إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المقالة الثالثة " أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المقالة الثالثة " أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم"

    المقالة الثالثة
    (18)أن يفعل العبد ما يُوعظ به :
    لقوله تعالى:"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68){النساء:66-68}
    يقول العلامة السعدي – رحمه الله :يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه.
    ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.
    ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:
    (أحدها) الخيرية في قوله: { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
    الثاني: حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
    وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
    الثالث: قوله: "وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا " أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
    الرابع: الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

    ولقوله تعالى:"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18){الزمر:17}
    ويقول محمد على الصابوني في "تفسيره" ": فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ" أي فبشر عبادي المتقين ، الذين يستمعون الحديث والكلام ، فيتبعون أحسن ما فيه ، قال ابن عباس : هو الرجل يسمع الحسن والقبيح ، فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به . . وهذا ثناء من الله تعالى عليهم بنفوذ بصائرهم ، وتمييزهم الأحسن من الكلام ، فإذا سمعوا قولًا تبصروه ، وعملوا بما فيه ، وأحسن الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وإنما وضع الظاهر .
    "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ " أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة ، هم الذين هداهم الله لما يرضاه ، ووفقهم لنيل رضاه.
    "وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ "أي وأولئك هم أصحاب العقول السليمة ، والفطر المستقيمة.
    وقوله تعالى:"إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)"{الأنعام:36}

    (19)لزوم جماعة المسلمين:
    قال تعالى:"وَأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ"{الأنعام:153}
    يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ? في قوله: " وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" ، وفي قوله: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .ونحو هذا قاله مجاهد، وغير واحد.

    وقوله تعالى: "وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" {النحل:9} .
    يعلق الشاطبي رحمه الله تعالى على هذه الآية فيقول: "فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق أي: عادل عنه، وهي طرق البدع والضلالات، أعاذنا الله من سلوكها بفضله- وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي...
    عن التستري: (قصد السبيل): طريق السنة. "ومنها جائر" يعني
    إلى النار، وذلك الملل والبدع.
    وعن مجاهد: "قصد السبيل" أي: المقتصد منها بين الغلو والتقصير وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر، وكلاهما من أوصاف البدع ". أهـ.(1)
    وقوله تعالى :"شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " .

    هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.
    ولهذا قال: " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ " أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ،ولا تعاونون على الإثم والعدوان. " وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابًا، وتكونون شيعًا يعادي بعضكم بعضًا مع اتفاقكم على أصل دينكم.
    ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج ،والأعياد، والجمع ،والصلوات الخمس ،والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها ،وعدم التفرق.

    وعن بن عباس عن عمر رضي الله عنه أنه قال ذلك، قال الله : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" {الإسراء:36} هدانا وإياكم الصراط المستقيم ،وجنبنا الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.(2)

    (20)الدعاء بالهداية والثبات على الدين والتعوذ من الفتن :
    عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيّ  فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :« يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ،يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ ،فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ...."الحديث (3)
    عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ  كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى ، وَالتُّقَى ، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى " .(4)

    وَعَنْ عَلِىٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :" قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ ".(5)

    وقال الإمام النووي في شرحه :" أما "السداد" هنا بفتح السين وسداد السهم تقويمه .ومعنى:" سددني" وفقني واجعلني منتصبًا في جميع أموري مستقيمًا .وأصل السداد :الاستقامة والقصد في الأمور .
    وأما الهدى هنا: فهو الرشاد ،ويذكر ويؤنث .
    ومعنى:" وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ " أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين ،لأن هادى الطريق لا يزيغ عنه ،ومسدد السهم يحرص على تقويمه ،ولا يستقيم رميه حتى يقومه ،وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه ،ولزومه السنة .
    وقيل: ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى، لئلا ينساه. (6)

