السؤال
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..
أنا أصلى و أصوم و أعمل ما أستطيع من خير و لكن هناك
شك
داخلى دائماً ما يأتينى ، فكيف أزيل هذا
الشك
؟ و كيف أجمع راحة القلب مع قناعة العقل ؟
أنا أفكر كثيراً جداً فى موضوع الإلحاد و الإسلام و كثيراً أفكر فى الانتحار حتى أستطيع التخلص من التفكير ، أنا أعلم أنى ضعيف الإيمان و لكن ما العمل ؟ قوة الإيمان نعمة من الله و لم يهدينى إياها ..
منذ 3 أعوام و أنا أفكر و أسأل و فى كل مرة أقتنع بالإجابة و لكن قلبى لا يرتاح ، عذاب يومى و أظن أن العذاب النفسى أشد بكثير من العذاب البدنى ..
و أصبحت أضحك أمام الناس ثم أبكى عندما أكون وحيداً ، تخيلوا بمجرد أن أكون وحيداً يكون النوم هو السبيل الوحيد للهروب من التفكير ..
آسف إن أزعجتكم و لكن لا يوجد مكان آخر أتكلم فيه هكذا ، شكراً ..
أنا أفكر كثيراً جداً فى موضوع الإلحاد و الإسلام و كثيراً أفكر فى الانتحار حتى أستطيع التخلص من التفكير ، أنا أعلم أنى ضعيف الإيمان و لكن ما العمل ؟ قوة الإيمان نعمة من الله و لم يهدينى إياها ..
منذ 3 أعوام و أنا أفكر و أسأل و فى كل مرة أقتنع بالإجابة و لكن قلبى لا يرتاح ، عذاب يومى و أظن أن العذاب النفسى أشد بكثير من العذاب البدنى ..
و أصبحت أضحك أمام الناس ثم أبكى عندما أكون وحيداً ، تخيلوا بمجرد أن أكون وحيداً يكون النوم هو السبيل الوحيد للهروب من التفكير ..
آسف إن أزعجتكم و لكن لا يوجد مكان آخر أتكلم فيه هكذا ، شكراً ..
الجواب
يجب التفريق بين
الشبهة
و
الوسوسة
!
الشبهات
تُرد بالعلم الشرعي , و نوعية تقديم او طرح ذلك الععلم الشرعي مهم جدا للتخلص من الشبهات المعاصرة ! فلا ينفع أن تكون شبعا بالشبهات الفكرية الالحادية الماكرة ثم تُراجع شيخا لا يعلم من الدين إلا العرض التقليدي الذي لا ينفع في حالتك هذه ! تقول له : العلماء و نظرية التطور ! فيجيبك هؤلاء كفار ابتعد عنهم ! تقول : يقولون : من خلق ربك : فيجيب استغفر ربك ثم يستعيذ هو من الشيطان الرجيم و لا يعلم شيئا عن تسلسل العلل و الدور او امثال هذه الاجابات العقلية ...
الوساوس
تحتاج الى مَلكة سيكولوجية و فنون نفسية و نوع من المباريات الفكرية للتخلص منها , و كل انسان هو أعلم الناس بالاطلاق بخبايا نفسه و ما يؤثر عليه سلبا او ايجابا و هو ادرى بمداخل نفسه الى نفسه ! و الكثير من الناس لا يجيدون القيام بدور المتجاهل ! و في حالة
الوساوس
فإن عامل الزمن يعمل دورا كبيرا في خبوت تلك
الوساوس
لأن المخ سيتكيف كيميائيا لها ولن يكون لها تأثير حتى ان عادت شرط أن تعلم كيف تدير هذه المباريات ...
