إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (1) من السؤال 1 الى 30

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (1) من السؤال 1 الى 30

    التوحيد والاعتقاد
    الغاية مِن خلق البشر
    السؤال (1) : فضيلة الشيخ، ما هي الغاية مِن خَلق البشر؟
    الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد : فإنه قبل أن أجيب على هذا السؤال ، أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله عز وجل ، وفيما يشرعه ، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تباركوتعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(التحريم: 2)، وقوله : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(الأحزاب: 1)، وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله عز وجل ، فيما يخلقه ، وفيما يشرعه ، أي في أحكامه الكونية والشرعية ، فإنه ما من شيء يخلقه الله عز وجل إلا وله حكمة ، وسواء كان ذلك في إيجاده أو إعدامه ، وما من شيء يشرعه الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة ، سواء كان ذلك في إيجابه ، أو تحريمه ، أو إباحته. لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي ، قد تكون معلومة لنا ، وقد تكون مجهولة ، وقد تكون معلومة لبعض الناس دون بعض ، حسب ما يأتيهم الله سبحانه وتعالى من العلم والفهم إذا تقرر هذا فإننا نقول : إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة ، وغاية حميدة، وهي عبادته تبارك وتعالى . كما قال الله سبحانه وتعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وقال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) ، وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة في خلق الجن والإنس ، وهي عبادته. والعبادة هي التذلل لله عز وجل ، محبة ، وتعظيماً بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه ، على الوجه الذي جاءت به شرائعه ، قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )(البينة: 5) فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس ، وعلى هذا فمن تمرد على ربه ، واستكبر عن عبادته ، فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق العباد من أجلها ، وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق عبثاً وسدى ، وهو وإن لم يصرح بذلك ، لكن هذا مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه.

    السؤال(2): فضيلة الشيخ ، لكن هل للعبادة مفهوم يمكن أن نعرفه ، وهل لها مفهوم عام ، ومفهوم خاص ؟
    الجواب : نعم مفهومها العام كما أشرت إليه آنفاً ، بأنها التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً ، بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، على الوجه الذي جاءت به شرائعه ، هذا المفهوم العام. والمفهوم الخاص - أعني تفصيلها - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي " اسم جامع لكل ما يجبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، كالخوف ، والخشية ، والتوكل ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، وغير ذلك من شرائع الإسلام". ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية ، أو عبادة شرعية ، بمعنى أن الإنسان قد يكون متذللاً لله سبحانه وتعالى تذللا كونيا وتذللاً شرعياً، فالعبادة الكونية عامة ، تشمل المؤمن والكافر ، والبر والفاجر، لقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93) ، فكل ما في السموات والأرض فهو خاضع لله سبحانه وتعالى كوناً ، لا يمكن أبداً أن يضاد الله ، أو يعارضه فيما أراد - سبحانه وتعالى - بالإرادة الكونية. وأما العبادة الخاصة : وهي العبادة الشرعية ، وهل التذلل لله تعالى شرعاً، فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى ، القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص ، وخاص فوق ذلك . فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، مثل قوله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ )(الفرقان: 1)، وقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)(البقرة: 23) ، وقوله : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) (ص:45)، وغير ذلك من وصف الرسل عليهم الصلاة والسلام بالعبودية.

    السؤال (3): فضيلة الشيخ ، هل يثاب من اختصوا بالعبادة الكونية عن هذه العبادة الشرعية؟

    الجواب : هؤلاء لا يثابون عليها ، لأنهم خاضعون لله تعالى شاؤوا أم أبوا فالإنسان يمرض ، ويفقر ، ويفقد محبوبه ، من غير أن يكون مريداً لذلك ، بل هو كاره لذلك ، لكن هذا خضوع لله عز وجل خضوعاً كونياً

    أول واجب على العبيد


    السؤال (4) : فضيلة الشيخ ، ما هو أول واجب على الخلق؟
    الجواب: أول واجب على الخلق ، هو أول ما يدعى الخلق إليه ، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ، فقال "إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله"(1)، فهذا أول وجب على العباد ، أن يوحدوا الله عز وجل ، وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وبتوحيد الله سبحانه وتعالى ، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، يتحقق الإخلاص والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة . فهذا هو أول ما يجب على العباد ، أن يوحدوا الله ، ويشهدوا لرسله صلى الله عليهم وسلم بالرسالة ، فشهادة أن لا إله إلا الله تتضمن التوحيد كله.

    علاقة الشهادة بأنواع التوحيد

    السؤال (5) : فضيلة الشيخ ، لكن هل تشمل الشهادة أنواع التوحيد؟
    الجواب : هي تشمل أنواع التوحيد كلها ، إما بالتضمن وإما بالالتزام ، وذلك أن قول القائل : أشهد أن لا إله إلا الله ، يتبادر إلى المفهوم ، أن المراد بها توحيد العبادة ، وتوحيد العبادة الذي يسمى توحيد الألوهية مستلزم بل متضمن لتوحيد الربوبية ، لأن كل من عبد لله وحده فإنه لن يعبده حتى يكون مقرا له بالربوبية ، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات ، لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة ، لما له من الأسماء والصفات ، ولهذا قال إبراهيم لأبيه : ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(مريم: 42)، فتوحيد العبادة ، وهو توحيد الألوهية ، متضمن لتوحيد الربوبية والأسماء والصفات .
    معنى التوحيد
    السؤال (6) : فضيلة الشيخ ، ما معنى التوحيد ؟
    الجواب : التوحيد مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء وحداً ، وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات ، نفي الحكم عما سوى الموحد ، وإثباته له فمثلاً نقول : إنه لا يتم للإنسان التوحيد ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، فينفي الألوهية عما سوى الله ، ويثبتها لله وحده ، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض ، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم ، فلو قلت مثلاً : فلان قائم ، فهنا أثبت له القيام ، لكنك لم توحده به لأنه من الجائز أن يشركه غيره في هذا القيام ، ولو قلت : لا قائم ، فقد نفيت نفياً محضا ، ولم تثبت القيام لأحد فإذا قلت : لا قائم إلا زيد أو : لا قائم إلا فلان ، فحينئذ تكون وحدت فلاناً بالقيام ، حيث نفيت القيام عمن سواه ، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع ، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .

    السؤال (7) : فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع التوحيد على سبيل الإجمال؟
    الجواب : أنواع التوحيد حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهيية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء ، والنظر في الآيات والأحاديث ، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة ، فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع .


    أنواع التوحيد

    السؤال (8) : فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع التوحيد مع التوضيح والأمثلة لذلك ؟
    الجواب : أنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل ، تدخل كلها في تعريف عام ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما يخص به ، وهي ثلاثة أنواع : توحيد الربوبية : وهو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك ، والتدبير ، فالله تعالى وحده هو الخالق ، لا خالق سواه قال الله تعالى ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَه إلا هو)(فاطر: 3)، وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17)، فالله تعالى وحده هو الخالق ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته ، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً ، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لأفعال العباد ، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) . ووجه ذلك : أن فعل العبد من صفاته ، والعبد مخلوق لله ، وخالق الشيء خالق لصفاته. ووجه آخر : أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة ، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل ، وخالق السبب التام خالق للمسبب ، فإذا قلت : كيف نقول إنه تعالى منفرد بالخلق ، مع أن الخلق قد يثبت لغير الله ، كما يدل عليه قول الله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: 14)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين : " يقال لهم أحيوا ما خلقتم (2) ، فالجواب على ذلك : أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله ، فلا يمكنه إيجاد معدوم ، ولا إحياء ميت ، وإنما خلق غير الله سبحانه وتعالى يكون بالتغيير ، وتحويل الشيء من صفة إلى أخرى ، وهو مخلوق لله عز وجل ، فالمصور مثلاً إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً ، غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء ، كما يحول الطين إلى صورة طير ، أو إلى صورة جمل ، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة ، والمداد كله من خلق الله عز وجل ، والورقة البيضاء أيضاً من خلق الله عز وجل ، فهذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة لله عز وجل ، وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق ، وعلى هذا فيكون الله تعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به . ثانياً : من توحيد الربوبية : إفراد الله تعالى بالملك ، فالله تعالى وحده هو المالك ، كما قال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ) (المؤمنون:88) ، فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده ، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية ، فقد أثبت الله تعالى لغيره الملك ، كما في قوله تعالى ( أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ)(النور: 61) ، وقوله تعالى : (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )(المؤمنون: 6)، وما أشبه ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً ، لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل ، فهو ملك قاصر ، وملك مقيد ، ملك قاصر لا يشمل ، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو ، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد ، ثم هذا الملك مقيد ، بحث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال(3). وقال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً )(النساء:5)، وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر ، وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل ، وملك مطلق ، يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون . الركن الثالث من أركان توحيد الربوبية: أن الله تعالى منفرد بالتدبير ، فهو سبحانه وتعالى الذي يدبر الخلق ، يدبر أمر السموات والأرض كما قال الله تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف: 54)، وهذا التدبير تدبير شامل ، لا يحول دونه شيء ، ولا يعارضه شيء ، والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات ، كتدبير الإنسان أمواله ، وغلمانه ، وخدمه ، وما أشبه ذلك ، هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق ، فظهر بذلك صحة قولنا : إن توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك، والتدبير ، فهذا هو توحيد الربوبية. أما النوع الثاني : فهو توحيد الألوهية، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه ، كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه ، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون ، الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم وأرضهم وديارهم ، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية والأسماء والصفات ، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد ، وهو توحيد الألوهية ، بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ، لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل ، ولا لولي صالح ، ولا لأي أحد من المخلوقين ، لأن العبادة لا تصح إلا لله عز وجل ، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر ، وإن أقر بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور ، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات ، لكن يعبد مع الله غيره ، لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، لو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه ، أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه ، فإن هذا مشرك كافر ، خالد في النار ، قال الله تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: 72). ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل ، أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم ، وسبى ذريتهم ونساءهم ، وغنم أرضهم ، كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق ، لا يشكون في ذلك ، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره ، صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال. أما النوع الثالث من أنواع التوحيد : فهو توحيد الأسماء والصفات ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فلابد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه ، على وجه الحقيقة لا المجاز ، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل. وهذا النوع من أنواع التوحيد ضلت فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة ، الذين ينتسبون إلى الإسلام على أوجه شتى ،منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوا يخرج به من الإسلام ، ومنهم متوسط ، ومنهم قريب من أهل السنة ، ولكن طريق السلف في هذا النوع من التوحيد ، هو أن يسمى الله عز وجل ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة ، بلا تحريف ، ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل. مثال ذلك : أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم ، فيجب علينا أن نؤمن بالحي على أنه اسم من أسماء الله ، ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف ، وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ، ولا يلحقها فناء ، وسمى الله سبحانه وتعالى نفسه بالسميع العليم ، فيجب علينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله ، وبالسمع صفة من صفاته ، وبأنه يسمع ، وهو الحكم ، الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة ، فإن سميعاً بلا سمع ، أو سمعاً بلا إدراك مسموع ، هذا شيء محال ، وعلى هذا فقس. مثال آخر : قال الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، فهنا قال الله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط ، وهو العطاء الواسع ، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم ، ولكن يجب علينا ألا نحاول ، لا بقلوبنا وتصوراتنا ولا بألسنتنا أن نكيف تلك اليدين ، ولا نمثلهما بأيدي المخلوقين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ويقول الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)، ويقول الله عز وجل : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) . فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ، وقد عصى الله تعالى في قوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) ، ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أيا كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لا يعلم ، وقفا ما ليس له به علم.


