الإيمان بأشراط الساعة
لما كان اليوم الآخر مسبوقا بعلامات تدل على قرب وقوعه تسمى أشراط الساعة؛ ناسب أن نذكر أهمها؛ لأن الإيمان بها واجب، وهو من صلب العقيدة.
قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
وقال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} ؛ أي علاماتها وأماراتها، واحدها شرط بفتح الراء، وهو العلامة.
قال الإمام البغوي رحمه الله: "وكانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".
وقال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}
وقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
ولقرب وقوع يوم القيامة وتحققه، جعله سبحانه كغد:
قال تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} ، والغد هو ما بعد يومك.
وقال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} .
وروى الترمذي وصححه من حديث أنس مرفوعا: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى.
وفي "الصحيحين"عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: (إنما أجلكم فيمن مضى قبلكم من الأمم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس) . وفي لفظ: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس) .
ولما كان أمر الساعة شديدا؛ كان الاهتمام بشأنها أكثر من غيرها، ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من بيان أشراطها وأماراتها، وأخبر عما يأتي بين يديها من الفتن، ونبه أمته وحذرهم ليتأهبوا لذلك.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي؛ يواطئ اسمه اسمي) . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة.
واسم المهدي محمد بن عبد الله، من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها عدلا وقسطا.
وفي "الترمذي": أنه يخرج من خراسان.
وفي "صحيح مسلم"عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) .
وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة، وقيل: لأنه يمسح الأرض؛ أي: يقطعها، وسمي الدجال: من الدجل، وهو الخلط، يقال: دجل؛ إذا خلط وموّه، ودجال على وزن فعال من أبنية المبالغة؛ أي: يكثر منه الكذب والتلبيس، وهو يخرج في زمان المهدي.
ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف.
عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاستعاذة من فتنته في آخر كل صلاة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر؛ فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) . رواه الإمام أحمد ومسلم.
قال السفاريني: "ونزوله عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ أي: ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك عند نزوله من السماء آخر الزمان، حتى تكون الملة واحدة؛ ملة إبراهيم حنيفا مسلما...".
إلى أن قال: "وأما السنة؛ ففي "الصحيحين"وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده؛ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) الحديث. وفي مسلم عنه: (والله؛ لينزلن ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب) بنحوه. وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم تعال صلِّ بنا! فيقول لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة) .
وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة أو من لا يعتد بخلافه.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) . وثبت في الصحيح عنه: (أنه ينزل على المنارة البيضاء شرق دمشق ويقتل الدجال) . ومن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي؛ فإنه يقوم من قبره.
وأما قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت؛ إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكدلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء.
وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ؛ فقوله هنا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ؛ يبين أنه رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات.
ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني وابن عساكر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة) . وعند الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبي داود وابن جرير وابن حبان عنه: أنه يمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنوه عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ".
خروج يأجوج ومأجوج
نتكلم عن خروج يأجوج ومأجوج على ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله من ذكر هذا الحدث العظيم؛ لأن الإيمان بذلك واعتقاده واجب على المسلم.
وخروج يأجوج ومأجوج ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ ذكر ذلك السفاريني رحمه الله:
أما الكتاب؛ ففي قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}
وقال تعالى في قصة ذي القرنين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
ففي "صحيح مسلم"من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (إن الله تعالى يوحي إلى عيسى ابن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد في قتالهم؛ فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذا ماء، ويحصرون عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار) الحديث.
وفي حديث حذيفة عند الطبراني: "ويمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس".
قال الإمام النووي: "هم من ولد آدم عند أكثر العلماء".
وقال ابن عبد البر: "الإجماع على أنهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام".
، فقال عليه الصلاة والسلام- كما في "الصحيحين"- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) .