انقل لك هذا الجواب الشافي الكافي للدكتور هيثم طلعت الذي كتبه قبل ايام فقط .. من ادق ما ستجد من ردود :
انقل لك هذا الجواب الشافي الكافي للدكتور هيثم طلعت الذي كتبه قبل ايام فقط .. من ادق ما ستجد من ردود :
كيف يُعالج المتشكك نفسه؟
أيها المتشكك أبشِر فالحق له نور
إنَّ هناك كفرًا أساسُهُ الخيال أو الشعور الموقوت أو التأثر العاجل، وإيجادُ هذا الكفر سهلٌ، والاستمرارُ عليه مستحيل إلا لمرضى القلوب .
أغلب الناس يختلف عليه الليل والنهار وهو مُحاصَرٌ بمآربه القريبة مصروفٌ بالمادة عما ورائها، محجوبٌ بالمظاهر عن الحقائق الكبيرة، ناسيًا أن استعماره في الأرض لحكمة ولأجل وتكليف ، وضُرب له موعدٌ للقاء رهيب يُحاسب فيه على ما قدَّم وأخر .
وبعيدًا عن كارثة الشهوات، توجد كارثة الشبهات، والشخص المتشككٍ حائرِ الوجدان مُفتت الصدر، وهذا الشخص هو مَن سنقوم بتسليط الضوء عليه الآن.
الزمنُ جزءٌ من العلاج
أولاً إننا لا نُنكر أن الزمنَ جزءٌ من العلاج ...، وإذا كان على بني إسرائيل أن يتيهوا أربعين عامًا في صحراء سيناء، فيموت مَن ورثوا الذُلَّ والصَغار منهم، وتتأهب الأجيالُ الجديدة لفتح المدينة المُقدسة، فعلى المُتشكك أن يقضي زمانًا في تيه فكري وضياع وعدم تحديد هدف قبل أن تموت شُبهاته، ويكتشف أنها خُرافاتٌ لا تقوى على عامل الزمن.
فالزمنُ جُزءٌ من العلاج لا مُحالة ...، قيل أن ثعلبًا جائعًا انطلق يبحث عن طعام ، فرأى مِن سرداب طويل إناءً مشحونًا بما لذ وطاب ، فوثب داخل السرداب الضيق وتَلَطَّف حتى بلغ الإناء ثم أخذ يكرع منه حتى امتلأ، وحاول العودة من حيث جاء فعجز لأن بدنه انتفخ فما يستطيع التقهقر، ولقيه في محبسه هذا ثعلبٌ عجوزٌ عرف القصة من بدايتها فقال للثعلب الصغير" : ابق في مكانك هذا زمنًا حتى يخف حِملك وساعتها ستكون أقدر على الخروج من هذا الخندق الضيق" فالزمن جزء من العلاج.
فعلى المتشكك أن يبتعد عن معاطن الشبهات، وألا يجعل قلبه كالإسنفجة يتشرب كل شبهة جديدة؛ قال الذهبي - رحمه الله- فى ترجمة ابن الراوندي : " وكان يلازم الرافضة والملاحدة .. ،فإذا عوتب قال : إنما أريد أن أعرف أقوالهم إلى أن صار ملحداً، وحط على الدين والملة. نسأل الله السلامة والعافية فالقلوب ضعيفة والشُبَهُ خطافة ."
كيفية غربلة الشُبهات
ربما يكون الزمنُ وحدَهُ كافيًا لغربلة الشبهة، إلا أننا نلاحظ أنه في بعض الموازين التي يستغلها الباعة قد تميل إحدى الكفتين عن الأُخرى ميلاً عنيفاً لخلل في محور الارتكاز يقتضي علاجه أن تضع ثقلاً كبيرًا في الكفة الشائلة حتى تتساوى مع زميلتها ..، هذا العلاج المؤقت قد نتغلب به لفترة على الخلل الواقع ، بيد أن ذلك لا يُعطي الميزان صلاحية تُقيم العدلَ وتمنع الغش ، إنه لابد من علاج ناجع يفصل في القضية ويحسم المسألة.
