الاستغاثة
الاستغاثة: طلَبُ الغوث، وهو إزالة الشدة.والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه، جائزة، والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كالاستعانة بالأموات، والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم في شفاء المرضى، وتفريج الكربات، ودفع الضر، فهذا النوع حرامٌ، وهو شِرك أكبَرُ.••••
الاستغاثة: طلب الغَوْث، وهو التخليص من الشِّدة والنِّقمة، والعون على الفَكاك من الشدائد، ولم يتعدَّ في القرآن إلا بنفسِه؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾
الأنفال
ويقول المضطر الواقع في بلية: أغِثْني؛ أي: فرِّج عني، وفي الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة؛ انتهى.قال ابن السِّكِّيت: استغثته فأغاثني، والاسم: الغَواث والغُواث والغِياث.وأبو عبيد: الصارخ المستغيث، والصارخ المغيث.وقيل الصارخ: المستغيث، والمُصرِخ المغيث، وهو أجود؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [إبراهيم: 22].
قال في تاج العروس:غوث الرجل واستغاث: صاح: واغوثاه، وتقول: ضُرِب فلان فغوَّث تغويثًا، قال: واغوثاه، قال شيخنا: وقد صرَّح أئمةُ النحو بأن هذا هو أصله، ثم إنهم استعملوه بمعنى صاح ونادى طلبًا للغوث، والاسم: الغَوْث بالفتح، والغُوَاث بالضم على الأصل، وفتحه شاذ؛ أي: وارد على خلاف القياس؛ لأنه دلَّ على صوت، والأفعال الدالَّة على الأصوات لا تكون مفتوحةً أبدًا، بل مضمومة؛ كالصُّرَاخ والنُّباح، أو مكسورة؛ كالنِّداء والصِّياح، وهو قول الفراء كما نقَله الجوهري.
واستغاثني فلان فأغثتُه إغاثةً ومغوثةً، ويقال: استغثت فلانًا فما كان لي عنده مَغُوثة؛ أي: إغاثة.
قال شيخنا: قالوا: الاستغاثة: طلب الغَوْث، وهو التخليص من الشِّدة والنقمة، والعَوْن على الفَكاك من الشدائد، ولَم يتعدَّ في القرآن إلا بنفسه؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]،
وكذلك استعمله سيبويه، فلا عبرة بتخطئة ابنِ مالك للنحاةِ في قولهم: المستغاث له وبه؛ قاله الشهاب في أثناء سورة الأنفال.ويقول المضطرُّ الواقع في بلية: أغِثْني؛ أي فرِّج عني، وفي الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة، ويقال فيه: غاثهُ يَغِيثه، وهو قليل، قال: وإنما هو من الغيث لا الإغاثة.وقال ابن دريد: غاثه يغُوثه غوثًا هو الأصل فأُميتَ.وقال الأزهري: ولم أسمع أحدًا يقول: غاثه يغوثه بالواو، وعن ابن سِيدَهْ: وأغاثه الله وغاثه غوثًا وغياثًا، والأول أعلى.والاسم الغِياث بالكسر؛ حكاه ابن الأعرابي، فهو مثلَّث الأول، كما في النهاية.
وفي الصِّحاح: صارت الواوُ ياءً لكسرةِ ما قبلها، وهو موجودٌ في أصول البخاري بالرِّوايات الثلاث، وأنكر الكسرَ بعضُ أئمة اللغة؛ ولذا خلت عنه دواوين اللغة، والضم رووه عن أبي ذر، والفتح الذي هو شاذ نسبه الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري للأكثر، وقال البدر الدماميني في المصابيح: به قيده ابن الخشاب وغيره، والكسر ذكره ابن قرقول في المطالع، وشيخه القاضي عياض في المشارق، وبه صدر في اليونينية، وتبِعه أهل الفروع قاطبةً، كذا نقله شيخنا.وفي التهذيب: الغِياث: ما أغاثك الله به، والمَغاوِث: المياه، قيل: هي من الجُموع التي لا مفرد لها، والغَوِيث كأمير، وفي نسخة: والتغويث - وهو خطأ -: شدة العَدْو، يقال: إنه لذو غويث.الغويث أيضًا: ما أغثت به المضطرَّ من طعام أو نَجْدة؛ نقله الصاغاني.قد سموا غوثًا، وهو اسم يوضع موضع المصدر، مِن أغاث، وغِياثًا بالكسر، ومُغيثًا بالضم؛ انتهى.
