إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة شرح أسماء الله الحسنى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شرح] سلسلة شرح أسماء الله الحسنى

    بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين،
    *
    القابض-الباسط جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه:
    اقتران الاسمين:
    يلزم حين نعرّف بهما أن نجمع بينهما فذكرهما معاً يؤدي إلى معنى تمام القدرة.
    معنى القبض لغة: من الأخذ والمنع،
    البسط: العطاء والسّعة،
    **


    أدلة ثبوت الإسمين لله تعالى:

    *
    ووردا فعلاً في القرآن الكريم في قوله تعالى:{ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245البقرة)
    وفي أحاديث كثيرة منها، كقوله صلّ الله عليه وسلّم:" إنّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل" رواه مسلم.
    وقوله صلّ الله عليه وسلّم:" يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه.." الحديث


    معنى الإسمين في حقّ الله تعالى:
    *
    في قوله تعالى:{ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245البقرة)
    -قالوا في تأويلها:يقبض على من قبض وأمسك عن الإنفاق ويبسط على من بسط يده عطاءاً وإنفاقاً،
    -قالوا هنا قاعدة في مسألة حب الدنيا والخوف من الفاقة: أنت مع الدنيا مالم تشهد ربّها فإذا شهدت ربّها كانت الدنيا معك.-->تأتيك وهي راغمة،
    -وأن الله عزّوجلّ إنّما يقبض وبسط على حسب ما يراه سبحانه من المصلحة للعباد،
    -فالقاعدة:قالوا: يقبض بالعدل ويبسط بالفضل،
    ويقبض بالحِكمة ويبسط بالرّحمة، --> فإذا أعطاك اعطاك ستُعجب وتهلك،فيقبض بالحكمة ، ويمنع عنك حتّى إذا أوشكت على اليأس والقنوط أغاثك بالرحمة،
    يُولج ليل البسط في نهار القبض ويولج نهار البسط في ليل القبض، ويرزق من يشاء بغير حساب،
    وقالوا في المعنى: فهو سبحانه القابض الباسط ، يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة، ويقبض الصّدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للفقراء ، ويبسط الرزق لمن يشاء حتى لاتبقى فاقة ويقبضه حتى لاتبقى طاقة.
    قاعدة: إذا قَبض قبض حتى لا طاقة--> وهذا معنى " وظنوا ان لا ملجا منه إلا إليه"، فيمنع عن العبد حتى يجمع قلبه عليه، ثم" ينزل الغيث من بعد ما قنطوا"
    وإذا بَسَطَ بَسَطَ حتى لا فاقة-->يُعطيك أكثر مما تحتاج ومما تتصوّر،
    والكلّ منه وإليه.
    وقالوا: القابض الباسط : إذا زاده لم يزده سرفاً وإذا نقصه لم ينقصه عدماً او بخلاً.



    **


    حظّ المؤمن من هذين الاسمين من اسماء الله الحسنى
    :
    1
    -أن يفهم فقه القبض والبسط:
    القاعدة تقول: بسطك كي لا تكون مع القبض وقبضك كي لا تكون مع البسط وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيئ دونه،
    المعنى: أعطاك كي لا تيأس ولا تحزن وحتى لا تستحوذ عليك ظلال المنع فتشعر أن الأبواب مغلقة---> هذا يحمل كل معاني الرجاء وحُسن الظّنّ..وإن مع العسر يسرا..
    وهكذا تتعاقب الأمور.
    وهنا نفهم المعنى الذي يخفى علينا كثيراً في أوقات نشتكي فيه أننا لا نجد قلوبنا أز حين يسير الواحد منا في الطريق إلى الله وقدلا يجد الأثر في وقت ما،ونجد الغالب ان هناك قسوة وقبض ..فهنا يجب على العبد أن يفقه معالم الطريق إلى الله عزّ وجلّ، وأن يفهم كيف يعامله ربّه:
    فإذا أعطاك ستُعجب وإذا منع عنك تماماً ستأيس فلابد من الإثنين، سبحانه الحكيم الخبيرعزّوجلّ،
    ونحن لا نتعبّد الله بالأحوال بل نعبّده بالمقام، أي الصلاة التي تُرضي الله هي التي تخرج بعده وانت غاضّاً لبصرك ، الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكرأ وليست الصلاة التي تبكي فيه قليلا مثل الناس وهذا الحال وبعد ذلك لا أثر لها،
    وأحياناً تقول: لا أجد نفسي لا في القبض ولا في البسط وهذا هو: وأخرجك عنهما حتى لا تكون لشيئ دونه، فهذا مقام أعلى ان تكون راضي وترضيه سواء أعطاك أو منع عنك ،
    --> مُتعلّق بالذّات ، المهم يا رب إن لم يكن بك عليّ سخطٌ فلا أبالي.. هذا المقام ، لتكون له يُحرّكك كيف يشاء وأنت مُفوّض الأمر تماماً..

