من الأدلة النقلية الدالة على ذم البدع وفاعليها
ففي هذه الآية أمر سبحانه عباده باتباع صراطه وهو دينه الذي ارتضاه لعباده هذا الصراط الذي أخبر عنه بأنه مستقيما أي قويما لا اعوجاج به عن الحق، ثم نهاهم أن يسلكوا طريقا سواه أو يبغوا دينا خلافه من اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو عبادة الأوثان ، أو غير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات.
أما السبل فهي طرق أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط القويم، وهم أهل البدع : يدل لهذا ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال : (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا فقال : هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطا فقال هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ})
وهذا حديث صحيح كما قال ابن كثير في تفسيره وقال رجل لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد ، وثَم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} الآية.
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
3- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
"رد" أي : مردود.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله عند شرحه هذا الحديث : إنه صريح في رد كل بدعة وكل مخترع ( يعني في الدين ) وقال عن رواية مسلم التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) قال : إنها صريحة في ترك كل محدثة سواء أحدثها فاعلها أو سبق إليها فإنه قد يحتج به ( أي بما رواه الشيخان ) بعض المعاندين إذا فعل البدعة فيقول : ما أحدثت شيئا فيحتج عليه بهذه الرواية . اهـ .
وهذا من أعظم ما ينفر عن البدع ويبين سوء منقلب دعاتها والعاملين بها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ووجه التحذير : أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة ، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده ولو لم يكن هو عمل بها بل ؛ لكونه كان الأصل في إحداثها.
وهذا كاف في بيان سوء الابتداع وقبح البدع وأن أصحابها بعيدون عن هدي الله الذي كانوا يظنون أنهم بابتداعهم يقتربون منه . فقوله عليه الصلاة والسلام : شر الأمور محدثاتها . وقوله : (كل محدثة بدعة). في بعض الروايات . وقوله : (وكل بدعة ضلالة).
وقوله : (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) هذه كلها نواه وزواجر تقرع الأسماع ليكون فيها عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ووجه الدلالة من الحديث : أن المحدثات في الدين أيا كان نوعها هي من الشرور والآثام التي حذر منها الشارع وأخبر أنها سبب لقذف أصحابها في نار جهنم . وهذا وعيد شديد لدعاة الباطل كالمبتدعة وأتباعهم ليقلعوا عما هم عليه حتى لا يقعوا تحت طائلة هذا الوعيد .
7 - ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذم البدع :
8 - "وعن غضيف بن الحارث الثمالي قال : بعث إليَّ عبدُ الملك بن مروان فقال : يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين فقال : وما هما ؟ قال : رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر ، فقال : أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما ، قال : لم ؟ قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة" رواه أحمد بسند جيد والبزار .
ولولا خوف الإطالة لاستقصيت كافة الأدلة من الكتاب والسنة والمأثور عن السلف الصالح ، ولكني أكتفي بما أوردت وأحيل من أراد التوسع والاستقصاء على بعض أمهات المراجع التي أفاضت في سرد الأدلة في هذا الصدد ، مثل : كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي ، وإغاثة اللهفان للإمام ابن القيم ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي . ففيها ما يشفي الغليل ، جزى الله مؤلفيهما خير ما يجزي به العلماء العاملين .
مجلة البحوث الإسلامية.
تعليق