منهج أهل السنة في الكفر في المعين.
أولاً:
مراعاة توافر شروط الكفر في المعين، وانتفاء الموانع.
ظهر من قول المغالي أنه يسمي التكفير المطلق بـ«تكفير الأعيان المطلق، وهذا ترد عليه الأحاديث الناهية عن تعيين الكافر إلا إذا أقيمت الحجة، وهذا الاستثناء يرد الإطلاق الذي نراه من قول المغالي، فقد ورد في حديث: «إذا قال الرّجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه»، فهو نهي عن التعيين، ومثل هذا الحديث وما يشبهه في موضوعه فتح الباب أمام العقلاء من العلماء للوقوف على القول بعدم جواز تكفير المعين، مفرقين بين الوصف وبين التعيين، باحثين عن شروط معينة للتكفير، فإذا وجدت في معين فقد أقيمت الحجة عليه، ناظرين ومراعين انتفاء الموانع في المحكوم عليه بالكفر.
وهذه القيود التي وضعها العلماء كانت لعظم خطورة التكفير والغلو فيه، وقد عدّ العلماء شروطًا أربعة للتكفير تقابلها أربعٌ من الموانع؛ وهي:
الشرط الأول: توفر العلم وانتفاء الجهل.
ويكون الجهل مانعًا من التكفير بمعنى لم يبلغه العلم بأن الفعل الذي وقع فيه فعلا مكفرًا، وعند العلم به يجب أن لا يقع فيه، ولا يعذر المعرض إن تمكن من العلم.
قال القرافي: «لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أنَّ كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام، فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فسادٌ فلا يكون عذرًا»(13).
وقال البعلي: «جاهل الحكم هل هو معذورٌ أم لا؟ ثم قال: فإذا قلنا: يُعذر، فإنما محله إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّط فلا يعذر جزمًا»(14).
ويفهم من هذا أن الجهل يعتبر مانعًا لمن كان عنده أصل التوحيد، لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله.
الشرط الثاني: توفر القصد وانتفاء الخطأ.
وانتفاء الخطأ يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب: 5].
ومعنى انتفاء الخطأ أي: أن يقصد الفاعل إتيان الفعل المكفر، ولا يقصد الكفر نفسه.
ومعنى توافر القصد أن يقصد الحاكم مثلا الحكم بغير ما أنزل الله جحودًا من عند نفسه ومضاهاة لحكم الله، ورفضًا له، وسيأتي مزيد بيان لهذا الكلام.
شرط الثالث: توفر الاختيار وانتفاء الإكراه.
وانتفاء الإكراه يدل عليه قوله تعالى: ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106].
وحال الإكراه يضرب له المثل بفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما وراءك؟”، قال: شر يا رسول الله، ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير. قال: ” كيف تجد قلبك؟” قال: مطمئن بالإيمان. قال: “إنْ عادوا فعُدْ”(15).
ويقاس عليه كل فعل صدر في حال الإكراه مع الاطمئنان القلبي بالإيمان، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، بل هناك شروط للمكره وهي:
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادرًا على إيقاع ما يهدد به، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به.
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه، بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء.
4- أنْ يُظهر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه.
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ)، كأن يُقطع منه عضوٌ(16).
وعليه، فإن المسلم يبنغي أن يفرق في مسائل التكفير بين فعل الكفر، ثم العودة إلى إظهار الإسلام، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه.
الشرط الرابع: انعدام التأويل السائغ والمانع وجود التأويل السائغ.
ومعنى التأويل: وضع الدليل الشرعي في غير موضعه.
ومعنى التأويل السائغ: وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، مثل: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة.
والتأويل غير السائغ: هو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، ويكون صادرًا عن محض الرأي والهوى؛ مثل تأويل الرافضة لقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان﴾ بالحسن والحسين، وهو غيرُ مقبولٍ، ومثل هذا التأويل لا يمنع من تكفيرهم؛ لأنَّ ادعاء التأويل في لفظٍ صُراحٍ لا يُقبل(17).
وقال ابن الوزير: “لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله، كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار”(18).
وعلى هذا فإن التكفير على التعيين بالنسبة للحاكم وغيره مع وجود التأويل المستساغ في الأدلة ووقوع الاحتمالات في الدليل الواحد يمنع من التكفير.
فهذه الشروط وفي مقابلها الموانع تمنع تكفير المعين في الوقت الحاضر فلا يخرج ما يقعون فيه -فيما يبدو للبعض أو للمغالين بأنه كفر- عن واحد مما يأتي:
•خطأ في القصد.
•أو جهل بالحكم.
•أو تأويل مستساغ مع وجود التأويلات والاحتمالات الكثيرة في الأدلة والنصوص الشرعية.
•أو إكراه مسبب وله ظروف معينة مع إظهار الإسلام أصلا.
