إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.إن نعم الله -عز وجل- على عباده كثيرة، ومن أعظم النعم التي امتَنَّ الله بها على هذه الأمة أن خصها بهذا النبي الكريم، عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وخصها بهذا الكتاب، الذي هو أفضل الكتب وأتمها وأكملها، المتضمن كلام الله -عز وجل- ﴿لاَ يَا تِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[سورة فصلت : الآية 42].
تكفل الله بحفظ الكتاب والسنة
امتَنَّ الله -عز وجل- على هذه الأمة بجعل مصدر تشريعها ودينها هذين المصدرين العظيمين الكتاب والسنة، وقد وَكَلَ الله -عز وجل- حفظ الكتب السماوية السابقة إلى أهلها فضيعوها، وزادوا فيها، ونقصوا، وحرفوا كلام الله، وتجرأوا على كلام رسله، وإن أعظم هذه الملل اليهود والنصارى قد حُرِّفَتْ كتبهم في وقت مبكر من ذهاب أنبيائهم، أما هذه الأمة فقد تكفل الله بنفسه حفظ دستورها فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [سورة الحجر : الآية 9].لذا ظلت الأمة من زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا تتناقل كلام الله وكلام رسوله دون أي زيادة أو نقصان، ولو أراد إنسان في شرق الأرض، أو في غربها أن يزيد حركة إعراب بأن يخفض منصوبا أو ينصب مخفوضا، لصاح به المسلمون في أصقاع المعمورة، ولَمَّا تجرأ بعض الجهمية في العصور الأولى، وقرأ قول الله -عز وجل- {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [سورة النساء : الآية 164] بنصب لفظ الجلالة، ليجعل موسى المتكلمَ والله هو السامعُ، وليس بمتكلم، لينفي عن الله صفة الكلام، فصاح به المسلمون وما خُدِعُوا هذه الخديعة، فكتاب الله -عز وجل-، محفوظ في السطور والصدور، تتناقله الأمة كابرًا عن كابر مشافهة وكتابة، وكذا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه من أعظم الميزات لهذه الأمة.
أهل الأهواء والبدع حرَّفوا دلالات النصوص
إن الله -عز وجل- حفظ لنا هذين المصدرين، لكن المشكلات وقعت من أهل الضلال والانحراف وأهل الأهواء والبدع، إذ حَرَّفوا في دلالات نصوص الوحي، وحَمَلُوا كلام الله وكلام رسوله على غير معناه الصحيح، فحرفوا الكلم عن مواضعه.فأهل الضلال والبدع قديما وحديثا يستدلون بنصوص الوحيين الكتاب والسنة، نجد في كلامهم وفي كتبهم: قال الله، وقال الرسول، فهل يعني هذا أنهم على حق؟ الجواب: لا، لأنهم حَمَلُوا كلام الله على غير معناه الصحيح.الخوارج الأوائل الذين قتلوا خيرة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- قتلوهم وهم يستدلون بآيات من القرآن، قتلوا عليًّا -رضي الله عنه- الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ؟» قَالَ: الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «صَدَقْتَ، فَمَنْ أَشْقَى الْآخَرِينَ؟» قَالَ: لَا عَلِمَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ»، وَأَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- بِيَدِهِ إِلَى يَافُوخِهِ.( 1) ومع ذلك قتلوه بنصوص القرآن، لكن تأولوه على غير تأويله، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صفتهم فقال: «يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»( 2).
والجهمية نفوا عن الله أسمائه وصفاته، واستدلوا على ذلك بنصوص الكتاب والسنة، وكذلك المعتزلة، بل أعظم الْفِرَقِ ضلالًا وانحرافا وهم الباطنية، الذين حكم عليهم علماء أهل الإسلام بالزندقة والردة عن الإسلام يستدلون بنصوص الوحيين، ولكنهم حَمَلُوا كلام الله وكلام رسوله على غير معناه الصحيح.وإن كانت بعض هذه الفرق التي ظهرت في صدر الإسلام اندثرت في هذه العصور المتأخرة بأسمائها لكنها بقيت بمضمونها ومعتقداتها، فظهر في هذه العصور المتأخرة من تَطَاولَ على كلام الله وكلام رسوله، وبدأ يستشهد على ضلالاته التي ينشرها بين الناس بأدلة من القرآن والسنة، لكن هل هذا الاستدلال في مكانه؟ الجواب: لا، ولكنه أراد أن يُلَبِّسَ على عامة الناس، فوقع بعض العامة في شيء من الريبة والتردد وانطلت هذه الضلالة على بعض الجهال.
