من حكمة الله تعالى أن جعل بين كل متباينين برزخا؛ فجعل الشبهات برزخا بين الحلال والحرام، كما جعل الموت وما بعده برزخا بين الدنيا والآخرة، وجعل المعاصي برزخا بين الإيمان والكفر، وجعل الأعراف برزخا بين الجنة والنار، وغير ذلك.
فمن وقع في برزخ المتشابهات جاوزها إلى الحرام، ثم عسر عليه أن يعود مرة أخرى عن الحرام، فضلا عن تورعه عن المشتبهات.
عنالنعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " رواه البخاري ومسلم .
علامة المؤمن أنه قلق, عنده قلق دائم, هذا قلق مقدس, أما بعد أن عرف الله, فيقلقه ألا يكون في المستوى المطلوب.
قال -عليه الصلاة والسلام- " دع مايريبك إلى مالايريبك"رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الإثم؟ قال: (إذا حاك في صدرك شيء فدعه) رواه أحمد.
ومعناه: إذا شككت في شيء فدعه.
وترك المسلم ما يشك فيه أصل عظيم في الورع، وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس).
روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها) رواه مسلم.
ولو وقع - عليه الصلاة والسلام - في مشتبه سهوا أو نسيانا ندم أشد الندم؛
كما روى الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تحت جنبه تمرة من الليل فأكلها فلم ينم تلك الليلة، فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أرقت البارحة! قال: إني وجدت تحت جنبي تمرة فآكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه)
ولقد تأسى به صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام - رضي الله عنهم - ؛ إذ كانوا أحوط الناس لدينهم، وأبعدهم عن المشتبهات، حتى جعلوا بينهم وبينها كثيرا من المباحات، وقال قائلهم - رضي الله عنهم - "كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب واحد من الحرام"
(من ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه) رواه البخاري، وفي رواية لابن حبان قال - عليه الصلاة والسلام -: (جعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال).
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -إن إتمام التقوى أن يتقى الله العبد في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، يكون حجابا بينه وبين الحرام)
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما -أنه قال إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها)
أسأل الله تعالى أن يلحقنا بهم، وأن يجعل ورعنا مثل ورعهم، كما أسأله عز وجل أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمن سواه، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
شبكة نور الاسلام
تعليق