معنى الوحي : إلقاء المعنى في النفس في خفاءٍ، ولايجوز أن تُطلق الصفة بالوحي إلا لنبيٍ (ذكره الحرالي -التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص: 335).
قال الراغب الأصفهاني -رحمه الله- : أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمُّن السرعة قيل: أمرٌ وحيٌ، ذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجردٍ عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا - عليه السلام-"فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا" (مريم :11).
ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه: وحيٌ....وذلك بإما برسول مشاهدٍ ترى ذاته ويُسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة معينة، كسماع موسى -عليه السلام- كلام الله -عز و جل- وإما بإلقاء الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي" (أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني.)
وإما بإلهام نحو : "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ " (القصص: 7)، وإما بتسخير، نحو قوله: "وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ"(النحل: 68).
الخلاصة:
أن الله تعالى أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم السُنة، إما بوحي باطن، أي بإلقاء المعنى في نفسه صلى الله عليه وسلم في خفاءٍ، ويكون القول من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما برسالة أن أفعل كذا ولا تفعل كذا، والقول من النبي أيضا عن طريق جبريل، وقد دلت السنة على ذلك.
قال السيوطي: واحتج من ذهب إلى أنه لم يسنَّ إلا بأمر الله، إما بوحي ينزل عليه فيُتلى على الناس، أو برسالة ثابتة عن الله أن افعل كذا، بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان في قصة الزاني: "لأقضين بينكما بكتاب الله". ثم قضى بالجلد والتغريب، وليس التغريب في القرآن.
وبما أخرجه الشيخان، عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال:((بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو مُتَضَمِّخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك))) قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم.
ثم أخرج البيهقي بسنده عن طاووس :"أنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا مِنَ الْعُقُولِ نزل بِهِ الْوَحْيُ وَمَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدَقَةٍ وَعُقُولٍ ، فَإِنَّمَا نزل بِهِ الْوَحْيُ "
- عقول : جمعه عقل وهي :الدية.
وأخرج بسنده عن حسان بن عطية، قال :"كان جبريل عليه السلام - ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرأن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن". (أخرجه الدرامي).
عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمْرَكُمْ بِهِ اللهُ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ قَدْ نَفَثَ فِي رَوْعِيَ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ " (قال الألباني في السلسلة الصحيحة :". أخرجه الشافعي كما في " بدائع المنن " برقم (7) وابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 100) . وهذا إسناد مرسل حسن، عمرو هو ابن أبي عمر، والمطلب هو ابن عبد الله.)
قال الخطابي: قوله صلى الله عليه وسلم:"وأوتيت الكتاب ومثله معه".
يقول الإمام الخطابي: (أوتيت الكتاب ومثله معه) يحتمل وجهين من التأويل:
- أحدهما: أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
- الآخر: أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي من البيان مثله، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب، ويعم ويخص، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم، ولزوم العمل به، كالظاهر المتلو من القرآن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يُوشكُ رجل شبعان...الحديث" يحذر بهذا القول من مخالفة السنن مما ليس له في القرآن ذكر، على ماذهبت إليه الخوارج والروافض، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضُمنِّت بيان الكتاب. (بيان الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا بوحي من الله تعالى فهو معصوم من الله تعالى، قال تعالى :"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ(4) " (النجم).
*منقول من كتاب "المحجة البيضاء، كتبته: أم تميم عزة بنت محمد" قدم له الشيخ: مصطفى العدوي".
تعليق