وقال ابن الأثير:(غوث) في حديث هاجر أم إسماعيل: (فهل عندك غَواث؟!) الغَواث بالفتح كالغِياث بالكسر، من الإغاثة: الإعانة، وقد أغاثه يغيثه، وقد رُوي بالضم والكسر، وهما أكثرُ ما يجيء في الأصوات؛ كالنُّباح والنِّداء، والفتح فيها شاذ.ومنه الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة، ويقال فيه: غاثه يَغِيثه، وهو قليل، وإنما هو مِن الغيث، لا من الإغاثة؛ انتهى.
قال الفيروزآبادي:غوَّث تغويثًا: قال: واغوثاه، والاسم: الغَوث والغُواث بالضم، وفتحه شاذ، واستغاثني فأغثتُه إغاثةً ومغوثةً، والاسم: الغِياث بالكسر، والمغاوث: المياه، والغَويث: شدة العَدْو، وما أغثتَ به المضطرَّ من طعام أو نَجدة، وسموا: غياثًا ومغيثًا؛ انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:(وأما لفظ: الغَوث والغياث، فلا يستحق إلا لله؛ فهو غِياثُ المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثةُ بغيره، لا بملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مرسَل).الاستغاثة المطلَقة التي لا تصح إلا بالله، وهو أن يطلب من المخلوق ما لا يقدِرُ عليه إلا اللهُ تعالى؛ كإزالة المرض، والانتصار على العدو، وهداية القلب، وهذا القدر يمكن المسؤول أن يتسببَ فيه، بأن يدعو الله تعالى له، ويجيب الله دعاءه.ومِن أعظمِ المبتدعين مَن جوَّز أن يستغاثَ بالمخلوق الحي والميت في كلِّ ما يُستغاث فيه بالله عز وجل، بل من جوز أن يُسأَل الميت ويُدعَى على أي وجه كان، بل من حَمل ألفاظ الاستغاثة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم المراد بها التوسل به، وجعل توسُّل الصحابة هو توسُّلَهم بذاته، والإقسام به على الله تعالى، ولم يعلَمْ أن المراد بها التوسل بشفاعته، ومن أعظم المبتدعين مَن جعل التوحيد كفرًا، والشِّرك إيمانًا، وكفَّر مَن هو أحق بالإيمان من طائفته، ونفى الكفرَ عن طائفتِه الذين هم أحقُّ بالكفر ممن كفَّروه، فليس في علماء المسلمين مَن يقول: إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يُستغاث اللهُ فيه، ولا من يقول: إن الميتَ يستغاث به في كلِّ ما يستغاث بالله فيه، بل قول القائل: إن الأمورَ التي لا يقدر عليها إلا اللهُ تعالى لا تُطلَب إلا منه: متَّفقٌ عليه بين علماء المسلمين، وما علمتُ - إلى ساعتي هذه - أحدًا من علماء المسلمين الذين يستحقُّون الإفتاء نازَع في هذا، بل ثبت عندي عن عامة مَن بلغني كلامُه من علماء المسلمين الموافقةُ على هذا.
وعليه؛ فلا يجوز لأحد الاستغاثةُ بغيره؛ أي: الله سبحانه وتعالى، لا بملَكٍ مقرَّب، ولا نبي مرسَل، ومَن زعم أن أهل الأرض يرفَعون حوائجهم التي يطلبون بها كشفَ الضر عنهم، ونزول الرحمة بهم، إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعين إلى الأربعين، والأربعين إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغَوث - فهو كاذبٌ ضالٌّ مشرك؛ فقد كان المشركون كما أخبَر الله عنهم بقوله: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 67]، وقال: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل: 62]، فكيف يكون المؤمنون يرفَعون إليه حوائجهم بعدة وسائط من الحجَّاب، وهو القائل تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؟! وقال الخليلُ - عليه السلام - داعيًا لأهل مكة: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 37 - 41].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ * قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 127 - 139].