    أهمية توحيد الأسماء والصفات

    السؤال (9) : فضيلة الشيخ ، نريد زيادة تفصيل في القسم الأخيرة من أقسام التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات؟الجواب : الحقيقة أن هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات ، ينبغي أن يبسط فيه القول لأنه مهم ، ولأن الأمة الإسلامية تفرقت فيه تفرقاً كثيراً ، وهدى الله الذين آمنوا من السلف وأتباعهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . تقدم لنا قاعدة في هذا النوع ، وهو أنه يجب علينا أن نثبت ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات ، على وجه الحقيقة ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، وذكرنا لهذا أمثلة في أسماء الله عز وجل ، ومثالاً في صفة من صفاته وهي صفة اليدين ، وذكرنا أنه يجب فيما يتعلق بالأسماء، أن نثبت ما سمى الله به نفسه اسماً لله ، وأن نثبت ما تضمنه من صفة وما تضمنه من حكم ، وهو الأثر الذي تقتضيه هذه الصفة ، وذكرنا أنه يجب علينا أن نؤمن بما وصف الله به نفسه من الصفات على وجه الحقيقة أيضاً ، وذكرناً مثالاً وهو اليدان ، حيث أثبت الله لنفسه يدين اثنتين ، وهما ثابتتان لله على وجه الحقيقة ، لكن لا يجوز لنا أن نمثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين ، ولا أن نتصور بقلوبنا أو ننطق بألسنتنا عن كيفية هاتين اليدين ، لأن التمثيل تكذيب لقول الله عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى:11) ، وعصيان لله ، لقوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) . وأما التكييف فهو وقوع فيما حرم الله ونهى عنه ، لأن الله يقول : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)، (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) . نزيد مثالاً ثانياً في الصفات ، وهو استواء الله على تعالى على عرشه ، فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على عرشه في سبعة مواضع من كتابه ، كلها أتت بلفظ " استوى"، وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) ، وأمثالها من الآيات ، معناها علا على عرشه عز وجل علوا خاصا غير العلو العام على جميع الأكوان وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة ، فهو عال على عرشه علوا يليق به عز وجل لا يشبه علو الإنسان على السرير ، ولا علوه على الأنعام ولا علوه على الفلك ، الذي ذكره الله في قوله : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (12) (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ5 الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (13) (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف 12-14)، فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء على عرشه ، لأنه الله ، ليس كمثله شيء في جميع نعوته. وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال : إن معنى " استوى على العرش" استولى على العرش ، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، ومستلزم للوازم باطلة ، لا يمكن للمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة إلى الله عز جل ، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك، كما قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3)، وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (193) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (194) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:193-195) ، ومقتضى هذه الصيغة " استوى على كذا" في اللغة العربية : العلو والاستقرار ، بل هو معناها المطابق للفظ. فمعنى " استوى على العرش" أي علا عليه علو خاصا يليق بجلاله وعظمته ، فإذا فسرناه باستولى فقد حرفنا الكلم عن مواضعه ، حيث أخرجنا هذا المعنى الذي تدل عليه اللغة - لغة القرآن وهو العلو إلى معنى الاستيلاء ، ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى ، إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك . وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف ما يخالف ظاهره ، أو لم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره ، فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه ، ولهذا لو قال لنا قائل : هل عندكم لفظ صريح بأن السلف فسروا استوى بمنى علا ، قلنا : نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً ، فإن الأصل فيما يدل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة والنبوية ، أنه باق على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى. أما اللوازم الباطلة التي تلزم على تفسيرنا الاستواء بمعنى الاستيلاء ، فإننا إذا تدبرنا قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف:54)، وقلنا "استوى" بمعنى "استولى" لزم من ذلك أن يكون العرش قبل خلق السموات والأرض ليس ملكاً لله عز وجل ، لأنه قال : خلق ثم استوى ، فإذا قلت : أي " ثم استولى" لزم من ذلك أن يكون العرش ليس ملكاً لله سبحانه وتعالى قبل خلق السموات والأرض ، ولا حين خلق السموات والأرض ، وأيضاً يلزم منه أن يصح التعبير بقولنا : "إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته - نقدره أو نقوله - وهذا لا شك أنه معنى باطل لا يليق بالله عز وجل ، فتبين بهذا أن تفسير الاستواء بالاستيلاء فيه محظوران: أحدهما : تحريف الكلم عن مواضعه . والثاني : أن يتصف الله عز وجل بما لا يليق به.
    الواجب تجاه كل نوع من أنواع التوحيد

    السؤال (10): فضيلة الشيخ ، ما هو الواجب علينا نحو كل نوع منها على حدة؟
    الجواب: الواجب علينا أن نعتقد ما يتضمنه كل نوع ، وأن نوحد الله عز وجل بما يقتضيه هذا النوع من المعاني .


    خطر عبادة غير الله

    السؤال (11) : فضيلة الشيخ ، ما حكم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه؟
    الجواب : هذه ربما يفهم الجواب مما سبق آنفاً حيث قلنا :إن توحيد العبادة إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، بأن لا يتعبد أحد لغير الله تعالى بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب به الإنسان إلى ربه ، لأن الله تعالى أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)، وكل قربة فهي عبادة ، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له ، وتذللاً ، وتقرباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه عز وجل ، كان مشركاً بالله سبحانه وتعالى ، وإذا كان مشركاً فإن الله تعالى قد بين أن المشرك حرم الله عليه الجنة وأن مأواه النار. وبناء على ذلك نقول : إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذين يزعمونهم أولياء - شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء : أن يتوبوا إلى الله عز وعجل مما صنعوا ، وإذا تابوا إلى الله ، وجعلوا الذبح لله وحده ، كما يجعلون الصلاة لله وحده ، والصيام لله وحده ، فإنهم يغفر لهم ما قد سبق ، كما قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (لأنفال:38)، بل إن الله سبحانه وتعالى يعطيهم فوق ذلك ، فيبدل الله سيئاتهم حسنات، كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:68-70). فنصيحتي لهؤلاء الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم ، أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك ، وأن يرجعوا إليه ، وأن يبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ، فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين .


    معنى الشهادتين

    السؤال (12) : فضيلة الشيخ ، ما معنى الشهادتين ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟
    الجواب : الشهادتان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، هما مفتاح الإسلام ، ولا يمكن الولوج إلى الإسلام إلا بهما ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله(4). فإما الكلمة الأولى : وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه ، بأنه لا معبود إلا الله عز وجل ، لأن إله بمعنى مألوه ، والتأله : التعبد والمعنى : أنه لا معبود إلا الله تعالى وحده. وهذا الجملة تشتمل على نفي وإثبات ، فأما النفي ففي قوله "لا إله"، وأما الإثبات ففي قوله :"لا إله ، و"الله" بدل من الخبر المحذوف خبر "لا" لأن التقدير : "لا إله حق إلا الله". فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل ، وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ، ونفي العبادة عما سواه ، وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق"، يتبين الجواب عن الإشكال الذي (يورده) كثير من الناس وهو كيف تقولون : "لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله . سماها الله آلهة ، وسماها عابدوها آلهة . فقال الله تبارك وتعالى : ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ )(هود:101)، وقال تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)(الاسراء: 39)، وقال تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)(القصص: 88)، فكيف يمكن أن نقول "لا إله إلا الله"، مع ثبوت الألوهية لغير الله عز وجل ، وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله والرسل يقولون لأقوامهم : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )(الأعراف: من الآية59). والجواب على هذا الإشكال : يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول : هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة ، لكنها آلهة باطلة ، ليست آلهة حقة ، وليس لها من حق الألوهية شيء ، ويدل لذلك قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان:30)، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (19) (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (20) (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) (21) (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (22) (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )(النجم: 19-23)، وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (يوسف:40) ، إذن فمعنى لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله عز وجل ، فأما المعبودات سواه ، من الرسول ، أو الملائكة ، أو الأولياء ، أو الأحجار ، أو الأشجار ، أو الشمس ، أو القمر ، أو غير ذلك فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة ، أي ألوهية باطلة . بل الألوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل .



    معنى شهادة أن محمداً رسول الله
    السؤال (13): فضيلة الشيخ ، هذا معنى شهادة لا إله إلا الله ، فما معنى شهادة أن محمداً رسول الله ؟
    الجواب : أما معنى شهادة أن محمداً رسول الله ، فهو الإقرار باللسان ، والإيمان بالقلب ، بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق ، من الجن والإنس ، كما قال الله تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) وقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)، ومقتضى هذه الشهادة: أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر ، وأن تمتثل أمره فيما أمر ، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر ، وألا تعبد الله إلا بما شرع ، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً : ألا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقا من الربوبية وتصريف الكون ، أو حقا في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله ، كما قال الله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام:50). فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به ، وقال الله تعالى (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجـن:21،22)، وقال الله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:188)، فهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وبهذا المعنى نعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين ، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه أن ننزله المنزلة التي أنزله الله تعالى ، وهو أنه عبد الله ورسوله .


    الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب
    السؤال (14) : فضيلة الشيخ ، لكن ما الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب ، وهل يلزم الجمع بينهما ؟
    الجواب :
    نعم ، الفرق بين الاعتراف بالقلب واللسان ظاهر ، فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين ، فالمنافقون يقول الله عنهم : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) (المنافقون:1)، لكن قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)(المنافقون: 1)، هؤلاء اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم ، وقد يعترف الإنسان بقلبه، لكن لا ينطق به ، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهراً ، أما فيما بينه وبين الله فالعلم عند الله ، أو فحكمه إلى الله ، لكنه في الدنيا لا ينفعه ، ولا يحكم بإسلامه مادام لا ينطق بلسانه ، اللهم إلا أن يكون عاجزاً عن ذلك ، عجزاً حسيا أو حكميا ، فقد يعامل بما تقتضيه حاله ، فلابد من الاعتراف بالقلب واللسان .



    شبهة وجوابها

    السؤال (15): فضيلة الشيخ ، الذي جرنا إلى هذا السؤال أن هناك فريقاً من الناس الآن إذا دعي أحدهم إلى العبادة قال : إن الله رب قلوب ، وهذا أيضاً الذي نريد التعليق عليه؟
    الجواب : نعم نحن نقول : إن الله رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط ، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب"(5)، وهذا الحديث يبطل كل دعوى يدعيها بعض الناس ، إذا نصحته في أمر من الأمور مما عصى الله به قال لك : "التقوى هاهنا"(6)ويشير إلى صدره ، وهي كلمة حق أريد بها باطل ، والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام ، لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلاً ، ألا ترى إلى قول الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )(الأنعام: 148)، فهم قالوا : لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوه ، فلو شاء الله ما أشركوا ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقا ، بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم ، ورفع العقوبة عنهم ، ولهذا قال الله تعالى : ( كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا )(الأنعام: 148)، فلم ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أردوا به الاستمرار على شركهم ، ورفع اللوم عنهم والعقوبة أما الواقع فإنه كما قالوا : "لو شاء الله ما أشركوا" كما قال الله تعالى لنبيه : (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (106) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) (الأنعام: 106-107) لكن هناك فرق بين الحالين ، فالله قال لنبيه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) ليبين أن شركهم واقع بمشيئته ، وأن له حكمة - سبحانه وتعالى - في وقوع الشرك منهم ، وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى . فالمهم أن هذا الذي قال حينما نصحته : " التقوى هاهنا"قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً ، فالذي قال : " التقوى هاهنا" هو النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الذي قال "التقوى هاهنا" هو الذي قال : ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله" ، فإذا كان في القلب تقوى ، لزم إن يكون في الجوارح تقوى . والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن .


    مفهوم الإيمان


    السؤال(16): فضيلة الشيخ، ما هو مفهوم الإيمان وأركانه بصورة مختصرة؟
    الجواب : الإيمان له مفهومان : مفهوم لغوي ، وهو الإقرار بالشيء والتصديق به ، ومفهوم شرعي ، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فلا يكفي في الشرع أن يقر الإنسان بما يجب الإيمان به حتى يكون قابلاً ومذعناً ، فمثلاً : لو أقر الإنسان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف أنه رسول الله ، لكن لم يقبل ما جاء به ، ولم يذعن لأمره ، فإنه ليس بمؤمن . ولهذا يوجد من المشركين من اعترفوا ، وأقروا للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، لكنهم لم ينقادوا له ولم يذعنوا ، بل بقوا على دين قومهم ، فلم ينفعهم هذا الإقرار المجرد عن القبول والإذعان ، فالإيمان في الشرع أخص من الإيمان في اللغة ، وقد يكون الإيمان في الشرع أعم من الإيمان في اللغة ، فالصلاة مثلاً من الإيمان شرعاً ، كما قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)(البقرة: 143) أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، لكنها في اللغة لا تسمى إيماناً ، لأنها عمل ظاهر ، والإيمان في اللغة من الأمور الباطنة. إذن فإذا أردنا أن نعرف الإيمان الشرعي نقول فيه : هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فإن لم يكن مستلزماً لذلك فليس بإيمان شرعاً .


    علاقة هذا المفهوم بحديث جبريل عليه السلام


    السؤال (17): فضيلة الشيخ ، هل هذا المفهوم هو المفهوم الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حينما سأله عن الإيمان؟
    الجواب : نعم لأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الحقيقي يستلزم القبول والإذعان، فمن قال : إنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولكن لم يقبل ولم يذعن ، لم ينفعه هذا القول ، ولا الإيمان الذي في قلبه أيضاً ، فلابد أن يقبل ويذعن. السؤال (18): فضيلة الشيخ ، لكن إذا سئل الإنسان عن الإيمان هل يقول هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، أو يقول : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب : نحن نقول إنها القبول والإذعان ، وإذا قلنا بهذا وأراد السائل أن نفصل نقول : تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ثم إن تفصيل الإيمان الذي أشرنا إليه يشمل الدين كله.

