إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكريم سبحانه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكريم سبحانه


    هل في العالم كريم إلا الله، وهل كريم أنفق إلا من كرمه، وهل هناك جواد جاد إلا من نعمه، فمن كرمه عزّ وتقدّس أنه يعطي من يسأل ومن لا يسأل، وكرمه حتى إلى أعدائه يصل، فهو المنان على كل مخلوق وهو المتفضّل، ومن كرمه أنه لا يمنع من عطاه عمن عصاه، بل تتوالى عليه نعمه وهداياه، وهداياه، ومن كرمه يعطي بغير حساب، حتى يعجز عطاؤه الكتاب، فكرمه لا يحد، وجوده لا يعد، وفضله لا يرد، وبرّه لا يصد، لأنه في كرمه أحد، فلا يشابهه أحد، في طول الأمد، إلى الأبد:

    انظر عطاياه تلقاها مضاعفة
    سبحانه من كريم لا يشابهه
    يعطي الجزيل بجود يخجل السحبا
    من أنفق القوت أو من أنفق الذهبا


    بالشعبي:
    يا الله يا الله رحمتك يا رحيم يا ودودْ
    يا جوادٍ كل من جاد من جودة بجود
    ما سجدنا إلا لوجهك لطاعتك السجود
    يا عظيمٍ عند وقع المصائب يسألا
    يا مشرفنا بحبل الكتاب المنـزلا
    يأمرك أحداث الليالي تحلّ وتفتلا



    كريم سبحانه تكفّل برزق العوالم، وقوت البهائم، وغذاء السوائم، وطعام كل ماشٍ وزاحف وحائم.

    كريم سبحانه: يعطي من أراد، بلا حسبان ولا تعداد، لأنه الجواد، والمقصود بالحاجات من العباد.

    كريم سبحانه:
    يتلطف حتى يوصل غذاء الجنين في بطن أمه، ويوصل القوت للثعبان وهو ملتف بسمّه، ويطعم الفرخ في العش وهو بلا ريش، فكل مخلوق على فضله يعيش، وعليه غذاء الغراب في الصحراء، والحوت في الماء، والطير في الهواء، فما من زاحف وزاجل، ولا صاهل وصائل، ولا كاشر وكاسر، ولا سائر ونافر، إلا على الله قوته وغذاؤه، وماؤه وكساؤه، ملأ جوده البراري والقفار، وعبأ الصحاري والبحار وعم كرمه الأقطار، وشمل فضله الأبصار، في سائر الأعصار، ووصلت هباته من دبَّ في الليل والنهار، قيد بنعمه الأعناق، وأحاطها من جوده بأطواق، وعممّ البريّة بالأرزاق، ووصل برّه إلى سائر الآفاق.

    ومن كرمه سبحانه: أنه جاد على الغني والفقير، والصغير والكبير، والعدو والولي، والتقي والشقي، ومن شكر ومن كفر، ومن نسي ومن ذكر، فما من قاعد ولا قائم، ولا مستيقظ ولا نائم، ولا حائم ولا عائم، من البشر والبهائم، إلا من الله يطلب، وفي فضله يرغب.

    وهو الكريم يعم بالجود الورى
    فإذا رأيت من البرية باذلاً
    يعطي أعاديه عطاء وليه
    بل يبدأُ المخلوق قبل سؤاله
    وبجوده يتعايش الثقلانِ
    فالله رب الجود والإحسانِ
    مستدرجاً أو منعماً للثاني
    سبحانه من واسع منّانِ



    كريم سبحانه: كرم ذات وكرم اسم وكرم صفة وكرم قول وكرم فعل، وكرم صنع وكرم شرع،

    فكرم الذات لأنها مباركة مقدّسة، لا تشبه الذوات، ولا تشابهها ذوات المخلوقات.

    وكرم الاسم لاشتماله على حسن الكمال، وغاية الجلال ونهاية الجمال.

    وكرم الصفة في علوها على التمثيل، وسلامتها من التعطيل، واشتمالها على الأعلى والأسمى من كل معنى جميل، ومقصد جليل.

    وكرم القول صدقة في الكلام، وعدله في الأحكام، وتمام لكلماته سبحانه، وعدم تبديل قوله جل شأنه.

    وكرم الفعل، وقوعه على وجه الفضل والعدل، فالفضل امتنان، والعدل إتقان، فأفعاله بين الفضل والإحسان، وبين العدل والإتقان وبهذا قام ميزان الدّيان

    وكرم الصنع، ظهور الإبداع في الكائنات، وجمال التصوير في المخلوقات، فهو الذي أحسن كل شيء خلقه، فسبحانه كيف أبدعه ونسّقه، وجمّله ونمّقه.