    2-فإذا آمنّا بأن الله هو القابض الباسط
    -- > يحثّنا على النفقة في سبيل الله ليس بالمال فقط بل تنفق علم ،جهد تكون حقاً خادم لله تبارك وتعالى،

    3-الإعتدال:تتعلم متى تُعطي ومتى تمنع،وهكذا مع أهل بيتك مثلاً فهناك اوقات تبسط وتوسع عليهم وأوقات تقبض قليلاً،والمطلوب الإعتدال بينهما، ويُعطي كل ذي حق حقه،
    4- فقه التعامل مع النفس بالقبض والبسط في العبادات:
    كيف تعاملها بالخوف والرجاء ، بالترغيب والترهيب،فبعض الناس قد يتعبد الله بالحرمان ويظن أنه كلما حرم نفسه كان لله أطوع،
    وخير الهدي هدي النّبيّ صلّ الله عليه وسلّم، كان يصوم حتى لا يكاد يُفطر ويُفطر حتى لا يكاد يصوم ، وهذا أعظم في العبودية لأنه فقه القبض والبسط.. فقه التعامل مع النفس، وليس عبودية الهوى،
    -ومن كلام الإمام ابن القيّم رحمه الله عن منزلة البسط والتخلّي عن القبض –في كتاب المدارج-: ..و الإنبساط مع الحقّ سبحانه: أن لايحبسك خوف ولا يحجبك رجاء ولا يحول بينك وبينه آدم ولا حوّاء، فالمعنى انك تراه أقرب إليك من أمّك وأبيك وأرحم عليك منهما..
    فالمُحب الصادق لابد أن يقارنه أحياناً فرح بمحبوبه –هذه هو الإنبساط ،السرور بالله- ويشتد فرحه به ويرى مواقع لُطفه به وبرّه به وإحسانه إليه وحُسن دفاعه عنه والتّلطّف في إيصال المنافع له والمسّار ..بكل طريق ودفع المضار والمكاره عنه بكل طريق وكلما فتّش عن ذلك اطّلع منه على أمور عجيبة..
    نختم بماكان عليه النبي صلّ الله عليه وسلّم لم يكن مُنبسط ولا متدلل ولا قابضاً طوال الوقت بل كان أشد الناس لله خشية وتعظيما وإجلالاً في كمال عبوديته وفي نفس الوقت كان أعظم الناس حبّاً ورجاء فيه سبحانه وتعالى،
    -
    فبينهما ندندن بين السرور والفرح والرجاء وفي نفس الوقت يكون منه على وجل لأن الله يقبض ويبسط.

    شرح الاسماء الحسنى للشيخ هانى حلمى



    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 10-11-2015, 08:31 PM. سبب آخر: تعديل الخط وتنسيق يسير

  • #2
    شرح أسماء الله الحسنى:الرؤوف

    الرؤوف

    مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّؤُوف، وَهُوَ الرحيمُ لِعِبَادِهِ العَطُوفُ عَلَيْهِمْ بأَلطافه ..

    فالله عزَّ وجلَّ هو الرؤوف المتناهي في الرحمة بعبـاده، لا راحم أرحم منه سبحانه ولا غاية وراء رحمته ..