    مفهوم الإيمان وأركانه


    السؤال (19): فضيلة الشيخ ، نريد أن نتوسع في مفهوم الإيمان ، وكذلك نريد أن نعرف أركان الإيمان ؟
    الجواب : كنا تكلمنا عن التعريف الذي أشرنا إليه والتعريف الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ، التعريف الذي أشرنا إليه هو تعريف عام يشمل الدين كله ، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، وهو الذي يتكلم عليه العلماء في الأصول ، في كتب العقائد ، أما ما جاء في حديث جبريل ، فإنه مفهوم خاص للإيمان ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام وبينه له ثم سأله عن الإيمان الذي هو العقيدة الباطنة . والإسلام هو الأعمال الظاهرة ، وإلا فلا يشك أحد أن اعتقاد الإنسان بأنه لا إله إلا الله هو من الإيمان بلا شك ، لكنه لما كان قولاً صار من الأعمال الظاهرة ، التي هي الصلاة والزكاة والصوم والحج. والأركان التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام ستة كما هي معلومة ، قال عليه الصلاة والسلام في جوابه لجبريل: "الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(7)، ونتكلم على هذه الأركان الستة لأهميتها : أما الإيمان بالله : فإنه يتضمن أربعة أمور : الإيمان بوجوده ، والإيمان بربويته ، والإيمان بألوهيته ، والإيمان بأسمائه وصفاته . أما الإيمان بوجوده : فهو الإقرار التام بأن الله سبحانه وتعالى موجود ، ولم يفه أحد بإنكار وجود الله عز وجل إلا على سبيل المكابرة ، وإلا فإن كل عاقل لا يمكنه أن يدعي بأن هذا الكون خلق أو جاء صدفة، أو جاء من غير موجد ، لأن هذا ممتنع باتفاق العقلاء ، فالإيمان بوجوده أو بعبارة أصح وجود الله عز وجل دلت عليه جميع الأدلة ، العقلية ، والفطرية ، والحسية ، والشرعية ، هذه الأشياء الأربعة كلها دلت على وجود الله عز وجل . أما الدليل العقلي : فإننا نشاهد هذا الكون في وجوده ، وفيما يحدث فيه من أمور لا يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين ، وجود هذا الكون ، السموات والأرض وما فيهما، من النجوم ، والجبال ، والأنهار ، والأشجار ، والناطق ، والبهيم ، وغير ذلك ، من أين حصل هذا الوجود؟ هل حصل هذا صدفة؟ أو حصل بغير موجد؟ أو أن هذا الوجود أوجد نفسه؟ هذه ثلاثة احتمالات لا يقبل العقل شيئاً رابعاً، وكلها باطلة إلا الاحتمال الرابع ، الذي هو الحق . فأما كونها وجدت صدفة فهذا أمر ينكره العقل وينكره الواقع ، لأن مثل هذه المخلوقات العظيمة لا يمكنك أنت أن توجدها هكذا صدفة ، كل أثر لابد له من مؤثر وكون هذه المخلوقات العظيمة بهذا النظام البديع المتناسق ، الذي لا يتعارض ، ولا يتصادم ، لا يمكن أن يكون صدفة ، لأن الغالب فيما وقع صدفة ، أن تكون تغيراته غير منتظمة ، لأنه كله صدفة. وأما كون هذا الوجود أوجد نفسه ، فظاهر الاستحالة أيضاً ، لأن هذا الوجود قبل أن يوجد ليس بشيء ، بل هو عدم ، والعدم لا يمكن أن يوجد معدوماً . وأما كونه وجد من غير موجد فهو بمعنى قولنا إنه وجد صدفة ، وهذا كما سبق مستحيل. بقي أن نقول : إنه وجد بموجد وهو الله عز وجل ، كما قال الله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (35) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:35-36)، إذا فهذا الكون دل عقلاً على وجود الله عز وجل . وأما دلالة الفطرة : على وجود الله فأظهر من أن تحتاج إلى دليل ، لأن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، قال النبي عليه الصلاة والسلام : "كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"(8)، ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة وهذا الشيء مهلك له ، لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر : يا الله ، أو يا رب ، أو ما أشبه ذلك ، مما يدل على أن الغريزة الفطرية جبلت على الإيمان بوجود الله عز وجل . وأما دلالة الحس على وجود الله ، فما أكثر ما نسمع من إجابة الله تعالى للدعاء ، ومن إجابة الدعاء للإنسان نفسه ، كم من إنسان دعا الله وقال : يا رب ، فرأى الإجابة نصب عينه ، ففي القرآن أمثلة كثيرة من هذا مثل قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (:83) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ )(الأنبياء: 83-84)، وفي السنة أمثلة كثيرة أيضاً ، ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : "اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، الله أغثنا"، وكانت السماء صحوا ليس فيها شيء من السحاب ، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً حتى دخل رجل من الجمعة الثانية ،فقال : يا رسول الله تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله أن يمسكها عنا . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ، وجعل يقول : "اللهم حوالينا ولا علينا"(9) ويشير بيده فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله ، فخرج الناس يمشون في الشمس . وكم من دعاء دعا به الإنسان ربه فوجد الإجابة ، وهذا دليل حسي على وجود الله عز وجل. أما الدليل الشرعي : فأكثر من أن يحصر ، كل القرآن ، وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الحكمية والخبرية ، فإنه دال على وجود الله عز وجل ، كما قال الله تعالى في القرآن العظيم : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، هذا أحد ما يتضمنه الإيمان بالله وهو الإيمان بوجوده . أما الإيمان بربويته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ، فقد سبق القول المفصل فيها ، حين تكلمنا على أنواع التوحيد الثلاثة .


    كيف نرد على الدهريين


    السؤال (20): لكن نجد الدهريين مثلاً وهم كثير الآن وهم من العقلاء ، لأنهم يفكرون وينتجون ، لكنهم يجمعون على عدم وجود الله عز وجل ، فكيف يرد على مثل هؤلاء؟
    الجواب : أولاً : أريد أن أعلق على قولك أنهم عقلاء ، فإن أردت بالعقل عقل إدراك فنعم هم عقلاء يدركون ويفهمون ، وإن أردت بذلك عقل الرشد ، فليسوا بعقلاء ، ولهذا وصف الله الكفار بأهم صم بكم عمي فهم لا يعلقون ، لكنهم عقلاء عقل إدراك ، تقوم به الحجة عليهم ، وهم إذا قالوا ذلك ، فإنما يقولون هذا مكابرة في الواقع ، وإلا فهم يعلمون أن الباب المنصوب لا يمكن أن يصنع نفسه، ولا يمكن أن ينصب نفسه ، يعرفون أن هذا الباب لابد له من نجار، أو حداد أقامه ، ولابد له من بناء ركبه ، بل يعلمون أن الطعام الذي يأكلونه ، والماء الذي يشربونه ، لابد له من مستخرج ، ولابد له من زارع ، وهم يعلمون أيضاً أنه ليس بإمكان أي أحد من الناس أن يكون هذا الزرع ، أو ينبت هذه الحبة ، حتى تكون زرعاً له ساق وثمر . فهم يعلمون ذلك ، ويعلمون أن هذا ليس مما يقدر عليه البشر ، ولكنهم يكابرون ، والمكابر لا فائدة من محاجته ، ولا يمكن أن يقبل أبداً مهما كان ، لو تقول له : هذه الشمس وهي أمامه ما قبل ، فمثل هؤلاء تكون المجادلة معهم مضيعة وقت ، وتكون دعوتهم كما قال بعض أهل العلم بالمجالدة لا بالمجادلة.

    الإيمان وأركانه


    السؤال (21): فضيلة الشيخ ، بقي معنا أن نحدد أركان الإيمان ؟
    الجواب : الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤمن بالله ، وملائكته ،" تكلمنا عن الإيمان بالله ، أما الإيمان بالملائكة وهم عالم الغيب خلقهم الله عز وجل من نور ، وجعلهم طوع أمره (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم:6)، وهم على أصناف متعددة ، في أعمالهم ، ووظائفهم ، ومراتبهم ، فجبريل عليه الصلاة والسلام موكل بالوحي ، ينزل بوحي الله تعالى على رسل الله ، كما قال الله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (193) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (194) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:193-195)، وقال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ )(النحل: من الآية102)، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين ، رآه مرة على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق(10). وميكائيل أحد الملائكة العظام ، وقد وكله الله عز وجل بالقطر والنبات ، القطر : المطر ، والنبات : نبات الأرض من المطر . وإسرافيل من الملائكة العظام ، وقد وكله الله عز وجل بالنفخ في الصور ، وهو أيضاً أحد حملة العرش العظيم ، وهؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في استفتاح صلاة الليل ، يقول صلى الله عليه وسلم في استفتاح صلاة الليل: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم(11). وذكر هؤلاء الثلاثة لأن كل واحد منهم موكل بما يتضمن الحياة ، والبعث من النوم يعتبر حياة ، فهؤلاء الثلاثة هم أفضل الملائكة فيما نعلم ، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض أرواح الأحياء ، ومنهم ملكان موكلان بالإنسان يحفظان أعماله ، عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ومنهم ملائكة موكلون بتتبع حلق الذكر ، ومن أراد المزيد من ذلك فليراجع ما كتبه أهل العلم في هذا.

    الإيمان بالملائكة


    السؤال (22): فضيلة الشيخ ، هل بقي شيء يتعلق بالإيمان بالملائكة تريدون أن تتحدثوا عنه أم ننتقل إلى بقية الأركان؟
    الجواب : بقي من الركن الثاني وهو الإيمان بالملائكة أن الإيمان بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يكون إجمالاً ويكون تفصيلاً ، فما علمناه بعينه وجب علينا أن نؤمن به بعينه ونفصل ، نقول : نؤمن بالله ، نؤمن بجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، ومالك خازن النار ، وما أشبه ذلك. وما لم نعلمه بعينه فإننا نؤمن به إجمالاً ، فنؤمن بالملائكة على سبيل العموم ، والملائكة عدد كبير لا يحصيهم إلا الله عز وجل ، قال النبي عليه الصلاة والسلام "البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم"(12) ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه : " ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد"(13) ، ولكننا لا نعلم أعيانهم ووظائفهم وأعمالهم إلا ما جاء به الشرع ، فما جاء به الشرع على وجه التفصيل ، من أحوالهم وأعمالهم ووظائفهم ، وجب علينا أن نؤمن به على سبيل التفصيل ، وما لم يأت على سبيل التفصيل ، فإننا نؤمن به إجمالاً . وهؤلاء الملائكة الذين لهم من القدرة والقوة ما ليس للبشر من آيات الله عز وجل ، فيكون في الإيمان بهم إيمان بالله سبحانه وتعالى وبقدرته العظيمة ، وعلينا أن نحب هؤلاء الملائكة ، لأنهم مؤمنون ، ولأنهم قائمون بأمر الله عز وجل ، ومن كان عدوا لأحد منهم ، فإنه كافر ، كما قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (البقرة:97)، فالمهم أن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام علينا أن نحبهم ، لأنهم عباد لله تعالى ، قائمون بأمره ، وأن لا نعادي أحداً منهم .

    الإيمان بالكتب


    السؤال (23): فضيلة الشيخ ، بقي الركن الثالث من أركان الإيمان ؟
    الجواب : الركن الثالث هو الإيمان بكتب الله عز وجل ، كتب الله التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام ، فإن ظاهر القرآن يدل على أنه ما من رسول إلا وأنزل الله معه كتاباً ، كما قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد:25)، وقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )(البقرة: 213) . وهذه الكتب طريق الإيمان بها أن نؤمن بها إجمالاً ، وما علمناه بعينه نؤمن به بعينه ، فالتوارة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن الكريم ، هذه معلومة لنا بعينها، فنؤمن بها بعينها وما عدا ذلك نؤمن به إجمالاً ، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولكن كيف نؤمن بهذه الكتب ؟ نقول : ما صح نقله منها إلينا من الأخبار وجب علينا تصديقه بكل حال ، لأنه من عند الله ، وأما أحكامه ، أي ما تضمنته هذه الكتب من الأحكام ، فلا يلزمنا العمل إلا بما جاء في القرآن الكريم ، وأما ما نقل إلينا منها ولم نعلم صحته ، فإننا نتوقف فيه حتى يتبين لنا صحته ، لأن هذه الكتب دخلها التحريف ، والتبديل ، والتغير والزيادة والنقص .

    الإيمان بالرسل


    السؤال (24) : فضيلة الشيخ ، هذا بالنسبة للركن الثالث ، فما قولكم في الركن الرابع الذي هو الإيمان بالرسل ؟
    الجواب : الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام يكون بأن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسلاً منهم ، يتلون عليهم آيات الله ويزكونهم ، وأن هؤلاء الرسل أولهم نوح عليه الصلاة والسلام ، وأخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ، وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا : إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(النساء: 163)، وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة : أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له : أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض(14)، فلا رسول قبل نوح ، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، لقول الله تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(الأحزاب: 40). فأما نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان فإنه لا ينزل على أنه رسول مجدد ، بل ينزل على أنه حاكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81). وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم ، كما صح ذلك عن ابن عباس وغيره ، فالمهم أن نؤمن بالرسل على هذا الوجه ، بأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكيفية الإيمان بهم :أن ما جاء من أخبارهم وصح عنهم نؤمن به ونصدق ، لأنه من عند الله عز وجل ، وأما الأحكام فلا يلزمنا أتباع شيء منها ، إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما اقتضته شريعته. أما بالنسبة لأعيان هؤلاء الرسل ، فمن سماه الله لنا ، أو سماه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجب علينا الإيمان به بعينه ، وما لم يسم فإننا نؤمن به على سبيل الإجمال ، كما قلنا ذلك في الكتب وفي الملائكة.