وفي "الصحيحين"من حديث زينب بنت جحش: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها، ثم استيقظ محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله! ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بين إصبعيه)
فقد دل على ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري؛ قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يفتح يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس؛ كما قال تعالى {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، فيغشون الناس، وينحاز الناس عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، فيشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقول قد كان هاهنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة؛ قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء قال ثم يهز أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مختضبة دما للبلاء والفتنة؛ فبينما هم على ذلك؛ بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو قال فيتجرد رجل منهم محتسبا، قد وطنها على أنه مقتول، فينزل، فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي يا معشر المسلمين! ألا أبشروا! إن الله تعالى قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم؛ فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء أصابته من النبات قط) .
قال الإمام ابن كثير: "وهكذا أخرجه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به، وهو إسناد جيد".
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "النهاية": "قال ابن عباس والحسن وقتادة: (تكلمهم)؛ أي: تخاطبهم مخاطبة، ورجح ابن جرير تخاطبهم؛ تقول لهم: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ، وحكاه عن علي وعطاء".
قال ابن كثير: "في هذا نظر".
وفي "صحيح مسلم"عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث إذا خرجن؛ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) .
واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب "التذكرة"" انتهى.
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: (طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال ما تذاكرون؟ قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات وذكر منها الدابة) . رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي ومسلم وأهل السنن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ولمسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة) الحديث.
ولمسلم أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (بادروا بالعمل ستا الدجال، والدخان، ودابة الأرض) الحديث.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر عن أبي حيان عن أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو؛ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى؛ فأيهما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على أثرها قريبا) .
قال الحافظ ابن كثير في "النهاية": "قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا رآها الناس؛ آمن من عليها؛ فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) . وقد أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي..."انتهى.
وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا طلعت ورآها الناس؛ آمنوا أجمعون؛ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها) .
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله فتح بابا قبل المغرب، عرضه سبعون -أو قال أربعون عاما- للتوبة، ثم لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) .
وقد جاءت أحاديث تدل على أنه في آخر الزمان تخرج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
منها الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل "السنن": "تخرج نار من قعر عدن، تسوق (أو: تحشر) الناس؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا".
ومنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستخرج نار من حضرموت (أو من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر الناس قالوا يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال عليكم بالشام) . رواه أحمد والترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات:
نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}
ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في سورة الزمر في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} وأما الاستثناء؛ فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين؛ فإن الجنة ليس فيها موت، ومتناول لغيرهم، ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله؛ فإن الله أطلق في كتابه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى آخذا بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي أم كان مما استثناه الله؟) . وهذه الصعقة قيل: إنها رابعة، وقيل: إنها من المذكورات في القرآن"انتهى.
وقال السفاريني: "واعلم أن النفخ في الصور ثلاث نفخات:
نفخة الفزع: وهي التي يتغير بها هذا العالم ويفسد نظامه، وهي المشار إليها في قوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} ؛ أي: من رجوع ومرد.
وقوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} : فسر الزمخشري في "كشافه"المستثنى في هذه الآية بمن ثبت الله قلبه من الملائكة، وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. وقيل غير ذلك. وإنما يحصل الفزع بشدة ما يقع من هول تلك النفخة...".
إلى أن قال: "النفخة الثانية: نفخة الصعق، وفيها هلاك كل شيء؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، وقد فسر الصعق بالموت...".
إلى أن قال: "والصور قرن من نور، يجعل فيه أرواح الخلائق، وقال مجاهد: كالبوق. ذكره البخاري. وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ما الصور؟ قال قرن ينفخ فيه) . قال الترمذي: حديث حسن...".
ثم قال: "النفخة الثالثة: نفخة البعث والنشور، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات تدل عليها وأخبار تشير إليها؛ كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} وقوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} ، وقوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} الآية؛ قال المفسرون: المنادي هو إسرافيل عليه السلام، ينفخ في الصور وينادي: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقيل: ينفخ إسرافيل وينادي جبريل. والمكان القريب: صخرة بيت المقدس. قال جماعة من المفسرين: وبين النفختين أربعون عاما. قال بعض العلماء: اتفقت الروايات على ذلك.
وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "ما بين النفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون عاما؟ قال: أبيت..."الحديث.
وقول أبي هريرة رضي الله عنه: "أبيت": فيه ثلاث تأويلات: أولها: امتنعت من بيان ذلك لكم. وقيل: أبيت أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقيل: نسيت. وقيل: إن سر ذلك لا يعلمه إلا الله لأنه من أسرار الربوبية.
وفي حديث أبي هريرة الطويل الذي رواه ابن جرير والطبراني وأبو يعلى في "مسنده"والبيهقي في "البعث"وأبي موسى المديني وغيرهم؛ قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل؛ فهو واضعه على فيه، شاخصا ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر قلت يا رسول الله وما الصور؟ قال القرن قلت أي شيء هو؟ قال عظيم، إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض، فينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول انفخ الفزع! فينفخ، فيفزع أهل السماء والأرض إلا من شاء الله، فيأمره فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} فيسير الله الجبال، فتمر مر السحاب، فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا، فتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح، وهي التي يقول الله {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} فتميل الأرض بالناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى {يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} فبينما هم على ذلك؛ إذ تصدعت الأرض، فانصدعت من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، ثم نظروا إلى السماء؛ فإذا هي كالمهل، ثم انشقت فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك قلت يا رسول الله! من استثنى الله تعالى في قوله {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ؛ قال أولئك الشهداء وإنما يتصل الفزع إلى الأحياء وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه، يقول الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد} ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله) الحديث".
-------------------------------------------
من كتاب الارشاد إلى صحيح الإعتقاد للشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-
قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
وقال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} ؛ أي علاماتها وأماراتها، واحدها شرط بفتح الراء، وهو العلامة.
قال الإمام البغوي رحمه الله: "وكانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".
وقال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}
وقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
ولقرب وقوع يوم القيامة وتحققه، جعله سبحانه كغد:
قال تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} ، والغد هو ما بعد يومك.
وقال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} .
وروى الترمذي وصححه من حديث أنس مرفوعا: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى.
وفي "الصحيحين"عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: (إنما أجلكم فيمن مضى قبلكم من الأمم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس) . وفي لفظ: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس) .
ولما كان أمر الساعة شديدا؛ كان الاهتمام بشأنها أكثر من غيرها، ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من بيان أشراطها وأماراتها، وأخبر عما يأتي بين يديها من الفتن، ونبه أمته وحذرهم ليتأهبوا لذلك.
ظهور المهدي:
كنا قد ذكرنا فيما سبق العلامات الكبار مجملة، والآن سنذكرها مفصلة، وأولها ظهور المهدي. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي؛ يواطئ اسمه اسمي) . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة.
واسم المهدي محمد بن عبد الله، من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها عدلا وقسطا.
خروج الدجال
المسيح الدجال والفاتن الكذاب مسيح الضلالة نعوذ بالله من فتنته؛ فقد أنذرت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أقوامها، وحذرت منه أممها، وبينت أوصافه، وحذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر، وبين أوصافه ونعته لأمته نعوتا لا تخفى على ذي بصيرة. وفي "الترمذي": أنه يخرج من خراسان.
وفي "صحيح مسلم"عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) .
وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة، وقيل: لأنه يمسح الأرض؛ أي: يقطعها، وسمي الدجال: من الدجل، وهو الخلط، يقال: دجل؛ إذا خلط وموّه، ودجال على وزن فعال من أبنية المبالغة؛ أي: يكثر منه الكذب والتلبيس، وهو يخرج في زمان المهدي.
ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف.
عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاستعاذة من فتنته في آخر كل صلاة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر؛ فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) . رواه الإمام أحمد ومسلم.
نزول عيسى ابن مريم عليه السلام
إن نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام كما دل عليه القرآن فقد أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتواتر النقل عنه بذلك، وأجمع عليه علماء الأمة سلفا وخلفا، واعتبروه مما يجب اعتقاده والإيمان به. قال السفاريني: "ونزوله عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ أي: ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك عند نزوله من السماء آخر الزمان، حتى تكون الملة واحدة؛ ملة إبراهيم حنيفا مسلما...".