الاستدلال بالكتاب والسنة يكون في موضعه
ليس كل من استدل بالقرآن والسنة يُعْتَبَرُ مُحِقًّا، إنما المحق الذي يستدل بالنص في مكانه، وبمعناه الصحيح، وبمراد الله، ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا استدل الإنسان بكلام الله على غير مراده فهذا من أعظم الفرية، ومن أعظم الجرم، لأن هذا افتراء على الله -عز وجل- يُحَمِّلُ كلام الله ما لا يحتمل، فإنه لو أتى إنسان وقال: أنت أردت بكلامك كذا وكذا، على غير مرادك، لقلت له: كذبت أنا ما أردت بهذا الكلام هذا المعنى. فكيف يفتري هؤلاء على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويَحْمِلُون كلامهما على غير مرادهما، ولهذا لابد من ضوابط وقواعد يُضْبَطُ به الاستدلال بنصوص الوحيين، لنعرف الحق من الباطل، ولنفرق بين المحق والمبطل.بعض النصارى احتج على بعض المسلمين وقال: في كتابكم ما يشهد على أن الله ثالث ثلاثة، أي: أن الآلهة ثلاثة الأب والابن الروح القدس، قوله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر} [سورة الحجر : الآية 9]، فهذا استدلال باطل، وحملٌ لكلام الله على غير مراده.
ضوابط الاستدلال بالكتاب والسنة
من هذه القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم:
الأول: التسليم المطلق لكلام الله، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-:
قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم}[سورة الأحزاب : الآية 36]، فينبغي أن يُسَلَّمَ الأمر لله -عز وجل- ولرسوله في أي أمر من الأمور، ليس للإنسان حرية الاختيار أن يفعل أو لا يفعل .وقال سبحانه: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [سورة النساء : الآية 80].وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه}[سورة الحشر : الآية 7].وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63]، ولهذا قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ “الفتنة الشرك”( 3).وجاء رجل إلى الإمام مالك -رحمه الله-، إمام أهل المدينة فقال له: “يا أبا عبد الله أريد أن أعتمر فمن أين أُحْرِم؟ قال له: أَحْرِم من حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي الْحُلَيْفَة فقال: أريد أن أحرم من مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له الإمام مالك: “أخشى عليك الفتنة”. قال له: أي فتنة في أميال أزيدها. قال الإمام مالك: “أخشى عليك مخالفة فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والله -عز وجل- يقول فيه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63]، أَحْرِم من حيث أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم-“(4 ).وقال سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة النور : الآية 51]، فهذه علامة الإيمان، إذا دعي الإنسان إلى كلام الله ورسوله يقول: سمعت وأطعت.ويقول -جل وعلا-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء : الآية 65] ففي هذه الآية عدة مؤكدات، أولا: أقسم الله بنفسه، وهذا أعظم قسم في القرآن {فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُون} لا يحصل لهم الإيمان، ثانيا: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} إذا اختلفوا في شيء فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يحكم فيه، لا قول فلان، ولا قول علان، ثالثا: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا}فمع تحكيم كلام الله وكلام الرسول، تستسلم بقلبك، ثم لا تجد في نفسك ترددًا ، وأخيرا: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ويسلموا بجوارحهم، ويسلموا لهذا الأمر إن كان أمرًا فعلوه، أو نهيا انتهوا عنه، وبهذا يحصل الإيمان.وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُه إِلَى اللَّه} [سورة الشورى : الآية 10].وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم} [سورة الأنفال : الآية 24] يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَقَرَنَ بَيْنَ مُخَالَفَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، كَمَا قَرَنَ بَيْنَ اسْمِهِ وَاسْمِهِ»( 5).يقول الشافعي -رحمه الله-: “وَلَا أعلم من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أحدًا أخبر عَن رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- إِلَّا قُبِلَ خَبره وانْتهى إِلَيْهِ وَأثبت ذَلِك سنة»( 6).ولما سأله رجل عن مسألة قال: قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا. فقال له الرجل: ما تقول أنت؟ فغضب الإمام الشافعي وقال له: “تراني في بيعَة، تراني في كَنِيسَة، ترى عَلَىَّ زِي الْكفَّار، هُوَ ذَا تَراني في مَسْجِد الْمُسلمين عَلَىَّ زِي الْمُسلمين مُسْتَقْبل قبلتهم، أروى حَدِيثا عَن النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ثمَّ لَا أَقُول بِهِ»( 7).ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ اعْتِصَامُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَكَانَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ، لَا بِرَأْيِهِ، وَلَا ذَوْقِهِ، وَلَا مَعْقُولِهِ، وَلَا قِيَاسِهِ، وَلَا وَجْدِهِ”( 8).