![](http://upload.vb4egy.com/uploads/14268749671.gif)
كلمات في الولاء والبراء |
د. مهران ماهر عثمان |
بسم الله الرحمن الرحيم كلمات في الولاء والبراء الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فمما أثر عن ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: "إذا أردت أن تنظر إلى محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة"([1]). هذه المقولة تجلي لنا أهمية الولاء والبراء لدى المسلم. فما معنى هاتين الكلمتين؟ معنى الولاء والبراء: الولاء والوِلاية والوَلاية: النصرة. والموالاة ضد المعاداة. والبراء: التنزه، والتخلص، والعداوة، والبعد، والبغض. قال ابن كثير رحمه الله في قول الله تعالى: }والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض{ (التوبة: 71): "أي: يتناصرون، ويتعاضدون"([2]). وقال في الآية: }قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده{ (الممتحنة: 4): "يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم"([3]). وعلاقة الولاء والمحبة، والبراء والبغضاء، علاقة ملازمة. فالولاء لازم المحبة، والبراء لازم البغض. أهمية الولاء والبراء: هذه العقيدة من الأهمية بمكانٍ في ديننا الحنيف، ومما يدل على ذلك: 1/ أنَّ الإيمان لا يتحقق إلا بها. قال تعالى: }وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{ (المائدة: 81). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذه جملة شرطية إذا وُجد الشرط وُجد المشروط... ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء، فمن اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب"([4]). 2/ تحقيقها أوثق عُرى الإيمان: سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه : «أتدري أيُّ عُرى الإيمان أوثق»؟ قال: الله ورسولُه أعلم. قال: «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل»([5]). وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»([6]). إذاً فدين الإسلام دين حب وبغض، دين ولاء وعداء، دين رحمة وسيف. 3/ يجد الإنسان إذا حققها حلاوة الإيمان: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»([7]). فالحب والبغض من المعاني التي تجري على كل أحد، لكنَّ الموفَّق من أخضعها للشَّرع؛ فلا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، وما يُلقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم. 4/ ومما يوضح هذا الأهمية حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ، قال: قلت يا رسول الله اشترط علي. فقال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتنصح للمسلم، وتبرأُ من الكافر»([8]). 5/ وقد أعلمنا القرآن الكريم أن التبرء من الكافرين دأب الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم، ونحن مأمورون بالسير على طريقهم، فهذا أبو الأنبياء، خليل الرحمن، إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى عنه: }قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ { (الشعراء: 75-77). وقال: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ* وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ (الزخرف: 26-28). ومع شدة بره بأبيه الذي يلمسه كل من قرأ سورة مريم أظهر التبرء منه لما وضح له أنه من أعداء رب العالمين، ومات على ملة المشركين؛ } وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ{ (التوبة: 114). وهذا هود عليه السلام قال الله تعالى عنه: } قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{ (هود: 54-56). وقد جمع بين إظهار هذه العقيدة وبين القوة والحزم في ذلك، وقد ذُكر لنا سرُّ قوته هذه في قوله:} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم{، فصدق التوكل على الله سبب حفظه ورعايته: } وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ (الطلاق: 3). وقد سلك نبينا صلى الله عليه وسلم طريقهم، واهتدى بهديهم كما أمره الله في قوله: } أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{ (الأنعام: 90). فقد أظهر هذه البراءة من المشركين ولم يداهنهم، قال تعالى:} وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{ (الأنعام: 19). وأعلن صلى الله عليه وسلم للمشركين براءته من دينهم وطريقتهم بعبارات صريحة لا لَبْسَ يكتنفها ولا غموض يلحقها:} قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{ (سورة الكافرون). 6/ عنايته صلى الله عليه وسلم بغرز هذه العقيدة في نفوس أصحابه: ومما يدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بترسيخ هذه العقيدة في نفوس أصحابه أنهم ضربوا في تطبيقها أروع الأمثلة في غزوة بدر، وغزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، فهذا دليل على أن إرساء عقيدة الموالاة والمعاداة في نفوسهم كان من أولويات دعوته. قال تعالى:} لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (المجادلة: 22). } آبَاءهُمْ{: نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح قتل أباه يوم بدر، وكان على الإشراك. } أَبْنَاءهُمْ{: نزلت في الصدِّيق همَّ بقتل ابنه يوم بدر ولم يُقدَّر له ذلك. } إِخْوَانَهُمْ{: نزلت في مصعب بن عمير قتل أخاه عُبيد بن عمير فيها. } َعشِيرَتَهُمْ{: نزلت في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وفي عمر بن الخطاب قتل خاله يوم بدر. ولما قبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من المشركين يوم بدر كان رأي عمر بن الخطاب أن يُمكن كل أحد من قريبه فيضرب عنقه؛ ليعلم الكفار أنه لا محبة عند المؤمنين لهم، نزل القرآن الكريم مؤيداً لرأي عمر رضي الله عنه }مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ (الأنفال: 67-68). والكتاب الذي سبق:} فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء{ (محمد: 4). وأما ما يبين عنايته بالجانب الآخر؛ زرع الولاء للمؤمنين في نفوس المؤمنين فحديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ"([9]). |
![](http://upload.vb4egy.com/uploads/14268749693.gif)
تعليق