    الدليل على ثبوت الاسم من القرآن الكريم

    سمى الله تعالى نفسه الرؤوف في عشر آيات من كتابه تعالى، منها: قوله تعالى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20]، وقوله عزَّ وجلَّ {.. رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]

    المعنى اللغوي للاسم
    الرأفَةُ: أشدُّ الرحمة .. والرأفة في حق البشر، هي: امتلاء القلب بالرقة، وهي أشد ما يكون من الرحمة، وقيل: بل شدة الرحمة ومنتهاها ..

    قال تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2]، يعني: لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئًا من الرحمة والرقة، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد.

    ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها .. فإذا رقَّ القلب دعاه ذلك إلى الرحمة، وإذا رَحِم واشتدت رحمته وامتلأ القلب بها كانت الرأفة .. كما يُقال: فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ..

    ولذلك قُدِمَت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا ، كما قال تعالى {.. بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان، وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان، وقد كانت رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة.

    الفرق بين الرأفة والرحمة:

    والرَّأْفَةُ أَخصُّ وأَرَقُّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا تَكاد تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ، والرحمةُ قَدْ تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ للمَصْلحةِ. [لسان العرب (9:112)]

    معنى الاسم في حق الله تعالى

    يقول ابن جرير "إنَّ الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة"
    [جامع البيان (2:12)]
    قال الخطابي "الرَّؤوف: هو الرحيم العَاطِف برأفته على عباده"

    والرَّؤوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته، وهذا من كمال الرأفة بالصادقين

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: .. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" [صحيح البخاري]

    ويعطف على عباده المذنبين، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ..
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ" [صحيح مسلم]

    وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري: عَنْ النَّبِيِّ قَالَ "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" [صحيح مسلم]

    والرَّؤوف أيضًا هو الذي يخفف عن عباده، فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم ..

    قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وقال {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ..} [البقرة: 286]

    قال الحُليمي "الرَّؤوف معناه المتساهل على عباده؛ لأنَّه لم يُحملهم ما لا يُطيقون، بل حَمَّلَهم أقل مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرة.

    ومع ذلك غلَّظ فرائضه في حال شدة القوة، وخَفَّفها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذَ المُقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض .. وهذا كله رأفة ورحمة"

    وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض عباده .. فقال تعالى { .. وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً
    وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ..}
    [الحديد: 27]*

    حظ المؤمن من اسم الله تعالى الرؤوف

    أولاً: طهِّر قلبــــك حتى يمتليء بالرحمة ..

    قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
    وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (*) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
    [النور: 19,20]

    لأن العبد إذا لم يُطهِّر قلبه، لن تدخله الرحمة بل سيكون قلبًا قاسيًا .. فلا يعرف معروفًا ولا يُنكِر مُنكرًا .. وحينها ستستحكم الأمراض من هذا القلب، فيمتليء بالحقد والضغينة ويكون ممن يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين والعياذ بالله.

    ومن رأفة الله عزَّ وجلَّ بعباده أن أنزل عليهم القرآن؛ ليفك تلك الأغلال التي تُقيد القلب ..

    قال تعالى {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9]

    فتدبُّر القرآن يُخرِج القلب من ظلمات الشهوة والقسوة إلى نور الهداية والإيمان .. ومن ظلمات الشك إلى نور اليقين .. فإذا امتلأ القلب بهذا النور، تنزلت عليه الرحمة وصار قلبًا نقيًا طاهرًا سليمًا.

    ثانيًا: بِع نفسك لله ..

    قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]

    فلكي تكون أهلاً لنيل رأفة الله سبحانه وتعالى، لابد أن تُضحي بشيءٍ عظيم تقربًا لله عزَّ وجلَّ .. فإذا ما ضحيت بصدق وإخلاص، نلت رأفة الله جلَّ وعلا وحينها ستتخلَّص من قسوة قلبك ويصير طاهرًا.

    ثالثًا: كن رؤوفـــًا بالنــاس ..

    على العبد أن يمتلأ قلبه بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم .. عن عبد الله بن عمرو : *أن رسول اللهِ قال "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ" [رواه الترمذي وصححه الألباني (1924)]

    وعليك أن تسعي في جميع الأسباب الموجبة للرحمة؛ لكي تنال رأفة الله عزَّ وجلَّ ..


