بسم الله الرحمن الرحيم
شهادة الإنجيل على أن عيسى عبدالله ورسوله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
استفتاح:
إن الحمدلله ، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
وبعد:
فلا شك ولا ريب عند كل مسلم أن الله سبحانه وتعالى أنزل كتاباً مقدساً على عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام، وقد سمى الله هذا الكتاب الإنجيل كما قال تعالى في سورة المائدة في القرآن الكريم: {وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
في هاتين الآيتين دليل واضح على أن الله أنزل كتابه الإنجيل على عيسى بن مريم مصدقاً لما سبقه من التوراة، وأن عيسى عليه السلام جاء مصدقاً لما في التوراة وأنزل الله عليه الإنجيل كذلك مصدقاً لما جاء في التوراة، ثم والإنجيل نزل من الله هدى ونوراً وموعظة للمتقين، وقد أمر الله النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه، ولا شك أنهم لو حكموا بما أُنزِل فيه لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوه، وذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء بكتاب مصدق لما سبقه من التوراة، والإنجيل، فالكتب الثلاثة: التوراة، والإنجيل، والقرآن كلها من الله، وكل كتاب يصدق الكتاب الذي جاء قبله.
والقرآن -بحمد الله- قد تهيأ له من أسباب الحفظ ما لم يتهيأ للتوراة، والإنجيل، ثم هو الكتاب الخاتم، لذلك كان ما فيه مهيمناً على ما سبقه؛ فهو المرجع عند الخلاف، وهو الحكم الفصل لأنه كلمة الله الختامية إلى الناس كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} الآية.
ولا شك أن الإنجيل والتوراة قد نالهما كثير من التحريف والتبديل بقصد من منافقي الديانتين، أو بغير قصد منهم، والقرآن -بحمد الله- هو كلمة الفصل، فقد جاء مكذباً اليهود فيما ادعوه، وكتبوه في التوراة من أن الله استراح في اليوم السابع من عمله الذي عمل خالقاً.. فقال تعالى في القرآن:
{ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب}.
وهذا هو اللائق بالله سبحانه وتعالى أنه لا يصيبه تعب ولا نصب: {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}..
وكذلك كذب النصارى فيما ادعوه، وكتبوه في الإنجيل أن عيسى -عليه السلام- هو ابن الله نسباً، وجزءاً، وأن اليهود قبضوا عليه، وصلبوه، وبصقوا في وجهه، وصفعوه على قفاه، وسمروا رجليه بالمسامير في خشبة الصليب، وسقوه خلاً قبل أن يموت، وكتبوا كل ذلك في الإنجيل المقدس عندهم، ولا شك أن هذا كذب، وضلال محض، فإن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته، أنجاه الله، ورفعه إلى السماء حياً، ولم يمكن منه أعداءه اليهود الذين سعوا في قتله، بل قال الله تعالى في القرآن الكريم بياناً لإجراء اليهود، وتعديداً لظلمهم وفجورهم: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم}.
وهذه الآية القرآنية قاضية أن ما زعمه النصارى في إنجيلهم من أن عيسى صلب كذب محض، وإضافة إلى الإنجيل المنزل ما ليس منه.
وهناك طريقان للتدليل على أن الأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم فيها كثير من المحَرَّفِ المكذوب، والخطأ الذي ربما وقع باجتهاد، وحسن قصد:
1- تناقض نصين بعضهما مع بعض تناقضاً كلياً يستحيل معه الجمع بينهما.
2- مخالفة صريح القرآن الكريم، وهو كتاب الله الحاكم على كل كتاب قبله.