تطبيق السلف التسليم لله -عز وجل- وللرسول -صلى الله عليه وسلم- تطبيقًا عمليًاوقد طبق السلف -رحمهم الله- هذا عمليا في حياتهم وفي عبادتهم، فهذا عمر -رضي الله عنه- يقف أمام الحجر الأسود ويقول: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ»( 9). يعني: لو رجع الأمر إليه فهو يعلم ويعتقد أنه حجر لا ينفع ولا يضر، لكنه التسليم والمتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما- يرى مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-: « لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا»، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ.( 10)ورأى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: ” لَا وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ “( 11).والآثار في هذا كثيرة، منها: ما وقع لأبي بكر -رضي الله عنه- في حادث الإسراء والمعراج، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكِ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأَصُدِّقُهُ فِي مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-»(12 ) هذا هو التسليم والاستسلام لنصوص الوحيين.وهذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة لأصحابه «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.( 13)ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ، قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ» فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا، أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ».(14 )
الثاني: الاعتقاد باشتمال نصوص الكتاب والسنة على الدين كله:
أي: نعتقد اعتقادًا جازمًا أن الدين بأصوله وفروعه جاء في هذين الوحيين، قد اشتملا على جميع فروع الشريعة، قال الله -عز وجل-: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء}[سورة الأنعام : الآية 38] {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء} [سورة النحل : الآية 89]، وقال تعالى:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سورة المائدة : الآية 3] وقال تعالى:{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَة} [سورة يوسف : الآية 111] ولهذا قال بعض اليهود لسلمان -رضي الله عنه-: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ لَقَدْ «نَهَانَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ»(15 ).وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»( 16).فلا مجال للاجتهاد ولا مجال للعقول ولا مجال للأقيسة ولا مجال للترجيحات من المسائل مع النص من الكتاب أو السنة.
الثالث: أن القرآن حفظه الله -عز وجل- وتكفل بحفظه حفظ لفظ ومعنى: وأن القرآن نقل إلينا بالتواتر من زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، فلا يزاد فيه ولا ينقص.أما حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو ينقسم من حيث النقل إلى قسمين: متواتر، وآحاد.
المتواتر: ما نقله جماعة عن جماعة حتى دُوِّنَ الحديث.
والآحاد: ما كان في أحد طبقات السند رجل واحد أو أكثر، ولم يبلغ حد التواتر.إن أكثر السُّنَّة ورد إلينا بطريق الآحاد وليس بالتواتر، لكن خبر الآحاد إذا اقترنت به بعض القرائن أفاد العلم وأوجب العمل، هذا هو مذهب أهل السنة، وهو ألا نفرق بين المتواتر والآحاد في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث القبول والرد. وقد ألف أهل العلم في الأحاديث المتواترة وألفوا في الفَرْق بين الآحاد والمتواتر، ومعرفة المتواتر من حيث القبول والرد.أما البدعة المنكرة التي أظهرها المعتزلة وقالوا: لا نقبل بخبر الآحاد في باب العقائد. فكما ذكر ابن القيم والمقريزي وغيرهم أن الصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يفرقون بين أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- هل نقلت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتواتر، أو نقلت بالآحاد، فكان إذا صح عندهم الخبر عملوا به، وهذا هو منهج أهل السنة.فيجب ألَّا نفرق في الاستدلال بين ما ثبت من طريق التواتر وما ثبت من طريق الآحاد، التواتر يعطي زيادة قوة في الثبوت، لكن الآحاد كما قال شيخ الإسلام: إن الحديث وإن كان آحادًا إذا اتفق عليه البخاري ومسلم في كتابيهما الصحيحين، فإننا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله كأننا سمعناه منه مباشرة، لأن هناك قرينة.قد يقول قائل: يجوز على الناقل الخطإ، ويجوز عليه السهو. صحيح، لكن إذا اقترنت به قرائن أخرى، مثل وجود الحديث في الصحيحين فهذه قرينة من أقوى قرائن ثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن صاحِبَي الصحيح اشترطا شروطا دقيقة في إخراج هذه الأحاديث في كتابيهما.
الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه:
نحن نعلم أن كتاب الله -عز وجل- منه المحكم ومنه المتشابه، يقول -سبحانه- في سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه} [سورة آل عمران : الآية 7].كتاب الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيه المتشابه وفيه المحكم، فيجب الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم، ورَدُّ المتشابه إلى المحكم، هذا هو منهج أهل السنة، أما منهج أهل الأهواء وأهل البدع فيستدلون بالمتشابه منه.
