السؤال: أهل الصلاح يتحدثون عن " الوسطية في الدين " ، والعلمانيون يتحدثون عن " الوسطية في الدين " ، بل حتى الكافر يتحدث عن " الوسطية في الدين " ، فما الوسطية في الدين ؟
فصار لتلك الجملة الآن استعمالان ، أحدهما حق ، والآخر باطل .
أ. أما الاستعمال الحق لها : فله ما يؤيده من القرآن والسنَّة وأقوال أهل العلم من أهل السنَّة ، وقد جاء في القرآن بأن هذه الأمة " أمة الوسط " ،
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
" وأرى أن الله تعالى ذِكْره إنما وصفهم بأنهم " وسَط " : لتوسطهم في الدين ، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه ، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ، ولا هُم أهلُ تقصير فيه ، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله ، وقتلوا أنبياءَهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ، ولكنهم أهل توسط ، واعتدال فيه
ب. وأما الاستعمال الباطل لجملة " الإسلام دين الوسطية " فهو ما يدعو إليه بعض الكتاب والدعاة من الوقوف في الوسط بين كل متناقضين ، وعدم اتخاذ الموقف الشرعي الذي يوجبه عليه دينه ، فهو يقف – مثلاً – بين السنَّة والبدعة ، فلا يرفض البدعة بإطلاق ، ولا يقبل السنَّة بإطلاق ! ،
وينبغي أن يعلم هؤلاء وغيرهم : أن الوسط ، والتوسط ليس هو أن يقف المسلم وسط الطريق بين كل متناقضين ، بل هو أن يلتزم شرع الله تعالى في موقفه ، وأن يحكم على الشيء بما يستحقه مما جاء في الكتاب والسنَّة ،
وسطية الإسلام في العبادة :
الإسلام وسط في عباداته وشعائره بين الأديان التي ألغت الجانب " الرباني " ــ جانب العبادة والتنسك والتأله ــ من فلسفتها وواجباتها ، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده ..وبين الأديان التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والانتاج ، كالرهبانية المسيحية .
فالإسلام يكلف المسلم أداء شعائر محدودة في اليوم كالصلاة ، أو في السنة كالصوم ، أو في العمر مرة كالحج ، ليظل دائما موصولا بالله ، غير مقطوع عن رضاه ، ثم يطلقه بعد ذلك ساعيا منتجا ، يمشي في مناكب الأرض ، ويأكل من رزق الله .
ولعل أوضح دليل نذكره هنا : الآيات الآمرة بصلاة الجمعة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، .
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة
فهذا شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة : بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة ، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة وترك للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة ، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة ، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال ، فهو أساس الفلاح والنجاح
ويقول الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ القصص (77) ).
لقد خلق الله طيبات هذه الحياة ليستمتع بها الناس ، وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها ، فتنموا الحياة وتتجدد ، وتتحقق خلافة الله في هذه الأرض ، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ، فلا ينحرفون عن طريقها ، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها . والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم ، وتقبل لعطاياه ، وانتفاع بها . فهو طاعة من الطاعات يجزى عليها بالحسنى .
وسطية الإسلام في التشريع :
والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانوني والاجتماعي .
فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم ، وكثرت فيها المحرمات ، مما حرمه إسرائيل على نفسه ، ومما حرمه الله على اليهود ، جزاء بغيهم وظلمهم كما قال الله تعالى : " فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ " النساء
وبين المسيحية التي أسرفت في الإباحة ، حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة ، مع أن الإنجيل يعلن أن المسيح لم يجيء لينقض ناموس التوراة ، بل ليكمله . ومع هذا أعلن رجال المسيحية أن كل شيء طاهر للطاهرين !
فالإسلام قد أحل وحرم ، ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر ، بل من حق الله وحده ، ولم يحرم إلا الخبيث الضار ، كما لم يحل إلا الطيب النافع . ولهذا كان من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه : " يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ " الأعراف (157) .
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة ، كما هو وسط في شئونه كلها . وسط يبن الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ولا قيد ، وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته الضرورة والحاجة .
فقد شرع الإسلام هذا الزواج بشرط القدرة على الإحصان والإنفاق ، والثقة بالعدل بين الزوجتين ، فإن خاف ألا يعدل ، لزمه الاقتصاد على واحدة . كما قال الله تعالى : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً " النساء (3).
وهو وسط في الطلاق بين الذين حرموا الطلاق ، لأي سبب كان ، ولو استحالت الحياة الزوجية إلى الجحيم لا يطاق ، كالكاثوليك ، وقريب منهم الذين حرموه إلا لعلة الزنا والخيانة الزوجية كالأرثوذوكس .. وبين الذين أرخوا العنان في أمر الطلاق ، فلم يقيدوه بقيد ، أو شرط ، وبهذه النبذة المختصرة ، يتبين لنا مدى وسطية الإسلام وتوازنه في الجانب التشريعي .