وقال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 9 - 12].قال ابن جزي في تفسيره: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: ﴿ إِذْ ﴾ بدلٌ من: ﴿ إِذْ يَعِدُكُمُ ﴾ [الأنفال: 7]، وقيل: يتعلَّق بقوله: ﴿ يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾ [الأنفال: 7]، أو بفعل مضمر، واستغاثتهم: دعاؤهم بالغَوْث والنصر، ﴿ مُمِدُّكُمْ ﴾؛ أي: مُكثِّركم، ﴿ مُرْدِفِينَ ﴾: مِن قولك: ردِفه إذا تبعه، وأردفته إياه: إذا أتبعته إياه، والمعنى: يتبع بعضُهم بعضًا، فمن قرأه بفتح الدال فهو اسمُ مفعول، ومن قرأه بالكسر فهو اسم فاعل، وصحَّ معنى القراءتين؛ لأن الملائكة المنزَّلين يتبع بعضهم بعضًا، فمنهم تابعون ومتبوعون، ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾: الضمير عائدٌ على الوعد، أو على الإمداد بالملائكة؛ انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: تستجيرون به مِن عدوِّكم، وتطلبون منه الغَوْث والنصرَ.﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ ﴾: مرسِل إليكم مددًا ورِدءًا لكم، ﴿ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾: قرأ أهلُ المدينة ويعقوب: ﴿ مُرْدَفِينَ ﴾ بفتحِ الدال؛ أي: أردَف الله المسلمين وجاء بهم مددًا، وقرأ الآخَرون بكسر الدال؛ أي: متتابعين، بعضُهم في إثرِ بعض، يقال: أردفته وردفته بمعنى تبعته؛ انتهى.كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار .. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار
الاستغاثة: طلَبُ الغوث، وهو إزالة الشدة.والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه، جائزة، والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كالاستعانة بالأموات، والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم في شفاء المرضى، وتفريج الكربات، ودفع الضر، فهذا النوع حرامٌ، وهو شِرك أكبَرُ.••••
الاستغاثة: طلب الغَوْث، وهو التخليص من الشِّدة والنِّقمة، والعون على الفَكاك من الشدائد، ولم يتعدَّ في القرآن إلا بنفسِه؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾
الأنفال
ويقول المضطر الواقع في بلية: أغِثْني؛ أي: فرِّج عني، وفي الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة؛ انتهى.قال ابن السِّكِّيت: استغثته فأغاثني، والاسم: الغَواث والغُواث والغِياث.وأبو عبيد: الصارخ المستغيث، والصارخ المغيث.وقيل الصارخ: المستغيث، والمُصرِخ المغيث، وهو أجود؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [إبراهيم: 22].
قال في تاج العروس:غوث الرجل واستغاث: صاح: واغوثاه، وتقول: ضُرِب فلان فغوَّث تغويثًا، قال: واغوثاه، قال شيخنا: وقد صرَّح أئمةُ النحو بأن هذا هو أصله، ثم إنهم استعملوه بمعنى صاح ونادى طلبًا للغوث، والاسم: الغَوْث بالفتح، والغُوَاث بالضم على الأصل، وفتحه شاذ؛ أي: وارد على خلاف القياس؛ لأنه دلَّ على صوت، والأفعال الدالَّة على الأصوات لا تكون مفتوحةً أبدًا، بل مضمومة؛ كالصُّرَاخ والنُّباح، أو مكسورة؛ كالنِّداء والصِّياح، وهو قول الفراء كما نقَله الجوهري.
واستغاثني فلان فأغثتُه إغاثةً ومغوثةً، ويقال: استغثت فلانًا فما كان لي عنده مَغُوثة؛ أي: إغاثة.
