الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
فإن بعض المسلمين هداهم الله هذه الأيام يحتفلون بيوم عيد الأم ويخصونه بنوع من الاهتمام والرسائل والهدايا والولائم والمناسبات والشعارات. وقد تلقوا هذا السلوك عن غيرهم وقلدوهم عن عدم بصيرة وضعف اعتزاز بدينهم وافتتانهم بكل جديد.
إنه ليس في ديننا عيد للأم قلم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا عن السلف تخصيص يوم لتكريم الأم وشكرها ومكافئتها والاحتفال بها.
إن الشارع الحكيم جعل لنا عيدين فقط عيد الفطر وعيد الأضحى نحتفل بهما وأبطل أعياد الأمم الأخرى ولم يرخص بها كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
إن الشارع نهانا أشد النهي عن الإحداث والابتداع في الدين فليس لأحد أن يخص يوما محددا يتكرر ويعود كل سنة أو شهر أو موسم يهتم به ويحتفل به ويقيم فيه فعاليات. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد). متفق عليه.
ولا ينبغي لمسلم ولا مسلمة أن يراوغ ويتلاعب فيقول أنا ما أردت الاحتفال بعيد أو ليس هذا الاحتفال يسمى عيدا أو المقصود من هذه المناسبة تكريم الأم وإظهار الفرح بها ومكافئتها على جهودها وغير ذلك من الأجوبة الركيكة والشبه الفاسدة لأن حقيقة الاحتفال بهذا اليوم يعني اتخاذه عيدا ولو لم نسميه باسمه لأنه يوم مؤقت يتكرر في كل سنة فالعبرة بالمعاني والحقائق لا بالأسماء والاصطلاحات.
ولو تأمل من يحتفل بعيد الأم وسال نفسه من أين جاءتنا هذه العادة هل من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا أم تلقفه من ثقافة الغرب بل تلقفناه منهم لأن عيد الأم في الأصل مأخوذ من احتفالات الإغريقيين بأم الآلهة ثم احتفل به الإنجليز في القرن السادس عشر بيوم الأمهات ثم انتشر في أوروبا ولما انتشرت المسيحية خارج أوروبا صارت الكنيسة تحتفل بأم الكنيسة مريم ثم مع الوقت اتحدت الفكرتان في يوم واحد يحتفل الناس بأمهاتهم وتحتفل الكنيسة بأمها ثم صار الاحتفال بعيد الأم عيدا رسميا في أميركا ثم انتشر في العالم العربي وغيره والحاصل أن هذا العيد من بدع النصارى وثقافتهم وإحياءه من التشبه بهم المنهي عنه.
والشارع الحكيم حرص في تشريعاته وآدابه على مجانبة المسلم لعادات الكفار وأعيادهم وشعائرهم وهذا مقصد جليل دلت عليه كثير من الدلائل واعتبره الفقهاء وأعملوه في كثير من تطبيقاتهم في البلاد التي يختلط فيها المسلمون بالكفار.
إنه من المؤسف أن ترى كثيرا من الناس اليوم يذوبون في ثقافة الغرب ويتأثرون بكل مستورد ثقافي ولو كان يمس ديننا وصميم عاداتنا وأعرافنا الأصيلة وتراهم متشوفون بشدة للتغيير وهذا التساهل يؤول إلى غياب الهوية الإسلامية والثقافة العربية الأصيلة واضمحلالها.
إن ديننا الحنيف السمح اعتنى بتكريم الأم وحث على برها وصلتها وحسن صحبتها سائر السنة ولم يخصص ذلك في وقت دون وقت. قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14))لقمان. وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي قال: (أمك قال: ثم من قال: أمك قال: ثم من قال أمك قال ثم من قال: أبوك). وفي صحيح ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي أنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويبر أمه، ولما كرر عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (ويحك إلزم رجليها فثم الجنة)صححه الألباني. وغير ذلك من النصوص التي دلت على عظم مكانة الأم وفضل برها وصلتها وحسن عشرتها. وروي آثار عجيبة عن السلف الصالح في برهم بأمهاتهن. وكل هذه الحفاوة والتعظيم تدل على أن دين الإسلام اعتنى عناية شديدة بالأم وكرمها حق تكريم وقدر مشقتها وصبرها وعنائها في سبيل ولادة أبنائها وتربيتهم والقيام على شؤونهم. ولا شك أنه لا يوجد دين يسامي ويضاهي ديننا في بر الأم. ومع ذلك تعجب أشد العجب ممن ترك هدي الإسلام مع كماله وروعته وصار عالة على مائدة الغرب.
إن المسلم الحق هو الذي يحتفل كل يوم ويفرح بأمه ويبذل كل ما يملك في سبيل إسعادها من سلام وسؤال وزيارة وهدية وحفاوة وطلاقة وجه وكلام رفيق ومؤانسة وقضاء حاجاتها والإنفاق عليها بالمعروف ومصاحبتها والدعاء لها في حياتها وبعد مماتها الإحسان إليها بالصدقة والدعاء وبر أحبابها. ومن أراد أن يكرم أمه ويشكرها ويهدي إليها هدية فليفعل في أي وقت من السنة وليس هناك داع للتقيد بيوم معين لأننا كمسلمين لدينا عناية طيبة ببر الأم والأب وصلة الأسرة طيلة السنة خلافا للإنسان الغربي الذي لا يبر أمه ولا يصل أسرته غالبا إلا في المناسبات المحدودة والقطيعة والجفاء نمط اجتماعي مشهور في مجتمعهم الذي يفتقد كثيرا من الروحانيات وقيم التكافل الاجتماعي.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
صيد الفوائد
تعليق