إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**





    سلسلة أركان الإيمان





    أولا ماذا يقصد بكلمة التوحيد


    نفـي وإثبــات

    مظاهر الخشوعِ باديةٌ على قسمات وجهه، ودلائل الزهد تلمحها من لباسه وخشونة عيشه وطبيعة مأكله ومشربه، ولربما جاز على بعضهم أن يُطلق عليه اسم "الناسك"، وهو على زهده ورهبانيّته وإيمانه بخالقه، إلا أنه قد لا يزن عند الله جناح بعوضة، وما طعامه وشرابه وتضييقه على نفسه إلا هباء منثور يوم القيامة لا يُغني من الله شيئاً، كما قال أحكم الحاكمين: { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } (الفرقان:23).

    صورةٌ يجفل الإنسان من تخيّلها إذا وضع نفسه مكان ذلك الخاسر الذي أفنى عمره وهو يحسب أنه يُحسن صُنعاً، وتجعل صاحبها في رهبةٍ وخوفٍ من الوقوع في الأسباب المؤدّية إلى مثلِ هذه النهاية، وتدعوه إلى التساؤل عن سببها ومكمن الخلل فيها، والسرّ كامنٌ في جملةٍ واحدة، لو وعاها ذلك الناسك العابد لكانت النهاية مختلفةٌ حتماً، وهذه الجملة هي: "كلمة التوحيد...نفيٌ وإثبات".

    نعم، لقد خلق الله الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتمَّ الجزاء، وأجزل له جزيل العطاء، ومن عصاه وتعدّى حدوده، وجانب صراطه المستقيم، واتبع سبيل غير المؤمنين، عذَّبه أشدَّ العذاب، وفاته النعيم المقيم، وأصل هذا الطريق وأساسه هو عبادة الله تعالى: {
    وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات:56).



    هذه العبادة التي جاء الأمر بها، مطلوبةٌ من المكلف على وجه الحصر لله تبارك وتعالى، فلا يجوز أن يُشاركه فيها غيرُه، ولذا: فإن كلمة التوحيد التي معناها: لا معبود بحقٍّ إلا الله، تفرض على العباد إثبات استحقاق الخالق جلّ وعلا للعبادة، وفي الوقت ذاته: تنفي استحقاق أي مخلوقٍ سوى الله لأي نوعٍ من التذلّل والخضوع والتعبّد، وبدون هذه الموازنة بين هذا النفي وذاك الإثبات، لا يكون المؤمن مؤمناً، ولن يستطيع الارتقاء في سماوات التوحيد دون الاستعانة بهذين الجناحين: الإيمان بالله، والكفر بما سواه.


    يقول الشوكاني: " تحقيق معنى (لا إله إلا الله) ، وهي متركّبة من نفي وإثبات، فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات -غير الله- كائنةً ما كانت، في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام".

    وعليه: من اكتفى بإثبات استحقاق الله للعبادة، دون أن يعتقد اعتقاداً جازماً ببطلان تأليه ما سواه من المعبودات واعتبارها باطلة، فهو لم يُحقّق بعدُ كلمة التوحيد التي تحصل بها النجاة يوم القيامة.
    وكلّ من له إلمامٌ باللغة العربيّة يعرف أن الأسلوب الموجود في كلمة التوحيد: (لا إله...إلا الله) هو أسلوب حصرٍ يحقق الإثبات والنفي ويتطلّبهما جميعاً، ومثلها كذلك استخدام كلمة (إنما) في مثلِ قوله تعالى: {
    إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} (النساء:171)، فهو جمعٌ بين إثبات مقام الألوهيّة لله تبارك وتعالى، وتنزيهٌ له عن الشريك والمثيل.


    على أن هناك نصوصاً شرعيّة بيّنت هذه القضيّة بشكلٍ واضح، أجلاها وأوضحها هي قول الله عز وجل: {
    وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ} (النحل: 36)، فالإثبات الوارد في الآية موجودٌ في قوله تعالى: {اعْبُدُوا اللَّـهَ } والنفي واردٌ في قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} فلابد إذن من الجمع بين النفي والإثبات، النفي للمعبودات الباطلة والإثبات للعبوديّة الحقة لمستحقّها سبحانه دون غيرِه.

    وبين يدينا قصّةٌ من أعاجيب القصص، أخبرنا بها سلمان الفارسي رضي الله عنه، والأثر قد اختُلف في رفعه إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، المهم هو فحوى هذه القصّة التي تتحدّث عن حادثةٍ غريبة وقعت في الأزمان الماضية، والأمم الغابرة، تصبّ في هذا المعنى، يقول سلمان رضي الله عنه: دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل آخر النار في ذباب، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: مر رجلان ممن كان قبلكم على ناس معهم صنم، لا يمر بهم أحد إلا قرّب لصنمهم، فقالوا لأحدهم: قرّب شيئاً، قال: ما معي شيء، قالوا: قرّب ولو ذبابا. فقرّب ذباباً ومضى فدخل النار، وقالوا للآخر: قرّب شيئاً، قال: ما كنت لأقرب لأحد دون الله. فقتلوه فدخل الجنة. رواه أحمد في كتاب الزهد، وأبو نعيم في الحلية.

    وسبحان الله الذي ضرب لنا في الحياة هذه الأمثال حتى نعلم حقائق الأشياء، فنحن أمام ذبابةٍ حقيرة، استحقّ بسببها رجلٌ النار، ونال لأجلها رجلٌ الجنّة، وكان الأوّل عاصياً، والآخر طائعاً.

    لقد كان محلّ الاختبار في هذه الحادثة ذبابة، وإن اكتفاء هؤلاء المشركين بتقريب الذباب اعتدادٌ بأضعف مظاهر الطاعة، إذ المقصود الأعظم هو اعتقاد القلب، أما الخاسرُ فكان في قربانه ارتياحُ القلب لما هو من معتقدات الأمم المناوئة لمبادئ الإسلام، فاختار أن يقدّم رموز الولاء والطاعة بأحقر الأشياء وأدناها، وتقريب القرابين هو عبادةٌ من العباداتِ بصرف النظر عن طبيعة القُربان، فصرفها لغير الله سبحانه وتعالى شرك، قال الله تعالى: {
    قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (الأنعام:162-163)،وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا } (النساء:48) وقوله تعالى:
    {
    إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ} (المائدة:72).

    ولنتأمّل قوله تعالى: {
    يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55) فكلمة "شيء" كما يقول علماء اللغة نكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي أنها تعمّ كلّ ما يمكن أن يُطلق عليه "شيء" مهما كان وزنه وحجمه وطبيعته.

    وقد كان يسع ذلك الرجل الذي طُولب بالقربان، أن يمتثل للتهديد وقلبه مطمئن بالإيمان، ممتليءٌ باليقين، واثقٌ بسذاجة ما عليه القوم، كارهٌ لمواقعة الكفر، كيف وقد قال الله: {
    مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ* صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل:106).



    فإلى المتهاونين في أمور الشرك، وإلى المكثرين من اللوم والتقريع لدعاة التوحيد والواصفين لهم بالمبالغة، وإلى الذين لا يُدركون لزوم هذه النظرة المتوازنة بين النفي والإثبات، ولا يفهمون أن بالنفي أو الإثبات يكون المرء موحداً ما لم يجمع بينهما معاً، نقول لهم ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات، رواه البخاري.





    يتابع

    المصدر (إسلام ويب)

    التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 16-10-2014, 06:39 PM.
    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة


  • #2
    رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

    الإيـمان بالكتب






    أنزل الله سبحانه وتعالى على عدد من الأنبياء كتباً من عنده، تكون دستوراً للأمم التي بُعثوا لها، فنزلت التوراة على موسى عليه السلام حقاً، والزبور على داود عليه السلام حقاً، والإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً، وأُنزلت الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً، وأنزل خاتم الكتب: القرآن الكريم، على خاتم الأنبياء والمرسلين: محمد –صلى الله عليه وسلم-.



    والواجب على العباد من كلّ أمةٍ الإيمان بما أنزل الله من الكتاب على نبيّهم، واتباع ما فيه، والاحتكام إليه، كذلك الواجبُ عليهم أن يؤمنوا بما أنزل الله من الكتب الأخرى على الأنبياء الآخرين؛ لأن المُنزل واحد –سبحانه وتعالى-، فلا معنى للكفرِ بالكتب الأخرى مادام أن من تكلّم بها واحد، فالكفر بواحدٍ منها هو كفرٌ بجميع الكتب، قال الله تعالى:{
    آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البقرة:285)، فالله سبحانه وتعالى امتدح المؤمنين في هذا السياق لإيمانهم بالكتب السماوية بدرجةٍ واحدة، لا يفرّقون بينها كما لا يفرّقون بين الرسل من جهة الإيمان بهم.

    والعمدة في ذلك هو قول الله تعالى: {
    وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} (الشورى:15)، فالله جلّ جلاله قد أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يُعلم الناس بإيمانه بالكتب السماويّة كلّها، ونفهم ذلك من التعبير القرآني: {كتاب} فهو اسم جنس يعمّ جميع تلك الكتب دون تفريقٍ بينها، وهذا ما فهمه حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما من هذه الآية فقال: "لأسوي بينكم في الدّين، وأؤمن بكلّ كتاب وكلّ رسول".

    والتفريق بين الكتب السماوية هو تفريقٌ بين الرسالات، وبين المُرسَلين، بالرغم من أن الذي أرسلهم واحد، ولذلك كان الإيمان الشامل بهذه الكتب هو العقيدة التي ينبغي أن يرتكز عليها المؤمن، ولا يُقبل منه سواها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {
    قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (البقرة: ، 84)،
    وقال تعالي (
    وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )فالموضعان القرآنيّان يُشدّدان على ضرورة الإيمان بهذه الكتب جميعاً دون التفريق بينها، وجعل هذه المنظومة الإيمانيّة هي سبيل الهُدى الأوحد، الموصل إلى رضوان الله وغفرانه: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ} (البقرة: 139)، والإخلال بهذه العقيدة بل بجزءٍ منها، مجافاةٌ لصراط الله المستقيم، ومحادّاةٌ لله ورسوله، فعاقبتها الشقاق والاختلاف، والتنازع والافتراق، ومجانبةٌ للحق، فالواجب هو الإيمان بجميع الكتب التي أرسلها الله على أنبيائه وعدم التفريق بينها.

    ومواطن ذمِ اليهود في نصوص الوحيين كثيرةٌ، ويأتي من ضمنها: مسلكهم في الإيمان ببعض ما أنزل الله من الكتاب والكفر بما أُنزل على غيرهم من الأنبياء، وبذلك كفروا بالقرآن الكريم ولم يقبلوا به، قال الله تعالى ذامّاً لهم: {
    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّـهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (البقرة:91)، وقد بيّن الإمام ابن القيّم وجه الاستدلال من هذه الآية فقال: "هذه حكاية مناظرةٍ بين الرسول –صلى الله عليه وسلم- وبين اليهود لما قال لهم: آمنوا بما أنزل الله، فأجابوه بأن قالوا: نؤمن بما أنزل علينا. ومرادهم التخصيص، أي: نؤمن بالمنزل علينا غيره، فظهرت عليهم الحجة بقولهم هذا من وجهين:



    أحدهما:أنه إن كان إيمانكم به لأنه حق فقد وجب عليكم أن تؤمنوا بما أنزل على محمد، لأنه حق مصدق لما معكم، وحكم الحق الإيمان به أين كان، ومع من كان، فلزمكم الإيمان بالحقين جميعا أو الكفر الصريح، ففي ضمن هذا الشهادة عليهم بأنهم لم يؤمنوا بالحق الأول، ولا بالثاني.

    وهذا الحكم في كل من فرق الحق، فآمن ببعضه، وكفر ببعضه، كمن آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض، وكمن آمن ببعض الأنبياء، وكفر ببعض، لم ينفعه إيمانه حتى يؤمن بالجميع".

    وما ذكره ابن القيم حقّ، فإن التفريق بين الرسل وما أُرسلوا به، هو كفرٌ بما أُرسلوا له من دعوة الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما يُعبد من دونه، لا سيما أن الأصول الاعتقاديّة وأصول الشرائع واحدة، فما وجه التفريق بينها في مسألة الإيمان؟

    من هنا ندرك أن قول النصارى: نؤمن بأن القرآن كتابٌ منزّل، ولكنّه خاصٌّ بالعرب! هو كفرٌ بواح لا تنفع معه هذه الحيدة أو المحاولة الفاشلة في قلب الحقائق؛ فإن الإيمان بأن القرآن كتابٌ سماوي أُنزل من عند الله، هو إيمانٌ بصدق كلّ ما جاء فيه، فإذا كانت الآيات تدعو فتقول: {
    قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (آل عمران:31)،
    وتقرّر الحقيقة فتقول: {
    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وهذا النبي الذي جاء الأمر باتباعه يقول: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، كان مجموع هذه الأدلّة وغيرها يهدم هذه النظريّة المتهافتة التي يُحاول أن يروّجها النصارى هذه الأيّام طمعاً في إيقاف انتشار الإسلام، ولكن هيهات أن ينطلي مثل ذلك على من آتاه الله بصيرةً وهدى، لأن شعاره في حياته وبعد مماته: " نؤمن بكل ما أنزل الله من كتاب" أياً كان ذلك الكتاب.

    يتابع بإذن الله



    التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 12-10-2014, 10:29 PM.
    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

      الغايه من إنزال الكتب


      "لماذا أنزل الله الكتب السماوية؟ وما الحكمة من وجودها؟"، قد يبدو السؤالان السابقان مثار تعجّبٍ واستغرابٍ عند أهل الإيمان، الذين تربّوا على التسليم دون السؤال عمّا وراء الأفعال الإلهيّة، انطلاقاً من قوله سبحانه: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ} (الإسراء:36).