وهذه الشروط تمنع التكفير المطلق للأعيان كما سماه المغالي، وذلك لأن وجود هذه الشروط وفي مقابل كل شرط ما يمنع منه يترتب عليه ما يلي:
1- أن الفعل أو القول الذي وقع فيه المعين غير صريح في الكفر ولا يدل عليه لاحتمال الجهل أو الخطأ أو التأويل أو الإكراه.
- أن الدليل الذي استدل به المغالي على كفر المعين غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفرًا، وذلك بسبب التأويلات وتطرق الاحتمالات، كما سيتبين في الكلام على أدلة التكفير عن قريب.
««««««
وإني أرى أن المغالي تناقض من حيث:
1- قيد الإطلاق الذي دافع عنه من أن السنة لم تحذر من تكفير مطلق الأعيان، فقيده بقوله هنا: ” إنما حذَّرت –أي السنة- من تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر والشرك، أو تكفيرهم بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير”. وهذا لأن المغالي لا يستطيع أن يغفل أو يكذب ما حذرت منه السنة من خلال أحاديث التحذير من التكفير والغلو فيه، والذي نرد عليه من خلالها، وإنما بدأ الكلام بإظهار منهجه التكفيري على الإطلاق، ثم قيد بعد ذلك، فيبدو أن إظهار المنهج التكفيري أهم لديه مما في السنة ذاتها.
2- مناط الحكم بالتكفير “الشرك والكفر” الصريحان متحققًا فيهما شروط التكفير وانتفاء الموانع وذلك يتطلب دراسة الأفعال والأقوال المكفرة كما تقدم، ومناط الحكم بالتكفير لدى المغالي أن التكفير أكبر من المعاصي والذنوب، ويوصي بعدم التكفير بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير، فخصص بعدما عمم.
فكلامه حق ويهدم منهجه وهذا ما نريده، فقد أتعبنا من تناقضه هذا، فلم يتناقض الشيخ سلمان العودة مثل تناقض المغالي حتى يقول له: “فهلاَّ أشار الشيخ إلى ذلك فاستراح وأراح “،
فمن الذي أتعبنا من الفهم السقيم، المغالي أم الدكتور العوده؟.
فأستعير منه ما قاله للشيخ سلمان وأقول له: هلا أشرت إلى الشروط والموانع واعترفت بعدم التكفير مطلقًا كما يبدو منك في آخر كلامك؛ فقد قيدت ما أطلقت، وخصصت ما عممت لتستريح وتريح.
وإلا فإن تناقضك ما زال قائمًا، تطلق وتقيد وتخصص بعد عموم نافحت عنه في قضية واحدة، مبرزًا منهج التكفير كأصل لك، معرضًا عن منهج الكتاب والسنة، وهما الأصل في إجراء الأحكام على الأشخاص والأعيان.
******
المصادر والمـراجع:
(1) انظر: تاج العروس (14/60)، ولسان العرب (5/151)، ومختار الصحاح (1/239)، والتكفير في الصلاة هو: الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع. انظر: النهاية في غريب الأثر (4/188)، ولسان العرب (5/151).
(2) انظر: لسان العرب (5/146، 151)، ومختار الصحاح (1/239).
(3) انظر: تاج العروس (14/61).
(4) أخرجه أحمد (5/37، رقم: 20402)، والبخاري (5/2110، رقم: 5230)، ومسلم (3/1305، رقم: 1679)، وأبو داود (2/195، رقم: 1947) وابن حبان (13/312، رقم: 5974) عن أبي بكرة عن أبيه.
(5) انظر: النهاية في غريب الأثر (4/185).
(6) انظر: مختار الصحاح (1/239)، والمغرب في ترتيب المعرب (2/225).
(7) انظر: تاج العروس (14/61).
(8) انظر: الرد على سلمان العودة في مسألة تكفير الأعيان لأبي بصير الطرطوسي: ص 24.
(9) انظر: مجموع الفتاوى: 17/78.
(10) انظر: الرد على البكري: 1/381.
(11) انظر: مجموع الفتاوى: 12/501.
(12) انظر: مجموع الفتاوى: 35/99.
(13) انظر: مجموع الفتاوى: 3/230.
(14) انظر: الفروق (4/448).
(15) انظر: قواعده (1/58).
(16) أخرجه الحاكم في مستدركه برقم (3362)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (16673)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(17) انظر: التقرير والتحبير (2/230)، وتيسير التحرير (2/258)، وشرح التلويح على التوضيح (2/348).
(18) انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل (6/285).
(19) انظر: إيثار الحق على الخلق (1/377).
(20) حديث رقم: (5698).
(21) انظر: إحكام الأحكام: (4/76).
(22) انظر: السيل الجرار: (4/578).