أقسام التشابه:والتشابه ينقسم إلى قسمين:القسم الأول: تشابه حقيقي مثل: كيفية صفات الله -عز وجل-، فهذا التشابه الحقيقي الذي لا يمكن للعقول ولا يمكن للإنسان أن يدرك كيفية الصفة.والقسم الثاني: تشابه نِسْبِي قد يتشابه هذا النص عليك، أو على هذه الطائفة، لكن لا يتشابه على الطائفة الأخرى، ولهذا إذا رُدَّ المتشابه إلى المحكم وضحت دلالته، وسَلِمَ الْمُسْتَدِلُّ، وأدى المعنى المطلوب.
الخامس: عدم معارضة النص بالعقل:
إن معارضة النص بالعقل من أعظم أسباب تفرق الأمة وظهور أهل البدع والضلال، لأن أصحاب هذا المنهج عارضوا نصوص الوحيين بعقولهم، وقد أمرنا الله -عز وجل- بالتسليم المطلق لهذه النصوص، وعدم مقابلة هذه النصوص بأذواقنا، ولا بعقولنا، ولا باجتهاداتنا.إن منهج أهل السنة والجماعة: لا يتعارض النص الصحيح مع العقل الصريح، فإذا وقع التعارض فيكون لعدم صحة النقل أو عدم صحة الدليل العقلي، وإذا صح العقل وصح النقل فيكون التعارض من المستحيلات.مثال ذلك الحديث القدسي الصحيح الثابت: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي»(17 ) «يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي»، أشكل هذ الحديث على بعض أهل البدع واتخذوه حجة للقول: بأن الشرع يمكن أن يتعارض مع العقل. قالوا: هذا الحديث يتعارض مع العقل كيف يمكن عقلًا أن ينسب لله الجوع والمرض، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؟ لا يمكن. والحديث صحيح. قلنا: لا إشكال، الحديث صحيح، الدليل العقلي الذي أوردتموه صحيح، الله -عز وجل- لا يجوز أن ينسب له النقص من جوع ومرض، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وإنما الإشكال في الدلالة. أنتم كيف فهمتم أن هذا الحديث يدل على أن الله منسوب له الجوع والمرض، آخر الحديث يوضح أوله: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي» فالجوع والمرض ليس منسوبا لله -عز وجل-.فهذا الحديث الشاهد منه أن منهج أهل السنة في فهم نصوص الوحيين أنها لا تُعَارَض بالعقل، فإذا لم يستطع العقل إدراك معنى النص يقدم الإنسان النص، لأن النقل ثابت معصوم من الخطإ، أما العقل فمتغير وغير معصوم من الخطإ، فالعقول متفاوتة فالرازي -رحمه الله وعفا الله عنا وعنه- يقرر المسألة بالدليل العقلي في موضع ثم يقرر ما يناقضها في موضع آخر، ولهذا يجب تقديم النص إذا تعارض مع العقل.
السادس: فهم النص وفق فهم السلف الصالح -رحمهم الله-:
هذه النصوص ليس لها أفهام جديدة، فيجب أن تُفهم على وفق ما فهمه السلف الأول، ويستحيل عقلا وشرعا وحِسًّا أن نفهم من الآية، أو الحديث فهما جديدًا لم يفهمه السلف الصالح، كيف يكون هذا والله -عز وجل- أثنى عليهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَار} [سورة التوبة : الآية 100]، وأثنى عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»( 18)، ولما أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة ستفترق، وسأله الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- عن الفرقة الناجية فقال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»( 19)، فقرن النجاة بما كان عليه هو وأصحابه، فكيف يقول عاقل إنه يمكن أن يفهم من النص فهمًا جديدًا لم يفهمه السلف الصالح، من نزل عليهم القرآن، ونزل القرآن بلغتهم، وعرفوا أسباب النزول، بل نزل القرآن ليحدد مسارهم ويصحح أفعالهم، عاصروا نزوله، وعاملوه عمليًّا ونظريًّا، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إن الصحابة -رضي الله عنهم- تلقوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- معاني القرآن، وكان حرصهم على المعنى أكثر من حرصهم على اللفظ، وأدوه إلى التابعين كذلك. لهذا بعض العلماء كان يتحرج أن يقول بقول لم يسبقه إليه أحد.بدعة إعادة قراءة النصظهرت بدعة مؤخرًا -وليست بجديدة-، وهي ما يسمى بإعادة قراءة النص، يرددها بعض المنتسبين للمثقفين، والذين أرادوا أن يغيروا ويبدلوا في شرع الله -عز وجل-، ما معنى إعادة قراءة النص؟ إن كان المقصود به: تنزيل النصوص على ما جَدَّ من الحوادث، فهذا أمر مسلم به، ولا ضرر فيه، ولا يزال العلماء قديمًا وحديثًا كلما جَدَّت حادثة ونزلت نازلة التمسوا لها دليلا في الكتاب والسنة، والتمسوا النظائر والأشباه لها، لكن أصحاب هذه البدعة لا يريدون هذا المعنى، وإنما يريدون أن يُفهم النص فهمًا جديدًا لم يفهمه السلف وأهل العلم قبلهم، ولهذا جَنَوا على نصوص الوحيين، وافتروا على الله وعلى رسوله، لأنهم حَمَّلُوا كلامهما ما لا يحتمل، يقولون: الله -عز وجل- أراد بهذه الآية كذا، وهذا ليس بصحيح، إذ لو أراد الله -عز وجل- به هذا المعنى لفهمه السلف، الذين هم أعلم منا ومنهم.