    وعن شَهْرِ بن حَوشَبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ :كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ:" يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ :"يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَ:" يَا أُمَّ سَلَمَةَ !إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ ،وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ" فَتَلَا مُعَاذٌ:" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا {آل عمران:8}.".(7)
    في هذا الحديث : خضوع منه لربه وتضرعٌ إليه ، وإرشاد الأمة إلى سؤال ذلك ، وإيماء إلى أن العبرة بالخاتمة .
    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ  يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، تَخَافُ عَلَيْنَا ، وَقَدْ آمَنَّا بِكَ ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُقَلِّبُهَا. وَأَشَارَ الأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ.(8)

    وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:" مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ ،وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ" وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ:" يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ" قَالَ:" وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ ،يَرْفَعُ أَقْوَامًا ، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "(9)

    وعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُولُ :«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلِّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبِ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفَهُ حَيْثُ يَشَاءُ». ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ:«اللَّهُمَّ! مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».(10)

    ولما كان قلب رسول الله خير قلوب العباد جعله الله إمام الأنبياء ،وسيد ولد آدم أجمعين ، وأرسله سبحانه رحمة للعالمين،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ  خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ  فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ"(11)

    وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ ، قالت: قَالَ النَّبِيُّ : " إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ مِنْكُمْ ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي . فَيُقال : هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ ، وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ". فَكَانَ ابْنُ أبيِ مُلَيْكَةَ يََقُول: اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.(12)

    مواضع الدعاء بالهداية :
    عند إسلام المرء :
    عن أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ  الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي ».(13)
    دعاءه لربه في تهجده بالليل أنه يهديه للحق وأحسن الأخلاق :
    وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ نَبِيُّ الله إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ : ((اللهمَّ رَبَّ جَبْرَيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )).(14)
    وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِمَا كَانَ رَسُول اللَّهِ  يَسْتَفْتِحُ قِيَامَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ ،كَانَ رَسُول اللَّهِ يُكَبِّرُ عَشْرًا ،وَيَحْمَدُ عَشْرًا ،وَيُسَبِّحُ عَشْرًا ،وَيُهَلِّلُ عَشْرًا ،وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا ،وَيَقُولُ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (15)

    وكان النبي يدعو في الاستفتاح للصلاة ومنه قوله : "وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ ، وَلا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ، وَلا يَصْرِفُ عَنْ سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ . . ."الحديث (16)

    ولقوله : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وخَطايايَ كُلَّها ، اللَّهُمَّ أنْعِشْنِي واجْبُرْنِي ، واهْدِني لِصالِحِ الأَعْمالِ والأَخْلاقِ، فإنَّهُ لا يَهْدِي لِصالِحِها ولا يَصْرِفُ سَيِّئَها إلاَّ أنْتَ ".(17)

    استجابة الله تعالى لعبده لما سأله الهداية في فاتحة الكتاب في الصلاة :
    عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيَّ قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْيَ خِدَاجٌ - ثَلاَثًا - غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ :"
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ". قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ:"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ". قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ :"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ". قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ».(18)
    وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ  فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا ،فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. قَالَ:" قُلْ :سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ،وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لِي؟ قَالَ:" قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ،وَارْزُقْنِي ،وَعَافِنِي ،وَاهْدِنِي "فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنْ الْخَيْرِ".(19)
    ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله -ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب ،علم الله عباده كيفية سؤاله ،وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ،ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم .فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم ،توسل إليه بأسمائه وصفاته ،وتوسل إليه بعبوديته ،وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء ،ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم ،اللذين رواهما ابن حبان في "صحيحه" ،والإمام أحمد ،والترمذي.
    أحدهما: حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ  رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ ،الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ ،الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ،وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".(20) فهذا توسل إلى الله بتوحيده ،وشهادة الداعي له بالوحدانية ،وثبوت صفاته المدلول عليها باسم الصمد ،وهو كما قال ابن عباس: العالم الذي كمل علمه ،القادر الذي كملت قدرته. وفي رواية عنه: هو السيد الذي قد كمل فيه جميع أنواع السؤدد. وقال أبو وائل :هو السيد الذي انتهى سؤوده .
    وقال سعيد بن جبير: هو الكامل في جميع صفاته ،وأفعاله ،وأقواله ،وبنفي التشبيه والتمثيل عنه بقوله :"ولم يكن له كفوًا أحد" .
    وهذه ترجمة عقيدة أهل السنة ،والتوسل بالإيمان بذلك ،والشهادة به هو الاسم الأعظم
    والثاني :حديث أَنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ  سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ،وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانَ ، بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ،يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ :" لَقَدْ سَأَلْ اللَّهَ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" .(21) فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته.
    وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين ،وهما التوسل بالحمد والثناء عليه ،وتمجيده ،والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب -وهو الهداية -بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة
    ونظير هذا دعاء النبي الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل، رواه البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس:" اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ،وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ،وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ ،وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ،َقَوْلُكَ الْحَقُّ ،وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ ،وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ،وَالنَّارُ حَقٌّ ،وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ،وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ،وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،وَبِكَ خَاصَمْتُ ،وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ(22)
    فذكر التوسل إليه بحمده ،والثناء عليه ،وبعبوديته له ،ثم سأله المغفرة.(23)