أولاً:
مراعاة توافر شروط الكفر في المعين، وانتفاء الموانع.
ظهر من قول المغالي أنه يسمي التكفير المطلق بـ«تكفير الأعيان المطلق، وهذا ترد عليه الأحاديث الناهية عن تعيين الكافر إلا إذا أقيمت الحجة، وهذا الاستثناء يرد الإطلاق الذي نراه من قول المغالي، فقد ورد في حديث: «إذا قال الرّجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه»، فهو نهي عن التعيين، ومثل هذا الحديث وما يشبهه في موضوعه فتح الباب أمام العقلاء من العلماء للوقوف على القول بعدم جواز تكفير المعين، مفرقين بين الوصف وبين التعيين، باحثين عن شروط معينة للتكفير، فإذا وجدت في معين فقد أقيمت الحجة عليه، ناظرين ومراعين انتفاء الموانع في المحكوم عليه بالكفر.
وهذه القيود التي وضعها العلماء كانت لعظم خطورة التكفير والغلو فيه، وقد عدّ العلماء شروطًا أربعة للتكفير تقابلها أربعٌ من الموانع؛ وهي:
الشرط الأول: توفر العلم وانتفاء الجهل.
ويكون الجهل مانعًا من التكفير بمعنى لم يبلغه العلم بأن الفعل الذي وقع فيه فعلا مكفرًا، وعند العلم به يجب أن لا يقع فيه، ولا يعذر المعرض إن تمكن من العلم.
قال القرافي: «لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أنَّ كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام، فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فسادٌ فلا يكون عذرًا»(13).
وقال البعلي: «جاهل الحكم هل هو معذورٌ أم لا؟ ثم قال: فإذا قلنا: يُعذر، فإنما محله إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّط فلا يعذر جزمًا»(14).
ويفهم من هذا أن الجهل يعتبر مانعًا لمن كان عنده أصل التوحيد، لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله.
الشرط الثاني: توفر القصد وانتفاء الخطأ.
وانتفاء الخطأ يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب: 5].
ومعنى انتفاء الخطأ أي: أن يقصد الفاعل إتيان الفعل المكفر، ولا يقصد الكفر نفسه.
ومعنى توافر القصد أن يقصد الحاكم مثلا الحكم بغير ما أنزل الله جحودًا من عند نفسه ومضاهاة لحكم الله، ورفضًا له، وسيأتي مزيد بيان لهذا الكلام.
شرط الثالث: توفر الاختيار وانتفاء الإكراه.
وانتفاء الإكراه يدل عليه قوله تعالى: ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106].
وحال الإكراه يضرب له المثل بفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما وراءك؟”، قال: شر يا رسول الله، ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير. قال: ” كيف تجد قلبك؟” قال: مطمئن بالإيمان. قال: “إنْ عادوا فعُدْ”(15).
ويقاس عليه كل فعل صدر في حال الإكراه مع الاطمئنان القلبي بالإيمان، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، بل هناك شروط للمكره وهي:
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادرًا على إيقاع ما يهدد به، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به.
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه، بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء.
4- أنْ يُظهر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه.
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ)، كأن يُقطع منه عضوٌ(16).
وعليه، فإن المسلم يبنغي أن يفرق في مسائل التكفير بين فعل الكفر، ثم العودة إلى إظهار الإسلام، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه.
الشرط الرابع: انعدام التأويل السائغ والمانع وجود التأويل السائغ.
ومعنى التأويل: وضع الدليل الشرعي في غير موضعه.
ومعنى التأويل السائغ: وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، مثل: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة.
والتأويل غير السائغ: هو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، ويكون صادرًا عن محض الرأي والهوى؛ مثل تأويل الرافضة لقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان﴾ بالحسن والحسين، وهو غيرُ مقبولٍ، ومثل هذا التأويل لا يمنع من تكفيرهم؛ لأنَّ ادعاء التأويل في لفظٍ صُراحٍ لا يُقبل(17).
وقال ابن الوزير: “لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله، كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار”(18).
وعلى هذا فإن التكفير على التعيين بالنسبة للحاكم وغيره مع وجود التأويل المستساغ في الأدلة ووقوع الاحتمالات في الدليل الواحد يمنع من التكفير.
فهذه الشروط وفي مقابلها الموانع تمنع تكفير المعين في الوقت الحاضر فلا يخرج ما يقعون فيه -فيما يبدو للبعض أو للمغالين بأنه كفر- عن واحد مما يأتي:
•خطأ في القصد.
•أو جهل بالحكم.
•أو تأويل مستساغ مع وجود التأويلات والاحتمالات الكثيرة في الأدلة والنصوص الشرعية.
•أو إكراه مسبب وله ظروف معينة مع إظهار الإسلام أصلا.