      وفي الحقيقة يمكننا تفهّم طرح مثل هذا السؤال، ليس بدافع التشكيك حول قضيّةٍ مركزيّةٍ لا يصح إيمان العبدِ إلا بها، ولكن تلبيةً لحاجة من يقفُ خارج الإطار الإيماني ويعيش في وديان الكفرِ القاحلة، من الذين لم يذوقوا طعمَ الإيمان ولا فهموا معاني الإسلام، ولا أدركوا طبيعة الرسالات السماوية، ونضرب هنا المثل بالقبائل البدائيّة التي قد تستغني بمبدأ "الكتب المقدّسة" بأقوال زعمائهم ورجالِ دينهم، وبالمارقين عن الدياناتِ كلّها من أصحاب المذاهب الماديّة الباطلةِ التي تشرّبت نفوسهم كبراً وغروراً بالعقل البشري، حتى ظنّوا قدرتهم على الاستغناء عن التنزّل السماوي لهذه الكتب العظيمة.

      ولهؤلاء وأولئك نقول: إن من يؤمن بربٍّ مريدٍ قادرٍ عليم، فهو يؤمن بضرورة العقل أن ذلك الخالق لا تصدرُ أعماله إلا عن حكمةٍ بالغةٍ علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ولئن غابتْ عن عقولنا المحصورة حكمةَ فعلٍ إلهيٍ مخصوص، فلا يعني ذلك انتفاء الحكمةِ عنها؛ لتنزّه الله سبحانه عن صفات النقص وتقدّسه عنها، ومن ذلك: صفة العبث، قال الله تعالى:
      {
      وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } (الأنبياء:16)،
      وقال سبحانه: {
      أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}، وإذا كان العبثُ صفةَ ذمٍّ يتنزّه الناس عنها، فالله أولى بذلك لأن القدّوس سبحانه.

      وعند تأمّل القرآن نجد الربط بين صفة الحكمة، وإنزال الكتب، إشارةً إلى وجود حكمٍ عظيمةٍ حاصلةٍ من هذا الفعل الإلهي، وانظر إلى قوله تعالى: {
      وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } (الشورى:51)، والوحي هنا يشمل ما أُنزل في تلك الكتب ويتضمّنه، وقوله سبحانه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } (هود: 1)، وقوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (النمل:6)، وقوله تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } (الزمر:1).

      ذاك على وجه الإجمال، وما أمكننا استنباطه على وجه التفصيل فهو كالآتي:


      إقامة الحجّة على الخلق

      أنزل الله الكتب السماويّة حتى يقيم الحجّة على خلقه، فلا يقولوا: {
      يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ* ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }، فبَعْثُ الرسل بما جاءوا به من البيّنات المكتوبةِ يقطع عن هذا العذر، فيحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وتقوم الحجة على الخلق بالتكليف،
      قال الله تعالى: {
      رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (النساء:165)، قال الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي تعليقاً على هذه الآية: " نعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل".

      والآية السابقة بمفهومها تدلّ على هذه الحكمة، وإن لم تُذكر الكتب صراحةً، لأنه لا معنى لإرسال الرسل إلا بما أُرسلوا به من الوحي في الكتب وغيرها، فالبشارة والنذارة المذكورتان في الآية قد تضمّنتها تلك الكتب المنزلة.

      وإن أعظم قضيّة تعلّقت بها إقامة الحجّة هي مسألة توحيد الخالق جلّ جلاله، فإن الكتب ما أنزلت والرسل ما أرسلت إلا لتحقيق هذه الغاية العظيمة، والتي أسهمت الكتب المنزلة في تقريرها وتأصيلها وتذكير الناس بها على نحوٍ لا لبسَ فيه ولا غموض، حتى لم يبقَ بعد ذلك عذرٌ لمعتذر.

      تأييد الرسل وإظهار صدقهم

      أنزل الله الكتب السماويّة لبيان صدق الرسل والأنبياء في دعواهم المتعلّقة بالبعثة والاصطفاء، ونحن نرى كيف أنزل الله على موسى عليه السلام تلك الألواح التي جاء وصفها القرآني: {
      وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } (الأعراف:145)، فكان في وجودها دليلٌ على صدق رسالته، ومما يُستشهد به في هذا المجال قول الحق سبحانه: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} (أل عمران:184)، فكُذِّب الرسل بالرغم من التأييد الإلهي بهذه الكتب المنزّلة التي تدلّ على صدق دعوى الاصطفاء، فدلّ على أن تأييدهم هو من الحكم الإلهيّة في إنزال الكتب.

      الحكم بين الناس حين الاختلاف

      أنزل الله الكتب السماويّة حتى يكون الكتابُ حَكَماً بينهم، وليُبيّن لهم الذي اختلفوا فيه، قال الله تعالى: {
      كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (البقرة:213)، فكلّ ما اشتملت عليه الكتب السماويةٌ هي فصلٌ عند التنازع والاختلاف، لأنها أخبار صادقة، وأوامر عادلة، فهي حق، تفصل بين المختلفين في مسائل الأصول والفروع.

      الحكم بين الناس بالعدل

      أنزل الله الكتب السماوية حتى يقوم ميزان الحق بين الناس، فيأخذَ كلّ ذي حقٍّ حقّه، ولا يظلم أحدٌ أحداً، لأن تلك الكتب هي المرجعيّة الدائمة لهم لمعرفة الاستحقاقات واستنباط الواجبات، ولو تُركت الأمور للناس لفسدت الأرض وضاع الحقّ لوجود الأهواء الفاسدة التي تمنع من إقامة سلطان الحق، وفي ذلك يقول الله تعالى: {
      لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ} (الحديد:25)، فهذه الآية تبيّن أن قيام القسط علّةٌ لإنزال الكتاب والميزان معاً –كما يقول أهل التفسير-؛ لأن القسط هو العدل في جميع الأشياء من سائر التكاليف، فإنه لا ظُلم في شيء منها، ولذلك جاء قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (آل عمران:18).

      هدايةُ الناس وإرشادهم

      أنزل الله تعالى الكتب السماويّة، لتكون مناراً للعلم ومنبعاً للحكمة، يقصده الناس فيجدوا فيه كلّ ما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم، ودينهم ودنياهم، ولئن كان مثلُ ذلك متحقّقاً بمجرّد إرسال الرسل، إلا أن ظهوره في الكتب أشدّ وضوحاً، لأن الكتب السماوية الأصل فيها البقاء بعد موت الأنبياء والرسل الذين أتوا بها، ثم بقيت مهمّة المحافظة على أتباعهم، لتستفيد الأجيال القادمة مما احتوتْه الكتب السماويّة، باستثناء الكتاب الذي أنزله الله على هذه الأمة الخاتمة فقد تكفل الله بحفظه .

      والله سبحانه وتعالى لم يترك الناس حيرى، بل رسم لهم معالم الطريق الذي يسلكونه لتحصل لهم النجاة والفوز في الدارين، كلّ ما ينبغي عليهم هو الرجوع إلى هذه الكتب السماويّة ليجدوا فيها بغيتهم، ألم يقل النبي –صلى الله عليه وسلم-: (..وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله) رواه مسلم.

      والمنّة في إنزال الكتب السماوية واضحةٌ للتفاوت بين عقول البشر في إدراك الحسن والقبيح، ولقصور عقولهم عن الإحاطة الشاملة بكل الحقائق، ولذلك يقول الله تعالى: {
      لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } (آل عمران:164).

      وها نحن نرى في أيّامنا هذه ضلاّل البشريّة، يقصدون كتاب الله قصد التعرّف عليه واستكشاف مكنوناته، فإذا بهم يصلون إلى الحق وإلى سبيل الهدى دون مرشدٍ من الدعاة والمصلحين، لتتجلّى لنا حقيقة أن الكتب السماويّة فيها الكفاية لمن أراد الهداية، وبالله التوفيق.



      التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 12-10-2014, 11:03 PM.
      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**




        فروقٌ بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية



        توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهيّة، قسمان من أقسام التوحيد تضمّنهما الإيمان بالله جلّ وعلا، ويُضمّ إليهما: توحيد الأسماء والصفات، أما من حيث التعريف، فتوحيد الربوبية: هو اعتقاد تفرّد الله تعالى بالخلق والرزق، والملك والتدبير، وغيرها من الأفعال التي اختصّ بها دون خلقه، وتوحيد الألوهيّة: هو تفرّد الله في استحقاق العبادة، بحيث تُصرف له دون ما سواه.

        ومن الأمور التي تُبحث في باب المُعتقد: الفروق ما بين هذين القسمين من أقسام التوحيد، وهذه قضيّة مهمّةٌ للغاية تجدرُ العناية بها نظراً لوقوع كثير من الطوائف في الخلط بينهما وعدم إدراك طبيعة كلٍّ منهما، ثم إن الوقوف على هذه الفروق يدفع الناظرَ إلى آيات القرآن ونصوص الوحي إلى فهمٍ أدقّ وتدبّرٍ أعمق؛ ويمكن إجمال أهم الفروق الحاصلة بينهما في التالي:

        الفرق من جهة الاشتقاق

        إذا رجعنا إلى كتب اللغة، نجد فرقاً في الأصول اللغويّة لكلا اللفظتين: (الربوبية)-(الألوهيّة)، أما الربوبيّة: فهي مشتقّة من اسم الله: (الرّب)، قال صاحب الصحاح: " رب كل شيء: مالكه. والرب: اسم من أسماء الله عز وجل، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، ورَبّ الضيعة، أي أصلحها وأتمها. ورَبّ فلانٌ ولدَه، أي: ربّاه"، وأما الألوهيّة فهي مشتقّة من الإله، قال صاحب معجم مقاييس اللغة: " الهمزة واللام والهاء أصل واحد، وهو التعبّد، فالإله: الله تعالى؛ وسمي بذلك لأنه معبود، ويقال: تألّه الرجل، إذا تعبّد".

        وهذا الاختلاف في الاشتقاق يدلّ على الاختلاف في المفهوم، فلا يمكن أن يُنظر إليهما كأنهما لفظان اتّحدا في المعنى، وبذلك نعرف خطأ من فسّر شهادة أن لا إله إلا الله، بقوله: لا مخترع أو خالق أو صانع غير الله؛ لأنه تفسيرٌ للألوهيّة بالربوبيّة.

        الفرق من جهة المتعلّق


        يتعلّق توحيد الربوبيّة بالأفعال الإلهيّة، مثل فعل الخلق والتدبير، والرحمة والإحسان، والنفع والضرّ، وغيرها من الأفعال التي يختصّ بها الله تعالى وهذا هو معنى أن نوحّده بها: أن نعتقد اختصاصه بهذه الأفعال وعدم قدرةِ غيره على فعلها، أما توحيد الألوهيّة، فمتعلّقه أفعال العباد، بمعنى: أن يُفرد العباد الله بهذه الأفعال ولا يتوجّهون بها إلى غيره من المعبودات الباطلة كالأصنام ونحوها، سواءٌ في ذلك العبادات الظاهرة أو الباطنة، فالظاهرة: كالحج والصيام والركوع والسجود، والباطنة: كالخوف والرجاء والتوكّل والاستغاثة.

        الفرق من جهة الإقرار



        توحيد الربوبيّة أقرّ به عامّة المشركين وأهل الكفر، ولم يشذّ منهم إلا النزرُ اليسير من أهل الإلحاد، وهذا الإقرار إقرارٌ إجمالي ناقص، ولو كان كاملاً لقادهم الإيمان بالربوبيّة إلى إفراد الله بالعبادة، كما قال الله جلّ وعلا: {
        يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:21)، وآيات القرآن بيّنت إقرار أهل الشرك بمسألة الربوبيّة في مواضع كثيرة كقوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } (العنكبوت:61).

        وأما توحيد الألوهيّة: فامتنع أهل الشرك من الإقرار به، ورفضوا أن يُفردوا الله بالعبادة، واستجازوا أن يجعلوا للمعبودات الباطلة نصيباً من عباداتهم وصلاتهم وأضاحيهم وقرابينهم، بل تعجبّوا من الرسل حينما دعوهم إلى الكفر بكلّ ما يُعبد دون الله تعالى وقالوا : {
        الُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (الأعراف:70).

        الفرق من جهة الدلالة


        قول علماء المُعتقد: توحيد الربوبيّة مدلوله عِلْمي، والمقصود بذلك: أن هذا النوع من التوحيد يتعلّق بالمعتقد والعلم أكثرَ من تعلّقه بالفعل، فهو العلم بأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولذلك يسمّونه: التوحيد العلمي الخبري.



        أما توحيد الألوهيّة، فهو توحيد عملي؛ لأنه يتعلّق بأفعال العباد، وهو أن المكلّف مطالبٌ بصرف العبادات لله وحده دون إشراكٍ به في هذه العبادات، فجانب العمل في هذا القسم أكثر وضوحاً من القسم الآخر.

        الفرق من ناحية دخول الإسلام من عدمه

        من آمن وأيقن بأن الله لا خالق غيرُه، ولا رازق سواه، وآمن بتفرّد الله تعالى في جميع أفعاله، فلا يكون مسلماً بمجرّد هذا المُعتقد، ولا يصحّ أن يُقال بإسلام من أقرّ بتوحيد الربوبية، وهذه قضيّةٌ وقع عليها الإجماع ودلّ عليها القرآن، فإن المشركين كانوا يقرّون بهذه القضيّة، ومع ذلك سمّاهم الله كفّاراً، أما توحيد الألوهيّة، فمن أفرد الله بالعبادة، وجانب مسالك الشرك وطرائقه، فيُحكم بإسلامه.

        الفرق من ناحية ما يستلزمه وما يتضمّنه كلٌّ منهما

        توحيد الربوبية يستوجب توحيد الألوهيّة؛ لأن من كان بهذه المرتبة من الكمال في الربوبيّة والتفرّد في الإنعام والرزق، كان المستحقّ للإفراد في العبادة، فكيف يُعبد من كان مفتقراً إلى غيره؟ وكيف يُعبد من كان لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً؟ كما قال الله منكراً على المشركين:{
        اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا } (الفرقان:3).