    الاعتدال في الرأفـــة

    ولا بد أن تكون الرأفة في موضعها .. فكما أنها من الأخلاق الحميدة والخصال العظيمة إلا أن الشدة أنفع في بعض المواضع؛ كإقامة الحدود والأخذ على أيدي المفسدين الظالمين حين لا ينفع معهم نصح ولا لين، قال تعالى في حد الزنا {.. وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2].

    وهذا يشبه حال المريض إذا اشتهى ما يضره أو جَزَع من تناول الدواء الكريه فأخذتنا رأفة عليه حتى نمنعه شربه؛ فقد أعناه على ما يضره أو يهلكه، وعلى ترك ما ينفعه فيزداد سقمه فيهلك ..

    وهكذا المذنب هو مريض .. فليس من الرأفة به والرحمة أن يمكن مما يهواه من المحرمات ولا يعان على ذلك، ولا أن يمكن من ترك ما ينفعه من الطاعات التي تزيل مرضه، بل الرأفة به أن يعان على شرب الدواء وإن كان كريهًا، مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن يحمى عما يقوى داءه ويزيد علته وإن اشتهاه، ولا يظن الظان أنه إذا حصل له استمتاع بمُحَرَم يسكن بلاؤه، بل ذلك يوجب له انزعاجًا عظيمًا وزيادةً في البلاء والمرض في المآل، فإنه وإن سكن بلاؤه وهدأ ما به عقيب استمتاعه، أعقبه ذلك مرضًا عظيمًا عسيرًا لا يتخلص منه، بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء الذي ترامى به إلى الهلاك والعطب.

    ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر وأخف من ألم المرض الباقي، وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهى من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى لنبيه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]

    فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه وإن كان لا يريد إلا الخير ..

    إذ هو في ذلك جاهل أحمق كما يفعله بعض النساء والرجال الجهال بمرضاهم وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير رأفة بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم ..

    ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض، وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، كمن ينادي بتعطيل الحدود الشرعية من قطع يد السارق ورفع عقوبة الزنا، وإباحة الشذوذ والسحاق واللواط وغير ذلك من الأمور الانحلالية تحت دعوى الحرية، فهؤلاء من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرارته، فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين.


    ومن لم يكن مبغضًا للفواحش كارهًا لها ولأهلها، ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها لم يكن مريدًا للعقوبة عليها، فيبقى العذاب عليها يوجب ألم قلبه .. قال تعالى {.. وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ..} [النور: 2]، فإن دين الله طاعته وطاعة رسوله المبني على محبته ومحبة رسوله ، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ..


    فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله ما لم تكن مضيعة لدين الله، فهذه الرحمة حسنة مأمور بها أمر إيجاب أو استحباب بخلاف الرأفة في دين الله فإنها منهي عنها ..

    والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها، فإنه إن رآه مائلاً إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله، ولا يغار لما يغار الله منه، وإن رآه مائلاً إلى الشدة زين له الشدة في غير ذات الله حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله ، ويتعدى في الشدة فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله ..

    فينبغي أن يكون الموحد سُنيًا وسطيًا في رأفته؛ فإن الله لا يحب المسرفين.

    [مجموع الفتاوى 15/290 بتصرف]

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوبًا نقيةً طاهرةً؛ حتى ننال رأفة الله تعالى،،

    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 10-11-2015, 08:39 PM. سبب آخر: التنسيق

    تعليق


    • #3
      رد: شرح أسماء الله الحسنى:الرؤوف

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاك الله كل خير
      أسعدك الله ووفقك لكل خير


      قال الحسن البصري - رحمه الله :
      استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
      [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


      تعليق


      • #4
        رد: شرح أسماء الله الحسنى :القابض الباسط

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم
        ينقل للقسم المناسب له


        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة شرح أسماء الله الحسنى


          جزاكم الله خيرًا وتم دمج الموضوعين مع بعض لتكون سلسلة
          وفضلًا إضافة الموضوعات القادمة من شرح الأسماء فيه

          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
          وتولني فيمن توليت"

          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة شرح أسماء الله الحسنى

            الأسلوب ممتاز..جزاكم الله خيراً

            وعجلت إليك ربِّ لترضى

            تعليق

            يعمل...
            X