هل يدل قوله تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) على أن القرآن مخلوق ؟
السؤال:
هل هناك تعارض بين قوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الرعد:16 ، وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق ؟
الجواب :
الحمد لله
اتفق أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وأنكروا على من قال من المبتدعة : " إن القرآن مخلوق" ، وبدَّعوهم وهجروهم ، وكثير منهم كفّر من قال بهذه المقولة الضالة .
وكان من شبهات أهل البدعة على هذه الضلالة ، قول الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الرعد:16، قالوا : والقرآن شيء ، فهو مخلوق !!
وهذا استدلال باطل ، وتحريف للكلم من بعد مواضعه .
فإن القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف ؛ فصفات الخالق غير مخلوقة ، لأنها تتبع الخالق ، وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تتبع المخلوق .
وأيضاً فإن الله تعالى يقول : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) الأنعام/ 19 ، فأخبر عن نفسه بأنه " شيء " ؛ فهل يقال : الله مخلوق ؟!
فالمقصود من الآية : أن الله خالق كل شيء من المخلوقات ، لم يشركه في خلقها أحد سواه ، ولا له ند ولا شريك ، ولا معين ولا ظهير في خلقه .
وإليك طائفة من أقوال أهل العلم في الرد على هذه الشبهة :
-روى الخلال في "كتاب السنة" (5/109) عن سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ قال : " مَا يَقُولُ هَذَا الدُّوَيْبةُ ؟ - يَعْنِي بِشْرًا الْمِرِّيسِيَّ - قيل : يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.
قَالَ: " كَذَبَ ، أَخْزَاهُ اللَّهُ ، إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ٍ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَارِجٌ عن الْخَلْقِ " .
وقال ابن بطة رحمه الله :
" ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ لِيُضِلَّ بِهِ الضُّعَفَاءَ ، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ ، هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَوْ لَا شَيْءَ ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ : لَا شَيْءَ ، فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ شَيْءٌ , فَيَظُنُّ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَدْ ظَفَرَ بِحُجَّتِهِ وَوَصَلَ إِلَى بُغْيَتِهِ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ) ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ ، لِأَنَّ الْـ(كُلَّ) يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ؟!
فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّ الْكُلَّ يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، فَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ذَلِكَ ، وَأَكْذَبَكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسٌ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الْكَلِّ ، وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ شَيْءٌ ، لَا يَدْخُلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ ، كَمَا قَالَ ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) " انتهى من " الإبانة الكبرى " (6/170) .
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)الرعد:16 ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ كُلٍّ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا ، فَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ ؛ وَذَلِكَ: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُهَا الْعِبَادُ جَمِيعَهَا ، لَا يَخْلُقُهَا اللَّهُ ، فَأَخْرَجُوهَا مِنْ عُمُومِ كَلٍّ ، وَأَدْخَلُوا كَلَامَ اللَّهِ فِي عُمُومِهَا ، مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ ، بِهِ تَكُونُ الْأَشْيَاءُ الْمَخْلُوقَةُ ، إِذْ بِأَمْرِهِ تَكُونُ الْمَخْلُوقَاتُ ،
قَالَ تَعَالَى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الأعراف:54 ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا بِأَمْرٍ آخَرَ ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ ، إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَطَرْدُ بَاطِلِهِمْ : أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةً ، كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ صَرِيحُ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ عِلْمَهُ شَيْءٌ ، وَقُدْرَتَهُ شَيْءٌ ، وَحَيَاتَهُ شَيْءٌ ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي عُمُومِ كَلٍّ ، فَيَكُونُ مَخْلُوقًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 131-132) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" القرآن الكريم لا يدخل في قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)الرعد:16 ؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف.
فالله بصفاته - ومنها كلامه - خالق كل شيء ، وما سواه مخلوق ، وكما قال تعالى : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الأعراف:54؛ ففرق سبحانه بين الخلق والأمر بالعطف الذي يقتضي المغايرة بينهما ، والأمر يكون بالكلام ، قال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس:82 " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/18-19) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الجواب من وجهين:
الأول : أن القرآن كلام الله تعالى ، وهو صفة من صفات الله ، وصفات الخالق غير مخلوقة.
الثاني : أن مثل هذا التعبير (كل شيء) : عام ، قد يراد به الخاص ؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) النمل:23، وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء ؛ مثل ملك سليمان" .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (8/366) .
وراجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (10153) ، (91306) ، (197537).
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
تعليق