السابع: مراعاة أحوال المخاطبين في فهم النص:
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “إِنَّ الْمَسَائِلَ الْخَبَرِيَّةَ الْعِلْمِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةَ الِاعْتِقَادِ، وَقَدْ تَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَعَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ، وَقَدْ تُسْتَحَبُّ لِطَائِفَةِ أَوْ فِي حَالٍ كَالْأَعْمَالِ سَوَاءً، وَقَدْ تَكُونُ مَعْرِفَتُهَا مُضِرَّةً لِبَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيفُهُ بِهَا، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ” وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “مَا مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ”. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [سورة الطلاق : الآية 12] الْآيَةَ فَقَالَ: مَا يُؤَمِّنُك أَنِّي لَوْ أَخْبَرْتُك بِتَفْسِيرِهَا لَكَفَرْت؟ وَكُفْرُك تَكْذِيبُك بِهَا. وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [سورة المعارج : الآية 4] هُوَ يَوْمٌ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ عَنْ السَّلَفِ”(20 ). اهـ.ويقول الإمام الشاطبي -رحمه الله- “إَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ يُطْلَبُ نَشْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَمِمَّا يُفِيدُ عِلْمًا بِالْأَحْكَامِ، بَلْ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ، فَمِنْهُ مَا هُوَ مَطْلُوبُ النَّشْرِ، وَهُوَ غَالِبُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِإِطْلَاقٍ، أَوْ لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ”(21 ). اهـ.فإذا كان هذا النص مما لا تحتمله عقول المخاطبين، وليس تحته عمل، ولا فيه حَدٌّ من حدود الشريعة فيمكن كتمانه مراعاة لأحوال المخاطبين.
الثامن: عدم معارضة السنة بالقرآن:
معناه ألا نعارض كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكلام الله -عز وجل- فكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو تبيان وإيضاح وتفسير لكلام الله -عز وجل- قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[سورة النجم : الآيتان: 3-4] لذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ»( 22).
التاسع: الأخذ بجميع النصوص دون الاقتصار على بعض دون بعض:منهج أهل السنة والجماعة الأخذ بجميع النصوص، فأهل السنة يَرْوُون مالهم وما عليهم، أما أهل البدع فإنهم يأخذون من النصوص ما يؤيد بدعتهم بزعمهم ويَدَعُون ما يخالف بدعتهم، وهذا هو الذي يوقع الإنسان في الضلالة والانحراف، ولهذا أمرنا الله -عز وجل- بالرجوع إلى أهل العلم، لأنهم الأقدر والأجدر بالنظر في جميع النصوص، لأن من النصوص نصوص عامة ونصوص خاصة، ومطلق ومقيد، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، ولا يُعْرَف هذا إلا من أهل العلم.فلابد من الأخذ بجميع النصوص وألا نقتصر على جانب واحد من جوانب النصوص، فالخوارج أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد، والمرجئة أخذوا بنصوص الوعد وتركوا نصوص الوعيد، والمعطلة أخذوا بنصوص التنزيه وتركوا نصوص الإثبات، والممثلة أخذوا بنصوص الإثبات وتركوا نصوص التنزيه، أما أهل السنة فأخذوا بجميع النصوص.
العاشر: التأكد من ثبوت النص:هذا الضابط خاص بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما نقل عنه ينقسم إلى: صحيح، وضعيف، وموضوع مكذوب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيجب التمييز بين الصحيح وغير الصحيح.