        وتوحيد الألوهيّة متضمّنٌ لتوحيد الربوبيّة، لأن من أفرد الله تعالى بالعبادة فهو مقرٌ ضمناً بتفرّد الله تعالى في الخلق والملك والتدبير، وغير ذلك من الأفعال الإلهيّة، ولولا إقراره بالربوبيّة ما أفرده بالعبادة.

        تلك هي أهم الفروق الحاصلة بين توحيد الألوهيّة وتوحيد الربوبية، وفي إدراكها عصمةٌ من الخطأ والزلل في مثل هذه المسائل العقديّة، وبالله التوفيق.







        التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 17-10-2014, 06:45 AM.
        يا الله
        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**



          عَلِم أن الباب الماثل أمامه مفتاح؛ فهو يُبصر بعينيه ذلك الفراغ الذي يملؤه المفتاح عند دخوله، وبدونه لا يمكن اجتياز الباب والوصول إلى الطرف الآخر، يمسك المفتاح، يديره، لكنه لا يستجيب، عبثاً يحاول ويكرّر دونما جدوى، ليكتشف أن مفتاحه مُصْمتٌ لم تُحفر أسنانه، وأنّى لمفتاحٍ بلا أسنانٍ أن يفتح باباً؟

          كذلك الإيمان، وكذلك كلمة لا إله إلا الله، هي المفتاح الأكيد لدخول الجنة، والوصول إلى دار السعادة والانتقال من حياة الابتلاء والشقاء، إلى حياة الطمأنينة والرخاء. هذا ما هو مستقرٌّ في النفوس المؤمنة التي تقرأ في صفحات الكتب، أو تسمع من أفواه الخطباء والوعّاظ، قول سيد الأولين والآخرين
          –صلى الله عليه وسلم-: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار) رواه الترمذي،
          يقفون عند هذا الحد، ويكتفون في إقامة التصوّر للنجاة بمجرّد الربط بين قول هذه الكلمة، وبين دخول الجنّة.

          ألا إن الأمر ليس كذلك، ولا يمكن الاقتصار على مجرّد القول، كما لا يمكن الاقتصار على مفتاحٍ (خام) لم تُصقل أسنانه بعد في فتحِ أي باب، ومفتاح (لا إله إلا الله) له أسنان كما يقول علماء العقيدة، وأسنانه هي الشروط التي ينبغي توافرها في قائلها، وقد نقل البخاري وهب بن منبه إذ قيل له: "أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟" فقال: "بلى، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاحٍ له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك".

          ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي:



          الأوّل: العلم بمعناها في النفي والإثبات
          فالعلم بمعناها هو الذي يعصم المرء من مخالفة مقتضاها أو تلويث صفائها وطهارتها بألوان الشرك الجلي والخفي، ولنتأمّل التنصيص على ضرورة العلم بهذه الكلمة وإدراك معانيها في قول الحق تبارك وتعالى: {
          فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } (محمد:19)، وقوله سبحانه: { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (الزخرف:86)، وفي تفسيرها يقول الطبري: " إن الله تعالى أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد، إلا من شهد بالحق، وشهادته بالحق: هو إقراره بتوحيد الله، يعني بذلك: إلا من آمن بالله، وهم يعلمون حقيقة توحيده".

          وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه مسلم، فلا تنفع الشهادة إلا لمن عرف مدلولها نفيا وإثباتًا، ومن خلال هذا الحديث وما سبقه من الآيات، استدلّ العلماء على أن أول واجب على الإنسان هو معرفة الله، ونُظم لهذا المعنى قول قائلهم:

          أول واجب على العبيد* معرفة الرحمن بالتوحيد

          الثاني: اليقين المنافي للشك
          إذْ لا ينفع قول هذه الكلمةالعظيمة مع الشكّ في معانيها ومدلولاتها، وما سُمي المعتقد معتقداً إلا لأن المرء يربط عليه قلبه ربطاً جازماً، والشك يُنافي هذا الجزم المطلوب في باب المعتقد.

          ومما يُستدل على هذا الشرط قوله تعالى: {
          إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) وما صدق عليهم وصف الصدق عند إيمانهم بالله ورسوله إلا بالقيد المذكور: {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} والريبة هي الشك المنافية لليقين، فكان حال المؤمنين المنتفعين بكلمة التوحيد أنهم لم يشكوا في وحدانية الله، ولا في نبوة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

          ومن الأحاديث في هذا المعنى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما، إلا دخل الجنة) رواه مسلم،
          وقوله عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة رضي الله عنه: (اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقناً بها قلبُه، فبشّره بالجنة) رواه مسلم،

          وما رواه ابن حبان في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرمه الله على النار: لا إله إلا الله)، وغيرها من الأحاديث كثير.

          الثالث : القبول المنافي للرد
          لا ينتفع من عَلِم حقيقة الشهادة واستيقن قلبه من صدقها، دون أن يُسلم وجهه لله وينقاد لها، فهذا إبليس لعنه الله، لا يشكّ طرفةَ عين بوحدانيّته سبحانه، وبصدق أنبيائه، فما نفعه ذلك حين أبى الطاعة والانقياد، ومثل ذلك يُقال عن فرعون الذي استنكف واستكبر عن قول الحق والشهادة به، حتى إذا عاين الموت قالها طمعاً في النجاة: {
          حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (يونس:90-91)، وقد عاب الله على كفار قريش تركهم للحق استكباراً وجحوداً: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴿٣٦﴾ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } (الصافات:35-37).

          الرابع:
          الانقياد المنافي للترك، والتسليم لمقتضى هذه الكلمة
          ظاهراً وباطناً
          من الطبيعي أن يكون قول لا إله إلا الله يستلزم الاستجابة للأوامر الربانية، والاستسلام للشرائع الإلهيّة، وإلا لن يكون لهذه الكلمة معنى مع ترك الانقياد، وهنا يأتي قول الله تعالى: {
          وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ} (لقمان: 22)، وإسلام الوجه هو الاستسلام والانقياد المطلوبان للنجاة، فلا اعتراض على أحكام الله أو شرائعه وأقداره، ويتوافق مع هذا المعنى قوله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، فحكم عليهم بعدم الإيمان حتى يكون منهم التسليم التام.

          الخامس: الصدق المنافي للكذب
          فلا يتفوّه بهذه الكلمة رياءً وسمعة، أو من باب المخادعة للمؤمنين، وهذا الذي يجعلنا نحكم بكفر أهل النفاق؛ فإنهم يشهدون شهادة الحق، ولكن على سبيل الكذب، فلم تنفعهم شهادتهم عند الله، كما جاء في الآيات الكريمة:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } (البقرة:8-10)،

          {
          إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } (المنافقون:1-2).

          ومما يدل على حتميّة هذا الشرط، حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه، إلا حرّمه الله على النار) رواه البخاري، فلا ينفعه مجرد اللفظ بدون مواطأة القلب.

          السادس: الإخلاص المنافي للشرك
          الإخلاص المطلوب هنا هو اختصاص الله سبحانه وتعالى بالعبادة وبالإرادة، فيكون ضدّها: أن يُشرك مع الله غيره، وأن يُبتغى بالعمل غير وجه الله تعالى، فلابد من تخليص هذه الكلمة العظيمة من شوائب الشرك والرياء التي قد تخدش بالإيمان فتضرّه، ونحن نقرأ في خاتمة سورة الكهف قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110)، وعامة أهل التفسير يذكرون في معنى قوله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ } (الملك:2) أنه أخلصه وأصوبه.

          والأحاديث في ذلك كثيرة، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أسعد الناس بشفاعتي، من قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه أو نفسه) رواه مسلم، وحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الله حرّم على النار، من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل) رواه البخاري، ومثله حديث: (إني لأرجو ألا يموت أحد يشهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً من قلبه، فيعذبه الله عز وجل) رواه البخاري.

          السابع: المحبة المنافية للكراهية
          والمحبة أساسٌ متين في كلمة التوحيد، معناه: أن يكون الله سبحانه ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحبّ أهلها العاملين بمقتضاها والملتزمين بشروطها، وبغض كلّ من خالف ذلك: {
          قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (آل عمران: 31).

          قال ابن القيم : "دلّ على أن متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي حب الله ورسوله وطاعة أمره، ولا يكفي ذلك في العبودية حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما؛ فلا يكون عنده شيء أحب إليه من الله ورسوله، ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه البتة، ولا يهديه الله".

          ونجد الترابطُ جليّاً بين مسألة المحبة، وكلمة التوحيد، في حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله ما الإيمان؟ فقال عليه الصلاة والسلام:(أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما) رواه أحمد.

          الثامن: الكفر بالطاغوت
          لا تصح الشهادة ما لم تتضمّن الكفر بكل ما يُعبد من دون الله، ولا ينتفع أحدٌ لا يظنّ في قرارة نفسه كفر من أشرك بالله، نجد ذلك واضحاً في قوله تعالى: { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ} (البقرة:256)، وقوله سبحانه: {لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ } (النحل:36)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم وتحريم المال والدم هو بالأساس للمسلمين، فدلّ على ضرورة البراءة من الشرك وأهله.

          التاسع: الموت على هذه الكلمة
          مسألة الاستمرارية والثبات على المبدأ في غاية الوضوح، ومهما كانت حال المؤمن وعبادته فلن يستفيد من إيمانه شيئاً ما لم يظلّ على هذه الكلمة حتى مماته، وعندها ينتفع بها، أما إذا خُتم له بالشرك فمات عليه فقد خسر الدنيا والآخرة، ولم ينفعه إيمانه وعمله الصالح بشيء، قال الله تعالى: {
          وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:217).

          ولذلك جاء تحذير المؤمنين من خطورة النكوص والتراجع في نهاية المطاف، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (فوالذي نفسي بيده إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري.

          هذه هي الشروط التسعة، والتي ينبغي على الجميع أن يُحافظ عليها وأن يعمل بها جميعاً، ولابد من اجتماعها حتى تتحقق النجاة والسلامة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن حقق التوحيد فاستحق بموجبه الجنّة.


          التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 17-10-2014, 07:03 AM.
          يا الله
          علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

            أسرار لا إله إلا الله


            كلمةٌ لا كغيرها من الكلمات، هي الغاية التي لأجلها أُنزلت الكُتب، وبُعث الأنبياء وأُرسل الرُّسل، ما وجدت الخلائق كلها إلاّ لأجلها، وبها قامت الأرض والسماوات، ولأجلها أعدّ الله جلّ جلاله للناس يوماً يفصل فيه بين العباد، فيذهبون إلى الجنّة أو النار، ولأجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر، فكان لكلٍ منهما مآلٌ يليق بموقفه من هذه الكلمة العظيمة: لا إله إلا الله.

            وهل للثقلين: الإنس والجنّ، معنىً من وجودهم في هذه الحياة الدنيا، إلا بتحقيق هذه الكلمة، والعمل بمقتضاها؟، إنهم لولا هذه الكلمة، لكان وجودهم كعدمهم، فهي المقصد الذي خلقوا لأجله، قال الله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وفي هذا الإطار نفهم أن أوّل ما أوجبه الله على لسان رسوله هو الإقرار بكلمة التوحيد، نجد ذلك في مواضع مستفيضة من الوحيين، منها: التوجيه النبوي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، حين بعثه إلى اليمن لدعوة أهلها إلى الإسلام ودين الحق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) رواه مسلم.

            هذه الكلمة التي تتفجّر منها ينابيع الإيمان، تكاثرت الأوصاف التي جاءت لبيان عظيم مكانتها ومنزلتها، وبِعِظَم الأوصاف يعظم الموصوف ويتبوّء مقامَه،
            فلنقطف شيئاً من زهور كلمة التوحيد :


            كلمة التوحيد، هي العروة الوثقى، قال الله سبحانه وتعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} (البقرة:256)، والعروة كما في اللغة: المقبض ،وموضع الإمساك وشدّ الأيدي، وهي وُثقى: بمعنى أنها أكثر ما يُوثق به، لأن (وثقى) فعل تفضيل جاء على صيغة المؤنث، فالمقصود أن من آمن بكلمة التوحيد فقد عقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً لا يمكن حلّه؛ فهي في نفسها محكمةٌ قوية، وربطها قوي شديد، وحبلُها ممدود إلى السماء. وتفسير (العروة الوثقى) بكلمة التوحيد جاء على لسان سعيد بن جبير والضحاك، فقد روى الطبري عنهما ذلك وأورده عند تفسير هذه الآية.

            وكلمة التوحيد، هي العهد قال تعالى: {لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا} (مريم:87)، والعهد هو الأمان والوصيّة، فكأنّ من شهد بهذه الكلمة فله العهد والذمّة، حتى نال استحقاق الشفاعة للآخرين، جاء عن ابن عباس رضي الله عنه، عند تفسيره لآية: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} قوله: "العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله".

            وكلمة التوحيد، هي كلمة الحق. قال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف:86)، يقول الطبري: "هم الذين يشهدون شهادة الحق فيوحدون الله، ويخلصون له الوحدانية، على علم منهم ويقين بذلك، أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها".

            وكلمة التوحيد هي دعوة الحق، وما سواها فهي دعوة الباطل، قال الله جلّ في علاه: {له دعوة الحق} (الرعد:14)، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية السابقة قوله:"شهادة أن لا إله إلا الله"، وعن علي رضي الله عنه: "التوحيد".

            وكلمة التوحيد، هي كلمة التقوى، قال الله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} (الفتح:26)، وقد ذكر الله هذا الوصف في معرض صلح الحديبية، حين استنكف كفّار قريشٍ عن النطق بالشهادتين واستكبروا عن ذلك، فبيّن الله إلزامه للمؤمنين بقول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار، وأليم العذاب، وحكم لهم باستحقاق هذه الكلمة دون أهل الكفر، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار) فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنا أحدثك ما هي؟ هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله تبارك وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله" رواه أحمد، ومعنى "ألاص": أراده عليها وأرادها منه، وورد هذا الربط بين كلمة التقوى والتوحيد عن أبي بن كعب رضي الله عنه، رواه البخاري معلّقاً.