    وكرم الشرع: فشرعه أحسن الشرائع، في الأيام والوقائع، فتجد ما سنّه من الحلال والحرام، على قانون التمام، وعظيم الحسن والانسجام، وبديع الإتقان والانتظام، فمن أحسن من الله حكما؟

    لا تجد فيه ظلما ولا هضما.
    كلما حدثت عن جود فلان وفلان
    وإذا ما مدحوا شخصاً بفضل وامتنان
    ذرة من جود رب الناس يارب المعاني
    قطره من بحر جود الله في كل مكانِ


    يقف العبيد في صعيد، ما بين قريب وبعيد، وطريد وشريد، وطائع وعنيد، كلهم يسأل الولي الحميد، والجواد المجيد.
    وكل كريم من البشر يجود، فإنما يسود، أو لنفع له يعود، إلا الله تقدّس اسمه، فهو يجود على العباد وهو غني عنهم، ليس محتاجاً إليهم لم يبلغوا نفعه فينفعوه، ولم يبلغوا ضرّه فيضرّوه، غني عن كل مخلوق، وهو رازق وما سواه مرزوق، فهو يعطي كرماً وإحسانا، وتفضيلاً وامتنانا، وكرم الله أربعة أقسام، على التمام، كرم بداية، وكرم نهاية، وكرم رعاية، وكرم ولاية.

    فكرم البداية أنه يبتدئ عباده قبل السؤال، ويبتدرهم قبل الطلب بالنوال، فكثير من الخلق لا يدعوه أصلاً، وليس للعطاء أهلاً، ومع ذلك يمطرهم بألطافه، ويرعاهم بعطاياه .......،

    وكرم النهاية أنه بعد ما يتفضل عليهم، فهو غني عما لديهم، لا يجو منهم نفعاً على كرمه، ولا عطية في مقابل نعمه، وكرم رعاية وهو كرم عام لكل الخلق، المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والغذاء والسقاء، والكساء والإيواء، والدواء والشفاء، وغير ذلك من أنواع السراء.

    وكرم ولاية وهو كرم خاص للأولياء، فهو يختص عباده المؤمنين، على حسب درجاتهم في اليقين، بالفتوحات الربّانيّة، والفيوضات الإلهيّة، والألطاف الظاهريّة والخفيّة، والمعارف القلبيّة.

    أتمدح مخلوقاً كثير المعائبِ
    ألم تدر أن الجور في المدح زلة
    ولا يستحق المدح إلا الذي له
    هو الواحد القهّار فالهج بذكره
    وتخلع أوصافاً على كل عائبِ
    وإن تعدى الحق إحدى المصائبِ
    صفات العلى والعز أعلى المراتبِ
    ودع ذكر خلق بين خاوٍ وخائبِ



    وتفكّر في كرمه سبحانه أناء الليل والنهار، وقد اطعم من في القفار والبحار، وأشبع من في الأقطار والأمصار، بكرم مدرار، وأياد غزار.
    فسبحان الله ما أجمل أياديه، وأسرع غوثه لمن يناديه، وأقرب فرجه ممن يرتجيه، وأجمل لطفه ممن يناجيه.
    ولا إله إلا الله ما أعظم جوده وقد عم، وما أكبر فضله وقد طم، فهو غوث من أهتم، وفرج من أغتم.

    والله سبحانه أكرم الأكرمين، لأن كرمهم منقطع وكرمه متصل، ولأنه يعطي بلا رجاء منفعه وكرمهم لنفع قد حصل، وكرمه سبحانه كرم خالص من الأذى، برئي من القذى، فلا يشوب جوده شائبه، ولا يغيب كرمه عائبه، بخلاف كرم المخلوق الناقص الفقير، الذي هو بكل عيب جدير، فقد يشوب كرم المخلوق، المطل والإذلال، والمنّ والابتذال، والانقطاع والإنفصال، وانتظار ردّ الجميل والإفضال.

    فيد الله سحاء في وقت وآن، بلطائف البر وتحف الإحسان، ويداه سبحانه مبسوطتان، ينفق بلا عدّ ولا حسبان.

    إذا جاد أغنى السائلين وأسبلت
    وقد غمرت أفضاله ونواله
    لطائفه بالبرّ فعلَ السحائبِ
    عوالم من طاوٍ وطاغٍ وطالبِ



    فيا فقير ويا حسير، ويا كسير، انطرح عند باب الملك الكبير، والغني القدير، واهتف: أنا الذي خلقته من العدم، ورزقته بأنواع النعم، أطعمته واسقيته، وكفيته وآويته، ومن كل بلاء حسن ابليته، فجد علي بكرمك، وتعاهدني بنعمك، فليس لي رب سواك، لا أعبد إلا إياك.




    بقلم الدكتور ( عائض القرنى )







  • #2
    رد: الكريم سبحانه

    جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم

    تعليق


    • #3
      رد: الكريم سبحانه


      جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم

      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق

      يعمل...
      X