ولا شك في أن الإنجيل الذي بيد النصارى اليوم فيه كثير من الهدى، والنور الذي يصدق القرآن الكريم، ولو أن النصارى أقاموا ما بقي في هذا الكتاب من الهدى والنور لاهتدوا إلى الحق، وآمنوا بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
هذه الرسالة:
وعملنا في هذه الرسالة الموجهة لهم، ولكل مسلم، هو إبراز وإظهار الحق الموجود في الإنجيل الذي لو أخذوا به هدوا إلى الصراط المستقيم، ومن ذلك أساس المعتقد: (بشرية عيسى عليه السلام)، وأنه عبدالله حقاً ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وروح منه، كما جاء بذلك الكتاب العزيز القرآن، ونطق بذلك سيد المرسلين، وإمام المتقين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أولى الناس بعيسى بن مريم، وأحق الناس بموالاته، ونصره وتأييده، لأن عيسى هو الرسول المبشر الأخير به، وليس بينه وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي.
ثم تبين ما في هذه الأناجيل من الاختلاف، والاضطراب، والتناقض لتبيين أن كل ما فيها ليس هو كلمة الله، وأنه المنزل المعصوم الذي لا يجوز خلافه، بل في الأناجيل التي بأيديهم ما هو ملفق مكذوب، أو منتحل قد أخطأ فيه من كتبه، وأضافه إلى كلام الله سبحانه وتعالى.
والخلاصة أن التوراة، والإنجيل ما زال فيهما كثير من الهدى، والنور الذي بقي، لم تنله يد التحريف، والتبديل، وقد أبقاه الله حجة على أهل الكتاب، ولو طبقوه لاهتدى كل منهم إلى الحق؛ فاليهود لو طبقوا التوراة، وأقاموها لآمنوا أولاً بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام الذي جاء مصدقاً لما في التوراة، عاملاً به، مؤيداً بالمعجزات من الله، والبينات الدالة على صدقه، وأمانته، ولكنهم اختلفوا في شأنه، فمنهم من آمن بعيسى، ومنهم من كفر به كما قال تعالى عنه:
{ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأبرئ الأكمه، والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، ومصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله}.
وقال أيضاً:
{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}.
فاليهود الذين آمنوا بعيسى هم الذين اتبعوا الحق، وعملوا بما جاءهم في التوراة؛ وكذلك لو أن النصارى أقاموا الإنجيل وما أوصاهم به عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لآمنوا بالقرآن، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوه، ولكن كان منهم من عرف الحق وآمن، وكان منهم من كفر فأيد الله أهل الإيمان منهم على أهل الكفر ثم بعث الله عبده ورسوله محمداً وسلطه على الكفار من أهل الكتاب فغلبوهم، وهزموهم، وأزال الله دولتهم كما قال سبحانه وتعالى:
{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} (القصص:54).
وقال سبحانه وتعالى أيضاً: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} (البقرة:146).
ولا شك أن معرفة اليهود والنصارى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه إنما كانت بما عندهم في التوراة والإنجيل من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به على لسان موسى، ولسان عيسى عليهما الصلاة والسلام كما قال تعالى لموسى:
{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}.. الآيات (الأعراف).
وكل ذلك يدل بما لا شك فيه على أن التوراة، والإنجيل أو ما يسميه النصارى (بالعهد القديم، والعهد الجديد) قد بقي فيهما من الهدى والنور، والحق ما تقوم به الحجة على أتباعهما، وما لو طبقوه لاتبعوا الحق كله، وآمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً لما معهم، ومؤيداً بالبينات من ربه، وسائراً في طريق الأنبياء الذين أرسلوا إليهم.
وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فصلاً مطولاً في هذا الموضوع في كتابه العظيم (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) بين أقوال الناس في حقيقة التوراة والإنجيل الآن فقال:
"والصحيح أن هذه التوراة، والإنجيل الذي بأيدي أهل الكتاب، فيه ما هو حكم الله، وإن كان قد بدل، وغيّر بعض ألفاظهما لقوله تعالى:
{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا، سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم عن مواضعه} (المائدة:41).
إلى قوله: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} (المائدة:43).
فعلم أن التوراة التي كانت موجودة بعد خراب بيت المقدس، بعد مجيء (بختنصر) (رداً على من يقول أن التوراة بقيت صحيحة إلى دخول بختنصر البيت المقدس وإحراقه) وبعد مبعث المسيح، وبعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فيها حكم الله.