    الإيمان باليوم الآخر


    السؤال (25): فضيلة الشيخ ، كيف يكون الإيمان بالركن الخامس وهو اليوم الآخر؟
    الجواب : الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بقيام الساعة ، وسمي يوماً آخر ، لأنه ليس بعده يوم ، فإن الإنسان كان عدماً ، ثم وجد في بطن أمه ، ثم وجد في الدنيا ، ثم ينتقل إلى البرزخ، ثم يوم القيامة ، فهذه أحوال خمس للإنسان ، (هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان:1)، هذه الحال الأولى أنه ليس شيئاً مذكوراً ، ثم وجد في بطن أمه ،ثم خرج(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا)(النحل: 78)، ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل ، ثم ينتقل إلى الآخرة في برزخ بين الدنيا وقيام الساعة ، فالإيمان باليوم الآخر يدخل فيه- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية - الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فيؤمن الإنسان بفتنة القبر ، ونعيم القبر وعذابه، ويؤمن بقيام الساعة ، بالنفخ في الصور ، بالحساب ، بالميزان ، بالحوض المورود ، بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إما في كتاب الله ، أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، مما يكون بعد الموت. ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر ، وهي أن الميت إذا دفن أتاه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه ، فأما المؤمن فيثبته الله تعالى بالقول الثابت ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد ، وأما غير المؤمن فإنه يقول : هاه هاه، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى يوم القيامة ، فمن كان من غير المسلمين ، فهو في عذاب إلى يوم القيامة ، ومن كان من عصاة المؤمنين ، فإنه قد يعذب في قبره لمدة يعلمها الله عز وجل ، ثم يرفع عنه العذاب ، وهذا العذاب أو النعيم يكون في الأصل على الروح ، ولكن قد يتألم البدن به ، كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن ، وقد تتألم النفس فيه ففي الدنيا مثلاً الضرب يقع على البدن ، والألم يقع على البدن ، والنفس قد تتأثر بذلك ، فتحزن وتغتم ، أما في القبر فالأمر بالعكس ، العذاب أو النعيم يكون على الروح ، لكن البدن لا شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم ، إما بالفرح بالنعيم ، وإما بالألم بالحزن بسبب العذاب. أما إذا قامت الساعة ، وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً ، حفاة : ليس عليهم ما يقي أقدامهم من نعال أو خفاف أو غيرها . عراة : ليس على أبدانهم ما يكسوها . غرلاً : أي غير مختونين ، فتعود الجلدة التي قطعت في الختان في الدنيا ، ليخرج الإنسان من قبره تاماً لا نقص فيه ، كما قال الله تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )(الأنبياء: 104)، ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار ، فمن دخل الجنة فهو مخلد فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فإن كان من العصاة ، فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق، إن لم تنله الشفاعة أو رحمة الله عز وجل ، ولكنه لا يخلد فيها ، وأما الكافر فإنه يخلد فيها أبد الآبدين.


    الإيمان بالقدر


    السؤال (26): فضيلة الشيخ ، بقي الإيمان بالقدر نريد أن تحدثنا عنه أثابكم الله؟
    الجواب : الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان ، والإيمان بالقدر أمر هام جداً ، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد ، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه ، وإلى يومنا هذا والناس كذلك يتنازعون فيه ، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين ، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر : أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء ، كما قال الله تعالى : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: 2)، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابع لحكمته ، وما تقتضيه هذه الحكمة من غايات حميدة ، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم. ويدور الإيمان بالقدر على الإيمان بأمور أربعة: أحدها : العلم ، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً ، أحاط بكل شيء مما مضى ، ومما هو حاضر ، ومما هو مستقبل ، سواء كان لك مما يتعلق بأفعاله عز وجل ، أو بأفعال عباده ، فهو محيط بها جملة وتفصيلا ، بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً ، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ، وقال الله تعالى :(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)، وقال تعالى :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) (ق:16)، وقال تعالى : ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: 283) ،إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى في كل شيء جملة وتفصيلاً. وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر ، من أنكرها فهو كافر ، لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين ، وطاعن في كمال الله عز وجل ، لأن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان ، وكلاهما عيب ، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله فرعون : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) (51) (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:51-52)،فهو لا يضل ، أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً ، ولا ينسى شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى. أما المرتبة الثانية : فهي الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة ، فإن الله عز وجل لما خلق القلم قال له : اكتب ، قال : ربي ، وماذا أكتب؟ قال : أكتب ما هو كائن(15). فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة ، جملة وتفصيلا، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء. وقد دل على هذه المرتبة والتي قبلها قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70)، فقال:( إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ )، أي : معلومة عند الله عز وجل (فِي كِتَابٍ) وهو اللوح المحفوظ (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ثم هذه الكتابة تكون أيضاً مفصلة أحياناً فإن الجنين في بكن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر ، يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات ، بكتب رزقه ، وأجله، وعمله ، وشقي أم سعيد ، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم(16). ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة ، كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (3) (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (4) (أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان:3-5) . أما المرتبة الثالثة : فالإيمان بأن كل ما في الكون ، فإنه بمشيئة الله ، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل ، سواء كان ذلك مما يفعله هو عز وجل ، أو مما يفعله الناس ، أو بعبارة أعم مما يفعله المخلوق ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(إبراهيم: 27) وقال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(النحل: 9) ، وقال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة)(هود:118)، وقال تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (فاطر:16) ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله عز وجل واقع بمشيئته وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253) ، وهذا النص صريح بأن أفعال العبد قد شاءها الله عز وجل، ولو شاء الله أن لا يفعل لم يفعل . أما المرتبة الرابعة في الإيمان بالقدر، فهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ، فالله عز وجل هو الخالق ، وما سواه مخلوق ، فكل شيء الله تعالى خالقه ، فالمخلوقات مخلوقة لله عز وجل ، وما يصدر منها من أفعال وأقوال ، مخلوق لله عز وجل أيضاً ، لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته ، فإذا كان الإنسان مخلوقاً، كانت الصفات أيضاً مخلوقة لله عز وجل ، ويدل لذلك قوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)، فنص الله تعالى على خلق الإنسان ، وعلى خلق عمله ، قال (وَمَا تَعْمَلُونَ) وقد اختلف الناس في "ما" هنا : هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل. هذه أربع مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها ، ونعيدها فنقول : أن تؤمن بأن الله تعالى عليم بكل شيء جملة وتفصيلاً. ثانياً: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء . ثالثاً : أن تؤمن بأن كل حادث ، فهو بمشيئة الله عز وجل . رابعاً: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء. ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب ، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع ، وهو حاصل بالقدر ، لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها ، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون ، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم ، هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة ؟ فاختلف الناس عليه ، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة ، ولما عزم على ذلك ، جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح ، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كيف ترجع إلى المدينة ، أفراراً من قدر الله؟ قال رضي الله عنه : نفر من قدر الله إلى قدر الله . وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائباً في حاجة له ، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون : " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه"(17) . الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله ، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل ، ونحن نعلم أن الرجل لو قال : أنا سأؤمن بقدر الله ، وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة ، ولو قال هذا لعد من المجانين ، كما لو قال : أنا أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق ، ولم يتخذ أي سبب للرزق ، لعد ذلك من السفه. فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة ، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك ، فهذه لا عبرة بها ، ولا يلتفت إليها. ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في الواقع ، وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل ؟ والجواب على ذلك أن يقال : لا حجة لك على المعصية بقدر الله ، لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية ، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك ، لأن الإنسان لا يعلم بالمقدور إلا بعد وقوع الشيء ، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية، أن الله قدر لك الطاعة ، فتقوم بطاعته ، وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير ، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة ، أنا لا أعتقد أن أحداً يقال له : إن لمكة طريقين : أحدهما : طريق مأمون ميسر ، والثاني : طريق مخوف صعب ، لا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق المخوف الصعب ، ويقول : إن هذا قد قدر لي ، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر ، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك : إن للجنة طريقاً وللنار طريقاً ، فإنك إذا سلكت طريق النار ، فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر ، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر ، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم ، وتدع طريق النعيم ، ولو كان للإنسان حجة بالقدر على فعل المعصية ، لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) (النساء:165).


    زيادة الإيمان ونقصانه


    السؤال (27): فضيلة الشيخ ، هل الإيمان يزيد وينقص ؟ ونود أن نعرف بأي شيء تحصل الزيادة ، وبأي شيء يحصل النقصان؟
    الجواب : هناك كلمة بقيت في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه ، لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، فإنك عند السراء تشكر الله عز وجل ، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك ، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك ، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل ، فتزداد بذلك شكراً لنعمة الله سبحانه وتعالى ، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به ، وألا ترى لنفسك فضلاً على ربك ، بل ترى المنة لله سبحانه وتعلى عليك ، قال الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17)، كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم ، ولا تندم على ذلك ، ولا يلحقك الحسرة ، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان"(18). فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب ، وعدم الحزن على ما فات ، وعدم الغم والهم لما يستقبل ، قال الله تعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (22) (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد22-23) ، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح له الشيطان كل باب ، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء، ولكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله. أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه ، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح ، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة، إقرار بالقلب ، ونطق باللسان ، وعمل بالجوارح ، وإذا كان كذلك ، فإنه سوف يزيد وينقص ، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل ، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة ، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين ، وهكذا. ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: 260)، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه ، فعندما يحضر مجلس ذكر ، فيه موعظة وذكر للجنة والنار ، يزداد إيماناً حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين ، وعندما تكون الغفلة ، ويقوم من هذا المجلس ، يخف هذا اليقين في قلبه. كذلك يزداد الإيمان من حيث القول ، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات ، ليس كمن ذكر الله مائة مرة ، فالثاني أزيد بكثير. وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل ، يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص ، وكذلك العمل ، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر، صار الثاني أزيد إيماناً من الناقص ، وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة ، أعني إثبات الزيادة والنقصان جاء في الكتاب والسنة ، قال الله تبارك وتعالى : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر:31)، وقال الله تعالى : (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (124) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:124-125)، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"(19)، فالإيمان إذن يزيد وينقص ، لكن ما سبب زيادة الإيمان ونقصانه؟ أما أسباب زيادة الإيمان فمنها : السبب الأول : معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته أزداد إيماناً بلا شك ، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه. السبب الثاني : النظر في آيات الله الكونية والشرعية ، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات- السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك - ازداد إيماناً ، قال الله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (:20) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات20-21) ، والآيات الدالة على هذا كثيرة ، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً . السبب الثالث : كثرة الطاعات ، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً ، سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية ، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية ، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية. أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك : فالجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان ، لأن الإنسان إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان. السبب الثاني : الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية ، فإن هذا يسبب نقص الإيمان ، أو على الأقل ركوده وعدم نموه. الثالث : فعل المعصية ، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب ، وعلى الإيمان ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(20). الرابع : ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان ، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر ، فهو نقص يلام عليه ويعاقب ، وإن كانت الطاعة غير واجبة ، أو واجبة لكن تركها لعذر ، فإنه نقص لا يلام عليه ، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين ، وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم ، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض ، بل هي مأمورة بذلك ، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل ، صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.

    السؤال (28): فضيلة الشيخ ، بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وأن المعصية تذهب الإيمان كله ويكفر الإنسان ، كيف يرد على هؤلاء؟
    الجواب : نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل بالنصوص من الكتاب والسنة ، وكذلك بالواقع ، فإننا نقول لهم : أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال : إن فلاناً قدم البلد اليوم ، وهذا المخبر عندكم ثقة ، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم ، فإذا جاء رجل آخر وأخبركم بذلك ، أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون : بلى يزداد إيماننا بذلك ، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ، ازددتم يقيناً أكثر ، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد ، ثم نقول : مادمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان ، فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمر معلوم لا ينكر ، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.

    إنكار أن الإيمان يزيد وينقص


    السؤال (29) : فضيلة الشيخ ، لكن ما حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟
    الجواب : هذا يرجع إلى حال المنكر ، إن كان أنكر ذلك تكذيباً وجحداً، فهو كافر لتكذيبه وجحده لما جاء به القرآن ، وإن كان تأويلاً فإن التأويل له درجات ، قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول : أنا لا أقول : إن الإيمان يزيد وينقص متأولاً ، فإنه على حسب تأويله.