    الدعاء بالهداية ما بين السجدتين :
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ  كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي.(24)
    وفي رواية أبي داود أَنَّه كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي.


    الدعاء بالهداية في قنوت الوتر:
    عَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ رضي الله عنهما عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ  كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ :« اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ،وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ،وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ،وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ،وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ،إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ،وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ،وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ،تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ».(25)
    وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ  يَدْعُو « رَبِّ أَعِنِّى وَلاَ تُعِنْ عَلَىَّ وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَىَّ وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَىَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَاي إِلَىَّ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَىَّ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ ذَاكِرًا لَكَ رَاهِبًا لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي ».(26)
    وفي رواية ابن ماجة:قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيُّ قُلْتُ لِوَكِيعٍ: أَقُولُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْر؟ِقَالَ: نَعَمْ.

    التعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن :
    لقوله : « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا :نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ".(27)
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله  كَانَ يقول : « اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ . اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بعزَّتِكَ ؛ لا إلهَ إلا أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ » . (28)

    وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا خَرَجَ النَّبِيُّ  مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَةُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ :«اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلْ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلْ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمْ ، أَوْ أَجَهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ».(29)
    ومن دعاءه  إذا صلى على جنازة أن يقول :" . . . ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ ". (30)
    وفي رواية :" اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ،وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ". (31)

    (21)الصحبة الصالحة:
    عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:" مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ :إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ،وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"0(32)

    يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: فِيهِ تَمْثِيله الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك ، وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير ، وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالْأَدَب ، وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع ، وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس ، أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته . وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاع الْمَذْمُومَة
    وَمَعْنَى : " يُحْذِيَك" :يُعْطِيك ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالذَّال ، وَفِيهِ طَهَارَة الْمِسْك وَاسْتِحْبَابه ، وَجَوَاز بَيْعه ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَمِيع هَذَا ، وَلَمْ يُخَالِف فِيهِ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ ، وَنُقِلَ عَنْ الشِّيعَة نَجَاسَته وَالشِّيعَة لَا يُعْتَدّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاع وَمِنْ الدَّلَائِل عَلَى طَهَارَته الْإِجْمَاع وَهَذَا الْحَدِيث ، وَهُوَ قَوْله : " وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاع مِنْهُ " وَالنَّجَس لَا يَصِحّ بَيْعه . وَلِأَنَّهُ  كَانَ يَسْتَعْمِلهُ فِي بَدَنه وَرَأْسه ، وَيُصَلِّي بِهِ ، وَيُخْبِر أَنَّهُ أَطْيَب الطِّيب ، لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اِسْتِعْمَاله وَجَوَاز بَيْعه . قَالَ الْقَاضِي : وَمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَة الْعُمَرَيْنِ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَجَاسَته ، وَلَا صَحَّتْ الرِّوَايَة عَنْهُمَا بِالْكَرَاهَةِ ، بَلْ صَحَّتْ قِسْمَة عُمَر بْن الْخَطَّاب الْمِسْك عَلَى نِسَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر اِسْتِعْمَاله . وَاَللَّه أَعْلَم .

    وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ».(33)
    "الرَّجُلُ" يعني الإنسان " عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ " أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته "فَلْيَنْظُرْ "أي يتأمل ويتدبر " مَنْ يُخَالِلُ" فمن رضي دينه وخلقه خالهد ،ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة. (34)
    وعَنْه رضي الله عنه بِحَدِيثٍ يَرْفَعُهُ قَالَ :« النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ،خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا ،وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ،فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ».(35)
    (الأَرْوَاحُ) أي أرواح الإنسان (جُنُودٌ) جمع جند أي جموع (مُجَنَّدَةٌ ) بفتح النون المشددة أي مجتمعة متقابلة أو مختلطة منها حزب الله ومنها حزب الشيطان (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان (ائْتَلَفَ)أي حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) أي في عالم الأرواح (اخْتَلَفَ) أي في عالم الأشباح
    قال النووي معنى قوله:" والأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ " جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة .
    وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه .وقيل: إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها.
    وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها ،فمن وافق بشيمه ألفه ،ومن باعده نافره وخالفه .
    وقال الخطابي وغيره تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار انتهى.

    وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ:" لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ".(36)
    :" لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا "أي: كاملًا. أو المراد: النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين ،لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن جنس المؤمنين "وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ" أي متورع.
    والأكل وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام. فالمعنى: لا تطعم طعامك إلا تقيًا.
    قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال:" ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا "ومعلوم أن أسراهم كانوا كفارًا غير مؤمنين ولا أتقياء. وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي ،وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ،فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب.

    وقال تعالى :"فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)"{الصافات:50-61}
    يقول فضيلة الشيخ /أبو بكر الجزائري – في " أيسر التفاسير"
    شرح الكلمات:
    فأقبل بعضهم على بعض : أي أقبل أهل الجنة.
    يتساءلون : عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها.
    إني كان لي قرين : أي كان لي صاحب ينكر البعث الآخر.
    يقول أئنك لمن المصدقين : أي يقول تبكيتًا لي وتوبيخاً أي بالبعث والجزاء.
    أئنا لمدينون : أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكارًا وتكذيبًا.
    هل أنتم مطلعون : أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب.
    فاطلع فرآه في سواء الجحيم : أي في وسط النار.
    تالله إن كدت لتردين : أي قال هذا تشميتاً به، ومعنى تردين تهلكني.
    لكنت من المحضرين : أي المسوقين إلى جهنم المحضرين فيها.
    أفما نحن بميتين : أمخلدون فما نحن بميتين، والاستفهام للتقرير أي نعم.
    إلا موتتنا الأولى : التي ماتوها في الدنيا.
    لمثل هذا فليعمل العاملون : أي لمثل هذا النعيم من الخلود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهم لبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إني كان لي في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وإنكاراً للبعث الآخر {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} أي بالبعث والجزاء على الأعمال في الدنيا. ويقول أيضًا مستبعدًا منكرًا " أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ " أي محاسبون ومجزيون. ثم قال ذلك القائل لبعض أهل مجلسه {هَلْ أَنْتُمْ(1) مُطَّلِعُونَ} أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها(2)، وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله {قَالَ تَاللَّهِ} أي والله {إِنْ كِدْتَ(3) لَتُرْدِينِ} أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا "وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي" عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له "أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى" والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم(4) مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم "لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى "لِمِثْلِ هَذَا " أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار "فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ" أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله رب العالمين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:
    1- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضًا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
    2- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
    3- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقليًا.
    4- لا موت في الآخرة وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم.
    5- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.