قال شيخنا: قالوا: الاستغاثة: طلب الغَوْث، وهو التخليص من الشِّدة والنقمة، والعَوْن على الفَكاك من الشدائد، ولَم يتعدَّ في القرآن إلا بنفسه؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]،
وكذلك استعمله سيبويه، فلا عبرة بتخطئة ابنِ مالك للنحاةِ في قولهم: المستغاث له وبه؛ قاله الشهاب في أثناء سورة الأنفال.ويقول المضطرُّ الواقع في بلية: أغِثْني؛ أي فرِّج عني، وفي الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة، ويقال فيه: غاثهُ يَغِيثه، وهو قليل، قال: وإنما هو من الغيث لا الإغاثة.وقال ابن دريد: غاثه يغُوثه غوثًا هو الأصل فأُميتَ.وقال الأزهري: ولم أسمع أحدًا يقول: غاثه يغوثه بالواو، وعن ابن سِيدَهْ: وأغاثه الله وغاثه غوثًا وغياثًا، والأول أعلى.والاسم الغِياث بالكسر؛ حكاه ابن الأعرابي، فهو مثلَّث الأول، كما في النهاية.
وفي الصِّحاح: صارت الواوُ ياءً لكسرةِ ما قبلها، وهو موجودٌ في أصول البخاري بالرِّوايات الثلاث، وأنكر الكسرَ بعضُ أئمة اللغة؛ ولذا خلت عنه دواوين اللغة، والضم رووه عن أبي ذر، والفتح الذي هو شاذ نسبه الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري للأكثر، وقال البدر الدماميني في المصابيح: به قيده ابن الخشاب وغيره، والكسر ذكره ابن قرقول في المطالع، وشيخه القاضي عياض في المشارق، وبه صدر في اليونينية، وتبِعه أهل الفروع قاطبةً، كذا نقله شيخنا.وفي التهذيب: الغِياث: ما أغاثك الله به، والمَغاوِث: المياه، قيل: هي من الجُموع التي لا مفرد لها، والغَوِيث كأمير، وفي نسخة: والتغويث - وهو خطأ -: شدة العَدْو، يقال: إنه لذو غويث.الغويث أيضًا: ما أغثت به المضطرَّ من طعام أو نَجْدة؛ نقله الصاغاني.قد سموا غوثًا، وهو اسم يوضع موضع المصدر، مِن أغاث، وغِياثًا بالكسر، ومُغيثًا بالضم؛ انتهى.
وقال ابن الأثير:(غوث) في حديث هاجر أم إسماعيل: (فهل عندك غَواث؟!) الغَواث بالفتح كالغِياث بالكسر، من الإغاثة: الإعانة، وقد أغاثه يغيثه، وقد رُوي بالضم والكسر، وهما أكثرُ ما يجيء في الأصوات؛ كالنُّباح والنِّداء، والفتح فيها شاذ.ومنه الحديث: ((اللهم أغِثْنا)) بالهمزة من الإغاثة، ويقال فيه: غاثه يَغِيثه، وهو قليل، وإنما هو مِن الغيث، لا من الإغاثة؛ انتهى.