    صفة الحكم بغير ما أنزل الله


    السؤال (30) : فضيلة الشيخ ، ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله؟
    الجواب : الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين : القسم الأول : أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي ، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس ، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ، ويحلون محلها القوانين الوضعية ، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله ، بل ما خالف حكم الله عز وجل ، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق ، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )(الشورى: 21) . القسم الثاني : أن تبقى أحكام الله عز جل على ما هي عليه ، وتكون السلطة لها ، ويكون الحكم منوطاً بها ، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام ، يحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا له ثلاث حالات: الحال الأولى : أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل ، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا كفر ، يخرج به الحاكم من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل ، ولم يجعل الله حكماً بين عباده. الحال الثانية: أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده ، لكنه خرج عنه ، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ، لما بينه وبينه من عداوة ، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدلاً به ، ولا اعتقاداً بأنه - أي الحكم الذي حكم به - أفضل من حكم الله أو مساو له ، أو أنه يجوز الحكم به ، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ، ففي هذه الحال لا نقول : إن هذا الحاكم كافر ، بل نقول : إنه ظالم معتد جائر. الحال الثالثة : أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله ، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل ، لكنه حكم لهوى في نفسه ، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له ، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل ، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة:44) وهذا ينزل على الحال الأولى ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة: 45) ينزل على الحال الثانية، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: 47) ينزل على الحال الثالثة. وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا ، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين ، حتى شغف بها ، وربما قدمها على حكم الله ورسوله ، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة ، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ، فمن زعم أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً ، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى رشده ، وأن يفكر في أمره .
    ----------------------------
    (1) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب أخذ الصدقة من الأغنياء ، رقم (1496)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله، رقم (19).
    (2)أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء ، رقم (2105) ، ومسلم ، كتاب اللباس ، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة رقم (2107).
    (3)
    أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب قول الله : ( لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) رقم (1477)، ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة رقم (1715).
    (4) تقدم تخريجه صفحة (14)
    (5) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، رقم (52)، ومسلم كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (1599).
    (6) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله ، رقم (2564).
    (7) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ، رقم (8).
    (8) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات ، رقم (1358)، ومسلم ، كتاب القدر ، باب معنى : كل مولود يولد على الفطرة ، رقم (2658).
    (9)
    أخرجه البخاري ، رقم (1014)، ومسلم ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، رقم (897).
    (10)
    أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ، رقم (3232، 3234)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب في ذكر سدرة المنتهى ، رقم (173).
    (11) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ، رقم (770).
    (12)
    أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، رقم (3207)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم (164).
    (13)
    أخرجه الترمذي ، كتاب الزهد ، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم .." ، رقم (2312)، وأحمد في المسند (5/173) ، وابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب الحزن والبكاء ، رقم (4190)، وقال الترمذي : حديث حسن غريب. (14) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِه)، رقم (3340)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها رقم (194).
    (15) أخرجه أحمد في المسند (5/317)، والترمذي ، كتاب القدر، رقم (2155)، وقال : غريب . وأبو داود ، كتاب السنة ، باب في القدر، رقم (4700).
    (16) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، رقم (3208)، ومسلم ، كتاب القدر ، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه ، رقم (2643).
    (17)
    أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب ما يذكر في الطاعون ، رقم (5729). ومسلم ، كتاب الطب ، باب الطاعون والطيرة...، رقم (2219).
    (18)
    أخرجه مسلم ، كتاب القدر ، باب الأمر بالقوة وترك العجز ، رقم (2664).
    (19)
    أخرجه البخاري ، كتاب الحيض ، باب ترك الحائض الصوم ، رقم (304) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات ، رقم (79، 80).
    (20) أخرجه البخاري ، كتاب الأشربة ، باب قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )(5578)، ومسلم كتاب الإيمان ، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم (57).
    إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .


  • #2
    فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (2) من السؤال 31 الى 63

    الفرق بين الظالم والفاسق


    السؤال (31) : فضيلة الشيخ ، ذكرتم في الظالم والفاسق أشياء متقاربة أو يمكن أن تكون متداخلة ، وهي أن الظالم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أن حكم الله أفضل لكنه يريد أن يتشفى من أحد فيطبق حكماً على شخص ما جاء عن الله ، والفاسق يحكم وهو يعلم بحكم الله ، ويعلم أنه هو الحكم السديد ، لكنه لمصلحته أو هوى في نفسه، أو ليوافق هوى لغيره يحكم بغير ما أنزل الله ، فما الفرق بينهما؟
    الجواب : الفرق بينهما أن الذي نصفه بأنه ظالم حكم لطلب العدوان على المحكوم عليه ، وإن لم يكن له فيه مصلحة ، ولم ينظر إطلاقاً إلى مصلحة المحكوم له ، لكن أهم شيء عنده هو الجور والظلم بالنسبة لهذا المحكوم عليه ،أما الآخر فهو نظر لمصلحة المحكوم له ، ولم يكن يشعر في نفسه أن يظلم ذلك الرجل المحكوم عليه ، ولهذا لا يفرق في المحكوم عليه بأن يكون فلاناً أو فلاناً ، لأنه إنما يريد مصلحة المحكوم له، أو يريد أن يجر إلى نفسه هو منفعة أو ما أشبه ذلك ، فهذا هو الفرق بينهما.

    حقيقة الكهانة


    السؤال (32): فضيلة الشيخ ، ما هي الكهانة؟
    الجواب : الكهانة فعالة مأخوذة من الكهن ، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها ، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء ، وتحدثهم به . ثم يأخذون الكلمة التي سمعوها بل الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ، ويضيفون إليها ما يضيفون من القول ، ثم يحدثون بها الناس ، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا ، اغتر بهم الناس ، واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم ، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل. ولهذا نقول : الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ، والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة"(21) . القسم : الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله عز وجل ، لأنه صدقة في دعوى علم الغيب ، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65)، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"(22). القسم الثالث : أن يأتي للكاهن فيسأله ، ليبين حاله للناس وأن ما يفعله كهانة وتمويه وتضليل ، فهذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن صياد أو أتاه ابن صياد فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه ، فسأله - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ماذا خبأ له ، فقال : الدخ ، يريد الدخان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اخسا ، فلن تعدو قدرك" (23) . هذه أحوال من يأتي إلى الكهان ، وهي ثلاثة ، أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه ، وبدون أن، يقصد امتحانه وبيان حاله ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين ليلة. الثانية : أن يسأله فيصدقه ، وهذا كفر بالله عز وجل ، يجب على الإنسان أن يتوب منه ، ويرجع إلى الله عز وجل ، وإلا مات على الكفر ، والحالة الثالثة : أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ، ويبين حاله للناس ، فهذا لا بأس به.

    حكم مرتادي الكهان


    السؤال (33) : فضيلة الشيخ ، حبذا أيضاً لو عرفنا أحوال الناس الذين يرتادون الكهنة والكهان ؟
    الجواب : أحوالهم ثلاثة : الحال الأولى : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله بدون أن يصدقه ، ولا يقصد بذلك بيان حاله فهذا آثم ، وعقوبته ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً. الحال الثانية : أن يأتيه فيسأله ويصدقه وهذا كافر ، لأن مكذب لقول الله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)(النمل:65). الحال الثالثة : أن يأتي إليه فيسأله ليمتحنه ، ويبين حاله للناس ودجله وافتراءه ، وقلنا : إن هذا لا بأس به ، ومن المعلوم أن الشيء الذي يكون مباحاً إذا أفضى إلى محظور فإنه يكون محظوراً ، فلو قدر أنه في هذه الحال الثالثة التي أتى إليه فيها ليمتحنه ويبين حاله أن يغتر به من يغتر من الناس ، فإنه في هذه الحال لا يفعل ولا يأتي إليه ولو لهذا القصد الصحيح ، لأن القاعدة أن ما أفضى إلى محظور فهو محظور.

    التنجيم وحكمه


    السؤال (34) : فضيلة الشيخ ، نريد أن نعرف التنجيم وحكمه؟
    الجواب : التنجيم مأخوذ من النجم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية ، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض أو ما سيقع في الأرض بالنجوم ، بحركتها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها وما أشبه ذلك ، والتنجيم نوع من السحر وهو محرم ، لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها ، فلا علاقة لما يحدث بالأرض بما يحدث في السماء ، ولهذا لما كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت أحد ، أي لموت عظيم ، فكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم رضي الله عنه ، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس حين صلى للكسوف ، وقال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"(24) ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، وهو كذلك ، وكما أنه - أي التنجيم - بهذا المعنى نوع من السحر ، فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل ، فيوقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها. هناك نوع آخر من التنجيم : وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات والأزمنة والفصول ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه ، مثل أن يقول : إنه إذا دخل النجم الفلاني فإنه يكون قد دخل موسوم الأمطار، أو قد دخل وقت نضوج الثمار ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.
    السؤال (35) : فضيلة الشيخ يعني أن هذا يكون من باب استقراء السنن الكونية؟
    الجواب :
    نعم هذا كما نقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب ، وما أشبه ذلك .

    علاقة التنجيم بالكهانة


    السؤال (36): فضيلة الشيخ ، لكن هل هناك علاقة بين التنجيم والكهانة؟
    الجواب : نعم ، العلاقة بينهما هي أن الكل مبني على الوهم والدجل ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وإدخال الهموم والغموم عليهم، وما أشبه ذلك.

    أيهما أخطر؟


    السؤال (37): فضيلة الشيخ ، لكن أيهما أخطر على المسلمين؟
    الجواب : هذا ينبني على شيوع هذا الأمر بين الناس، فقد يكون في بعض البلاد لا أثر للتنجيم عندهم إطلاقاً ، ولا يهتمون به ، ولا يصدقون به ، ولكن الكهانة منتشرة عندهم فتكون أخطر. وقد يكون الأمر بالعكس ، لكن من حيث واقع الكهانة والتنجيم فإن الكهانة أخطر وأعظم.
    حقيقة السحر

    السؤال (38): فضيلة الشيخ ، ذكرتم في حديثكم عن التنجيم أنه نوع من السحر فما هو السحر؟
    الجواب : السحر كما قال العلماء : هو عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه ، بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس ، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم والكهانة ، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : "إن من البيان لسحرا"(25)، فكل شيء يكون له أثر لكنه ليس شيئاً معلوماً - أي ذلك المؤثر فإنه نوع من السحر. السؤال (39): فضيلة الشيخ ، لكن ما المقصود باللطافة في قولكم: السحر كل ما لطف وخفي سببه؟ الجواب : اللطافة معناها الشيء الخفي اللطيف ، وضده الشيء الجليل الكبير البين فمثلاً هذا الساحر يعمل عملاً يستجلب ود المسحور ، حتى يتعلق بع تعلقاً عظيماً، أو يستجلب نفرته منه ، حتى يبغضه بغضاً عظيماً . مع أن هذا الذي سحر وحصلت له المحبة العظيمة أو النفرة العظمة لا يعرف هذا الشيء ويخفي عليه سببه.

    حكم السحر وتعلمه


    السؤال (40): فضيلة الشيخ ، ما حكم السحر وما حكم تعلمه؟
    الجواب : تعلم السحر محرم ، بل هو كفر إذا كانت وسيلته الاستعانة بالشياطين، قال الله تبارك وتعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (البقرة:102)، فتعلم هذا النوع من السحر، وهو الذي يكون بواسطة الاستعانة بالشياطين كفر ، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق ، ولهذا يقتل الساحر ، إما ردة، وإما حداً ، فإن كان سحره على وجه يكفر به ، فإنه يقتل قتل ردة وكفر، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً ، دفعاً لشره وأذاه عن المسلمين.

    هل السحر حقيقة؟


    السؤال (41): فضيلة الشيخ ، هل السحر حقيقة أم أنه تخيل أو تخيلات على الناس؟
    الجواب : السحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة. لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن، أو يسكن المتحرك، هذا خيال وليس حقيقة. وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى في قصة السحرة في آل فرعون ، يقول الله عز وجل: ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)(الأعراف: 116)، كيف سحروا أعين الناس ؟ سحروا أعين الناس حتى صار الناس ينظرون إلى هذه الحبال والعصي كأنها ثعابين تمشي، كما قال الله تعالى في سورة طه: ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)(طـه: 66)، فالسحر باعتبار تأثيره في قلب الأشياء ، وتحريك الساكن ، أو تسكين متحرك ، هذا ليس له أثر ، لكن في كونه يسحر أو يؤثر على المسحور ، حتى يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، هذا أثره ظاهر جداً ، إذا فله حقيقة ، ولهذا يؤثر على بدن المسحور وعقله وحواسه ، وربما يهلكه.

    علاقة الكهانة بالسحر


    السؤال (42): فضيلة الشيخ، تحدثتم عن الكهانة وعرفتم الكاهن ، وعرفتم أيضاً السحر، لكن هل هناك علاقة بين الكهانة والسحر؟
    الجواب : كما قلنا من قبل : إن الكاهن يؤثر في الناس بما يدجل به عليهم من الإخبارات عن الأشياء المستقبلية ، وكذلك الساحر يؤثر في عقول الناس وتفكيرهم وأبدانهم ، حتى يتوهم المسحور أشياء ليس لها حقيقة.

    هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم


    السؤال (43): فضيلة الشيخ ، جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سحر، فنريد أن تتحدثوا لنا عما سحر به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأيضاً هل حصول السحر للنبي صلى الله عليه وسلم ينافي مقام النبوة؟
    الجواب : ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر(26)، لكن هذا السحر لم يؤثر عليه من الناحية التشريعية أو الوحي، إنما غاية ما هنالك أنه وصل إلى درجة يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله في أهله ، وهذا السحر الذي وضع له كان من يهودي يقال له لبيد بن الأعصم ، وضعه له ولكن الله سبحانه وتعالى أنجاه منه ، حتى جاءه الوحي بذلك . وعوذ بالمعوذتين عليه الصلاة والسلام (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) . ولا يؤثر هذا السحر على مقام النبوة ، لأنه لم يؤثر في تصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالوحي والعبادات كما أسلفنا ، وقد أنكر بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، بحجة أن هذا القول يستلزم تصديق الكافرين ، بل تصديق الظالمين الذين قالوا : ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(الإسراء: 47)، ولكن هذا لا شك أنه لا يستلزم موافقة هؤلاء الظالمين بما وصفوا به النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن أولئك يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسحور فيما يتكلم به من الوحي ، وأن ما جاء به هذيان كهذيان المسحور، وأما السحر الذي وقع للرسول عليه الصلاة والسلام فلم يؤثر عليه في شيء من الوحي، ولا في شيء من العبادات ، ولا يجوز لنا أن نكذب الأخبار الصحيحة بسوء فهمنا للنصوص.