الحادي عشر: معرفة اللغة العربية:
هذا ضابط مهم لأن نصوص الوحيين نزلت باللغة العربية، ولا يمكن أن يُفْهم النص إلا بهذه اللغة، وعندما انتشرت العجمة واختلط اللسان العربي بغيره ألف العلماء معاجم اللغة وفي ألفاظ القرآن بما يحفظها، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: “يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَعْرِفَةُ مَا أَرَادَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِأَنْ يَعْرِفُوا لُغَةَ الْقُرْآنِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ، وَمَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَانِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ لَمَّا خَاطَبَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَرَّفَهُمْ مَا أَرَادَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ”( 23).
الثاني عشر: معرفة أسباب النزول:
إن معرفة أسباب النزول خير معين على فهم النص، ليعرف الإنسان ظروف نزول هذا النص، ومعناه الصحيح، والمراد الذي أراده الله ورسوله منه.الثالث عشر: معرفة الخاص من العام والمطلق من المقيد.
الرابع عشر: فهم بعض النصوص في ضوء النصوص الأخرى:
فما أجمل في موضع فقد بسط في موضع آخر.هذه بعض الضوابط التي ينبغي مراعاتها في فهم نصوص الوحيين، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا التمسك بهما، وأن يرزقنا الفقه في دينه، وأن يثبتنا على سنته، وأن يهدينا لصراطه المستقيم، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرًا.
كلمة سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
الكتاب والسنة هما مصدر التشريع
إن معرفة الضوابط الشرعية لفهم الكتاب والسنة موضوع له أهميته ومكانته، لأنه إذا علم المسلم حقا أن المصدر للتشريع والعلم هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}[سورة النحل : الآية 44]، فالقرآن والسنة هما المصدر التشريعي، فلا شرع إلا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللهِ»(24 ) وفي بعض الألفاظ قال: «كتاب الله وسنتي»(25 )
حَفِظَ اللهُ القرآن
فكتاب الله العزيز الذي {لاَ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت : الآية 42] المحفوظة ألفاظه، مصون عن التحريف والتبديل، لا تستطيع أيدي العابثين أن تزيد أو تنقص منه، رغم مرور القرون الكثيرة والأعداء متكاثرون ، إلا أن الله حال بينهم وبين هذا القرآن أن يغيروا أو يزيدوا فيه ما ليس منه ، فهو محفوظ في المصاحف وفي صدور الرجال قال الله -جل وعلا-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [سورة الحجر : الآية 9]، والكتب السابقة وَكَلَ الحفظ إليهم، قال الله فيها: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء} [سورة المائدة : الآية 44]، فعجزوا عن ذلك ولم يقوموا بواجبه، وحُرِّفَتِ الكتب وبُدِّلَت وغُيِّرَت، أما كتاب الله فتولى الله حفظه بنفسه، فلم يستطع أعداؤه لا في وقت نزول الوحي ولا بعده أن يحرفوه، قال الله تعالى متحديا إياهم بآية: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِه} [سورة الطور : الآية 34] وقال تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} [سورة يونس : الآية 38]، وقال تعالى: {بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} [سورة هود : الآية 13] ثم قال -جل وعلا-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [سورة الإسراء : الآية 88].
الكتاب والسنة غاية في الوضوح
كتاب الله وسنة رسوله غاية في الوضوح والبيان، لا إشكال ولا غموض ولا تعقيد، أمور واضحة يفهمها الإنسان، لا سيما في أصول الدين وأساس الشريعة {اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء : الآية 36] {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[سورة النحل : الآية 36]، فتوحيد العبادة وتوحيد الله في ربوبيته، وأنه المنفرد بالخلق والتدبير، أسماء الله وصفاته كلها حقائق يفهمها الإنسان، قد يخفى عليه شيء من آيات الأحكام ومعانيها، لكنها واضحة لمن تَعَقَّلَ وتَدَبَّر، ولهذا قال الله -عز وجل-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [سورة النساء : الآية 82].
فالمسلم موقن بهذا، وأن الحق ما دل الكتاب والسنة عليه، وأن الخير والْحُسْنَ فيما حَسَّنَه الشرع، والشر والبلاء فيما حذر الشرع منه، فهو مؤمن بأن هذا القرآن كلام الله، تكلم الله به وسمعه مشافهة منه جبريل -عليه السلام-، وبلغه جبريل -عليه السلام- النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبلغه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، ونقله الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين- لمن بعدهم، وتوارثه المسلمون خَلَفًا عن سلف بفضل الله إلى أن يأذن الله برفعه من المصاحف وصدور الرجال.