إذ لابد من مواجهة مع الشبهة، وللأسف الحرب مع الشُبهات تُشبه الحرب مع الأشباح ، فالشبهة لا قوامَ لها أصلاً ، والذين ينهزمون في المعركة لا ينهزمون إلا خوفًا وذُعراً من الأشباح، فهذه هزيمة خسيسة لم تتم فيها مواجهة عاقلة بناءة بل هناك استسلامٌ دنيءٌ، وفرارٌ خسيسٌ قد تم من المتشكك، وبهذا تنتهي المعركة بانتصار وهمي للشبهة على قلب صاحبها
.
إن هذه الشبهات كالأسماك ما أن تخرج إلا وتموت وحدها ،وكم من شُبهة تحولت مع النقد الرصين إلى دليل إعجازي ودليل شرفٍ وعِصمةٍ لهذا الدين !
المهم أنه لابد من مَنع الذي لا يعرف السباحة من الاقتراب من الفُرات.
علاج الشُبهات يتم على عِدة محاور .
عندما مثلاً يتسائل الملحد:هل الله يحتاج لعبادته؟
يكون الجواب نقلي- من القرآن والسنة الصحيحة- وقد تواترت الآيات بأن الله سبحانه غنيٌ عن العالمين، وفي الحديث القُدسي : " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ،ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها فمَن وجد خيرا فليَحْمَدِ الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه "
ولاحظ معي قول الحديث القدسي :-" يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه."
ويكون الجواب عقلي: بأن خلق الشيء لا يلزم منه الحاجة عقلاً.
ويكون الجواب معرفي: بأن طبيعة البشر لا يصلحها إلا العبادة، ومَن وهى دينه يُقاد من بطنه وفرجه أكثر مما يُقاد من عقله وضميره.
ويكون الجواب منطقي: بأن خالقك أعلم بما يصلحك، فلا تنشغل إلا بما طُلب منك.
ويكون الجواب مادي: عندما تلعب كرة قدم فأنت تلتزم بقواعد اللعبة، كذلك وأنت في هذه الحياة عليك أن تلتزم بالقواعد.
وهكذا تتنوع المحاور حتى تنطفيء الشبهة ويخبت تلبيس الشيطان.
تكرار غزو الشبهات
إنَّ هناك ألغازًا كثيرة يطرحها العقل نظرًا لشُبهة طارئة أو عدم اطلاع، والعقل نفسه كفيل بصرفها إذا كان محايدًا باحثًا عن الحق ، لكن ما بالنا وهناك مَدَدٌ آخرُ بجانب العقل المُحايد، إنَّهُ مَددُ الوحي الإلهي .
إن الشُبهة الغارقة في وحل من الرماد لن يُشعل فيها النارَ إلا سوءُ النية وخُبثُ الطَوية ..
وقد زُوِّد الإنسانُ بعقلٍ يطمئنُ إلى وحدانية الله , وزُوِّد بقلبٍ يعرفُ الخير والشر , ويرضى به العدل ويسخط به الظُلم ، وبهذه الخصائص الإنسانية يُكَلَّفُ الإنسان .
إن هُناك مواثيق ركزها الله في الأنفُس ، وهناك صبغة صبغ الله الخلق عليها، مثل صبغة القيمة الأخلاقية المغروزة في النفس الإنسانية والتي تأتي ضد المصلحة الشخصية وضد المادة ومع ذلك يتقبلها الخلق جيمعًا ملحدهم ومؤمنهم؛ وهذا هو الحقُّ الذي جُبلت عليه الأنفُس .. ، ودعا إليه الرسلُ وبه كُلف البشر .. ، ومن السهل أن يصنع البعضُ حولَ هذا الحقِّ دُخاناً يزكم الأُنوف أو يحجب الرؤية، لكن مهما كان الدخان ثقيلاً فإن نفخة بالفم تجعله ينقشع .