    حقيقة الإلحاد


    السؤال (44): فضيلة الشيخ ، ما هو الإلحاد في أسماء الله وصفاته؟
    الجواب : الإلحاد في الأصل أي في اللغة العربية : هو الميل ، ومنه قوله تعالى : ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(النحل: 103)، ومنه اللحد في القبر ، فإنه سمي لحداً لميله إلى جانب منه . ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل : بضدها تتبين الأشياء، فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته: أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما مر علينا في القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب ، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد، وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله تعالى أنواعاً يجمعها أن نقول : هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها. فالنوع الأول : أن ينكر شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات ، مثل أن ينكر اسم الرحمن من أسماء الله كما فعل أهل الجاهلية ، أو تثبت الأسماء ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات ، كما يقول بعض المبتدعة: " إن الله تعالى رحيم بلا رحمة ، وسميع بلا سمع ، وبصير بلا بصر" وهكذا. النوع الثاني : أن يسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه ، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه ، لأن هذا من القول على الله بلا علم ، ومن العدوان على الله عز وجل أيضاً ، ومن العدوان في حق الله عز وجل ، وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة ، وكما صنع النصارى فسموا الله تعالى باسم الأب ونحو ذلك . النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف تماثل أوصاف المخلوقين ، فيجعلها دالة على التمثيل. ووجه كونه إلحاداً : أن من اعتقد بأن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على تمثيل الله بخلقه فقد جعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الكفر ، لأن تمثيل الله بخلقه كفر، لكونه تكذيباً لقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11)، ولقوله : ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم: 65) ، قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري - رحمهم الله " من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما سمى الله ووصف به نفسه تشبيه". النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للأصنام ، كاشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله عز وجل خاصة به ، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحد المخلوقين ، ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله عز وجل ، هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى .

    أنواع الشرك


    السؤال (45): فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع الشرك؟
    الجواب : سبق لنا فيما تقدم أن التوحيد يتضمن إثباتاً ونفياً ، وأن الاقتصار فيه على النفي تعطيل ، والاقتصار فيه على الإثبات لا يمنع المشاركة ، فلهذا لابد من التوحيد من نفي وإثبات ، فمن لم يثبت الحق لله عز وجل على هذا الوجه، فقد أشرك به. والشرك نوعان: شرك أكبر مخرج عن الملة ، وشرك دون ذلك ، فالشرك الأكبر: كل شرك أطلقه الشارع ، وهو متضمن لخروج الإنسان من دينه، مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كأن يصلي لغير الله ، أو يصوم لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله عز وجل ، مثل أن يدعو صاحب القبر ، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم. وأما النوع الثاني: فهو الشرك الأصغر ، وهو كل عمل قولي أو فعلي أطلق الشارع عليه وصف الشرك ولكنه لا يخرج من الملة مثل الحلف بغير الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف بغير الله كفر أو أشرك"(27)، فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله ، نقول : إنه مشرك شركاً أصغر ، سواء كان هذا المحلوف به معظماً من البشر أم غير معظم فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا برئيس أو وزير ولا يجوز الحلف بالكعبة ، ولا يجوز الحلف بجبريل وميكائيل وما أشبه ذلك ، لأن هذا شرك ، لكنه شرك أصغر ، لا يخرج من الملة . ومن أنواع الشرك الأصغر : الرياء اليسير ، مثل أن يقوم الإنسان يصلي لله عز وجل ، ولكنه يزين صلاته لأنه يعلم أن أحداً من الناس يراه فيزين صلاته من أجل مراءاة الناس ، فهذا مشرك شركاً أصغر ، لأنه فعل العبادة لله لكن أدخل عليها هذا التزيين مراءاة للخلق. وكذلك لو أنفق ماله في شيء يتقرب به إلى الله، لكنه أراد أن يمدحه الناس بذلك ، فإن هذا مشرك شركاً أصغر. وأنواع الشرك الأصغر أيضاً كثيرة معلومة في كتب أهل العلم.

    تعريف أنواع الشرك


    السؤال (46): فضيلة الشيخ ، عرفنا أنواع الشرك لكن هل هناك تعريف محدد لكل نوع منها؟
    الجواب : نعم، ذكرنا أن الشرك الأصغر كل ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، أو وصف الشرك ، ولكنه لا يخرج من الملة ، وأن الشرك الأكبر كل ما أطلق الشارع عليه اسم الشرك أو وصف الشرك وهو مخرج من الملة.

    هل يسمى ترك العبادة شركاً؟


    السؤال (47): فضيلة الشيخ ، ورد فيما رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن بين الرجل وبين الشرك الكفر ترك الصلاة"(28) هل ترك العبادة يكون شركاً؟
    الجواب : نعم هو شرك من حيث المعنى العام، لأن تارك الصلاة تهاوناً إنما تركها لهواه، فقدم هواه على طاعة الله عز وجل ، فكان مشركاً بهذا الاعتبار ، كما قال الله عز وجل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ )(الجاثـية: 23)، فكل من اتبع هواه مقدماً له على طاعة الله عز وجل ، فإن فعله هذا نوع من الشرك ، وإن كان الشرك بالمعنى الأخص لا يشمل الترك.

    حقيقة دين الإسلام


    السؤال (48): فضيلة الشيخ ، ما هو دين الإسلام؟
    الجواب : الإسلام بالمعنى العام : هو التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رسله ، منذ أن تعبد الله تعالى عباده بشرعه إلى أن تقوم الساعة، فيشمل ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام من الهدى والحق ، ويشمل ما جاء به إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء ، وما جاء به موسى وعيسى ، كما قال الله تبارك وتعالى ، أو كما ذكر الله تعالى ذلك في آيات كثيرة ، تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل . ولكنه بالمعنى الخاص : يختص بما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم نسخ جميع الأديان السابقة ، فصار من اتبعه مسلماً ، ومن خالفه ليس بمسلم ، لأنه لم يستسلم لله ، بل استسلم لهواه . فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، والنصارى مسلمون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأما بعد أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ، ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله ، مساو لدين الإسلام ، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام ، لأن الله عز وجل يقول :(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)(آل عمران: 19)، ويقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران:85). وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: 3) ، وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على الإسلام ، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ، ولا ينفعهم يوم القيامة ، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً ، ولهذا يخطئ خطأ كبيرا من يصف اليهود والنصارى بأنهم إخوة لنا أو يقول : إن أديانهم اليوم قائمة ، لما أسلفناه آنفاً. وإذا قلنا : إن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ، شمل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً، فيشمل الدين كله عقيدة وعملاً وقولاً ، أما إذا قرن الإسلام بالإيمان ، فإن الإسلام يكون بمعنى الأعمال الظاهرة ، من نطق اللسان وعمل الجوارح ، والإيمان الأعمال الباطنة ، من العقيدة وأعمال القلوب ، ويدل على هذا التفريق قوله تبارك وتعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )(الحجرات: 14)، وقوله تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (35) (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات:35-36). فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ، لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره ، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته وهي كافرة. وأما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا، الذين دخل الإيمان في قلوبهم ، ويدل لذلك أي للفرق بين الإيمان والإسلام عند اجتماعهما ، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت"، وقال في الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره"(29)، فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ، ويدخل فيه الإيمان ، وأنه إذا قرن مع الإيمان فسر بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وأعمال الجوارح ، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.

    السؤال (49): فضيلة الشيخ ، إذن هل نفهم من ذلك أن لدينا تعريفاً للإسلام بالمعنى العام وتعريفاً له بالمعنى الخاص ؟

    الجواب : نعم لدينا تعريف للإسلام بالمعنى العام ، وتعريف له بالمعنى الخاص إذا اقترن بالإيمان وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الآتين اللتين ذكرتا آنفاً.

    الطاغوت وأنواعه


    السؤال (50) : فضيلة الشيخ ، ما هو الطاغوت،وما هي اشتقاقاته؟
    الجواب :
    الطاغوت مشتق من الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) (الحاقة:11) ، يعني لما زاد عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية ، يعني في السفينة ، وأحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم رحمه الله "أنه- أي الطاغوت- كل ما تجاوز به العبد حده ، من معبود أو متبوع أو مطاع". فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت، والعلماء - علماء السوء- الذين يدعون إلى الضلال من الطواغيت أيضاً ، الذي يدعون إلى البدع ، وإلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله ، أو يزينون لولاة الأمور الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم، فإن حد العالم أن يكون متبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن العلماء حقيقة هم ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علماً وعملاً وأخلاقاً ودعوة وتعليماً ، فإذا تجاوزوا هذا الحد ، وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت ، لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة. وأما المطاع في قوله رحمه الله" أو مطاع"، فيريد بهم الأمراء الذين يطاعون شرعاً أو قدراً، فالأمراء يطاعون شرعاً إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله، فهم يطاعون هنا شرعاً ، كما يطاعون قدراً، فإن الواجب على الرعية إذا أمر ولي الأمر بأمر لا يخالف أمر الله الواجب عليهم السمع والطاعة ، وطاعتهم لولاة الأمور في هذه الحال ، وبهذا القيد طاعة لله عز وجل ، ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمرت به الدولة مما تجب طاعتها فيه ، أن نلاحظ أننا بذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل ، وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك ، لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: 59). وأما طاعة الأمراء قدراً فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم، إن الناس يطيعونهم بقوة السلطان، وإن لم يكن بوازع الإيمان لأن طاعة ولي الأمر قد تكون بوازع الإيمان، وهذه هي الطاعة النافعة لهم أي لولاة الأمور ، والنافعة للناس أيضاً، وقد تكون طاعة ولاة الأمور برادع السلطان، بحيث يكون السلطان قويا يخشى الناس منه ويهابونه، لأنه ينكل بمن خالف أمره، ولهذا نقول : إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة ينقسمون إلى أقسام : فتارة : يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، وهذه أكمل المراتب وأعلاها ، وتارة يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، وهذه أدنى المراتب وأخطرها على المجتمع ، على حكامه وعلى محكوميه، لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، صارت الفوضى الفكرية والخلقية والعملية. المرتبة الثالثة: أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني، وهذه مرتبة وسطى ، ينظر فيها أيها أكمل مما إذا قوي الرادع السلطاني وضعف الوازع الإيماني، فإنه في المظهر إذا قوي الرادع السلطاني يكون أصلح للأمة، لكن الأمة إذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حالها ، وسوء عملها ، لأن الوازع الإيماني ضعيف، أما إذا قوي الوازع الإيماني وضعف السلطاني فقد يكون المظهر أدنى من المظهر في المرتبة الأخرى، لكنه فيما بين الإنسان وبين ربه إذا اختفى الرادع السلطاني يكون أصلح. على كل حال هذه مراتب أربع : قوة الإيمان والسلطان وضعف الإيمان والسلطان ، وقوة الإيمان وضعف السلطان وضعف الإيمان وقوة السلطان. فالمهم أننا نقول : أنه ينبغي لنا عند تنفيذ أوامر السلطان أن نعتقد أننا بذلك نقترب به إلى الله عز وجل ، وإنما قال ابن القيم : " إن الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، لأن الأمير أو ولي الأمر الذي يطاع قد يأمر بما يخالف أمر الله ورسوله، فإذا أمر بما يخالف أمر الله ورسوله فإنه لا سمع له ولا طاعة ، ولا يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله سبحانه وتعالى ، لأن الله تعالى جعل طاعتهم تابعة أو جعل طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله كما يفهم من سياق الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: 59)، ولم يقل : وأطيعوا أولى الأمر، فدل هذا على أن طاعتهم غير مستقلة، بل هي تابعة لطاعة الله ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعة بالمعروف أو في المعروف ، أي فيما أقره الشرع ، وأما ما أنكره فلا يجوز أن يطاع فيه أي مخلوق ، حتى لو كان الوالد أو الوالدة يأمرانك بمعصية الله ، فإنه لا يحل لك أن تطيعهما ، لأن طاعة الله مقدمة على كل طاعة، فإذا أطاع الإنسان أميره أو ولي أمره في معصية الله فقد تجاوز به حده.