أنزل الله الكتاب والسنة للعمل بما فيهما
إن المؤمن إذا آمن بالقرآن، وأنه كلام الله، وأن الله أنزله لنعمل به {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [سورة النساء : الآية 105]، فالقرآن نزل لِيُعْمَلَ به ويُتَدَبر ويطبق {أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة : الآية 50] ، فلابد من قبوله، وقبول أحكامه والتأدب بآدابه، والتحلي بأخلاقه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة البقرة : الآية 229].إن سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- يجب الإيمان بها، وقبولها، والرضا بها، والتحاكم إليها وتحكيمها.
الكتاب والسنة صالحان لكل زمان
نصوص الكتاب والسنة صالحة لكل زمان، ولكل جيل من الناس، لا يمكن أن يأتي زمان ولا تجد الكتاب ليس فيه حكم للخلق، الكتاب والسنة صالحان لكل زمان، ولكل أمة، لكن أخطاء الناس وسُوءُ فهمهم وضعف إيمانهم شيء والحق في الكتاب والسنة شيء آخر، فلا يمكن أن يكون الكتاب والسنة فيهما عجز عن حل المشاكل والقضايا، وكل شيء جاء في القرآن قال الله -جل وعلا-: {ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}[سورة النحل : الآية 89] فهو مبين للحلال والحرام، والحق من الباطل، والهدى من الضلال.
الجهل وضعف الإيمان سبب ظهور البدع
إن قصور النفوس، وقلة العلم، وضعف الإيمان في القلوب سبب في ظهور البدع والفِرَقِ، فالخوارج فهموا القرآن على غير فهمه، ولم يجمعوا بين آيات الوعد والوعيد، بل خلطوا واشتبه الأمر عليهم، واغتروا بأنفسهم، ولم يرجعوا إلى الصحابة -رضوان الله عليهم- فَضَلُّوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل، لأنهم ساء فهمهم للقرآن وتطبيقهم له، ولم يفرقوا بين كافر ومسلم، بين عاصٍ من المسلمين وبين مطيع، لم يفرقوا بين آيات الوعد والوعيد، بل نزلوا آيات الوعيد على كل خطأ وإن قل، وتجاهلوا آيات الوعد.فمن أهل البدع من نفى أو أنكر آيات الصفات مطلقا وكَذَّبَ بها وإن تلاها، فإنه يرها آيات لا تدل على شيء إذا قرأ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}[سورة طه : الآية 5] لا يؤمن بها ولا يصدق بها، ومنهم من يُأولها، ومنهم من لا يؤمن بها أصلا، يقرأها ولكن يقول: لا حقائق لها ولا معاني لها، ولا فوائد لها، فمن مشبهٍ ونافٍ، كل أولئك ضلوا عن سواء السبيل.إن ضوابط فهم القرآن والسنة أن تفهمهما على ظاهرهما، وكما فهمهما سلف الأمة ،وإن كان في الأحاديث النبوية ما يفسر الآيات فهو أولى من غيره، ثم تفسير الصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان، هؤلاء أقرب الناس لفهم القرآن، فالصحابة شهدوا التنزيل وحضروه، والتابعون شهدوا قوما شهدوا التنزيل، وهكذا من بعدهم، فهؤلاء توارثوا العلم وأخذوه على الحقيقة.
دعاة التجديد دعاة ضلالة
إن كتاب الله وسنة رسوله يفهمهما المسلم على حسب ما فهم السلف الصالح، أما من يفهمهما بتحريفهما وإلغاء دلالتهما أو بإعادة قراءة النص أو تجدد الخطاب الإسلامي، فمقصودهم بهذا ضلال يقولون: إن القرآن حرم الربا وحكم عليه، وتوعد بالوعيد، نجدد هذا الخطاب ونقرأ النص قراءة أخرى، حتى نحلل الربا الذي حرمه الله، ولو طُبِّقَت هذه القاعدة عندهم على حدود الله قتل القاتل، رجم الزاني، قطع يد السارق، جلد الشارب، قتال الباغين والمحاربين، كل ذلك يقولون: تعاد قراءة النصوص حتى تُغَيَّر وتبدل على غير مراد الله، وهذا كله من الأخطاء، والمغالطات، وسوء الفهم، نعوذ بالله من سوء العاقبة. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأسئلة سماحة الشيخ، هذه مجموعة من الأسئلة من الانترنت لسائل من المغرب يقول: من يحتفل بموت أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- ويفعل فيها ما موقفنا من هذه الفتنة؟