            وكلمة التوحيد هي القول الثابت، قال تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} (إبراهيم:27)، وورد في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أُتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت})، وهذا هو لفظ البخاري. ومعنى (أُتي): أتاه الملكان فسألاه عن هذه الكلمة.

            وكلمة التوحيد، هي الحسنى، والمذكورة في سورة الليل:{فأما من أعطى واتقى*وصدق بالحسنى*فسنيسره لليسرى} (الليل5-7)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله عز وجل:{وصدق بالحسنى}، قال: "صدق بلا إله إلا الله"، وسرّ وصفها بهذا الوصف، هو حسنها في ذاتها، وحُسنها في مآلها وآثارها، فهي كاملةُ الحُسْن والجمال.

            وكلمة التوحيد، هي الكلمة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: {ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء} (إبراهيم:24)، وقد رُوي عن علي وابن عباس رضى الله عنهما تفسيرها بذلك.

            وأخيراً: فقد ارتبطت كلمة التوحيد بالبطاقة التي أخبر عنها الوحي من أحداث يوم القيامة، حين تُكتب كلمة التوحيد في بطاقةٍ ثم توضع في الميزان، فتثقل لا إله إلا الله في الميزان وتطيش بها سجلاّت الذنوب مهما عظمت وصارت كأمثال الجبال، فهنيئاً لمن قالها عاملاً بمقتضاها، متيقنا من معناها.





            التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 16-10-2014, 06:31 PM.
            يا الله
            علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

              الإيمان بالملائكه


              "الملائكة " في أصل اللغة جمع ملَك، وهو مشتق من الألوكة، أي: الرسالة، أو مشتق من الملك بفتح الميم وتسكين اللام، وهو الأخذ بقوة، أما تعريفهم في الشرع: " فهي أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل، بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات " وعلى هذا جمهور العلماء، كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر .
              وجوب الإيمان بالملائكة :
              الإيمان بالملائكة؛ هو الاعتقاد الجازم بوجودهم، وأنهم مخلوقون لله سبحانه، قال تعالى: { ولكن البرَّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة {(البقرة:177).
              والإيمان بالملائكة: ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال تعالى:} آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله { (البقرة: 285).
              وفي حديث جبريل المشهور، قال - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن الإيمان: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ) رواه مسلم ، وأجمع المسلمون قاطبة على وجوب الإيمان بالملائكة، وعليه فمن أنكر وجود الملائكة من غير جهل يعذر به فقد كفر، لتكذيبه القرآن في نفي ما أثبته، وقد قرن الله عز وجل الكفر بالملائكة بالكفر به، قال تعالى:} ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا { ( النساء: 136).

              والإيمان بالملائكة ليس على درجة واحدة، فهناك الإيمان المجمل، وهو الإيمان بوجودهم، وأنهم خلق من خلق الله سبحانه، وهذا القَدْر من الإيمان بالملائكة واجب على عموم المكلفين، وهناك الإيمان التفصيلي، وذلك بمعرفة ما يتعلق بالملائكة مما ورد به الشرع المطهر، وطلب هذا واجب على الكفاية، فلا يطالب به كل مكلف، بل هو واجب على مجموع الأمة، بحيث إذا قام به البعض، وحصلت بهم الكفاية، سقط عن الآخرين.
              مرتبة الملائكة عند ربهم
              لعل من أعظم الآيات، التي تدل على عظم مكانة الملائكة عند ربهم، قوله تعالى: { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم }(آل عمران:18)، ووجه الدلالة؛ أن الله احتج بشهادتهم على أعظم مشهود على الإطلاق، وهو توحيده سبحانه، وقرن شهادتهم بشهادته، والله لا يستشهد من خلقه إلا من عظم قدره عنده، فهذه الآية تدل على علو قدرهم ومكانتهم.
              صفات الملائكة الخلقية والخُلقية :
              خلقت الملائكة من نور، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان خلقهم متقدما على خلق البشر، كما دلّ على ذلك ما قصه القرآن علينا من قصة خلق آدم عليه السلام، قال تعالى :} وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة { (البقرة:30). فالآية واضحة الدلالة على أن وجود الملائكة سابق لوجود البشر .
              وتشير النصوص إلى عظم خلق الملائكة من حيث الجملة، كما في وصف الملائكة الموكلة بالنار:} غلاظ شداد { (التحريم: 6). وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام: } ذي قوة { (التكوير : 20) .
              وقال صلى الله عليه وسلم في وصف جبريل أيضاً: ( رأيته منهبطاً من السماء، سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ) رواه مسلم .
              ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أحد حملة العرش، فقال: ( أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش، ما بين شحمة أذنه وعاتقه، مسيرة سبعمائة عام ) رواه أبو داود وصححه الحافظ ابن حجر .
              وهم على عظم خلقهم لا يأكلون ولا يشربون، ولهم قدرة على التشكل، كما دلت على ذلك قصة إبراهيم مع الملائكة، عندما أتوه في صورة شبان، فقدم لهم الطعام، فلم يأكلوا، قال تعالى:} هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم { ( الذاريات : 24-28).
              ومما يدل على ذلك أيضا، مجيئهم لوطاً عليه السلام في صورة شبان حسان الوجوه، قال تعالى } ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب } (هود:77)، ومجيء جبريل عليه السلام إلى مريم عليها السلام في صورة بشر، قال تعالى:} فتمثل لها بشرا سويا { (مريم : 17) .
              وكذلك كان جبريل عليه السلام يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة الصحابي دحية الكلبي ، كما في صحيح مسلم ، وفي صورة أعرابي، كما في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم .
              ووصفهم الله سبحانه بأنهم:} أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع { (فاطر:1), ومن صفاتهم الخَلقية أنهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، فمن وصفهم بالأنوثة من غير جهل فقد كفر؛ لتكذيبه القرآن في نفي ذلك، قال تعالى:{ أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما }(الإسراء:40)، ومن وصفهم بالذكورة، فقد جاء بدعا من القول وزورا، لإثباته ما لم يثبت شرعا، ونفي أن يكونوا إناثا لا يلزم أن يكونوا ذكورا، فإن الملائكة خلق يختلف عن خلق الإنس والجن .

              وأما صفاتهم الخُلُقية، فهم من أعظم الخلْق خُلقاً، فقد وصفهم الرب سبحانه بأنهم:} كرام بررة {(عبس:16)، ووصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأوصاف ذاتها حين قال:( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ... ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
              ومن صفاتهم: أنهم معصومون من الذنوب والمعاصي لا يقربونها، قال تعالى:{ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }(التحريم:6). وهم مع عصمتهم من الذنوب والمعاصي دائمو الطاعة لله سبحانه، قال تعالى: { يسبحون الليل والنهار لا يفترون }(الأنبياء:20).
              ومن أخلاقهم الحياء، ففي الحديث أن أبا بكر و عمر رضي الله عنها، دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كاشف فخذه، فلم يسترها، فلما دخل عثمان جلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك، فقال:( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ) رواه مسلم .
              ومن صفاتهم أيضا أنهم يتأذون من الروائح الكريهة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: ( من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس ).
              وأما عددهم فلا يعلمه إلا الله سبحانه، حيث ردّ علم ذلك إلى نفسه، فقال:} وما يعلم جنود ربك إلا هو { (المدثر:31).
              وجاء في صفة البيت المعمور أنه: ( يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) رواه مسلم .
              وعدّ صلى الله عليه وسلم الملائكة الذين يأتون بجهنم بأربع مليار وتسعمائة مليون ملك، كما دل على ذلك حديث : ( يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك ) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوما: ( إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحُقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتكم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني ، فهذه الأحاديث وغيرها تدل على كثرة عدد الملائكة ، وأنه لا يحصي عددهم إلا الله ، فليس أمام المسلم أمام هذا الملكوت العظيم، إلا أن يسبح الله بحمده، ويسأله عفوه ولطفه على التقصير والتفريط .
              أعمال الملائكة
              وصف الله أعمال بعض الملائكة بقوله:} فالمدبرات أمرا { ( النازعات : 5) قال الحسن : "هي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض" ، وقال تعالى :} فالمقسمات أمرا { ( الذاريات : 40) جاء في تفسيرها: هي الملائكة تقسم الأعمال عليها، من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث .
              وقد ذكر الله تعالى بعض الأعمال التي كلف بها ملائكته، فمن ذلك قوله تعالى } له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله {( الرعد : 11)، فهذه ملائكة تحفظ الإنسان من الشرور بأمر الله سبحانه، حتى إذا جاء القدر خلو عنه، وقال سبحانه } وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون { (الأنعام:61) فذكر في هذه الآية أن الملائكة هي التي تتولى نزع روحه .
              ومن ذلك أن الملائكة هم من يحملون عرش الرحمن سبحانه، قال تعالى: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم }(غافر:7) .
              ومن أعمال الملائكة الاستغفار للمؤمنين، قال تعالى: { ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم }( غافر:7) .
              وجاء في السنة ما يدل على عناية الله بالإنسان في بدء تكوينه وتخلقه في الرحم، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إن الله عز وجل وكَّل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال : أذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ فيكتب في بطن أمه ).
              وجاء في السنة أيضا أن الله وكل ملائكة بتصوير الأجنة في أرحامها، ونفخ الروح فيها، فعن حذيفة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها ) رواه مسلم .
              ومن أعمال الملائكة كتابة وإحصاء أعمال المكلفين من خير أو شر، قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }(ق:18)، قال تعالى: {كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون }(الانفطار:11-12).
              ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بتتبع حِلَقَ الذِّكْر، فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر. فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ).
              ودلت الأحاديث على أن من الملائكة من يجاهد مع المؤمنين، قال تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين }(الأنفال:9)، قال الربيع بن أنس : "كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة – أي الذين قتلتهم الملائكة من الكفار - من قتلى الناس، بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان، مثل: وسم النار " رواه البيهقي .
              ودلت الأدلة على أن الملائكة تشفع يوم القيامة في المذنبين من الموحدين، قال تعالى: { وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى }(النجم:26)، ففي الحديث: ( فتشفع الملائكة والنبيون والصديقون ) رواه ابن حبان .
              ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بحفظ الأماكن المقدسة من الدجال ، كما روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها .. ).
              ومن الأحاديث ما يدل على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فعن عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ) رواه أحمد .
              فهذه بعض أعمال الملائكة التي ذكرت في الكتاب والسنة دون تعيين أصحابها من الملائكة.
              وفي المقابل ورد في الكتاب والسنة ذكر أعمال معينة مصرحا بأسماء أصحابها، ومن أعظم الملائكة الذين صرح الكتاب والسنة بذكرهم وذكر أعمالهم؛ جبريل عليه السلام أمين الوحي، وميكال أمين القطر، وكلاهما موكل بالحياة فجبريل موكل بحياة القلوب، وميكال موكل بحياة الأبدان، وبهما ( الوحي والقطر ) تقوم الحياة وتنعم البشرية، قال تعالى:} من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين { (البقرة:98) .
              وممن ورد ذكره في القرآن مصرحا باسمه مالك خازن النار، قال تعالى: } ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون{ (الزخرف:77) .
              ومن الملائكة الذين صرح القرآن بأسمائهم ( هاروت وماروت ) عليهما السلام، قال تعالى: } وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت { (البقرة: 102).
              وقد ذكر في السنة بعض أسماء الملائكة وأعمالهم، فممن صرحت السنة باسمه، إسرافيل عليه السلام وهو الموكل بالنفخ في الصور، فقد روى أحمد و الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنعم ؟ وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له . قالوا : كيف نقول يا رسول الله ؟ قال قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا )، وقد ورد في رواية التصريح بأن ( إسرافيل هو صاحب الصور ) .
              وممن ذكر اسمه في السنة المطهرة أيضاً منكر ونكير عليهما السلام، وهما الملكان الموكلان بسؤال العبد في قبره وقد ورد ذكرهما عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا قبر أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير .. ).
              وقد اشتهر على ألسنة الناس أن اسم ملك الموت عزرائيل، وهذا التسمية – كما يقول العلماء - لم ترد في حديث صحيح، وقد ذكره الله تعالى بوظيفته لا باسمه، فقال سبحانه:{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم .. } ( السجدة:11 )
              فهذه بعض أعمال الملائكة التي وردت في الكتاب والسنة ، وهي تدل - كما يقول ابن القيم - على " أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة؛ لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله:} فالمدبرات أمرا { ، ويضيف التدبير إليه، كقوله: } إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر } ، فهو المدبر أمرا وإذنا ومشيئة، والملائكة المدبرات مباشرة " .
              أثر الإيمان بالملائكة في حياة المسلم
              للإيمان بالملائكة آثار عظيمة على سلوك الإنسان، وعلاقته بربه، من تلك الآثار:
              1- بذل العبد جهده في طاعة ربه سبحانه، اقتداء بالملائكة الكرام، الذين يتفانون في طاعته مع عصمتهم من الذنوب، وقربهم من ربهم جلا وعلا، قال تعالى: { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون }(الأعراف:206).
              2- دفع الغرور عن النفس، والافتخار بالعمل، فالملائكة على دوام طاعتهم خاضعين له سبحانه} يسبحون الليل والنهار لا يفترون } (الأنبياء:20)، وهم مع ذلك يسألونه الصفح والمغفرة عن التقصير في العمل، كما ثبت ذلك في الحديث الذي رواه الحاكم وصححه الشيخ الألباني أن الملائكة تقول لربها يوم القيامة: ( سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )، والمسلم مهما بلغ في عبادته، فلن يبلغ مقدار عبادة الملائكة، فهو أولى بنبذ الكبر والاغترار بالعمل .
              3- الاجتهاد في البعد عما حرمه الله، خوفا من الله أولاً، ثم حياء من الملائكة الذين لا يفارقون بني آدم، ويكتبون ويسجلون أعمالهم، ولا سيما أن الله وصفهم بأنهم كرام، كما قال تعالى:} وإن عليكم لحافظين . كرامًا كاتبين . يعلمون ما تفعلون { ( الانفطار : 10-12)، فإن الإنسان قد تستولي عليه الشهوة، ويغفل عن مراقبة الله له، فإذا علم أن معه من لا يفارقه من الملائكة الكرام، كان ذلك باعثا له على الحياء، والانكفاف عما هو مقدم عليه من معصية الله تعالى .