    عقيدة المسلمين في عيسى


    السؤال (51): فضيلة الشيخ، ما هي عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم عليه السلام؟ وما حكم القول بقتله وصلبه.
    الجواب : عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أنه أحد الرسل الكرام، بل أحد الخمسة الذين هم أولو العزم ، وهم : محمد ، وإبراهيم ، وموسى، وعيسى ، ونوح عليهم الصلاة والسلام ، ذكرهم الله تعالى في موضعين من كتابه فقال في سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7)، وقال في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13). وأن عيسى عليه الصلاة والسلام بشر من بني آدم مخلوق من أم بلا أب ، وأنه عبد الله ورسوله ، فهو عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ، وأنه ليس له من خصائص الربوبية شيء، بل هو كما قال الله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ) (الزخرف:59). وأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر قومه بأن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وإنما قال لهم ما أمره الله به ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)(المائدة: 117)، وأنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام خلق بكلمة الله عز وجل ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59) ، وأنه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رسول ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6). ولا يتم إيمان أحد حتى يؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله وأنه مبرأ ومنزه عما وصفه به اليهود ، الذين قالوا: إنه ابن بغي ، وأنه نشأ من زنا والعياذ بالله، وقد برأه الله تعالى من ذلك ، كما أنهم أي المسلمين يتبرؤون من طريق النصارى، الذين ضلوا في فهم الحقيقة بالنسبة إلى عيسى ابن مريم، حيث اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وقال بعضهم: "إنه ابن الله"، وقال بعضهم : "إن الله ثالث ثلاثة". أما فيما يتعلق بقتله وصلبه فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى أن يكون قتل أو صلب نفياً صريحاً قاطعاً، فقال عز وجل : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (157) (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (158) (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (النساء:157-159). فمن اعتقد أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قتل وصلب فقد كذب القرآن، ومن كذب القرآن فقد كفر ، فنحن نؤمن بأن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يقتل ولم يصلب، ولكننا نقول : إن اليهود باؤوا بإثم القتل والصلب ، حيث زعموا أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وهم لم يقتلوه حقيقة، بل قتلوا من شبه لهم ، حيث ألقى الله شبهه على واحد منهم فقتلوه وصلبوه، وقالوا: إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله ، فاليهود باؤوا بإثم القتل بإقرارهم على أنفسهم، وإثم الصلب، والمسيح عيسى ابن مريم برأه الله تعالى من ذلك وحفظه ورفعه سبحانه وتعالى عنده إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الزمان إلى الأرض، فيحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يموت في الأرض ، ويدفن فيها ، ويخرج منها كما يخرج منها سائر بني آدم ، لقول الله تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55) وقوله: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) (الأعراف:25) .

    افتراق الأمة

    السؤال (52): فضيلة الشيخ ، إلى كم افترقت الأمة الإسلامية بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم؟
    الجواب : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة، وهي من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه(30)، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية ، التي نجت في الدنيا من البدع ، وتنجو في الآخرة من النار ، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ، التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله عز وجل . وهذه الفرق الثلاث والسبعون ، التي واحدة منها على الحق ، والباقي على الباطل، حاول بعض الناس أن يعددها ، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعاً، ليصلوا إلى هذا الحد، وإلى هذا العدد الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد، لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت ، بل قد ضل أناس ضلالاً أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة ، وقالوا : إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الوقت ، في آخر الزمان عند قيام الساعة. فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي صلى الله عليه وسلم ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ، ثم نقول : كل من خالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق ، وقد يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة ، وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعاً، كما ذهب إليه بعض الناس، فالعلم عند الله عز وجل .

    خصائص الفرقة الناجية


    السؤال (53): فضيلة الشيخ، ما هي أبرز خصائص الفرقة الناجية؟
    الجواب : أبرز خصائص الفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام في العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق، والمعاملة ، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها . ففي العقيدة: تجدها متمسكة بما دل عليه الكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص في ربوبية الله وألوهيته، وأسمائه وصفاته. وفي العبادات : تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان النبي عليه الصلاة السلام عليه في العبادات ، في أجناسها ، وصفاتها ، وأقدارها ، وأزمنتها ، وأمكنتها ، وأسبابها ، فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله ، بل هم متأدبون غاية التأدب مع الله ورسوله ، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله ، في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله عز وجل. تجدهم أيضاً في الأخلاق متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق ، بمحبة الخير للمسلمين، بانشراح الصدر ، بطلاقة الوجه، بحسن المنطق، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها. وفي المعاملات تجدهم يعاملو الناس بالصدق والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما ، وإذا كذبا وكتما ، محقت بركة بيعهما"(31)، فهذه الميزة والعلامة لأهل السنة والجماعة ، للفرقة الناجية التي كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

    تأثير نقص بعض الخصائص


    السؤال (54) : فضيلة الشيخ، لكن هل يلزم توافر أو تكامل هذه الخصائص في الأمور الأربعة وهي : العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق، والمعاملات ، دون نقص؟ وهل إذا نقص منها شيء يخرج الإنسان بذلك من الفرقة الناجية أم أن النقص لا يخرجه من ذلك؟ الجواب : النقص من هذه لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن كما قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )(الأنعام: 132) ، ربما الإخلال في جانب التوحيد، أو جانب البدع، يخرج الإنسان عن هذه الفرقة الناجية ، مثل أن يدخل في عباداته أو يكون الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع، لكن في مسألة الأخلاق والمعاملات، فالإخلال بها لا يخرج الإنسان من هذه الفرقة الناجية وإن كان آثماً على إخلاله بذلك.

    السؤال (55): فضيلة الشيخ ، هل هناك إضافة حول خصائص هذه الفرقة الناجية؟

    الجواب : الحقيقة أنه ليس هناك من إضافة ، لأن الأصول الأربعة التي ذكرناها واضحة وكافية ، لكن قد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق ، فإن من أهم ما يكون من الأخلاق : اجتماع الكلمة ، والاتفاق على الحق الذي أوصانا الله به سبحانه وتعالى في قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(الشورى: 13). وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منهم ، فقال الله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )(الأنعام: 159) ،فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ، فهم أعني الفرقة الناجية إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن اجتهاد في الأمور الاجتهادية ، لا يحمل بعضهم على بعض حقداً ولا عداوة ولا بغضاء ، بل يعتقدون أنهم إخوة ، حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف ، حتى إن يصلى الواحد منهم خلف الشخص، يعتقد المأموم أنه ليس على وضوء، ويعتقد الإمام أنه على وضوء ، مثل أن يصلي الواحد منهم خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يعتقد أنه لا ينقض الوضوء ، والمأموم يعتقد أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة،كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كلا من المختلفين قد تبع ما يجب عليهما إتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما إتباعاً للدليل ، هو في الحقيقة قد وافقهم ، لأنهم هم يدعون إلى إتباع الدليل أينما كان ، فإذا خالفهم موافقة للدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم،لأنه تمشى على ما يدعون إليه ، ويهدفون إليه، من تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يخفى على كثير من أهل العلم ، ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور ، حتى في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل ، وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة"(32). فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة، وأرهقتهم صلاة العصر ، فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، ولم يصل إلا بعد غروب الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"ومنهم من صلى الصلاة لوقتها ، وقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة للخروج ، ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها ، وهؤلاء هم المصيبون، لكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين ، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص. لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وألا يحصل بينهم تحزب ، هذا ينتمي إلى طائفة ما ، والآخر ينتمي إلى طائفة أخرى ، والثالث إلى طائفة ثالثة وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد ، ولا حاجة إلى أن أنص على طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر ، فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه مما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم، فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب ، واتحاد الكلمة ، ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا ، سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام ، وهم ليسوا كذلك ، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة الطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.

    التوسل الصحيح والتوسل الباطل


    السؤال (56): فضيلة الشيخ ، ما هو التوسل الصحيح والتوسل الباطل؟
    الجواب : التوسل : مصدر توسل يتوسل ، إذا اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده ، فأصله: طلب الوصول إلى الغاية المقصودة، وينقسم إلى قسمين: قسم صحيح : وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب. وقسم غير صحيح : وهو التوسل بوسيلة لا توصل إلى المقصود. فأما الأول : وهو التوسل بالوسيلة الموصلة إلى المقصود: فإنه أنواع: منها : التوسل بأسماء الله وصفاته ، سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص ، مثاله على سبيل العموم : ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم : قال " اللهم إني عبدك، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي.."(33) ، إلى آخره، فهنا توسل بأسماء الله على سبيل العموم ، وذلك في قوله : " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك". أما الخصوص : فأن يتوسل باسم خاص ، لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه ، حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به في صلاته ، فقال : " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم"(34)، فطلب المغفرة والرحمة ، وتوسل إلى الله تعالى باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب ، فقال "إنك أنت الغفور الرحيم" وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(الأعراف: 180)، فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة. أما التوسل إلى الله تعالى بصفاته ، فهو أيضاً كالتوسل بأسمائه ، يكون عاماً وخاصا ، أما العام فأن تقول : اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا ، ثم تذكر مطلوبك ، وإما الخاص فأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث: " اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي"(35)، فهنا توسل إلى الله تعالى بصفة العلم والقدرة " بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق".. هذا نوع. النوع الثاني: أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل ، بالإيمان به وبرسوله فيقول :اللهم إني آمنت بك وبرسولك ، فاغفر لي أو فوقفني أو يقول " اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (:190) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )(آل عمران191) إلى قوله : (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران:190-193) ، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به ، أن يغفر لهم الذنوب ، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار. النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح ، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين آووا إلى غار ليبيتوا فيه ، فانطبق عليهم الغار، انطبق عليهم بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، أحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفائه لأجيره، قال :كل منهم اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة(36)، فهذا توسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح . النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله ، يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(القصص: 24) ، فهو بذلك يتوسل إلى الله بذكر حاله أن ينزل إليه الخير ، ويقرب من ذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام : (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4)، فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة ، لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.

    نوع خامس من التوسل


    السؤال (57): فضيلة الشيخ، هل هناك أنواع أخرى من التوسل غير أنواع التوسل الأربعة التي ذكرتموها؟
    الجواب : نعم ، هناك توسل زائد عن الأربعة السابقة ، وهو التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بدعاء عام وبدعاء خاص ، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ، وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء ، فادع الله تعالى أن يمسكها عنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس(37)، وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على وجه الخصوص . فمن ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، قام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ، أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : "أنت منهم"(38). فهذا أيضاً من التوسل الجائز ، أن يطلب الإنسان من شخص أن يدعو الله تعالى له ، إذا كان هذا الشخص مرجو الإجابة ، إلا أن الذي ينبغي على هذا السائل الذي سأل الشخص أن يدعو له أن يريد بذلك منفعة نفسه ومنفعة أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ، لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك ، صار في هذا إحسان له ، فإن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك : آمين ولك بمثله ، وكذلك إذا دعا له أخوه ، فإنه يكون من المحسنين بهذا الدعاء ، والله يحب المحسنين.

    التوسل الباطل وأقسامه


    السؤال (58): فضيلة الشيخ ، بعد أن عرفنا التوسل الصحيح وأقسامه ، لابد لنا من معرفة التوسل الباطل ، وهل له أقسام أيضاً؟
    الجواب : التوسل الباطل أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما لم يكن وسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة ، لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل والمخالف للمعقول والمنقول ، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بدعاء ميت ، يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ، فإن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة ، بل هو سفه من الإنسان أن يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ، لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن أن يدعو لأحد ، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته عليه الصلاة والسلام ، ولهذا لم يتوسل الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم بعد موته ، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : اللهم إن كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله عز وجل(39) ، ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة ، لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن إجابة دعائه أقرب من إجابة دعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز. ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا وكذا ، وذلك أن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس مفيداً بالنسبة إليك ، لأنه لا يفيد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ، أما بالنسبة لك فليس بمفيد حتى تتوسل إلى الله تعالى به ، والتوسل كما قلنا اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر ، فما فائدتك أنت من كون الرسول عليه الصلاة والسلام له جاه عند الله؟ وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح ، فقل : اللهم إني أسألك بإيماني برسولك ، أو بالمحبة لرسولك أو ما أشبه ذلك ، فإن هذا من الوسيلة الصحيحة النافعة.

    الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية


    السؤال (59): فضيلة الشيخ ، ما هي الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية؟
    الجواب : الشفاعة مأخوذة من الشفع ، وهو ضد الوتر ، وهو جعل الوتر شفعاً، مثل أن نجعل الواحد اثنين ، والثلاثة أربعة وما أشبهها ، هذا من حيث اشتقاقها في اللغة. أما معناها فهي : التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة ، يعني أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له واسطة ، ليجلب منفعة إلى المشفوع له ، أو يدفع عنه مضرة. والشفاعة نوعان : شفاعة ثابتة وصحيحة ، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها . أما الشفاعة الثابتة الصحيحة : فهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه ، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص ، لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال :" من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"(40) وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة : الشرط الأول : رضا الله عن الشافع . والشرط الثاني : رضا الله عن المشفوع له . والشرط الثالث : إذن الله تعالى للشافع أن يشفع . وهذه الشروط مجموعة في قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (لنجم:26)، ومفصلة في قوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة: من الآية255)، وفي قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) ، وقوله : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الأنبياء: 28)، فلابد من هذه الشروط حتى تتحقق الشفاعة. وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني، وهي الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل ، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى : (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48)، وذلك لأن الله تعالى لا يرضي لهؤلاء المشركين شركهم ، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم ، لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل ، والله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر ، ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم التي يعبدونها ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، تعلق باطل غير نافع ، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً. ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة، ذكر العلماء رحمهم الله أنها تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة ، ومعنى العموم : أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم . والخاصة : التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها : الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة ، حين يلحق الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم ، ثم إلى موسى ، ثم إلى عيسى، وكلهم لا يشفع ، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ، فيجيب الله دعاءه ويقبل شفاعته ، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) . ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فتمحص قلوبهم بعضهم من بعض ، حتى يهذبوا وينقوا ، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة ، ولكن لا يدخلونها إلا بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يدخلوا الجنة ، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الشفاعة العامة له ولغيره من عباد الله الصالحين ، فهي أن يشفع في أهل النار من المؤمنين - أي من عصاة المؤمنين - الذين لا يستحقون الخلود في النار يشفع فيهم أن يخرجوا من النار ، وهذه الشفاعة ثابتة له ولغيره من النبيين والشهداء والصالحين . والله أعلم.

