إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله
أما بعد
لقد جاء الإسلامُ بقواعد واضحة لفهم النُّصوص الشَّرعيَّة، حتى لا تزلَّ الأقدامُ أو تضلَّ الأفهام.
وهذه القواعد ركيزةٌ رئيسةٌ لصحَّة الاستدلال، ولا يستطيع المرءُ أن يعرف مرادَ الله ومرادَ رسوله صلى الله عليه وسلم إلا إذا استقام فهمُه لدلائل الكتاب والسُّنَّة.
وما حدثت الأفكارُ والآراءُ والضَّلالاتُ إلَّا بسبب سوء الفهم.
ولو تُركت النُّصوصُ للنَّاس كُلٌّ يفهم منها حسبما يُمليه عليه فهمُه وعقلُه، لشَطَّ النَّاسُ في الفهم شططًا بعيدًا؛
لذلك كان لابُدَّ من أصول علميَّة نلتزم بها في فهم النُّصوص.
من هذه الأصول:
وجوبُ الرُّجوع لمنهج السَّلف الصَّالح في فهم النُّصوص الشَّرعية
قد يَقول قائل: لماذا يجب علينا اتِّباعُ منهج السَّلف دون غيرهم؟!
أليسوا بشرًا كسائر البشر؛ فلماذا نخصُّهم بوجوب الاتِّباع؟!
وكما يقول كثيرٌ من الكتَّاب اليوم: هم رجالٌ ونحن رجالٌ. فنقول: إنَّ السَّلفَ الصَّالحَ قد تميَّزوا بأمور لم تتوفَّر في غيرهم من هذه الأمَّة؛ فكانوا يمثِّلون الفهمَ الصَّحيحَ والتَّطبيقَ العمليَّ لما جاء في الكتاب والسُّنَّة.
وقد دلَّت الأدلَّةُ الشَّرعيَّةُ الكثيرةُ من جهات عدَّة على وجوبُ الرُّجوع لمنهج السَّلف الصَّالح في فهم النُّصوص الشَّرعية، ومن ذلك:
1- أنَّ اللهَ توعَّدَ من خالف طريقهم ومنهجهم بالعذاب الأليم:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]؛ فمَن سلك طريقًا في الفهم مخالفًا لطريق المؤمنين فقد توعَّدَه اللهُ بالعقاب الأليم، وأوَّلُ مَن يدخل في قوله: {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} المؤمنون الأوائل الذين رضي اللهُ عنهم بنصِّ القرآن؛ {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله: «سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعدَه سُنَنًا الأخذُ بها اتِّباعٌ لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعة الله، وقوَّةٌ على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرُها، ولا تبديلها، ولا النَّظر في شيء خالَفَها؛ مَن اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين، وولَّاه اللهُ ما تولَّى، وأصلاه جهنمَ وساءت مصيرًا»(حلية الأولياء 6/324)).
2- أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ باتِّباعهم والسَّير على منهجهم في قوله:
«فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عضّوا عليها بالنَّواجذ»
[رواه الترمذي (2600) وأبو داود (3991) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4314).].
قال ابنُ القيِّم- رحمه الله: «وقد قرن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سنَّةَ أصحابه بسنَّته، وأمر باتِّباعها كما أمر باتِّباع سنَّته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يُعَضَّ عليها بالنَّواجذ»[إعلام الموقعين (4/140).].
وعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «اتَّقوا اللهَ يا معشرَ القرَّاء، وخذوا طريقَ مَن كان قبلَكم؛ فلعمري لئن اتَّبعتموه لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا»[جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (3/184) ].
أسير خلف ركاب النّجب ذا عرج***مؤمِّلاً كشفَ ما لاقيتُ من عوج
فإن لحقتُ بهم من بعد مــــا سبقــــوا*** فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج
وإن بقيتُ بظهر الأرض منقطعًـــــا *** فما على عَرَج في ذاك من حرج
«خيرُ النَّاس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» رواه البخاري (2458).
قال ابنُ تيمية- رحمه الله: «ومن المعلوم بالضَّرورة لمن تدبَّر الكتابَ والسُّنَّة وما اتَّفق عليه أهل السُّنَّة والجماعة من جميع الطَّوائف، أنَّ خيرَ قرون هذه الأمَّة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كلِّ فضيلة أنَّ خيرَها القرنُ الأوَّلُ، ثمَّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ كما ثبت ذلك عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وأنَّهم أفضلُ من الخلف في كلِّ فضيلة من علم، وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة، وأنَّهم أولى بالبيان لكلِّ مُشْكل؛ هذا لا يدفعه إلَّا مَن كابر المعلوم بالضَّرورة من دين الإسلام، وأضلَّه اللهُ على علم، وما أحسن ما قال الشَّافعيُّ في رسالته: هم فوقنا في كلِّ علم، وعقل، ودين، وفضل، وكلِّ سبب ينال به علم، أو يدرك به هدىً، ورأيُهم لنا خيرٌ من رأينا لأنفسنا»مجموع الفتاوى (4/157).
4- أنَّ التَّمسُّكَ بما كانوا عليه سببٌ للنَّجاة عند وقوع الفتن والاختلاف والتَّفرُّق؛ عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بني إسرائل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملَّة، وتفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين ملَّة؛ كلُّهم في النَّار إلَّا ملَّة واحدة» قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»رواه الترمذي (2641) والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (9474).
وهذا يدلُّ على أنَّ فيصلَ التَّفريق بين الحقِّ والباطل باتِّباع الصَّحابة فيما كانوا عليه.
تعليق