              4- الاقتداء بهم في حسن نظامهم، وإتقان أعمالهم: فقد روى مسلم : عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف ) فحثّ النبي - صلى الله عليه وسلم- الصحابة على الاصطفاف في الصلاة، كما تصف الملائكة عند ربها، وذلك لحسن نظامهم، عند وقوفهم بين يدي ربهم .
              إن الملائكة مع عظيم خلقهم، وشدة بأسهم، ما هم إلا خلق من خلق الله، وإن هذا الكون بإبداعه، وإبداع من فيه، لهو أعظم دليل على وحدانية الله تعالى، واستحقاقه مطلق العبادة .



              يا الله
              علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

                أسماء الملائكه



                جبريل، إسرافيل، ميكائل، خازن الجنّة، وغيرهم ممن ذكرهم الله ورسوله، كلّها أسماء لملائكةٍ يسعد المرء المؤمن بسماعها، بل إن القلب يخفقُ بحبّهم، ويرتاح لقراءة أخبارهم المذكورة في الوحيين، والتي تذكرُ أفعالهم وصفاتهم.

                ولا شك أن المحبّة تزداد بزيادة معرفة واستحضار الفضائل التي بموجبها ينال المحبوب تلك المكانةَ في قلب المُحبّ، صحيحٌ أن محبة الملائكة إجمالاً وتفصيلاً مركوزٌ في الفِطَر السويّة، لكننا بحاجةٍ إلى استحضار الأسباب والدواعي التي تجعل من هذه المحبّة تقفُ على أساسٍ متين؛ ولأجل ذلك كان هذا الموضوع الذي نوجز فيه ذكر جملةٍ من الأسباب التي تدعونا إلى محبّة الملائكة ومودّتهم وتعظيمهم، وإنزالهم المنزلةَ اللائقة بهم.

                ولا أحد يدّعي أننا سنأتي على جميع تلك الأسباب الموجبة لمحبّة الملائكة، ولكن سنذكر طرفاً منها فحسب، وكلّما تأمّل العبد المؤمن سِيَرهم وأخبارهم تكشّفت له جوانب أكثر، وسنكتفي بذكر الآتي:
                لماذا نحب الملائكه؟؟
                أولاً: نحبّ الملائكة الكرام لأنهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى ويوحّدونه، فليس فيهم مَلَكٌ واحدٌ على كثرة أعدادهم حاد عن طريق العبوديّة أو الصراط المستقيم، فكلّهم يشهدون بشهادة التوحيد، كما قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران:18)، ولعل هذا يُفسّر ما جاء في الآية من اقتران شهادة الله بشهادة ملائكته وتقديمها على شهادة أولي العلم، والله أعلم.

                ثانياً: نحبّ الملائكة الكرام؛ لأنهم يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن يغفر للمؤمنين والمؤمنات وأن يتجاوز عن زللهم وخطئهم، فإذا كانت الملائكة لا يصدر منهم الذنب لأجل طبيعتهم النورانيّة، فإن المؤمنين يُذنبون بين الحين والآخر، ولا ترضى الملائكة أن يقابل المؤمنون ربّهم يوم القيامة وقد سُوّدت صحائفهم بالذنوب؛ فلذلك يستغفرون لهم، ويدعون لهم بالوقاية من النار، قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} (غافر:7)، وكيف لا نحب ملائكةً لم تزلْ تُحب الخير والتوفيق والسداد والرحمة للمؤمنين جميعاً؟ فها هي الآية تشكف لنا عن ذلك بجلاء: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} (الأحزاب:43).

                يقول الشيخ السعدي: " من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل، فهذه أعظم نعمة، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها".

                ثالثاً: نحبّ الملائكة الكرام، لأنهم يُحسنون الثناء والمدح لخالقهم ومولاهم جلّ جلاله، ويُطبّقون آداب الدعاء التي تعلمناها نحن المؤمنين من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فقد تعلّمنا من سنّته النبويّة أن نتوسّل إلى الله بالدعاء.

                وإذا كان التوسّل هو في حقيقته: أن هو أن يقدِّم العبدُ بين يدي مناجاته لربّه ما يُتوصّل به إلى مطلوبه من تقبّل الدعاء ونيل المطلوب، فإننا نجد ذلك ماثلاً في الآية التي سبق ذكرها في الفقرة السابقة، فلننظر إلى تمام الآية ماذا قالت الملائكة: {ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} وفي ذلك بيانٌ لانتقائهم من أنواع التوسّل ما يتناسب مع المقام، فقد توسّلوا بصفات الله تعالى العظيمة التي تقتضي التجاوز عن المذنبين، فاستهلّوا دعائهم بذكر علمه ورحمته التي وسعت كلّ شيء، فلا تخفى عليه خافيةٌ من حال مخلوقاته، وما جُبل عليه الجنس البشري من الضعف والنقص: {وخلق الإنسان ضعيفاً} (النساء:28)، وبيّنوا فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه الذي وصل إلى ما وصل إليه علمه، فالكون علويه وسفليه قد امتلأ بعلم الله تعالى ورحمته، وهذه هي البراعة في انتقاء ألفاظ الدعاء بما يتناسب مع حال الداعي وحاجته.

                رابعاً: نحبّ الملائكة الكرام، لأنهم يطلبون من الله تعالى كلّ يوم أن يعوّض عمّن جاهد نفسه وقهر حظوظها وتعلّقها بمال الدنيا الزائل، فأقرضَ الله قرضاً حسناً، وبذل ماله طلباً في رضا خالقه، ولم تزل الملائكة تدعوا للمؤمنين بهذا الدعاء حتى يرث الله الأرض ومن عليها، روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) متفق عليه.




                خامساً: نحبّ الملائكة الكرام، لأدبهم مع الله تعالى، والقرآن شاهد على هذا الأدب ففي قصّة آدم عليه السلام التي ذُكرت في سورة البقرة، علّم ربّنا تبارك وتعالى آدم أسماء الأشياء كلّها، ثم قال للملائكة : {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} (البقرة: 31)، فلم يعتذروا عن الإجابة ببيان قصور علمهم فحسب، بل قالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (البقرة:32)، فنزّهوا الله تعالى من كل نقصٍ وعيب، وبيّنوا أن سؤالهم عن خليفة الله في الأرض ما كان على وجه الاعتراض، ولكن كان على وجه الاستفصال والسؤال، واعترفوا بفضل الله عليهم بتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون، ثم ختموا قولهم بالإقرار بعلم الله وحكمته.


                من أدبهم كذلك: ما جاء في قوله تعالى: {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} (سبأ:23)، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، في وصفِ حال تلقّي الملائكة لأوامر الله تبارك وتعالى: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)، ولنتأمل ما ورد في الحديث السابق من الألفاظ الموحية: ضربت الملائكة بأجنحتها، خُضعاناً لقوله، فُزّع عن قلوبهم، قالوا الحق، وهو العلي الكبير، وكلّها ألفاظٌ تُبين الإجلال لذي الجلال، والمسكنة بين يدي الكبير المتعال، والخشوع بين يديه إلى حدّ الفزع: { وهم من خشيته مشفقون} (الأنبياء:28)، والاعتراف التام بأن ما يقوله الله حقٌ وصدق.


                ومن أدبهم ما جاء في قوله تعالى: { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (الأنبياء:27)، فهم معصومون عن مخالفة أمره سبحانه، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، كما أنهم لا يقصّرون في واجبٍ عليهم، ولا يأنفون أو يتكبّرون عن عبادته سبحانه، كما جاء في الآية الكريمة: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون} (النساء:172).


                ومن أدبهم كذلك: حسن وقوفهم بين يدي الله تعالى على نحوٍ يثير الإعجاب، ويستلهم النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الأدب منهم ويجعله مثار إعجابٍ ومحل اقتداء، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟) فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف) رواه مسلم.


                سادساً: نحب الملائكة الكرام، للجانب التعبّدي الذي تحلّوا به، بحيث بلغوا فيه مرتبة الكمال، وقد وردت الكثير من الآيات الأحاديث التي تبيّن تحقيقهم للعبوديّة على أتم وجه، نذكر منها قول الله تعالى: { وما منا إلا له مقام معلوم* وإنا لنحن الصافون*وإنا لنحن المسبّحون} (الصافات:164-166)، وقوله تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} (الأنبياء:20)، وحديث أبي ذر رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء، وحق لها أن تئط! ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله) رواه الترمذي. والأطيط: الصوت الذي يصدر من الراحلة، والمعنى أن كثرة ما في السماء من الملائكة أثقلها حتى صدر منها ذلك الصوت.


                سابعاً: نحب الملائكة الكرام لمحبّتهم للمؤمنين، فقد روىالبخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أحب الله العبد، نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه. فيحبه جبريل، فيُنادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبّوه. فيحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض) رواه البخاري.


                ثامناً: نحب الملائكة الكرام، لتتبّعهم مجالس الذكر، وقد ورد ذلك تفصيلاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادَوْا: هلمّوا إلى حاجتكم. فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك ويُمَجّدونك. فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك! فيقول: وكيف لو رأوني؟ يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميداً، وأكثر لك تسبيحاً ..) الحديث بتمامه رواه البخاري.


                تاسعاً: نحب الملائكة الكرام، لتولّيهم الدفاع عن المؤمنين، ونصرتهم ، نجد ذلك في الآيات التي بيّنت معالم غزوة بدر، يقول الله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} (الأنفال:12)، ويروي عمر رضي الله عنه ملامح من هذا العون الإلهي الذي جاء على يد الملائكة فيقول: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم -اسم فرس من خيل الملائكة-، فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفه (قطع أنفه)، وشُقّ وجهه كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة) رواه مسلم.


                وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه، وكان أبوه من أهل بدر، قال: "جاء جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم- فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟، قال: (من أفضل المسلمين -أو كلمة نحوها-)، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة"، رواه البخاري.


                وتتحدّث سورة الرعد عن قيام الملائكة بحراسة المؤمنين وحفظهم بأمر الله، ما لم يأتِ القدر، فإذا جاء القدر خلّوا عنهم، قال سبحانه: { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} (الرعد:11)، وتفسير ذلك كما جاء عن مجاهد: " ما من عبد إلا وله ملك موكّل به، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك. إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبَه".


                عاشراً: نحب الملائكة الكرام، لأن الله قد وصفهم بأنهم كرامٌ بررة، فقال: {بأيدي سفرة* كرام بررة} (عبس:15-16)، والمعنى المقصود كما يقول ابن كثير في تفسيره: " خلقهم كريم حسن شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة".


                ومن كرم الملائكة ما اتصفوا به من الحياء الشديد، نعم: هم أقوياء أشدّاء لا قدرة للبشر على مواجهتهم، لكنّها قوّة يخالجها الحياء ممن يستحقّون الحياء، ولا أدل على ذلك من وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- لعثمان بن عفان رضي الله عنه: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) رواه مسلم.


                الحادي عشر: نحب الملائكة الكرام، لبغضهم لأهل الكفر والنفاق، قال جل وعلا : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (البقرة:159).


                ونرى في السنّة تغيّظ جبريل عليه السلام من فرعون الذي تجرّأ بادعاء الألوهيّة، وطغا وتجبّر، فأكثر في الأرض الفساد، فخشي أن تُدركه رحمة الله! جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} (يونس:90)، فقال جبريل: يا محمد! فلو رأيتني وأنا آخذٌ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة) رواه الترمذي، والمعنى أنه أخذ من طين البحر فوضعه في فم فرعون.


                ومن بغضِ الملائكة لأهل الكفرِ قيامهم بتعذيبهم حين نزعِ الروح من الجسد، قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق* ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}(الأنفال:50-51).


                الثاني عشر: نحب الملائكة الكرام، لحسن أدبهم مع الأنبياء، ومن ذلك استئذان ملكيْ الجبال في استئصال المشركين الذين آذوا النبي –صلى الله عليه وسلم-، والكلام هنا على طريقة العرض وأسلوب الحوار، فقد سلّما عليه ثم قال ملك الجبال: "يا محمد، إن الله قد سمع قولَ قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت: إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين" متفق عليه واللفظ لمسلم، والأخشبان هما جبل مكّة، والحديث هنا وإن كان بلسان ملكٍ واحدٍ فقد وردت أحاديث أخرى تصرّح بالملكيْن.


                الثالث عشر: نحب الملائكة الكرام، لما يقومون به من الشفاعة للمؤمنين، قال سبحانه: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (النجم:26)، وصحّ في الحديث القدسي قول الله عز وجل: (شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين) رواه مسلم.


                الرابع عشر: نحب الملائكة الكرام، لدقّتهم في العمل وإتقانهم له، نلمس هذه القضيّة من مجموع النصوص التي تبيّن تعاقبهم في العمل وقيامهم به على أتم صورة، بالرغم من صعوبته، واستغراق تلك الأعمال للوقت كلّه، ومع ذلك: لا خلل ولا نقص بوجهٍ من الوجوه، ويكفينا من ذلك معرفة ما يقوم به الملكان الموكّلان على كل شخصٍ من كتابة أعماله، دون أن يفوّتوا صغيرةً أو كبيرةً من القول والعمل، ثم شهادة الناس على ذلك يوم القيامة: { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} (الكهف:49).


                وأخيراً: فإن الملائكة الكرام الأطهار، كان أصل خلْقتهم سبباً لما هم عليه من السمو والرفعة، فقد خُلقوا من نور، والنور لا يأتي إلا بخير، فلذلك اتصفوا بالطهارة والنزاهة، والقداسة من مقارفة الآثام والخطايا، فلكل ما سبق ذكره، ولأسبابٍ أخرى عديدة، نحب الملائكة، ونشهد الله على محبّتهم.