وهذه الشروط تمنع التكفير المطلق للأعيان كما سماه المغالي، وذلك لأن وجود هذه الشروط وفي مقابل كل شرط ما يمنع منه يترتب عليه ما يلي:
1- أن الفعل أو القول الذي وقع فيه المعين غير صريح في الكفر ولا يدل عليه لاحتمال الجهل أو الخطأ أو التأويل أو الإكراه.
- أن الدليل الذي استدل به المغالي على كفر المعين غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفرًا، وذلك بسبب التأويلات وتطرق الاحتمالات، كما سيتبين في الكلام على أدلة التكفير عن قريب.
««««««
وإني أرى أن المغالي تناقض من حيث:
1- قيد الإطلاق الذي دافع عنه من أن السنة لم تحذر من تكفير مطلق الأعيان، فقيده بقوله هنا: ” إنما حذَّرت –أي السنة- من تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر والشرك، أو تكفيرهم بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير”. وهذا لأن المغالي لا يستطيع أن يغفل أو يكذب ما حذرت منه السنة من خلال أحاديث التحذير من التكفير والغلو فيه، والذي نرد عليه من خلالها، وإنما بدأ الكلام بإظهار منهجه التكفيري على الإطلاق، ثم قيد بعد ذلك، فيبدو أن إظهار المنهج التكفيري أهم لديه مما في السنة ذاتها.
2- مناط الحكم بالتكفير “الشرك والكفر” الصريحان متحققًا فيهما شروط التكفير وانتفاء الموانع وذلك يتطلب دراسة الأفعال والأقوال المكفرة كما تقدم، ومناط الحكم بالتكفير لدى المغالي أن التكفير أكبر من المعاصي والذنوب، ويوصي بعدم التكفير بالظن والمتشابهات، وبما لا يوجب التكفير، فخصص بعدما عمم.
فكلامه حق ويهدم منهجه وهذا ما نريده، فقد أتعبنا من تناقضه هذا، فلم يتناقض الشيخ سلمان العودة مثل تناقض المغالي حتى يقول له: “فهلاَّ أشار الشيخ إلى ذلك فاستراح وأراح “،
فمن الذي أتعبنا من الفهم السقيم، المغالي أم الدكتور العوده؟.
فأستعير منه ما قاله للشيخ سلمان وأقول له: هلا أشرت إلى الشروط والموانع واعترفت بعدم التكفير مطلقًا كما يبدو منك في آخر كلامك؛ فقد قيدت ما أطلقت، وخصصت ما عممت لتستريح وتريح.
وإلا فإن تناقضك ما زال قائمًا، تطلق وتقيد وتخصص بعد عموم نافحت عنه في قضية واحدة، مبرزًا منهج التكفير كأصل لك، معرضًا عن منهج الكتاب والسنة، وهما الأصل في إجراء الأحكام على الأشخاص والأعيان.
******
المصادر والمـراجع:
(1) انظر: تاج العروس (14/60)، ولسان العرب (5/151)، ومختار الصحاح (1/239)، والتكفير في الصلاة هو: الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع. انظر: النهاية في غريب الأثر (4/188)، ولسان العرب (5/151).
(2) انظر: لسان العرب (5/146، 151)، ومختار الصحاح (1/239).
(3) انظر: تاج العروس (14/61).
(4) أخرجه أحمد (5/37، رقم: 20402)، والبخاري (5/2110، رقم: 5230)، ومسلم (3/1305، رقم: 1679)، وأبو داود (2/195، رقم: 1947) وابن حبان (13/312، رقم: 5974) عن أبي بكرة عن أبيه.
(5) انظر: النهاية في غريب الأثر (4/185).
(6) انظر: مختار الصحاح (1/239)، والمغرب في ترتيب المعرب (2/225).
(7) انظر: تاج العروس (14/61).
(8) انظر: الرد على سلمان العودة في مسألة تكفير الأعيان لأبي بصير الطرطوسي: ص 24.
(9) انظر: مجموع الفتاوى: 17/78.
(10) انظر: الرد على البكري: 1/381.
(11) انظر: مجموع الفتاوى: 12/501.
(12) انظر: مجموع الفتاوى: 35/99.
(13) انظر: مجموع الفتاوى: 3/230.
(14) انظر: الفروق (4/448).
(15) انظر: قواعده (1/58).
(16) أخرجه الحاكم في مستدركه برقم (3362)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (16673)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(17) انظر: التقرير والتحبير (2/230)، وتيسير التحرير (2/258)، وشرح التلويح على التوضيح (2/348).
(18) انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل (6/285).
(19) انظر: إيثار الحق على الخلق (1/377).
(20) حديث رقم: (5698).
(21) انظر: إحكام الأحكام: (4/76).
(22) انظر: السيل الجرار: (4/578).
تعليق