إلى أن قال: "وأما السنة؛ ففي "الصحيحين"وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده؛ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) الحديث. وفي مسلم عنه: (والله؛ لينزلن ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب) بنحوه. وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم تعال صلِّ بنا! فيقول لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة) .
وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة أو من لا يعتد بخلافه.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) . وثبت في الصحيح عنه: (أنه ينزل على المنارة البيضاء شرق دمشق ويقتل الدجال) . ومن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي؛ فإنه يقوم من قبره.
وأما قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت؛ إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكدلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء.
وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ؛ فقوله هنا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ؛ يبين أنه رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات.
ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني وابن عساكر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة) . وعند الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبي داود وابن جرير وابن حبان عنه: أنه يمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنوه عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ".
خروج يأجوج ومأجوج
وخروج يأجوج ومأجوج ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ ذكر ذلك السفاريني رحمه الله:
أما الكتاب؛ ففي قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}
وقال تعالى في قصة ذي القرنين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .
ففي "صحيح مسلم"من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (إن الله تعالى يوحي إلى عيسى ابن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد في قتالهم؛ فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذا ماء، ويحصرون عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار) الحديث.
وفي حديث حذيفة عند الطبراني: "ويمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس".
قال الإمام النووي: "هم من ولد آدم عند أكثر العلماء".
وقال ابن عبد البر: "الإجماع على أنهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام".
، فقال عليه الصلاة والسلام- كما في "الصحيحين"- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) .
وفي "الصحيحين"من حديث زينب بنت جحش: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها، ثم استيقظ محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله! ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بين إصبعيه)
فقد دل على ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري؛ قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يفتح يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس؛ كما قال تعالى {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، فيغشون الناس، وينحاز الناس عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، فيشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقول قد كان هاهنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة؛ قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء قال ثم يهز أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مختضبة دما للبلاء والفتنة؛ فبينما هم على ذلك؛ بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو قال فيتجرد رجل منهم محتسبا، قد وطنها على أنه مقتول، فينزل، فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي يا معشر المسلمين! ألا أبشروا! إن الله تعالى قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم؛ فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء أصابته من النبات قط) .
قال الإمام ابن كثير: "وهكذا أخرجه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به، وهو إسناد جيد".
خروج الدابة
ذكر الله خروج الدابة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} . قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "النهاية": "قال ابن عباس والحسن وقتادة: (تكلمهم)؛ أي: تخاطبهم مخاطبة، ورجح ابن جرير تخاطبهم؛ تقول لهم: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ، وحكاه عن علي وعطاء".
قال ابن كثير: "في هذا نظر".
وفي "صحيح مسلم"عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث إذا خرجن؛ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) .
واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب "التذكرة"" انتهى.
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: (طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال ما تذاكرون؟ قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات وذكر منها الدابة) . رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي ومسلم وأهل السنن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ولمسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة) الحديث.
ولمسلم أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (بادروا بالعمل ستا الدجال، والدخان، ودابة الأرض) الحديث.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر عن أبي حيان عن أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو؛ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى؛ فأيهما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على أثرها قريبا) .
طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} قال الحافظ ابن كثير في "النهاية": "قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا رآها الناس؛ آمن من عليها؛ فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) . وقد أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي..."انتهى.
وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا طلعت ورآها الناس؛ آمنوا أجمعون؛ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها) .
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله فتح بابا قبل المغرب، عرضه سبعون -أو قال أربعون عاما- للتوبة، ثم لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) .
حشر الناس إلى أرض الشام
قال الإمام ابن كثير في "النهاية": "ثبت في "الصحيحين"من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا) .وقد جاءت أحاديث تدل على أنه في آخر الزمان تخرج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
منها الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل "السنن": "تخرج نار من قعر عدن، تسوق (أو: تحشر) الناس؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا".
ومنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستخرج نار من حضرموت (أو من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر الناس قالوا يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال عليكم بالشام) . رواه أحمد والترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
النفخ في الصور والصعق
قد تكرر ذكر النفخ في الصور في القرآن العظيم وذكر ما يحدث عند ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات:
نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}
ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في سورة الزمر في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} وأما الاستثناء؛ فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين؛ فإن الجنة ليس فيها موت، ومتناول لغيرهم، ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله؛ فإن الله أطلق في كتابه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى آخذا بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي أم كان مما استثناه الله؟) . وهذه الصعقة قيل: إنها رابعة، وقيل: إنها من المذكورات في القرآن"انتهى.
وقال السفاريني: "واعلم أن النفخ في الصور ثلاث نفخات:
نفخة الفزع: وهي التي يتغير بها هذا العالم ويفسد نظامه، وهي المشار إليها في قوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} ؛ أي: من رجوع ومرد.
وقوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} : فسر الزمخشري في "كشافه"المستثنى في هذه الآية بمن ثبت الله قلبه من الملائكة، وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. وقيل غير ذلك. وإنما يحصل الفزع بشدة ما يقع من هول تلك النفخة...".
إلى أن قال: "النفخة الثانية: نفخة الصعق، وفيها هلاك كل شيء؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، وقد فسر الصعق بالموت...".
إلى أن قال: "والصور قرن من نور، يجعل فيه أرواح الخلائق، وقال مجاهد: كالبوق. ذكره البخاري. وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ما الصور؟ قال قرن ينفخ فيه) . قال الترمذي: حديث حسن...".
ثم قال: "النفخة الثالثة: نفخة البعث والنشور، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات تدل عليها وأخبار تشير إليها؛ كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} وقوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} ، وقوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} الآية؛ قال المفسرون: المنادي هو إسرافيل عليه السلام، ينفخ في الصور وينادي: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقيل: ينفخ إسرافيل وينادي جبريل. والمكان القريب: صخرة بيت المقدس. قال جماعة من المفسرين: وبين النفختين أربعون عاما. قال بعض العلماء: اتفقت الروايات على ذلك.
وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "ما بين النفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون عاما؟ قال: أبيت..."الحديث.
وقول أبي هريرة رضي الله عنه: "أبيت": فيه ثلاث تأويلات: أولها: امتنعت من بيان ذلك لكم. وقيل: أبيت أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقيل: نسيت. وقيل: إن سر ذلك لا يعلمه إلا الله لأنه من أسرار الربوبية.
وفي حديث أبي هريرة الطويل الذي رواه ابن جرير والطبراني وأبو يعلى في "مسنده"والبيهقي في "البعث"وأبي موسى المديني وغيرهم؛ قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل؛ فهو واضعه على فيه، شاخصا ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر قلت يا رسول الله وما الصور؟ قال القرن قلت أي شيء هو؟ قال عظيم، إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض، فينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول انفخ الفزع! فينفخ، فيفزع أهل السماء والأرض إلا من شاء الله، فيأمره فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} فيسير الله الجبال، فتمر مر السحاب، فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا، فتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح، وهي التي يقول الله {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} فتميل الأرض بالناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى {يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} فبينما هم على ذلك؛ إذ تصدعت الأرض، فانصدعت من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، ثم نظروا إلى السماء؛ فإذا هي كالمهل، ثم انشقت فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك قلت يا رسول الله! من استثنى الله تعالى في قوله {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ؛ قال أولئك الشهداء وإنما يتصل الفزع إلى الأحياء وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه، يقول الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد} ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله) الحديث".
-------------------------------------------
من كتاب الارشاد إلى صحيح الإعتقاد للشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-
الملفات المرفقة
- أدلة أشراط الساعة.pdf (154.6 كيلوبايت, 15 مشاهدات)
- أدلة أشراط الساعة.docx (37.1 كيلوبايت, 13 مشاهدات)
تعليق