    عقيدة السلف في القرآن الكريم


    السؤال (60): فضيلة الشيخ ، ما هي عقيد السلف في القرآن الكريم؟
    الجواب : عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر صفات الله تعالى وأسمائه ، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه ، وأنه منزل من عنده ، فقال جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6)، والمراد بلا ريب بكلام الله هنا : القرآن الكريم، وقال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل:76)، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنى ، تكلم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل الأمين ، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، ويعتقد السلف أن القرآن منزل نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً في ثلاث وعشرين سنة ، حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل . ثم إن نزوله يكون ابتدائياً ويكون سببياً، بمعنى أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله ، وبعضه ينزل بغير سبب ، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية، على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب ، ثم إن السلف يقولون : إن القرآن من عند الله عز وجل ابتداءً، وإليه يعود في آخر الزمان ، هذا هو قول السلف في القرآن الكريم. ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة ، وصفه بأنه حكيم ، وبأنه كريم ، وبأنه عظيم ، وبأنه مجيد ، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه ، تكون لمن تمسك بهذا الكتاب، وعمل به ظاهراً وباطناً ، فإن الله تعالى يجعل له من المجد ، والعظمة، والحكمة ، والعزة ، والسلطان ، ما لا يكون لم يتمسك بكتاب الله عز وجل، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين، حكاماً ومحكومين، علماء وعامة، أدعوهم إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً ، حتى ينالوا رضا الله، وتكون لهم العزة، والسعادة، والمجد، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها.
    أبرز أحكام التلاوة

    السؤال (61): فضيلة الشيخ، ما هي أبرز أحكام التلاوة؟
    الجواب : الذي ينبغي لتالي القرآن أن يكون على طهر من الحدثين الأصغر والأكبر، ولا يجوز له أن يقرأن القرآن وعليه حدث أكبر، فالجنب مثلاُ لا يقرأ القرآن حتى يغتسل، لأن السنة وردت بالمنع منه في حال الجنابة ، أما الحائض فقد اختلف أهل العلم هل يجوز لها أن تقرأ القرآن؟ اختلفوا في ذلك على قولين : فمنهم من قال : إنه يجوز أن تقرأ القرآن ، لأنه ليس في منعها من القرآن سنة صريحة ، والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام ، كما أن الأصل أيضاً عدم المنع ، ويرى بعض أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن وهي حائض ، لأنها ممن يلزمها الغسل، فهي كالجنب ، ولأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث تدل على المنع، والذي أرى في هذه المسألة أنها لا تقرأ القرآن إذا كان غرضها بذلك مجرد التلاوة ، أما إذا كانت تريد أن تقرأ القرآن لحاجة ، تخشى نسيانه مثلاُ ، أو تقرئه أبناءها أو بناتها أو الطالبات إن كانت مدرسة ، أو تكون طالبة تريد أن تقرأه لإسماع المدرسة ، فإن هذا لا بأس به للحاجة ، وكذلك لا بأس أن تقرأ الآيات التي تكون ورداً كآية الكرسي، لأن هذا حاجة ، فيكون هذا القول الذي أراه أقرب إلى الصواب مبنيا على حاجة المرأة الحائض، إن احتاجت للتلاوة فلها أن تقرأ القرآن ، وإن لم تحتج فلا تقرأ القرآن. كذلك ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضراً في قلبه ما تدل عليه كلمات القرآن العظيم من المعاني الجليلة ، سواء كانت هذه الآيات تتضمن الأخبار والقصص أو الأحكام، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن لهذه الحكمة(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) . والإنسان يجد الفرق العظيم إذا تلا القرآن وقلبه غافل، وإذا تلا القرآن وقلبه حاضر يتدبر ما يقول ، يجد الفرق العظيم بين هذه الحال والحال الأخرى، ويجد أنه ينتفع أكثر إذا قرأ القرآن بتدبر وتفكر، فإن ذلك يؤثر في قلبه قوة الإيمان والتصديق، وقوة الانقياد والإذعان للأحكام التي يتضمنها كتاب الله عز وجل . وأما ما ينبغي أن تكون التلاوة عليه : فينبغي أن تكون التلاوة تلاوة هادئة ، ليس فيها سرعة تسقط بعض الحروف، أو تخفى بها الكلمات ، بل يقرأ القرآن بتمهل وترسل، ولا بأس بالعجلة أحياناً ، بشرط ألا يسقط الحروف أو شيئاً منها، أو يدغم مالا يجوز إدغامه أو ما أشبه ذلك.

    السؤال (62): فضيلة الشيخ ، ما حكم التلاوة لروح الميت؟
    الجواب : التلاوة لروح الميت ، يعني أن يقرأ القارئ القرآن وهو يريد أن يكون ثوابه لميت من المسلمين، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من يرى أن ذلك غير مشروع، وأن الميت لا ينتفع به، أي لا ينتفع بالقرآن في هذه الحال، ومنهم من يرى أنه ينتفع بذلك ، وأنه يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن بنية أنه لفلان أو لفلانة من المسلمين، سواء كان قريباً له أم غير قريب له ، وهذا هو الأرجح، لأنه ورد في جنس العبادات جواز صرفها للميت ، كما في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه ، حين تصدق بمخرافه - أي ببستانه -لأمه(41)، وكما في قصة الرجل الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال : "نعم"(42). وهذه قضايا أعيان، تدل على أن صرف جنس العبادات لأحد من المسلمين جائز ، وهو كذلك ، ولكن أفضل من هذا أن يدعو للميت، وأن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له"(43)، ولم يقل : أو ولد صالح يتلو له ، أو يصلي له ، أو يصوم له ، أو يتصدق عنه ، بل قال : أو ولد صالح يدعو له ، والسياق في سياق العمل فدل ذلك على أن الأفضل أن يدعو الإنسان للميت. لا أن يجعل له شيئاً من الأعمال الصالحة ، والإنسان محتاج إلى العمل الصالح ، أن يجد ثوابه مدخراً له عند الله عز وجل. أما ما يفعل بعض الناس من التلاوة للميت بعد موته بأجرة ، مثل أن يحضر قارئاً يقرأ القرآن بأجرة، ليكون ثوابه للميت، فإن هذا بدعة، ولا يصل إلى الميت ثوابه، لأن هذا القارئ إنما قرأ من أجل الدنيا ، ومن أتى بعبادة من أجل الدنيا ، فإنه لا حظ له منها في الآخرة ، كما قال الله تبارك وتعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15-16) وإني بهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني الذين يعتادون مثل هذا العمل ، أن يحفظوا أموالهم لأنفسهم أو لورثة الميت ، وأن يعلموا أن هذا العمل بدعة في ذاته، وأن الميت لا يصل إليه ثوابه، لأن القارئ الذي ليس له نية في قراءته إلا أخذ الأجرة، ليس له ثواب عند الله عز وجل ، وحينئذ يكون أخذ الأموال ولم ينتفع الميت بذلك.
    قراءة الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال (63): فضيلة الشيخ، بالنسبة للذين يوصون أن تقرأ الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم أو له عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
    الجواب : هذه الوصية لا يلزم تنفيذها ، لأنها وصية بأمر غير مشروع ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشرع لأحد أن يعبد الله ، ثم يجعل ثواب العبادة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن هذا لو كان مشروعاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لمثل هذا ، فإنه ما من إنسان يعمل عملاً صالحاً إلا كان للنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجره، لأنه هو الذي دل عليه ، " والدال على الخير كفاعله"(44)، فهذا يكون من العبث ، ومن البدعة التي لم ترد عن السلف الصالح رضي الله عنهم، وكذلك لو قال : تقرأ الفاتحة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لي، فإنه لا يلزم الوفاء بهذه الوصية، لأن تخصيص مكان بعبادة معينة لم يرد بها الشرع من البدع ، كما هو معلوم في البحث عن ذكر المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنه لا تحقق المتابعة حتى توافق العبادة الشريعة في أمور ستة : في سببها ، وجنسها ، وقدرها ، وكيفيتها، وزمانها ، ومكانها.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
    (21) أخرجه مسلم ، كتاب الطب ، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ، رقم (2230).
    (22)
    أخرجه الترمذي ، كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض ، رقم (135)، وابن ماجه ، كتاب الطهارة ، باب النهي عن إتيان الحائض ، رقم (639)، وصححه العلامة أحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي (1/244).
    (23)
    أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب قول الرجل للرجل اخسا ، رقم (6173)، ومسلم ، كتاب الفتن ، باب ذكر ابن صياد ، رقم (2925)
    (24) أخرجه البخاري ، كتاب الكسوف ، باب الصلاة في كسوف الشمس ، رقم (1040، 1041، 1042، 1043)، ومسلم ، كتاب الكسوف ، باب صلاة الكسوف ، رقم (901م).
    (25)
    أخرجه البخاري كتاب النكاح ، باب الخطبة، رقم (5146)، ومسلم ، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، رقم(869).
    (26) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، رقم (3268)، ومسلم كتاب الطب ، باب السحر ، رقم (2189).
    (27) أخرجه الترمذي كتاب النذور والأيمان ، باب ما جاء أن من حلف بغير الله فقد أشرك ، رقم (1535)، وأحمد في المسند(2/69).
    (28)
    أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم (82).
    (29) تقدم تخريجه ص (36).
    (30) أخرجه أبو داود، كتاب السنة ، باب شرح السنة ، رقم (4596)، والترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة رقم (2640، 2641)، وابن ماجه، كتاب الفتن ، باب افتراق الأمم ، رقم (3991، 3992)، وأحمد في المسند (2/332) وهو في صحيح الجامع رقم (1083).
    (31) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، رقم (2110)، ومسلم ، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان، رقم (1532).
    (32)
    أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، رقم (4119)، ومسلم ، كتاب الجهاد، باب من لزمه أمر فدخل عليه أمر آخر ، رقم (1770)، والذي في مسلم "الظهر" بدل "العصر".
    (33)
    أخرجه أحمد في المسند (1/391)
    (34) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الدعاء قبل السلام ، رقم (834)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر ، رقم (2705).
    (35)
    أخرجه البخاري ، كتاب المرضى ، باب تمني المريض الموت ، رقم (5671)، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به ، رقم (2680) بدون ذكر أوله وأخرجه كاملاً النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر، رقم (1305)، وأحمد (4/264)
    (36)
    أخرجه البخاري ، كتاب الإجارة ، باب من استأجر أجيراً فترك أجره ، رقم (2272)، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة ، رقم (2743).
    (37) أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء إذا كثر المطر ، رقم (1021)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (897).
    (38) أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره ، رقم (5705)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ، رقم (220).
    (39) أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا رقم (1010).
    (40) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب الحرص على الحديث ، رقم (99).
    (41) أخرجه مالك في الموطأ (2/760) كتاب الأقضية، والنسائي ، كتاب الوصايا ، باب فضل الصدقة عن الميت ، رقم (3655).
    (42) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة ، رقم (1388)، ومسلم كتاب الزكاة ، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، رقم (1004).
    (43) أخرجه مسلم ، كتاب الوصية ، باب ما يحلق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، رقم (1631).
    (44)
    كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي ، كتاب العلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله، رقم (2670)، وفي مسلم : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، رقم (1893).
    إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .

    تعليق


    • #3
      رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (1) من السؤال 1 الى 30

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
      ما شاء الله
      موضوع ممتاز وطيب
      جزاك الله خيراً أخي الفاضل
      وفقك الله لما يُحِب ويرضى


      قال الحسن البصري - رحمه الله :
      استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
      [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


      تعليق


      • #4
        رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (2) من السؤال 31 الى 63

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
        ما شاء الله .. اللهم بارك
        جزاك الله خيراً أخي الفاضل
        وفقك الله لما يُحِب ويرضى


        قال الحسن البصري - رحمه الله :
        استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
        [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


        تعليق


        • #5
          رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (2) من السؤال 31 الى 63

          اللهمّ صلّ على محمد
          عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
          اللهم اغفر لي ولأبي ولأمي ولجميع المسلمين والمسلمات


          تعليق


          • #6
            رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (1) من السؤال 1 الى 30

            اللهمّ صلّ على محمد
            عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
            اللهم اغفر لي ولأبي ولأمي ولجميع المسلمين والمسلمات


            تعليق


            • #7
              رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (2) من السؤال 31 الى 63

              نفعنا الله و إياكم مشكورين على تطلعاتكم
              إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .

              تعليق


              • #8
                رد: فتاوى العقيدة الشيخ ابن عثيمين (2) من السؤال 31 الى 63

                جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم

                ونفع بكم الإسلام والمسلمين




                يارب إن أبى وأمى قد مسهما الضروأنت أرحم الراحمين


                أسألكم الدعاء لهما بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً

                تعليق

                يعمل...
                X