إن المدافع عن الحق تأتيه أوقـات يكاد ينفلق فيها رأسه من الهم والحَزن لزخرفة الباطل وبهاء منظره ، وهُنـاك سماسرةٌ مَكَرَةٌ موظفون في ميادين إعلامية وسياسية لحراسة هذا الباطل واستدامته، لكن من فضل الله أن الحق فيه نورٌ ذاتيٌ، ومهما علا الدُخـان ومهما ثَقُل ومهما بُهرِج الباطل فإن الحق يبقى وللأبد له علامات تستقر إليها العقول، وتهدأ في زواياها النفوس، وتفني فى سبيلها الأرواح وهي هادئةً مُطمئنة.
قالت لي إحدى النصرانيات أنها لا تقبل إراقة الدماء ولو في سبيل مجاهدة الأعداء، ولم تمض أيـامٌ إلا وقد وقع أحدُهم في شرفها، ونال من عِفتها بكلامٍ بذيء، فأخبرتني والحسرة تعلوها أنها لن تترك هذا المجرم أبداً، ولو وجدته أمامها الآن لذبحته، إنها كذبت على عقلها أولاً، واستسلمت لغرورها ثانيـًا ، والدين بين هذا وذاك تقوم مبادئه وتعلو تشريعاته- فلا يُقتل قاذف المحصنات وإنما يقام عليه الحد-.
إنَّ غزوَ الشُبهات للقلوب الضعيفة والعقول التالفة هو غزوٌ بادي النجاح ، إنه بدل أن يَقتُل خِصمه يُغريه بالانتحـار، إن هُنـاك استسلامًا مُسبقًا للذبح مع أنَّ الذابحَ لا يملك سكينــًا، وهكذا يكون الانتصار الخسيس للشُبهات على القلب الضعيف الزاهد في الحق.
المعصية بريـد الشُبهات
إنَّ المرأةَ العاهرةَ هي أقدرُ الناس على تجريح الغافلات المُحصنات، والعقلُ التالف المُعطوب بصنوف الذنوب والمعاصي هو أقدرُ العقول على استبقاء الشُبهات وتجريح الحق، وعلى الرغم من أن البَوْنَ شاسعٌ بين شطحات الخيال وبين الحق الثابت المستقر إلا أن المعصية تُقرِّبُ المسافات بين الحق والباطل حتى يلتبس الحق بالباطل فلا يُدرَى ما الحقُّ وما الباطل ، وإذا وصل الإنسان لهذه المرحلة الأسيفة فلابُد ان يتدارك نفسه بالإقلاع عن المعاصي الظاهرة والباطنة وأن يَصدُق اللجوءَ إلى الله تعالى .
إنَّ الشخصَ العاصي شذوذٌ في ملكوتٍ يُسبِّحُ بحمدِ بارئه ويخضع لأمره،ونُكتةٌ سوداءُ متمردةٌ في عالمٍ يسجدُ لله طوعا وكَرها، ويستمد منه حياته وبقاءه لحظة بعد أُخرى ،فالعِوج في هذا الكون المُستقيم المُطيع لأمر الله يجعل الأرجـاء تكاد ان تَنقض على العاصي فتُخفي رسمه ووسمه ،ويظلَّ صاحبُ الشُبهات حائرًا تائهًا بشُبهته طالما ظل قائمًا على معاصي الله، ولن يغير الله من حاله إلا إذا غَيَّر هذا من نفسه {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).
فأروا الله من أنفسكم خيراً يا أصحاب الشبهات وأقلعوا عن المعاصي، إنَّ الدينـار إذا كان صحيحًا في أحد وجهيه دون الآخر أو في بعضه دون بعض فهو زائفٌ كلُّه، وكذلك الذي يَدَّعِي أنه يبحث عن الحق ، وأنه يريد الطُمأنينة والرضا بالله والقرب منه، وفي المقابل هو غارق في شهواته ومعاصيه ، فهذا شخصٌ زائفٌ يكذب على نفسه، وعلى مثل هذا يُخشى أن يُزَيَّنَ له الكفرُ فيراه حسنًا، ويصل لما وصل إليه الملاحدة من الرضا بالكفر بعد الإيمـان {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف:104).
نسأل الله السلامة .