هذه فتنة ضالة جعلها الله سببا لإظهار مكارم ومحاسن أم المؤمنين، ورد كيد الكائدين والمغرضين، يقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [سورة النور : الآية 11]، لا شك أنه شر لكن خيره فاق شره، فآيات الإفك أظهرت من فضل الصديق -رضي الله عنه- ، وفضل عائشة -رضي الله عنها- وكرامتها وعفتها وطهارتها ما دحض المنافقين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأذلهم، وهذه الفتنة اليوم أظهرت أن أولئك يُضْمِرُون عقيدة ضالة مضلة وهي: بغض الإسلام وأهله، وتكذيب كتاب الله، والرد على الله، وتكذيب الله في إخباره، وأظهرت أن القوم يبغضون الله ورسوله، ،ولذا قال العلماء: إن من زعم أن عائشة -رضي الله عنها- متهمة بعد أن برأها الله تعالى من فوق سبع سموات، فهذا ليس بمسلم، هذا مرتد عن الإسلام لأنه كذب القرآن، القرآن يبرئ عائشة -رضي الله عنها- ويقول: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور : الآية 16] الله يقول كذا، وهو يقول للحق: لا.لو سَبَّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قيل مرتكب كبيرة، ولكن سب عائشة –رضي الله عنها- وقذفها ونسب لها ما الله برأها منه، هذا تكذيب لله، ورد على الله، نسأل الله السلامة والعافية.سماحة الشيخ، يقول سائل من الجزائر من الانترنت: هنالك رسالة تدعو إلى التقارب بين الأديان بعنوان “رسالة عمان” فهل طالعتم هذه الرسالة؟ما قرأتها، لكن الذي نعتقد عند الله به أن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتمة الشرائع، وأن دين الإسلام خاتم كل الأديان، وأن الله نسخ بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- جميع الشرائع، وألزم الخلق كلهم عَرَبَهُم وعَجَمَهُم جِنَّهُم وإنسهم ألزمهم اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، وطاعته، والانضواء تحت لوائه، وأنه ليس على وجه البسيطة دين حق إلا ما بعث الله به محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، جميع الديانات على وجه الأرض عدا الإسلام كلها باطلة وأهلها ضلال إن هم لقوا الله بما هم عليه دخلوا النار، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»( 26)، التقارب كيف نتقارب؟ حق يقارب باطلًا، لا نحن على طرفي نقيض، نؤمن برسالة الأنبياء كلهم، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتمهم، لا نبي بعده، ولا شريعة بعده، وهؤلاء يقولون: نحن على شريعة موسى أو عيسى -عليهما السلام-، لا نتقارب، لأننا على حق وهم على باطل لا شك، يجب أن يأخذوا الحق {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [سورة آل عمران : الآية 85]، فإن كل الديانات باطلة ملغاة لا حكم لها، إنما الحكم لما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران : الآية 85].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
( 1) أخرجه الطبراني (8/38، رقم 7311) ، وأبو يعلى (1/377، رقم 485).
( 2) أخرجه البخاري (3/1321، رقم 3414) ، ومسلم (2/744، رقم 1064).
( 3) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/260 ، رقم 97).
( 4) المصدر السابق (1/261، رقم 98).
( 5) مجموع الفتاوى (19/ 103).
( 6) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص 34).
( 7) طبقات الشافعية (2/138).
( 8) مجموع الفتاوى (13/28).
( 9) أخرجه البخاري (2/149 ، رقم 1597)، ومسلم (2/952 ، رقم 1270).
( 10) أخرجه البخاري (2/151 ، رقم 11608)، وأحمد واللفظ له (3/369 ، رقم 1876).
( 11) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/654).
( 12) أخرجه الحاكم في المستدرك (3/81 ، رقم 4458).
( 13) أخرجه أبو داود (1/126، رقم 462).
( 14) أخرجه البخاري (4/174، رقم 3471)، ومسلم (4/1857 ، رقم 2388).
( 15) أخرجه أحمد (39/124، رقم 23719)، وأبو داود (1/3 ، رقم 7).
( 16) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17182)، وابن ماجه (1/16 ، رقم 43).
( 17) أخرجه مسلم (4/1990، رقم 2569).
( 18) أخرجه البخاري (2/938، رقم 2509)، ومسلم (4/1962، رقم 2533).
( 19) أخرجه الترمذي (5/26، رقم 2641) وقال: هذا حديث مفسر غريب.
( 20) مجموع الفتاوى (6/56).( 21) الموافقات (5/167).
( 22) أخرجه أحمد (4/130، رقم 17213) ، وأبو داود (4/200، رقم 4604).
( 23) مجموع الفتاوى (17/353).
( 24) أخرجه الترمذي (5/663، رقم 3788) ، وقال: حسن غريب.
( 25) أخرجه الحاكم (1/172، رقم 319)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/566 ، رقم 2937).
( 26) أخرجه مسلم (1/134، رقم 153).
تعليق