                يا الله
                علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

                  أصناف ملعونة عند الملائكة

                  علّمنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن البغض في الله تعالى من أوثق عُرى الإيمان، ولا شك أن كمال إيمان الملائكة بربّها يجعلهم من أشدّ خلق الله بُغضاً للعصاةِ وكُرهاً لهم، وتتجلّى هذه الكراهية في أعظم صورها عند قيامهم بلعن الكفرة وأنواعٍ من العصاة، لأن اللعن في حقيقته: الإِبعاد عن رحمة الله تعالى.

                  ولا شكّ أن لعن الملائكةٍ لأحدٍ من الناس، أو لنوعٍ من أنواعهم، ليس كلعنِ بني آدم لبعضهم؛ لأن الملائكة ملأٌ سماويٌ أعلى، بلغوا الكمال التام في العبادة واليقين الراسخ ما ليس للبشر الذين جُبلوا على النقص، ولمكانتهم هذه: كان دعاؤهم باللعن لمن استحقّ اللعن أدعى للقبول عند الله تعالى، وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتُغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها) رواه أبو داود، فمقتضى الحديث أن اللاعن إن كان أهلاً للعن عادتْ إليه، وإلا أصابت الملعون، وبطبيعة الحال فالملائكة ليستْ ممّن يستحقّون اللعن لعصمتهم، وهذا الأمر يفرض على من أراد النجاة وآثر السلامة في دينه، أن يتجنّب الأمور الداعية إلى لعن الملائكة.
                  ونضع بين يدي القاريء عدداً ممّن تلعنهم الملائكة وتدعوا عليهم أن يطردهم الله تعالى من رحمته، وأن يُخرجهم من عفوه:

                  الصنف الأوّل: لعن الملائكة لكاتم العلم الشرعي:

                  دلّت النصوص الشرعيّة على استحقاق كاتم العلم الشرعي للعن الملائكة، قال الله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (البقرة:159)، وهذه الآية تتضمّن وعيداً شديداً في حق من قام بإخفاء ما أمر الله به أهل العلم وأخذَ الميثاق عليه، بضرورة بثّ العلم في الناس، وعدم كتمانه أو إخفائه، كما جاء في سورة آل عمران: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران: 187).

                  وفي قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} دليلٌ على دعاء الملائكة على كاتمي العلم الشرعي؛ لأن لفظ: {اللاعنون} في عمومه يشمل الملائكة، لدلالة النصوص الأخرى التي سنوردها لاحقاً بأنهم ممّن يلعنون أجناساً من بني آدم، فيدخلون في هذا العموم دخولاً أوليّاً، ومما يدلّ على ذلك قول قتادة في تفسير هذه الآية : "هم الملائكة"، وقول الربيع بن أنس: "اللاعنون، من ملائكة الله والمؤمنين" وكلاهما أوردهما ابن جرير في تفسير هذه الآية.

                  وسبحان الذي جعل الجزاء من جنس العمل، فالعالم الذي يُعلّم الناس الخير تستغفر له الخلائق حتى الحيتان في البحر، وتدعوا له بالرحمة، وفي المقابل: فإن من يكتم علماً ويُخفيه عن الناس، مخالفاً في ذلك كلّ التوجيهات الربّانية التي تنهى عن كتمانه، وتأمرُ بنشره، باعتباره الهدف الرساليّ الأعلى الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، فلذلك يستحقّ اللعنة من الجميع بما فيهم الملائكة، وهذا المعنى متّسقٌ مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم علمه، ثم كتمه، أُلجم يوم القيامة بلجامٍ من نار) رواه أصحاب السنن عدا النسائي.

                  وللشيخ السعدي كلامٌ لطيفٌ في هذا المعنى، يقول عن كاتمي العلم: " تقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة؛ لسعيهم في غشّ الخلق وفساد أديانهم، وإبعادهم من رحمة الله، فَجُوزوا من جنس عملهم، كما أن معلّم الناس الخير، يصلي الله عليه وملائكته، حتى الحوت في جوف الماء؛ لسعيه في مصلحة الخلق، وإصلاح أديانهم، وقربهم من رحمة الله، فَجُوزِيَ من جنس عمله، فالكاتم لما أنزل الله، مضادٌّ لأمر الله، مشاقٌّ لله، يبين الله الآيات للناس ويوضّحها، وهذا يطمسها، فهذا عليه هذا الوعيد الشديد".

                  وأوّل من يدخل في هذه الآية دخولاً أوليّاً ويستحق بموجبها لعن الملائكة: أحبار اليهود ورهبان النصارى ممّن كتموا أمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنكروا البيّنات والدلائل المبثوثة في كتبهم، والتي تُبشّر برسول الهدى وتؤكّد بعثته، قال أبو العالية: " نزلت في أهل الكتاب، كتموا صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- ..يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك"، وعلى الرغم من ذلك، فإن عموم الآية يشمل كلّ من اتّصف بهذه الصفة التي استوجبت اللعن، وهي: كتمان العلم، وترك بيان ما أوجب الله بيانه؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر عند علماء الأصول.

                  الصنف الثاني: لعن الملائكة لمن سبّ أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-:

                  الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، هم حواريّوا النبي صلى الله عليه و سلم وأتباعه، مدحهم الله في كتابه، وبالغ في ثنائهم، ووصفهم بأنهم أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم، وبيّن صفتهم كما جاءت في التوراة والإنجيل، والرّضا الإلهي عنهم هو حكمٌ أبديّ لا يمكن أن يتغيّر أو يتبدّل، لأن الله جلّ جلاله لا يُبدّل القول لديه كما أخبر عن نفسه، وهذا الرّضا مذكورٌ في قوله سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ، ذلك الفوز العظيم}. (التوبة: 100).

                  وهم النقلة لهذا الدين والمؤتمنون على نقله، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي أَمَنَة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم، وفوق ذلك: هم خير هذه الأمة قاطبةً، بنص الحديث النبوي: (خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) كما جاء في الصحيحين.

                  وقد صحّ في الخبر أن المجتريء على الصحابة بالشتم أو السب أو الاستنقاص، فهو مستحقٌ للعن الله له، ولعن الملائكة له، جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سبّ أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين) رواه الطبراني في المعجم الكبير، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه، فيها زيادة: (لا يقبل الله له صرفاً، ولا عدلاً يوم القيامة) رواها أبوبكر بن الخلال في كتابة "السنّة"، وقد قيل في معنى الصرف والعدل: "لا تقبل فريضته، ولا نافلته".

                  ويبدو للناظر عند التأمّل في هذا الحديث، وفي مجموع الأدلّة التي جاءت تمدح هذا الجيل الربّاني الفريد، أن أسباب استحقاق من طعن في عدالة الصحابة أو في دينهم تعود إلى أحد سببين:

                  أوّلهما: أن الله جلّ جلاله، قد بالغ في ثنائهم ومدحهم، كذلك الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فقد تكاثرت عنه النصوص في تعداد فضائلهم جملة وتفصيلاً، فمن أعرض عن ذلك كلّه ثم بادر إلى سبّهم واستنقاصهم، فلا شك أنه مكذّبٌ لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومنكرٌ لمقتضى تلك النصوص الصريحة الصحيحة البيّنة التي لا غموض فيها ولا لبس، ومخالفٌ لحكمٍ معلوم من الدين بالضرورة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفارٌ أو فسّاق، وأن هذه الأمة التي هي: {خير أمة أخرجت للناس} (آل عمران: 110)، وخيرُها هو القرن الأول، ومضمونها –يعني مضمون سب الصحابة- أن هذه الأمة شرّ الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارُها. وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام "، وهذا يفسّر ما نُقل عن جمعٍ من العلماء بكفر من سبّ الصحابة رضوان الله عليهم.

                  ثانيهما: أننا ما علمنا شيئاً من الدين إلا من خلال الصحابة رضوان الله عليهم، فهم نقلةُ الدين وحاملوه إلى من بعدهم، فيكون الطعن في الصحابة طعنٌ في الدين الذي نقلوه لنا، قال الإمام أبو زرعة في هذا المعنى: " إذا رأيت الرجل يطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن القرآن عندنا حقٌّ والسنة عندنا حق، وإنما نقل لنا القرآن والسنن أصحابُ محمد -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء يريدون أن يَجْرحوا شُهودَنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى".

                  الصنف الثالث: لعن الملائكة لمن أحدث حدثاً، أو آوى محُدثاً:

                  عن أنس رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (من أحدَثَ حَدَثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه البخاري، وجاء في سنن أبي داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحدث حَدَثاً، أو آوى مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، فاللعن هنا يترتّب على مسألتين:

                  الأولى: إحداث الحَدَث، وله عدّة معانٍ يحتملها اللفظ لغة ، منها: الابتداع في دين الله ما لم يأذن به الشارع، ومنها: الإحداث في أمور الدنيا، من الجرائم ونحوها، وقد جاء في روايةٍ ذكرها الإمام ابن بطّة في (الإبانة)، عن زيد بن أسلم رضي الله عنه، وفيها: قالوا: يا رسول الله، وما الحدث؟ فقال –صلى الله عليه وسلم-: (بدعةٌ تغيّر سنّة، أو مُثْلةٌ تغيّر قَوَداً، أو نُهبَةٌ تغيّر حقّاً) ومعنى قوله: (مُثْلةٌ تغيّر قَوَداً ) الخروج في العقوبات عن حدود الشريعة، وهي هنا: القصاص، ومعنى قوله: (نُهبَةٌ تغيّر حقّاً) وهو أخذ المال على وجه المغالبة، فكلّ هذه المعاني، تُذكر في مسألة إحداث الحدث.

                  الثاني: إيواء المُحدث، ويشمل ذلك المبتدع في دين الله تعالى، أو إيواء الجاني ونصرته والدفاع عنه، ومنعهِ من خصمه، ومن دخل في المسألتين السابقتين فهو ملعونٌ من الملائكة على لسان الشريعة.

                  الصنف الرابع: لعن الملائكة لمن يشير بحديدةٍ إلى أخيه:

                  الأخوّة الإسلاميّة رابطةٌ متينةٌ يحرص الإسلام على بقائها متماسكةً قويّة، فهي مطلبٌ أعلى يتوج بعدد من الآداب السامية التي تُحافظ عليه، وتعزّز منه، وتزيده صلابةً ومتانة، فلا غرابةَ أن نرى النهي عن أيّ عملٍ أو قول أو سلوكٍ قد يُهدّد أو يكون سبباً في توهين هذه الرابطة.

                  من هنا نُدرك، أن ما يقوم به البعض من إخافة أخيه وترويعه، بغض النظر عن مستوى ذلك الترويع أو مبعثه (الجد-الهزل) هو سلوكٌ مشين، يستوجب الذمّ والملامة، لا، بل يستوجب لعن الملائكة لمن اقترفه، فلا يكون ذلك التخويف مجرّد ذنبٍ أو لمم، بل هو كبيرةٌ من الكبائر التي تستوجب التوبة النصوح، ولا أدلّ على ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم.

                  إن الحديث يشير إلى ما يقوم به بعض الناس من تناول بعض الأسلحة أو الأدوات التي تقتل أو تُؤذي، فيتعامل معها باستخفاف بما قد يُهدّد سلامية الآخرين وأمنهم، خصوصاً وأن كثيراً من الجنايات التي تقع في الواقع إنما للخطأ فيها النصيب الأكبر، وصاحب الخطأ هنا غير معذور، بل هو مذموم بكلِّ وجه، وقد ورد في السنّة ما يفيد تحريم هذا الترويع للمسلمين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً) رواه أبو داود في سننه.

                  وقد فهم العلماء تعدّي هذا السلوك لمنزلة الصغائر، ودخوله في دائرة الكبائر، حتى ولو كان بقصد المزاح، قال النووي رحمه الله : " فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرّض له بما قد يؤذيه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وإن كان أخاه لأبيه وأمه) مبالغةٌ في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواءٌ من يُتّهم فيه، ومن لا يُتّهم، وسواءٌ كان هذا هزلاً ولعباً أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال".


                  وبمثْلِه قال الحافظ زين الدين العراقي: "فيه النهي عن الإشارة إلى المسلم بالسلاح، وهو نهي تحريم، فإن في الرواية الأخرى: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه)، ولعن الملائكة لا يكون إلا بحق، ولا يستحق اللعن إلا فاعل المحرم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على سبيل الجد أو الهزل".

                  ومما سبق ندرك أن العلّة في النهي عن إشهار السلاح وما دونه مما قد يؤذي، لأجل مسألة الترويع والإخافة، وقد زادت نصوصٌ أخرى علّةً أخرى، أفادت باب الاحتياط والحماية في مثل هذه الأدوات المؤذية، فلا يأمنُ أحدٌ أن تخرج هذه الحديدة عن سيطرته فتؤذي أخاه دون قصد، وفي هذا المعنى جاء حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) رواه مسلم، والمعنى كما يقول الحافظ ابن حجر: "يُغري بينهم، حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه، فيحقق الشيطان ضربته له".

                  ولأنّ الأمر خطيرٌ، ومستوجبٌ لعن الملائكة، حرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على تعليم أصحابه الآداب المُقتضية للسلامة والحرص عند تناول الأشياء المؤذية، فقد حدّث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: "مر رجل بسهامٍ في المسجد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أمسك بنصالها) متفق عليه، والنصلُ هو رأس السهم، وروى جابرٌ أيضاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ بقومٍ في مجلس يسلّون سيفاً يتعاطونه بينهم غير مغمود –أي: ليس في جِرَابه وحافظته-، فقال: (ألم أزجركم عن هذا؟ فإذا سلّ أحدكم السيف فليغمده، ثم ليعطِهِ أخاه) رواه أحمد، وسلّ السيف: إخراجه من غِمْده.