والتوراة التي كانت عند يهود المدينة على عهد يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن قيل إنه غير بعض ألفاظها بعد مبعثه، فلا نشهد على كل نسخة في العالم بمثل ذلك، فإن هذا غير معلوم لدينا، وهو أيضاً متعذر، بل يمكن تغيير كثير من النسخ، وإشاعة ذلك عند الأتباع حتى لا يوجد عند كثير من الناس إلا ما غير بعد ذلك، ومع هذا فكثير من نسخ التوراة، والإنجيل متفقة في الغالب، إنما يختلف في اليسير من ألفاظها، فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن لا يمكن أحداً أن يجزم بنفيه، ولا يقدر أحد من اليهود، والنصارى أن يشهد بأن كل نسخة في العالم بالكتابين متفقة الألفاظ، إذا هذا لا سبيل لأحد إلى علمه، والإختلاف اليسير في ألفاظ هذه الكتب موجود في المتواتر لا يحتاج أن يحفظ في كتاب كما قال تعالى:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9).
وذلك أن اليهود قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى عهده، وبعده منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، وعندهم نسخ كثيرة من التوراة، وكذلك النصارى عندهم نسخ كثيرة من التوراة، ولم يتمكن أحد من جمع هذه النسخ، وتبديلها، ولو كان هذا ممكناً لكان ذلك من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها، وكذلك في الإنجيل قال تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} (المائدة:47).
فعلم أن في هذا الإنجيل حكماً أنزله الله تعالى، لكن الحكم هو من باب الأمر، والنهي، وذلك لا يمنع أن يكون التغيير في باب الإخبار، وهو الذي وقع فيه التبديل لفظاً، وأما الأحكام التي وردت في التوراة، فما يكاد أحد يدعي التبديل في ألفاظها" (الجواب الصحيح ج1-368،369)، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أهل التوراة أن يحكموا بما أنزل الله فيها كما قال تعالى:
{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
وكذلك قال سبحانه وتعالى:
{وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
وقال تعالى أيضاً: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم..}.
ولا شك أن أهل التوراة لو حكموا بالتوراة حقاً في العقيدة، والشريعة لآمنوا بعيسى بن مريم -عليه السلام- لأن الأمر به موجود في التوراة، وقد جاء عيسى -عليه السلام- مصدقاً، وعاملاً بما فيها ثم ناسخاً لبعض أحكامها، والنسخ موجود في كل الشرائع حتى في شريعة النبي الواحد الذي قد يبيح حكماً في وقت ما من رسالته، ثم ينزل نسخه بعد مدة، وكذلك لو أقام النصارى ما أنزل إليهم من ربهم في الإنجيل، وما أمروا أن يحكموا به من التوراة لأوصلهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتصديقه، واتباعه، فقد جاء مكملاً لما جاء به الأنبياء قبله، ومبشراً به منهم، ولا يتصور أن يأمر الله أهل الكتابين أن يحكموا بما أنزل إليهم والتوراة وجميع ما فيها مكذوب، بل لا بد وأن يكون فيهما الحجة، والحق كما قال الله سبحانه وتعالى لما جاءت اليهود لتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن يهودية، ويهودي زنيا قال: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} فحكم الله بالرجم باق في التوراة، وقد قرأه عبدالله بن سلام بمحضر من رسول الله.
وبالرغم من وقوع التحريف، ففي بعض التوراة، والإنجيل -كما أسلفنا- إلا أنه ممكن الاستدلال عليه، ومعرفته، وذلك لأنه أولاً قليل بالنسبة إلى ما لم يبدل، ثم إن ما لم يبدل قد جاء بنصوص واضحة صريحة يؤيد بعضها بعضاً ويكشف ما سواه مما دخله التحريف، والتغيير، ثم إن القرآن بحمد الله حاكم، وشاهد، ومهيمن، على ما جاء قبله من الكتب كما قال تعالى:
{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً، ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير}.
وقال تعالى أيضاً: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}.