----------------
بعض الفقرات من كتابات الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
أيها المتشكك أبشِر فالحق له نور
إنَّ هناك كفرًا أساسُهُ الخيال أو الشعور الموقوت أو التأثر العاجل، وإيجادُ هذا الكفر سهلٌ، والاستمرارُ عليه مستحيل إلا لمرضى القلوب .
أغلب الناس يختلف عليه الليل والنهار وهو مُحاصَرٌ بمآربه القريبة مصروفٌ بالمادة عما ورائها، محجوبٌ بالمظاهر عن الحقائق الكبيرة، ناسيًا أن استعماره في الأرض لحكمة ولأجل وتكليف ، وضُرب له موعدٌ للقاء رهيب يُحاسب فيه على ما قدَّم وأخر .
وبعيدًا عن كارثة الشهوات، توجد كارثة الشبهات، والشخص المتشككٍ حائرِ الوجدان مُفتت الصدر، وهذا الشخص هو مَن سنقوم بتسليط الضوء عليه الآن.
الزمنُ جزءٌ من العلاج
أولاً إننا لا نُنكر أن الزمنَ جزءٌ من العلاج ...، وإذا كان على بني إسرائيل أن يتيهوا أربعين عامًا في صحراء سيناء، فيموت مَن ورثوا الذُلَّ والصَغار منهم، وتتأهب الأجيالُ الجديدة لفتح المدينة المُقدسة، فعلى المُتشكك أن يقضي زمانًا في تيه فكري وضياع وعدم تحديد هدف قبل أن تموت شُبهاته، ويكتشف أنها خُرافاتٌ لا تقوى على عامل الزمن.
فالزمنُ جُزءٌ من العلاج لا مُحالة ...، قيل أن ثعلبًا جائعًا انطلق يبحث عن طعام ، فرأى مِن سرداب طويل إناءً مشحونًا بما لذ وطاب ، فوثب داخل السرداب الضيق وتَلَطَّف حتى بلغ الإناء ثم أخذ يكرع منه حتى امتلأ، وحاول العودة من حيث جاء فعجز لأن بدنه انتفخ فما يستطيع التقهقر، ولقيه في محبسه هذا ثعلبٌ عجوزٌ عرف القصة من بدايتها فقال للثعلب الصغير" : ابق في مكانك هذا زمنًا حتى يخف حِملك وساعتها ستكون أقدر على الخروج من هذا الخندق الضيق" فالزمن جزء من العلاج.
فعلى المتشكك أن يبتعد عن معاطن الشبهات، وألا يجعل قلبه كالإسنفجة يتشرب كل شبهة جديدة؛ قال الذهبي - رحمه الله- فى ترجمة ابن الراوندي : " وكان يلازم الرافضة والملاحدة .. ،فإذا عوتب قال : إنما أريد أن أعرف أقوالهم إلى أن صار ملحداً، وحط على الدين والملة. نسأل الله السلامة والعافية فالقلوب ضعيفة والشُبَهُ خطافة ."
كيفية غربلة الشُبهات
ربما يكون الزمنُ وحدَهُ كافيًا لغربلة الشبهة، إلا أننا نلاحظ أنه في بعض الموازين التي يستغلها الباعة قد تميل إحدى الكفتين عن الأُخرى ميلاً عنيفاً لخلل في محور الارتكاز يقتضي علاجه أن تضع ثقلاً كبيرًا في الكفة الشائلة حتى تتساوى مع زميلتها ..، هذا العلاج المؤقت قد نتغلب به لفترة على الخلل الواقع ، بيد أن ذلك لا يُعطي الميزان صلاحية تُقيم العدلَ وتمنع الغش ، إنه لابد من علاج ناجع يفصل في القضية ويحسم المسألة.