                  وينبغي للمتساهلين في دماء الناس وأعراضهم وممتلكاتهم أن يهزّهم هذا الحديث هزّاً، فإذا كان من يشير بيده بحديدة –وقد لا تكون مخصّصةً أو مستعملةً بالأساس للإيذاء-، مجرّد الإشارة، مستحقّاً للعن، فكيف بمن يُشير بسلاحه إلى أخيه وهو جادٌ، أم كيف بمن يصيب إخوانه عن قصدٍ وتعمّد؟

                  الصنف الخامس: لعن الملائكة لمن نقض عهد مسلم

                  من صفات المسلم الأصيلة: الأمانة، بل هي من مقتضيات الإيمان الكُبرى؛ ومن دلائلها الواضحة، ولو لم تكن ذلك، ما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يُكثر من التذكير بها، والتحذير من الإخلال بها، ذلك ما علمناه من شهادة أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال: ما خطبنا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) رواه أحمد.

                  والغدرُ في الأمان الذي يُعطَى لأهل الكفر موجبٌ للّعنة الشاملة من الخالق ومن الخلق، بما فيهم الملائكة الكرام، ورد في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفَرَ مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه صرفٌ، ولا عدل) رواه البخاري ومسلم، ومعنى قوله: (أخفر مسلماً) أي: نقض أمانه وعهده.

                  والحديث أوّل ما يتوجّه إلى نقض الأمان الذي يُعطيه أحدُ المسلمين لأيٍّ من المشركين، سواءٌ كان صاحبُه من أهل الذمّة من اليهود والنصارى أم كان من غيرهم، وبغض النظر عمّن قام بإعطاء هذا الأمان؛ لأن ذمّة المسلمين وعهدهم وأمانتهم واحدة، لا فرق بين مراتبهم ومنازلهم وأجناسهم في ذلك، وإجارة فردٌ من المسلمين لأحدٍ كأنها صكّ أمانٍ ناله من الأمة الإسلاميّة كلّها، لا يحقّ لأحدٍ أن يمسّ ذلك المؤتمن بسوء، ومن تعرّض لكافرٍ أمّنه مسلم فقد ارتكب أعظم الموبقات، فاستحقّ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ومما ورد بذلك في معناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا من قتل نفسا معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أَخْفر بذمة الله؛ فلا يَرُحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً) رواه الترمذي، ومعلومٌ أن المطرود من الجنّة لا يصيب ريحها الطيّب، فهو من باب التغليظ على صاحبها والتشديد عليه.

                  والغدر: نقض العهد، وترك الوفاء به، ويُعتبر مسلكاً نفاقيّاً خطيراً جاء التحذير منه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أربعٌ من كُنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهنّ، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: -وذكر منها- إذا عاهد غدر) متفق عليه، وجاءت السنّة صراحةً لتبيّن فداحة هذا الخلق الذميم، وأنّه يُعدّ من الكبائر، حتى صار صاحبها خصيماً لله جلّ جلاله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (قال الله عز وجل :ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي، ثم غدر) رواه البخاري.

                  الصنف السادس: لعن الملائكة للعبد الذي يوالي غير سيّده

                  لا نعمة تعدل نعمة الحريّة، والمملوك مسلوبٌ لهذه الحريّة التي تمنعه من الحقوق التي يتمتّع بها الأحرار، فكان ولاء العبدِ لمن أعتقه؛ اعترافاً له بالجميل الذي امتنّ به مالكه عليه حين أخرجه من عالم العبوديّة والاسترقاق، إلى عوالم الحريّة والعزّة والسيادة.

                  ومن الطبيعي أن يحفظ العبدُ لسيّده هذه النعمة العظيمة التي أسداها إليه بعتقه، فكيف بمن أضربَ صفحاً عن المنعمِ عليه، ثم ذهب ينتسب إلى غيره ويواليه؟ هل هناك كفرٌ للنعمة أعظم من هذه الحال؟ لأجل ذلك استحقّ العبدُ الناكرُ لمعروف سيّده الذي أعتقه اللعنة جاء في حديث علي رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم: (من والى قوما بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) متفق عليه.

                  الصنف السابع: لعن الملائكة لمن انتسب إلى غير أبيه

                  كذلك هي مذكورةٌ في حديث علي رضي الله عنه السابق، وفيه: (ومن ادعى إلى غير أبيه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً)، فالحديث –كما يقول الإمام النووي- صريح في تغليظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه لما فيه من كفر النعمة، وتضييع حقوق الإرث والولاء، مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق.
                  وبهذا المعنى جاء حديث سعد بن مالك رضي الله عنه، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (من ادّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام) رواه البخاري.

                  الصنف الثامن: لعن الملائكة للمرأة الممتنعة عن فراش زوجها

                  قوام الزواج ومبناه على الألفة والمحبّة، والتواصل والتراحم، والمعاشرة الحسنة بالمعروف، وإعطاء كلّ ذي حقٍّ من الزوجين حقّه للآخر، كما قال الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (البقرة: 228)، وفي هذا الإطار يكون امتناع الزوجة عن موافقة زوجها في طلب الفراش أمراً مستنكراً شرعاً، مستقبحاً عُرفاً؛ إذ أنه المقصود الأوّل للحياة الزوجيّة، والسبب الأوحد في دوام الذريّة، ولعظم هذه العلاقة من جهة، وعظم حقّ الزوج وضعفه أمام فتنة النساء، كانت المرأة الممتنعة عن حقّ زوجها مستوجبةً للعنة الملائكة لها.

                  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تُصبح) متفق عليه، وفي روايةٍ أخرى: (إذا باتت المرأة هاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح، أو تراجِع) وهي في سنن أبي داود، والشكّ منه.

                  ومن مقتضيات العشرة بالمعروف: المبيت في فراش الزوجيّة، والقيام بحق الزوج، حيث لا يجوز لها ترك ذلك إلا لمانعٍ أو عذر شرعي، فإن فعلت ذلك، كانت مستحقّةً للعن الملائكة لها حتى تًصبح، أو تتراجع عن فعلها ذلك، بل تستحق ما هو أعظم من ذلك: سخط الرحمن عليها، حتى يرضى عنها زوجها، وجاء ذلك صريحاً في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها) فإذا كانت الأحاديث السابقة تعلّق اللعن بوقت الصباح، أو بعودتها عن ذنبها، فإن هذا الحديث علّق السخط الإلهي برضا الزوج، وقد يكون ذلك قبل طلوع الفجر، وقد يكون بعده، وربما يكون أكثر من ذلك، فسخط الزوج يوجب سخط الرب، وليس هناك امرأةٌ عاقلةٌ ترضى ببقائها في دائرة السخط الإلهي حتى يرضى عنها زوجها.

                  الصنف الثامن: لعن الملائكة لمن يحولون دون تنفيذ شرع الله تعالى

                  لا شكّ أن الله تعالى قد أنزل الكتاب ليكون حاكماً على الناس بالقسط: { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} (الناساء:105)، ومما جاء في أحكام الحدود وجوب اللعنة على من تعدّى على مسلمٍ فسفك دمه دون وجه حق، وهذا الحكم مذكورٌ في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً} (النساء:93).

                  إذا استحضرنا التوطئة السابقة، أمكننا فهم الحالة التي ورد فيها لعن الملائكة، جاءت –في أصل سياقها- في حديثٍ يبيّن حكماً شرعيّاً خاصّاً يتعلّق بالحدود، وهي حالة القتل التي تحدث حين يتخاصم الناس فيقتتلون، فيموت أحدهم دون أن يُدرى من الذي باشر قتله فيُطالب بالدية، فيُحكم بالدية على المجموعة، أما إذا عُرف القاتل فيُحكم عليه بالقتل قصاصاً، إلا أن يرضى أولياء الدم بالدية، أو يُصدرون عفوهم عنه، واستحقاق القاتل المتعمّد للقتل دون الاستثنائين السابقين –أي العفو أو الدية- أمرٌ نافذٌ لا يجوز التحايل عليه أو منعه بأيّ وجه، فمن سعى إلى عرقلة تنفيذ الحكم على القاتل، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

                  فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بعد أن ذكر حالة جهالة القاتل: (..ومن قَتَل عمداً فَقَودُ يديه، فمن حال بينه وبينه –بين القتل والقصاص- فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين) رواه أبو داود، ومعنى: (فقودُ يديه) أي يُقتصُّ منه بما جنتْ يدُهُ عمداً.

                  إذن فهي تسعةُ أصنافٍ من الناس، استحقّ كل واحدٍ منها لعنة الملائكة، بسبب ما اقترفه من المعاصي المستوجبة لتلك اللعنة، ونحن ندرك هنا أن هذا اللعن الصادر من الملائكة إنما هو بأمرِ الله لها، وبيان الرب لاستحقاق أصحابها لها، فالملائكةُ لا يفعلون إلا ما يؤمرون، نسأل الله تعالى أن يجرينا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.



                  يا الله
                  علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**


                    حقوق الملائكة على المؤمنين




                    إذا سألنا سائل: "ما حق الله على العباد؟" لانبرى إلينا كل من درس العقيدة أو مرّ عليها، ونجزمُ جزماً أن الجواب الأوحد على ذلك السؤال: " أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً" وهي إجابةٌ اقتُبس نصّها من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.

                    وبالمثل، فلو سُئلنا: "ما حق المسلم على المسلم؟" فالإجابة على البداهة ذكر الحقوق الست الشهيرة، من ردّ السلام، وتشميت العاطس، واتباع الجنائز، وغيرها من الحقوق.

                    كل ذلك معروفٌ ومفهوم، خصوصاً وأنها أوّلياتٌ دينية أو عقديّة منصوصٌ عليها صراحةً في الوحي الشريف بصورة لا يُحتاج معها إلى استنتاجٍ أو إعمال عقل، ولكن ماذا عن قضيّة غيبيّةٍ كان لها حضورٌ قويّ في الصحف السماوية كلّها، وتتعلّق بمخلوقاتٍ ما كان للبشرِ أن يعاينوها أو ينظروا إليها إلا ما شاء الله، مخلوقاتٍ تربطها بالمؤمنين رابطةٌ محكمةٌ وثيقةٌ؛ للاتفاق التام بين جنسها وجنس المؤمنين في عبادة الله سبحانه وطاعته، والحديث هنا إنما هو عن الملائكة الكرام، والسؤال بشكلٍ محدّد: "ما هو حق الملائكة الواجب علينا معشرً المؤمنين؟".

                    من الصعب الإجابة من وحي اللحظةِ على سؤال كبيرٍ كهذا؛ لأن أطراف الإجابة مغروسةٌ في جنباتِ شعب الإيمان ومنهج الحق، واستخراجها يحتاج منّا إلى تفكيرٍ دقيق وتحليلٍ عميق حتى نستطيع إزاحة الستار عن هذه القضيّة المهمة، ولعله أن يكون أوّلَ الحقوق علينا، أن نصل إلى تلك الحقوق ونعرّفها للناس.

                    ثم يأتي بعد ذلك، حقٌّ عقديّ كبير، يرتبط بأصل الإيمان بل بركنِه، ونجده في الحديث المشهور عن جبريل عليه السلام حين جاء على صورة بشرٍ ليُعلّم الناس دينهم، وفيه: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر) متفق عليه.

                    إذن، فمن حقّ الملائكة علينا أن نؤمن بهم على وجه الإجمال، ومن أخلّ بهذا الحق من حيث أصلِهِ فجحد وجود الملائكة –كما يحلو لبعض الفلاسفة ومدّعي العقلانيّة والعقل منهم براء- فقد خرج عن ملّة الإسلام، كما جاء في الآية الكريمة: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} (النساء:136)، يقول الطبري: " جحود شيء من ذلك بمعنى جحود جميعه، لأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به، والكفر بشيء منه كفر بجميعه".

                    ذاك على وجه الإجمال، وأما على وجه التفصيل، فمن حق الملائكة علينا أن نؤمن بحقيقتهم وجوهرهم، بمعنى أنهم ذواتٌ حقيقيّة وليست معنويّة أو مجازيّة، وأنّهم خُلقوا من نور، كذلك نؤمن بما يتعلّق بأخبارهم وأعمالهم، كالتوكيل بالقطر، أو حراسة نار جهنم، أو قبض الأرواح، أو الإيمان بما أعطاهم من القدرة على التشكّل والتصوّر، وأنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزاوجون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وغير ذلك من الأمور، وكذلك الإيمان بما ورد من أسمائهم، كجبريل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، ومالكُ خازن جهنم، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

                    ونأتي على الحق الثاني، وهو أن نقتدي بهم، وأوجهُ الاقتداء بهم كثيرةٌ، وأهمها ولا شك: حسن الأدب مع الله تعالى في مخاطبته والحديث معه، ونلتمس ذلك في الحوارات الغيبيّة المبثوثة في النصوص من مثل قوله تعالى: { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} (البقرة:32)، وقوله سبحانه: { قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ:41)، وكذلك حسن عبادتهم لله تعالى، وجميل تبتّلهم وخشوعهم بين يديه، وقد فُصّلت هذه الجوانب في موضوعٍ آخر.

                    ومن جوانب الاقتداء: أن الملائكة لا يتقدمون ربّهم تبارك وتعالى بالقول، وهم بأمره يعملون، فلا يخالفونه قولا وفعلاً، قال تعالى: { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (الأنبياء:27)، وهذا الأدب الرفيع قد أُمرنا بامتثاله كما ورد في سورة الحجرات: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} (الحجرات:1).

                    ومن جوانب الاقتداء: الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- والإكثار من ذلك، قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (الأحزاب:56).

                    وفي السنّة أمرٌ نبوي بالاقتداء بهم حال الاصطفاف في الصلاة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟) فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف) رواه مسلم.