قول شيخ الإسلام ابن تيمية أن المحرف من التوراة والإنجيل قليل يمكن معرفته:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- جواباً لمن قال:
"إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة، والإنجيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعلم الحق من الباطل، فسقط الاحتجاج بهما، ووجوب العمل بهما على أهل الكتاب، فلا يذمون حينئذ على ترك اتباعهما، والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما فيهما، واستشهد بهما في مواضع؟ (يقول شيخ الإسلام) وجواب ذلك: أن ما وقع من التبديل قليل، والأكثر لم يبدل، والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة بينة بالمقصود تبين غلط ما خالفها، ولها شواهد، ونظائر متعددة، يصدق بعضها بعضاً، بخلاف المبدل فإنه ألفاظ قليلة، وسائر نصوص الكتب يناقضها، وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا وقع في سنن أبي داود، والترمذي أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة، وكان في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين ضعف تلك، بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط، وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها" (الجواب الصحيح ج1-378).
عملنا في هذه الرسالة:
والذي فعلناه في هذه الرسالة المباركة -إن شاء الله تعالى- هو استخراج النصوص الدالة على عقيدة التوحيد من الإنجيل، وأن عيسى -عليه الصلاة والسلام- لم يكن إلا عبدالله ورسوله، وأنه خُلِق بكلمة الله (كن) كما كان شأن آدم كما قال تعالى في القرآن الكريم: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}، وأن هذه الكلمة حملها الملك (روح القدس) الذي ينزل على الأنبياء، وأنه نفخ في مريم فخلق الله من هذه النفخة عيسى -عليه السلام- كما قال تعالى:
{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً}.. الآيات.
ففي نصوص الإنجيل الموجودة الآن ما يؤيد هذه العقيدة الصحيحة بل في نصوص الإنجيل هذه العقيدة الصحيحة، وأن عيسى ما هو إلا عبد أنعم الله عليه وجعله مثلاً لبني إسرائيل كما قال تعالى: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل}.
وقد عنيت باستخراج هذه النصوص من الإنجيل الذي بأيدي النصارى الآن، وذكرت ما يؤيد ذلك من القرآن الكريم الذي جاء يصدق ما جاء في الإنجيل الحق.
هدفنا في هذه الرسالة:
1-أن تزداد إيماناً بأن الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربه، وأنه جاء بأخبار من أخبار الرسل ما كان يقرؤها، ولا اطلع عليها، وقد جاء بها كما جاءت في الكتب السابقة تماماً، وهذا من أعظم الأدلة على أنه رسول الله حقاً، وصدقاً، فإن هذا لا يُعرف من رجل أمي لم يقرأ، ولم يكتب، فلم يبق طريق يعلم به إلا الوحي.
2- دعوة أهل الكتاب أن يراجعوا الحق، ويقيموا التوراة، والإنجيل، وما جاءهم على لسان أنبيائهم الصادقين -عليهم السلام- ولا يحيدوا عنه فيزداد غضب الله عليهم، ويستمروا في درب الغواية، والضلال.
3- تقديم سلاح وحجة بأيدي المؤمنين يدافعون به عن معتقدهم، ويقيمون به الحجة على من كفر من اليهود، والنصارى، ويوقنون بأن ما جاءهم من الله في القرآن هو الحق الذي لم يشب، الذي تكفل الله بحفظه، وأنهم على الهدى الذي ارتضاه الله لعباده الصالحين، وأنهم أولى الناس بموسى، وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وأن أمتهم هي الأمة المهتدية التي أنعم الله عليها، وأن تمتلئ قلوبهم محبة لله، وإيماناً، واطمئناناً للإسلام، وهم يدعون في صلاتهم:
{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} اليهود مغضوب عليهم، والنصارى الضالون وأهل الإسلام هم الذين أنعم الله عليهم.
والحمدلله أولاً وأخيراً.
عبد الرحمن عبدالخالق
الكويت في العاشر من محرم سنة 1414هـ
تعليق