرة .
قال ابن تيمية : ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفراً بحسب الأدلة الشرعية .
وقال: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به، ودار التحريم عليه، فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر، وقد يتعسر أو يتعذر زواله، وكل ما كان سببا إلى الفساد فالشارع يحرمه .
تعليق