                    وإلى حديثٍ عن جانبٍ مهم من الحقوق، ذللك هو تولّي الملائكة أجمعين، والموالاة في أصل معناها تتعلّق بالمحبّة والنصرة، والداعي للتنصيص على هذه الموالاة أن بعض الديانات القديمة كاليهوديّة أحدثت تفريقاً بين الملائكة وتمييزاً بينها، فكانوا يُعادون جبريل عليه السلام، وقد جاء في سيرة ابن إسحاق أن نفراً من أحبار يهود جاءوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدارَ بينهم وبينه حوارٌ طويل، كان منه سؤال النبي عليه الصلاة والسلام لهم: (أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمونه جبريل، وهو الذي يأتيني؟) فقالوا: "اللهم نعم، ولكنه يا محمد لنا عدو، وهو مَلَك، إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء، ولولا ذلك لاتّبعناك، فأنزل الله عز وجل فيهم قوله: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين* من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} (البقرة:97-98)، من هنا نفهم، أن موالاة جميع الملائكة ومحبّتهم هو من الحقوق الواجبة التي لا يسوغ التفريط فيها.




                    هذه جملةٌ من الحقوق التي ينبغي لكل مؤمنٍ أن يستحضرها على الدوام، حقوقٌ يؤجرُ عليها ويُثاب فاعلها إذا أحسن تطبيقها وتنفيذها –لاسيما ما كان متعلّقاً بجوانب الاقتداء-، وجزاءُ ذلك سيراهُ من ربّه يوم القيامة، والله الموفق.





                    يا الله
                    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**



                      الإيمان بالقضاء والقدر

                      خيره وشره


                      لإيمان بالقدر: خيره وشره، وحلوه ومره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، ومحبوبه ومكروهه، هو إيمانٌ بركنٍ ركين لا يصحّ إيمان العبد ما لم يعتقد به اعتقاداً جازماً، ومن لم يستمسك بعروته ضاع في متاهات الحيرة والضلال؛ إذ لها تعلّقٌ بمسائل غيبيّة قد يعجز العقل عن تصوّرها والإحاطة بها.

                      وقد تضافرت الأدلّة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، ووردت في ذلك الآيات المحكمات، والبراهين القاطعات، والنصوص الواضحات، سواءٌ ما تعلّق بركنيّته وضرورة الإيمان به، أو التي تُبيّن مراتبه ومنازله، فتدلّ ضمنيّاً على القضاء والقدر، وسوف نقتصر في هذا المقام على ذكر الأدلّة الشرعيّة التي تثبت هذا الركن إجمالاً، وفق ما يلي:

                      الأدلة من القرآن الكريم

                      وردت العديد من الآيات القرآنية التي تُثبت القدر، نذكر منها:

                      * قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر:49)، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بمقدار قدّره وقضاه، ويتضمّن ذلك –وفق الملاحظ من سياق الآية- وعيداً على المجرمين المكذبين بالقدر والكافرين به.

                      * قوله تعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديراً} (تبارك:1)، ومعناه أن كل شيء دون الله سبحانه وتعالى فهو مخلوقٌ مربوب، محتاجٌ إلى مليكٍ وإلهٍ يسخّر أموره ويُقدّر له أقداره، وأن كل شيء تحت قهره سبحانه وتسخيره.

                      * قوله تعالى: { سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً} (الأحزاب:38)، ومعناه كما قال ابن كثير: "وكان أمره الذي يقدره كائنا لا محالة، وواقعا لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن".

                      * قوله تعالى: { فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى} (طه:40)، ومعناه أن مجيء موسى عليه السلام في هذا الميقات المحدّد والمكان المعدّ وفق إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، ليتمّ ما قدّره سبحانه وأراده من إرساله إلى فرعون رسولاً.

                      * قوله تعالى: { فجعلناه في قرار مكين*إلى قدر معلوم*فقدرنا فنعم القادرون*ويل يومئذ للمكذبين} (المرسلات:21-23)، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى قد هيّأ الرحم لتلك النطفة أن تبقى فيها ثم تنقل من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة؛ في مدّة معلومة وأجلٍ محدّد قدّره الخالق سبحانه، ومن اللطيف الإشارة إلى قراءة هناك قراءة "فقدّرنا" بالتشديد، وهي قراءةٌ متواترة قرأ بها أبو جعفر ونافع والكسائي، وغيرهم بالتخفيف .

                      * قوله تعالى: { من نطفة خلقه فقدره} (عبس:19)، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في بطن أمّه أطواراً: نطفة ثم علقة ثم مضغةً، إلى آخر تلك المراحل، ثم قدّر له تصوير خلقته وهيئته، وقدّر أجله ورزقه وعمله، وشقاوته أو سعادته.

                      هذه أبرز الآيات التي تنصّ على هذه المرتبة، وهناك آيات تذكر هذا الركن بالمعنى مثل قوله تعالى: { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد:22)، وقوله سبحانه: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} (النساء:87).

                      الأدلة من السنة النبوية:

                      بلغت الأحاديث الدالة على مسألة الإيمان بالقضاء والقدر حد التواتر المعنوي، نذكر منها الآتي:

                      * حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، -وسأله عن الإسلام ثم قال له-: فأخبرني عن الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))، فقال الرجل: صدقت، والرجل هو جبريل عليه السلام، والحديث في مسلم.

                      * عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي.

                      * عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر) رواه الترمذي وأحمد.


                      * عن أبي عزة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، أو قال: بها حاجة) رواه الترمذي.

                      * عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار) رواه أبو داود.

                      * عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا) رواه أبو داود، والمقصود من ذلك قوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} (الكهف: 80).

                      * عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل شيء بقَدَر، حتى العجز والكَيْس) رواه مالك في الموطأ، والعجز هو عدم القدرة، والكَيْس هو النشاط والقوّة.

                      * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.

                      * وعنه رضي الله عنه قال: جاء مشركو قريش يخاصمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدر، فنزلت هذه الآية: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر: 49) رواه مسلم.

                      * عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن لي جارية، أعزل عنها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (سيأتيها ما قُدّر لها) فأتاه بعد ذلك، فقال: قد حملت الجارية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما قُدّر لنفسٍ شيء إلا هي كائنة) رواه ابن ماجة، وأصله في الصحيحين.

                      * عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزيد في العمر إلا البِرّ، ولا يرد القدر إلا الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة.

                      * عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلّموا عليهم) رواه أبو داود وابن ماجة.

                      * عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما أرسلني في حاجةٍ قط فلم تُهَيّأ إلا قال: (لو قُضي كان ، أو لو قُدّر كان) رواه البيهقي في القضاء والقدر.

                      * عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يدخل الجنة عاق، ولا مكذّب بقدر، ولا مدمن خمر) رواه أحمد.

                      وقد انعقد الإجماع على إثباته، وكفر من أنكره، يقول النووي: "تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد من السلف والخلف، على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى".



                      التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 16-10-2014, 06:41 PM.
                      يا الله
                      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**



                        الحسد ومنافاته لعقيدة القضاء والقدر


                        "لله دّر الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله"

                        كلمةٌ عظيمة تدل على شناعة هذا المرض القلبي العُضال، والناشيء من بذرةٍ خبيثةٍ أثمرت حنظلاً من الأخلاق الرديّة، وكانت سبباً في النزاع والشقاق والخصام.

                        إنه الداء العُضال، والسمٌّ القاتل، حزن لازم، وحقدٌ دائم، وعقل هائم، وحسرةٌ لا تنقضي، وهو أول ذنب عُصِيَ الله تعالى به في السماء، حينما حسد إبليس آدم عليه السلام، وأول ذنب عُصِيَ الله به في الأرض، حينما حسد ابن آدم أخاه حتى قتله، ومثالب الحسد أكثر من أن تذكر، وأشهر من أن تسطّر، وأوسع من أن تستوعب.

                        يقول الماوردي: "اعلم أنّ الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن، وإفساده للدّين، حتّى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: {ومن شرِّ حاسد إِذا حسد} (الفلق/ 5)، وناهيك بحال ذلك شرّاً، ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلا أنه خلق دنيء، يتوجّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصّ بالمخالط والصاحب، لكانت النزاهة عنه كرماً، والسلامة منه مغنماً، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرٌّ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود".

                        وإذا كان الحسد بمثل هذا السوء، فما علاقة الحسد بأركان الإيمان؟ وما مدخله في مباحث العقيدة الإسلاميّة؟ وما وجه منافاته ومصادمته لعقيدة القضاء والقدر؟

                        للإجابة على هذه الأسئلة نقول: لقد جعل الله سبحانه وتعالى مسألة الإيمان بما قضاه الله وقدّره على الخلائق ركيزةً إيمانيّة أساسية وعروةً وثقى لا انفصام لها، ولا يمكن تصوّر إيمان عبدٍ دونها، قال الله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر:49)، فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقضاءٍ سبق به علمه، وجرى به قلمه، فحدّد وقته ومقداره، وحقيقته وماهيّته، وجميع ما اشتمل عليه من الأوصاف والهيئات، وانظر إلى العموم في قوله سبحانه: { وخلق كل شيء فقدره تقديرا} (الفرقان:2).

                        ولا يمكن تصوّر مفهوم القضاء والقدر، دون إثبات علم الله عز وجل الأزليّ الواسع المطلق، والإيمان بأن الله جلّ جلاله كتب جميع ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ، وإدراك مشيئة الخالق النافذة، فلا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، مع الإيمان بأن الله هو خالق كلّ شيء، ويدخل ضمن ذلك أفعال العباد، وأنه سبحانه على كلّ شيءٍ قدير.

                        وعليه، فإن توزيع الأرزاق والأقوات على العباد، إرادةٌ إلهيّة نافذةٌ ومشيئةٌ عامّةٌ تنطلق من صفات العدل وتمام المُلك، والرحمة والإحسان، وقدرته التامة، وعلمه المحيط، والحكمة البالغة في كل ما أعطى وما أخذ، وما منح وما منع، قال سبحانه: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب} (آل عمران:26-27).


                        وحقيقة الحسد: تمني الحاسد زوال نعمة المحسود، أو هو كراهة الحاسد وصول النعمة إلى المحسود، ولا شكّ أن ذلك ناتجٌ في حقيقته إلى الاعتراض على أقدار الله الكونية ؛ وأحكامه الشرعية، وعدم الرضا بقضائه، والتسليم لقدره، وقد جرى مجرى الأمثال قولهم: " من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يَدْخله حسد" .

                        والحاسد حين يحسد فهو يُنكر حكمة الله سبحانه في تدبيره، ومعلومٌ بالضرورة أن أفعال الله سبحانه منزهةٌ عن النقائص والمعايب، بل هي في غاية الحسن والكمال، ومن فروع ذلك مسألة توزيع الهبات والعطايا والمواهب والنعم على العباد، ولذلك جاء النكير على الحاسدين في عدّة مواضع في كتاب الله، منها قوله تعالى: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} (النساء: 54)، وفي سورة الزخرف: { أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون} (الزخرف:32).


                        والحسد عداءٌ صراح واعتراضٌ فجّ على الله فيما قضى وقدّر، فإنّ غيظه من حاسده ناتجٌ عن رؤيته عدم أهليّة المحسود لتلك النعمة وعدم استحقاقه لها، وهو الذي يستلزم اتهام الخالق في قسمته بين عباده؛ وهذا سوء أدبٍ مع الله تعالى:

                        ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب


                        أسأت على الله سبحانه لأنك لم ترض لي ما وهب

                        والحاسد لا يُدرك جانباً مهماً من جوانب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية الموجودة عند غيره، والتي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله سبحانه وتعالى أنها تضره وتصدّه عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظلّ العبد كارهاً لهذه القسمة الإلهيّة حيث حرمه منها وأعطاها لغيره، ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار، ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل، وصدق أحكم الحاكيمن إذ قال: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة:216).

                        ويذكر العلماء أن الحسد يضر الحاسد في الدين والدنيا، أما ضرره في الدين، فإن الحاسد قد سخط قضاء الله تعالى وأنكر حكمة الله في تدبيره، فكره نعمته على عباده، وهذا قذى في بصر الإيمان، ويكفيه أنه شارك إبليس في الحسد وفارق الأنبياء في حبهم الخير لكل أحد.

                        ومن فقه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: "لا تعادوا نِعَم الله"، فقيل له: "ومن يعادي نعم الله؟!" قال: "الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".

                        وفي صحيح ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).

                        والمقصود به كما يُفهم من كلام العلماء: أن الإيمان الصادق الكامل الذي يستحضر صاحبه أن كل أفعال الله عز وجل لحكمة، يتناقض مع الحسد الذي هو غضبٌ من فعل الله وقسمته، ناتجٌ عن ضيق النفس وعدم إرادتها وكراهتها للخير على الغير.

                        وإلى من ابتُلي بهذه الآفة كلمةٌ لعل الله ينفعه بها، قالها محمد بن سيرين رحمه الله: "ما حسدتُ أحدا على شيء مِن الدنيا؛ لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى الجنة؟ وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى النار؟".



                        التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 16-10-2014, 06:44 PM.
                        يا الله
                        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                        تعليق


                        • #13
                          رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

                          جزاكم الله خيراا

                          تعليق


                          • #14
                            رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            بارك الله فيك
                            وجزاك أجر كل حرف كتبته
                            فهذه من المسائل المهمه
                            التى تفرقت بسببها الفرق
                            ووقعت الجهمية وغيرها من
                            الفرق فيما وقعوا فيها من الضلال
                            وكان هذا عرضا طيبا رائع
                            وأخيراً
                            وللإيمان سته أركان بلا نكران
                            إيماننا بالله ذى الجلال وماله من صفه الكمال
                            وبالملائكة الكرام البررة وكتبه المنزله المطهرة
                            ورسله الهداة للانام من غير تفريق ولا ابهام
                            أولهم نوح بلا شك كما أن محمداً لهم قد ختما
                            وخمسة منهم أولو العزم الأولى فى سورة الأحزاب والشورى تلا




                            تعليق


                            • #15
                              رد: سلسلة أركان الإيمان **هااااااام**



                              وفقكم الله غاليتي
                              متابعه بإستمرار لمواضيعك المميزه

                              بوركتِ ونفعنا الله بكِ

                              التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 17-10-2014, 06:46 PM.




                              رحم الله أبي وأمي وأسكنهم فسيح جناته

                              تعليق

                              يعمل...
                              X