وخلاصة القول : أن الوسطية تعد من خصائص تميز الأمة الإسلامية ، لازمت مسيرتها بمفهومها الشامل المرتكز على معنى الخيرية والعدالة ، واستمدتها من منهج الإسلام ونظامه ، وهو منهج الوسط والاعتدال والتوازن
وسطية الإسلام في الأخلاق :
جاء الإسلام وسطا في أخلاقياته ، فلم ينظر إلى الإنسان باعتباره خيرا محضا أو شرا محضا ، أي لم يكن تعامله مع الإنسان على أنه ملك أو شيطان ... وإنما تعامل معه بما يتوافق مع أصل فطرته وطبيعة تكوينه ، فهو مخلوق مكلف مختار ، صالح للطاعة أو المعصية ، فيه الجانب المادي والجانب الروحي ، وسأضرب مثالا واحدا على ذلك :
إذا وقع اعتداء على إنسان ما ، فإن النصرانية مثلا تدعوه إلى الإفراط في التسامح والعفو ، وفي هذا يقول إنجيلهم : (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر ) ويقول : ( أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ) ولا شك أنها نظرة مثالية محمودة ، ولكنها ليست متوازنة لأن الإنسان بطبيعته وفطرته يميل إلى الدفاع عن نفسه ورد الاعتداء الواقع عليه ، والانتقام ممن أهانه أو غض من كرامته ، فإذا وقع الاعتداء ، وطلب منه إلزاما أن يعفو ويصفح ، فلا شك أنه سيكبت غضبه وغيظه على كره ومضض ، وسيحاول التنفيس عن غضبه وغيظه حينما تسنح الفرصة المناسبة .
أما الإسلام ، فلأنه دين متوازن وواقعي ، فإنه سيأتي وسطا في هذه القضية ، بأن يراعي في النفس البشرية نوازع الرغبة في الانتقام والثأر ، فأباح للمعتدى عليه أن يرد الاعتداء بمثله فقط ، بحيث لا تنتقل المسألة من خانة رد الاعتداء إلى خانة التشفي والظلم ، يقول تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) البقرة (194) ويقول سبحانه : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا .... ) الشورى (40)لكن هذا ـ في حقيقة الأمر ـ ترغيب في العفو والمسامحة من طرف خفي ، فالمسلم بطبيعته ينأى بنفسه بعيدا عن الاعتداء وعن السيئة ، فهو يؤثر العفو والتسامح .
الاسلام سؤال وجواب
فصار لتلك الجملة الآن استعمالان ، أحدهما حق ، والآخر باطل .
أ. أما الاستعمال الحق لها : فله ما يؤيده من القرآن والسنَّة وأقوال أهل العلم من أهل السنَّة ، وقد جاء في القرآن بأن هذه الأمة " أمة الوسط " ،
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
" وأرى أن الله تعالى ذِكْره إنما وصفهم بأنهم " وسَط " : لتوسطهم في الدين ، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه ، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ، ولا هُم أهلُ تقصير فيه ، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله ، وقتلوا أنبياءَهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ، ولكنهم أهل توسط ، واعتدال فيه
ب. وأما الاستعمال الباطل لجملة " الإسلام دين الوسطية " فهو ما يدعو إليه بعض الكتاب والدعاة من الوقوف في الوسط بين كل متناقضين ، وعدم اتخاذ الموقف الشرعي الذي يوجبه عليه دينه ، فهو يقف – مثلاً – بين السنَّة والبدعة ، فلا يرفض البدعة بإطلاق ، ولا يقبل السنَّة بإطلاق ! ،
وينبغي أن يعلم هؤلاء وغيرهم : أن الوسط ، والتوسط ليس هو أن يقف المسلم وسط الطريق بين كل متناقضين ، بل هو أن يلتزم شرع الله تعالى في موقفه ، وأن يحكم على الشيء بما يستحقه مما جاء في الكتاب والسنَّة ،
وسطية الإسلام في العبادة :
الإسلام وسط في عباداته وشعائره بين الأديان التي ألغت الجانب " الرباني " ــ جانب العبادة والتنسك والتأله ــ من فلسفتها وواجباتها ، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده ..وبين الأديان التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والانتاج ، كالرهبانية المسيحية .
فالإسلام يكلف المسلم أداء شعائر محدودة في اليوم كالصلاة ، أو في السنة كالصوم ، أو في العمر مرة كالحج ، ليظل دائما موصولا بالله ، غير مقطوع عن رضاه ، ثم يطلقه بعد ذلك ساعيا منتجا ، يمشي في مناكب الأرض ، ويأكل من رزق الله .
ولعل أوضح دليل نذكره هنا : الآيات الآمرة بصلاة الجمعة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، .