إذ لابد من مواجهة مع الشبهة، وللأسف الحرب مع الشُبهات تُشبه الحرب مع الأشباح ، فالشبهة لا قوامَ لها أصلاً ، والذين ينهزمون في المعركة لا ينهزمون إلا خوفًا وذُعراً من الأشباح، فهذه هزيمة خسيسة لم تتم فيها مواجهة عاقلة بناءة بل هناك استسلامٌ دنيءٌ، وفرارٌ خسيسٌ قد تم من المتشكك، وبهذا تنتهي المعركة بانتصار وهمي للشبهة على قلب صاحبها
.
إن هذه الشبهات كالأسماك ما أن تخرج إلا وتموت وحدها ،وكم من شُبهة تحولت مع النقد الرصين إلى دليل إعجازي ودليل شرفٍ وعِصمةٍ لهذا الدين !
المهم أنه لابد من مَنع الذي لا يعرف السباحة من الاقتراب من الفُرات.
علاج الشُبهات يتم على عِدة محاور .
عندما مثلاً يتسائل الملحد:هل الله يحتاج لعبادته؟
يكون الجواب نقلي- من القرآن والسنة الصحيحة- وقد تواترت الآيات بأن الله سبحانه غنيٌ عن العالمين، وفي الحديث القُدسي : " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ،ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخرَكم وإنسَكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها فمَن وجد خيرا فليَحْمَدِ الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه "
ولاحظ معي قول الحديث القدسي :-" يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه."
ويكون الجواب عقلي: بأن خلق الشيء لا يلزم منه الحاجة عقلاً.
ويكون الجواب معرفي: بأن طبيعة البشر لا يصلحها إلا العبادة، ومَن وهى دينه يُقاد من بطنه وفرجه أكثر مما يُقاد من عقله وضميره.
ويكون الجواب منطقي: بأن خالقك أعلم بما يصلحك، فلا تنشغل إلا بما طُلب منك.
ويكون الجواب مادي: عندما تلعب كرة قدم فأنت تلتزم بقواعد اللعبة، كذلك وأنت في هذه الحياة عليك أن تلتزم بالقواعد.
وهكذا تتنوع المحاور حتى تنطفيء الشبهة ويخبت تلبيس الشيطان.
تكرار غزو الشبهات
إنَّ هناك ألغازًا كثيرة يطرحها العقل نظرًا لشُبهة طارئة أو عدم اطلاع، والعقل نفسه كفيل بصرفها إذا كان محايدًا باحثًا عن الحق ، لكن ما بالنا وهناك مَدَدٌ آخرُ بجانب العقل المُحايد، إنَّهُ مَددُ الوحي الإلهي .
إن الشُبهة الغارقة في وحل من الرماد لن يُشعل فيها النارَ إلا سوءُ النية وخُبثُ الطَوية ..
وقد زُوِّد الإنسانُ بعقلٍ يطمئنُ إلى وحدانية الله , وزُوِّد بقلبٍ يعرفُ الخير والشر , ويرضى به العدل ويسخط به الظُلم ، وبهذه الخصائص الإنسانية يُكَلَّفُ الإنسان .
إن هُناك مواثيق ركزها الله في الأنفُس ، وهناك صبغة صبغ الله الخلق عليها، مثل صبغة القيمة الأخلاقية المغروزة في النفس الإنسانية والتي تأتي ضد المصلحة الشخصية وضد المادة ومع ذلك يتقبلها الخلق جيمعًا ملحدهم ومؤمنهم؛ وهذا هو الحقُّ الذي جُبلت عليه الأنفُس .. ، ودعا إليه الرسلُ وبه كُلف البشر .. ، ومن السهل أن يصنع البعضُ حولَ هذا الحقِّ دُخاناً يزكم الأُنوف أو يحجب الرؤية، لكن مهما كان الدخان ثقيلاً فإن نفخة بالفم تجعله ينقشع .
إن المدافع عن الحق تأتيه أوقـات يكاد ينفلق فيها رأسه من الهم والحَزن لزخرفة الباطل وبهاء منظره ، وهُنـاك سماسرةٌ مَكَرَةٌ موظفون في ميادين إعلامية وسياسية لحراسة هذا الباطل واستدامته، لكن من فضل الله أن الحق فيه نورٌ ذاتيٌ، ومهما علا الدُخـان ومهما ثَقُل ومهما بُهرِج الباطل فإن الحق يبقى وللأبد له علامات تستقر إليها العقول، وتهدأ في زواياها النفوس، وتفني فى سبيلها الأرواح وهي هادئةً مُطمئنة.