قال الفيروزآبادي:غوَّث تغويثًا: قال: واغوثاه، والاسم: الغَوث والغُواث بالضم، وفتحه شاذ، واستغاثني فأغثتُه إغاثةً ومغوثةً، والاسم: الغِياث بالكسر، والمغاوث: المياه، والغَويث: شدة العَدْو، وما أغثتَ به المضطرَّ من طعام أو نَجدة، وسموا: غياثًا ومغيثًا؛ انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:(وأما لفظ: الغَوث والغياث، فلا يستحق إلا لله؛ فهو غِياثُ المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثةُ بغيره، لا بملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مرسَل).الاستغاثة المطلَقة التي لا تصح إلا بالله، وهو أن يطلب من المخلوق ما لا يقدِرُ عليه إلا اللهُ تعالى؛ كإزالة المرض، والانتصار على العدو، وهداية القلب، وهذا القدر يمكن المسؤول أن يتسببَ فيه، بأن يدعو الله تعالى له، ويجيب الله دعاءه.ومِن أعظمِ المبتدعين مَن جوَّز أن يستغاثَ بالمخلوق الحي والميت في كلِّ ما يُستغاث فيه بالله عز وجل، بل من جوز أن يُسأَل الميت ويُدعَى على أي وجه كان، بل من حَمل ألفاظ الاستغاثة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم المراد بها التوسل به، وجعل توسُّل الصحابة هو توسُّلَهم بذاته، والإقسام به على الله تعالى، ولم يعلَمْ أن المراد بها التوسل بشفاعته، ومن أعظم المبتدعين مَن جعل التوحيد كفرًا، والشِّرك إيمانًا، وكفَّر مَن هو أحق بالإيمان من طائفته، ونفى الكفرَ عن طائفتِه الذين هم أحقُّ بالكفر ممن كفَّروه، فليس في علماء المسلمين مَن يقول: إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يُستغاث اللهُ فيه، ولا من يقول: إن الميتَ يستغاث به في كلِّ ما يستغاث بالله فيه، بل قول القائل: إن الأمورَ التي لا يقدر عليها إلا اللهُ تعالى لا تُطلَب إلا منه: متَّفقٌ عليه بين علماء المسلمين، وما علمتُ - إلى ساعتي هذه - أحدًا من علماء المسلمين الذين يستحقُّون الإفتاء نازَع في هذا، بل ثبت عندي عن عامة مَن بلغني كلامُه من علماء المسلمين الموافقةُ على هذا.
وعليه؛ فلا يجوز لأحد الاستغاثةُ بغيره؛ أي: الله سبحانه وتعالى، لا بملَكٍ مقرَّب، ولا نبي مرسَل، ومَن زعم أن أهل الأرض يرفَعون حوائجهم التي يطلبون بها كشفَ الضر عنهم، ونزول الرحمة بهم، إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعين إلى الأربعين، والأربعين إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغَوث - فهو كاذبٌ ضالٌّ مشرك؛ فقد كان المشركون كما أخبَر الله عنهم بقوله: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 67]، وقال: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل: 62]، فكيف يكون المؤمنون يرفَعون إليه حوائجهم بعدة وسائط من الحجَّاب، وهو القائل تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؟! وقال الخليلُ - عليه السلام - داعيًا لأهل مكة: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 37 - 41].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ * قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 127 - 139].
وقال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 9 - 12].قال ابن جزي في تفسيره: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: ﴿ إِذْ ﴾ بدلٌ من: ﴿ إِذْ يَعِدُكُمُ ﴾ [الأنفال: 7]، وقيل: يتعلَّق بقوله: ﴿ يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾ [الأنفال: 7]، أو بفعل مضمر، واستغاثتهم: دعاؤهم بالغَوْث والنصر، ﴿ مُمِدُّكُمْ ﴾؛ أي: مُكثِّركم، ﴿ مُرْدِفِينَ ﴾: مِن قولك: ردِفه إذا تبعه، وأردفته إياه: إذا أتبعته إياه، والمعنى: يتبع بعضُهم بعضًا، فمن قرأه بفتح الدال فهو اسمُ مفعول، ومن قرأه بالكسر فهو اسم فاعل، وصحَّ معنى القراءتين؛ لأن الملائكة المنزَّلين يتبع بعضهم بعضًا، فمنهم تابعون ومتبوعون، ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾: الضمير عائدٌ على الوعد، أو على الإمداد بالملائكة؛ انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: تستجيرون به مِن عدوِّكم، وتطلبون منه الغَوْث والنصرَ.﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ ﴾: مرسِل إليكم مددًا ورِدءًا لكم، ﴿ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾: قرأ أهلُ المدينة ويعقوب: ﴿ مُرْدَفِينَ ﴾ بفتحِ الدال؛ أي: أردَف الله المسلمين وجاء بهم مددًا، وقرأ الآخَرون بكسر الدال؛ أي: متتابعين، بعضُهم في إثرِ بعض، يقال: أردفته وردفته بمعنى تبعته؛ انتهى.كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار .. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار
تعليق