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة
فهذا شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة : بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة ، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة وترك للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة ، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة ، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال ، فهو أساس الفلاح والنجاح
ويقول الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ القصص (77) ).
لقد خلق الله طيبات هذه الحياة ليستمتع بها الناس ، وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها ، فتنموا الحياة وتتجدد ، وتتحقق خلافة الله في هذه الأرض ، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ، فلا ينحرفون عن طريقها ، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها . والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم ، وتقبل لعطاياه ، وانتفاع بها . فهو طاعة من الطاعات يجزى عليها بالحسنى .
وسطية الإسلام في التشريع :
والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانوني والاجتماعي .
فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم ، وكثرت فيها المحرمات ، مما حرمه إسرائيل على نفسه ، ومما حرمه الله على اليهود ، جزاء بغيهم وظلمهم كما قال الله تعالى : " فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ " النساء
وبين المسيحية التي أسرفت في الإباحة ، حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة ، مع أن الإنجيل يعلن أن المسيح لم يجيء لينقض ناموس التوراة ، بل ليكمله . ومع هذا أعلن رجال المسيحية أن كل شيء طاهر للطاهرين !
فالإسلام قد أحل وحرم ، ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر ، بل من حق الله وحده ، ولم يحرم إلا الخبيث الضار ، كما لم يحل إلا الطيب النافع . ولهذا كان من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه : " يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ " الأعراف (157) .
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة ، كما هو وسط في شئونه كلها . وسط يبن الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ولا قيد ، وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته الضرورة والحاجة .
فقد شرع الإسلام هذا الزواج بشرط القدرة على الإحصان والإنفاق ، والثقة بالعدل بين الزوجتين ، فإن خاف ألا يعدل ، لزمه الاقتصاد على واحدة . كما قال الله تعالى : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً " النساء (3).
وهو وسط في الطلاق بين الذين حرموا الطلاق ، لأي سبب كان ، ولو استحالت الحياة الزوجية إلى الجحيم لا يطاق ، كالكاثوليك ، وقريب منهم الذين حرموه إلا لعلة الزنا والخيانة الزوجية كالأرثوذوكس .. وبين الذين أرخوا العنان في أمر الطلاق ، فلم يقيدوه بقيد ، أو شرط ، وبهذه النبذة المختصرة ، يتبين لنا مدى وسطية الإسلام وتوازنه في الجانب التشريعي .
وخلاصة القول : أن الوسطية تعد من خصائص تميز الأمة الإسلامية ، لازمت مسيرتها بمفهومها الشامل المرتكز على معنى الخيرية والعدالة ، واستمدتها من منهج الإسلام ونظامه ، وهو منهج الوسط والاعتدال والتوازن
وسطية الإسلام في الأخلاق :
جاء الإسلام وسطا في أخلاقياته ، فلم ينظر إلى الإنسان باعتباره خيرا محضا أو شرا محضا ، أي لم يكن تعامله مع الإنسان على أنه ملك أو شيطان ... وإنما تعامل معه بما يتوافق مع أصل فطرته وطبيعة تكوينه ، فهو مخلوق مكلف مختار ، صالح للطاعة أو المعصية ، فيه الجانب المادي والجانب الروحي ، وسأضرب مثالا واحدا على ذلك :
إذا وقع اعتداء على إنسان ما ، فإن النصرانية مثلا تدعوه إلى الإفراط في التسامح والعفو ، وفي هذا يقول إنجيلهم : (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر ) ويقول : ( أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ) ولا شك أنها نظرة مثالية محمودة ، ولكنها ليست متوازنة لأن الإنسان بطبيعته وفطرته يميل إلى الدفاع عن نفسه ورد الاعتداء الواقع عليه ، والانتقام ممن أهانه أو غض من كرامته ، فإذا وقع الاعتداء ، وطلب منه إلزاما أن يعفو ويصفح ، فلا شك أنه سيكبت غضبه وغيظه على كره ومضض ، وسيحاول التنفيس عن غضبه وغيظه حينما تسنح الفرصة المناسبة .
أما الإسلام ، فلأنه دين متوازن وواقعي ، فإنه سيأتي وسطا في هذه القضية ، بأن يراعي في النفس البشرية نوازع الرغبة في الانتقام والثأر ، فأباح للمعتدى عليه أن يرد الاعتداء بمثله فقط ، بحيث لا تنتقل المسألة من خانة رد الاعتداء إلى خانة التشفي والظلم ، يقول تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) البقرة (194) ويقول سبحانه : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا .... ) الشورى (40)لكن هذا ـ في حقيقة الأمر ـ ترغيب في العفو والمسامحة من طرف خفي ، فالمسلم بطبيعته ينأى بنفسه بعيدا عن الاعتداء وعن السيئة ، فهو يؤثر العفو والتسامح .
الاسلام سؤال وجواب
تعليق