قالت لي إحدى النصرانيات أنها لا تقبل إراقة الدماء ولو في سبيل مجاهدة الأعداء، ولم تمض أيـامٌ إلا وقد وقع أحدُهم في شرفها، ونال من عِفتها بكلامٍ بذيء، فأخبرتني والحسرة تعلوها أنها لن تترك هذا المجرم أبداً، ولو وجدته أمامها الآن لذبحته، إنها كذبت على عقلها أولاً، واستسلمت لغرورها ثانيـًا ، والدين بين هذا وذاك تقوم مبادئه وتعلو تشريعاته- فلا يُقتل قاذف المحصنات وإنما يقام عليه الحد-.
إنَّ غزوَ الشُبهات للقلوب الضعيفة والعقول التالفة هو غزوٌ بادي النجاح ، إنه بدل أن يَقتُل خِصمه يُغريه بالانتحـار، إن هُنـاك استسلامًا مُسبقًا للذبح مع أنَّ الذابحَ لا يملك سكينــًا، وهكذا يكون الانتصار الخسيس للشُبهات على القلب الضعيف الزاهد في الحق.
المعصية بريـد الشُبهات
إنَّ المرأةَ العاهرةَ هي أقدرُ الناس على تجريح الغافلات المُحصنات، والعقلُ التالف المُعطوب بصنوف الذنوب والمعاصي هو أقدرُ العقول على استبقاء الشُبهات وتجريح الحق، وعلى الرغم من أن البَوْنَ شاسعٌ بين شطحات الخيال وبين الحق الثابت المستقر إلا أن المعصية تُقرِّبُ المسافات بين الحق والباطل حتى يلتبس الحق بالباطل فلا يُدرَى ما الحقُّ وما الباطل ، وإذا وصل الإنسان لهذه المرحلة الأسيفة فلابُد ان يتدارك نفسه بالإقلاع عن المعاصي الظاهرة والباطنة وأن يَصدُق اللجوءَ إلى الله تعالى .
إنَّ الشخصَ العاصي شذوذٌ في ملكوتٍ يُسبِّحُ بحمدِ بارئه ويخضع لأمره،ونُكتةٌ سوداءُ متمردةٌ في عالمٍ يسجدُ لله طوعا وكَرها، ويستمد منه حياته وبقاءه لحظة بعد أُخرى ،فالعِوج في هذا الكون المُستقيم المُطيع لأمر الله يجعل الأرجـاء تكاد ان تَنقض على العاصي فتُخفي رسمه ووسمه ،ويظلَّ صاحبُ الشُبهات حائرًا تائهًا بشُبهته طالما ظل قائمًا على معاصي الله، ولن يغير الله من حاله إلا إذا غَيَّر هذا من نفسه {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).
فأروا الله من أنفسكم خيراً يا أصحاب الشبهات وأقلعوا عن المعاصي، إنَّ الدينـار إذا كان صحيحًا في أحد وجهيه دون الآخر أو في بعضه دون بعض فهو زائفٌ كلُّه، وكذلك الذي يَدَّعِي أنه يبحث عن الحق ، وأنه يريد الطُمأنينة والرضا بالله والقرب منه، وفي المقابل هو غارق في شهواته ومعاصيه ، فهذا شخصٌ زائفٌ يكذب على نفسه، وعلى مثل هذا يُخشى أن يُزَيَّنَ له الكفرُ فيراه حسنًا، ويصل لما وصل إليه الملاحدة من الرضا بالكفر بعد الإيمـان {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف:104).
نسأل الله السلامة .
----------------
بعض الفقرات من كتابات الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
منقول بتصرف من منتدى التوحيد
تعليق