تأصيلات المنهج السلفي
إن هذه الدعوة التي نسعى إليها، ونؤمن بها، تحققت واقعًا عمليًا، وحياة أمة، ومنهج حياة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم، وعلى هذا الخطى النبوي سار التابعون وتابعوهم، سائرون على منهاج النبوة، مستمسكون بحبل الكتاب والسنة، ونحن اليوم لا نجد بدًا من سلوك هذا الطريق الذي سلكوا، والوقوف فيه حيث وقفوا. لأن الله تعالى مكن لهم بهذا المنهاج، وأبدلهم بعد خوفهم أمنًا، وأصبح لهم دولة وصولة، وفتحوا الدنيا بما جاءهم من النور والهدى، وصاروا أعزة فاتحين بهذا الدين. وقد جاء في الحديث" خيركم قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جيل الصحابة رضي الله عنهم فقال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". وقال عبد الله بن مسعود:"إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدِثُون ويُحدَثُ لكم، فإذا رأيتم محدَثةً فعليكم بالعهد الأول". وقال الإمام مالك: "لم يكن شيء من هذه الأهواء، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان".
نعم لا بد من هذا الطريق، لأنه على منهاج النبوة، ولأنهم صدر الأمة الذين صلح بهم أمر الدين، ولأن الأمة لا تمكن آخر الزمان إلا على هذا المنهاج منهاج النبوة كما جاء في الحديث: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، فكان ولا بد لنا من دعوة على منهج السلف الصالح.
المنهج السلفي منهج حياة شامل:
وهذا المنهج ليس منهجًا قاصرًا عن مواكبة أحداث الحياة والعصر، وليس منهجًا ناقصًا يعتريه الخلل والخطأ، إنما هو منهج حياة شامل وكامل صلح به المسلمون الأوائل، ومكنوا به، وشموليته تعني دخول جميع مجالات الحياة البشرية في منهجه، من حياة الإنسان الخاصة، وإلى حياة الأمم والعالم، فمن شموليته دخول العقيدة والعبادة والأخلاق في منهجه، ودخول شؤون المعاملات والتجارات والاقتصاد والسياسة، ومجالات العلم والبحث والفكر والتربية، وشؤون الحكم والسلطان، والحرب والسلم وأحكام الأسرة المسلمة، وغير ذلك مما يتعلق بجميع شؤون الإنسان في الحياة كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا.. ﴾ الآية" [المائدة:3]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:162].
ومن صلاحيته أنه لا ينتهي عند زمان أو مكان، ولكنه صالح لكل أهل زمان وعصر، ولكل أهل مكان ومصر، باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾[الأنبياء:105].
يخطئ قوم حينما يعتقدون أن هذا المنهج ثوب أبيض قصير، وسواك في الفم، ولحية تعفى، وعبارات وألفاظ لا يتخطاها المسلم في كلامه، كلا، إن كل هذا مطلوب شرعًا، سواء أكان من الفرائض والواجبات، أم كان من السنن والمستحبات، ولكنه لا يعني أن المنهج قاصر على هذا فحسب. إن هذا الدين كبير وعظيم، أكبر من أن يحتويه عمل عامل، أو علم عالم، فلتكن نظرتنا صحيحة مستقيمة، إنما هو منهج حياة كامل، إن منهجنا عقيدة وعبادة، وأخلاق وتربية، وأقوال وأفعال، ودنيا وأخرى، ومعاملات وآداب، وسياسة واقتصاد.
المنهج السلفي منهج قائم على التأصيل الشرعي:
نعم منهج قام على التأصيل الشرعي، وتقديم أدلته الصحيحة الواضحة على كل دليل، منهج ليس فيه تأصيل مخالف للكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة، وليس فيه تأصيل يوافق مناهج أهل البدع والأهواء، إلا أنهم هم يوافقوه أحيانًا لأنه الحق، ويخالفونه مرات ومرات، وليس فيه اتباع على غير بصيرة وعلم، ولكن منهج قام على التدليل الصحيح، والتأصيل القويم، والفهم السديد، والحجة الواضحة.
فمن تأصيلات المنهج لزوم اتباع الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة، والحذر من اتباع الأهواء والبدع: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[النساء:59].وكما جاء في الحديث: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا". ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فعليكم بسنتي".
ومن تأصيلات المنهج الاهتمام بالعقيدة والتوحيد في البناء الدعوي والإيماني وترسيخ ذلك في النفوس كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾[الأنبياء: 24].
ومن تأصيلات المنهج تقديم النقل على العقل، مع الاعتقاد بعدم تعارض العقل مع النقل، ولا النقل مع العقل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[الحجرات: 1].وقال ابن عباس رضي الله عنه: "توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون: قال أبو بكر، وقال عمر".
ومن تأصيلات المنهج الرفض والبعد عن التأويل الكلامي المرجوح، لأن فتح هذا الباب تقع المفاسد والتأويلات الكلامية التي مصيرها إلى نقض عرى الإسلام، وتمييع شرائعه وعقيدته، فما خرج الخوارج إلا من هذا الباب، وما وقع من فتن وأصحاب أهواء وتأويل فاسد فقتلوا الصحابة، وسفكت دمائهم، وكان ما كان بينهم، وأمرهم جميعًا إلى الله.
ومن تأصيلات المنهج لزوم الجماعة مع حسن السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية أو إظهار كفر عندنا فيه من الله برهان كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[النساء: 59].
ومن تأصيلات المنهج صحة العقيدة، وصحة العبادة، وصحة السلوك والأخلاق، إذ من دونها ينحرف الإنسان، ويخالف الصراط المستقيم، إذ أن انحراف العقيدة يوقع صاحبه في أبواب من الزيغ والضلال، ويوقع في البدع والأهواء، وكذلك العبادة والسلوك، فلا بد للسالك في هذا المنهج أن تصح له الطرق الثلاث، العقيدة والإيمان، والعبادة، والسلوك.
منقول
تعليق