    (22)الكعبة المشرفة:
    لقوله تعالى:"إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)"{آل عمران:96}

    قال الإمام القاسمي- رحمه الله- في" محاسن التأويل" : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ " أي : لنسكهم وعباداتهم : " لَلَّذِي بِبَكَّةَ " أي : للبيت الذي ببكة ، أي : فيها . وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى .
    وبكة لغة في مكة ، فإن العرب تعاقب بين الباء والميم كما في قولهم : ضربة لازب ولازم ، والنميط والنبيط في اسم موضع بالدهناء ، وقولهم أمر راتب وراتم وأغبطت الحمى وأغمطت .
    وقيل : مكة البلد ، وبكة موضع المسجد ، سميت بذلك : لدقها أعناق الجبابرة ، فلم يقصدها جبار إلا قصمه الله تعالى ، أو لازدحام الناس بها من بكَّهُ إذا فرقه ووضعه وإذا زاحمه ، كما أن مكة من مكّهُ : أهلكه ونقصه ؛
    لأنها تهلك من ظلم فيها وألحد ، وتنقص الذنوب أو تنفيها كما في القاموس - وقد ذهب بعضهم إلى أن مكة هي ميشا أو ماسا المذكورة في التوراة ، وآخر إلى أنه مأخوذ من اسم واحد من أولاد إسماعيل وهو مسّا " مُبَارَكاً " أي : كثير الخير ، لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف عنده وطاف حوله ، من الثواب وتكفير الذنوب : " وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " لأنه قبلتهم ومتعبدهم .
    تنبيه :
    ذكر بعض المفسرين أن المراد بالأولية كونه أولاً في الوضع والبناء ، ورووا في ذلك آثاراً ، منها أنه تعالى خلق هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرضيين ، ومنها : أنه تعالى بعث ملائكة لبناء بيت في الأرض على مثال البيت المعمور ، وذلك قبل خلق آدم ، ومنها : أنه أول بيت وضع على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، وأنه خلق قبل الأرض بألفي عام . وليس في هذه الآثار خبر صحيح يُعول عليه . والمتعين أن المراد : أول بيت وضع مسجداً ، كما بينته رواية ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه في هذه الآية قال : كانت البيوت قبله ، ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله تعالى . (37)وفي الصحيحين عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الأَقْصَى ، قُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". (38)
    قال ابن القيم في " زاد المعاد " : وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به ، فقال : معلوم أن سليمان بن داود الذي بني المسجد الأقصى . وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام . وهذا من جهل القائل ، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه ، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم ، بعد بناء إبراهيم عليه السلام بهذا المقدار . انتهى .

    (23)مخالفة أصحاب الجحيم من اليهود والنصارى وغيرهم :
    وذلك لما أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقول في صلاتنا وخارجها : " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)"{الفاتحة:6-7}

    وقد روى الترمذي وغيره عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله أنه قال : " اليهود مغضوب عليهم ، و النصارى ضالون ".(39)
    وقال سفيان بن عيينة : كانوا يقولون : من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبهٌ من النصارى "

    (24) استقامة اللسان:
    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ،فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ ،فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ،فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ،فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ،وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".(40)

    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ،وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"(41)
    ـــــــــــــــــــ
    (1)"الاعتصام" (1/ 78، 79)باختصار ت: سليم الهلالي.
    (2)"خلق أفعال العباد"للإمام البخاري(230)
    (3)مسلم( 2577 )،وأحمد(21458)،والترمذي(2495)،وابن ماجة(4257).
    (4)مسلم (2721) ،وأحمد (3692،3950،)، ،والترمذي(3489)،وابن ماجة(3832).
    (5) مسلم(2725) ،وأحمد(664) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
    وأبو داود(4225).
    (6)شرح النووي على صحيح مسلم (17/44) .
    (7)صحيح :رواه الترمذي(3522) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4801)، وانظر "الصحيحة " (2091) .
    (8)صحيح : رواه أحمد(12128) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم ،و الترمذي (2140) وقال : حديث حسن صحيح ، وابن ماجة(3834)،وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7987).
    (9)صحيح:رواه أحمد(17667) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين ،وابن ماجة(199)وصححه الألباني في" صحيح الجامع " (7988).
    (10) مسلم (2654) ،وأحمد (6569).
    (11)حسن: رواه أحمد في"المسند"(3600) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.
    (12) البخاري(6593)،ومسلم(2293).
    (13)مسلم(2697)،وأحمد(15918) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
    (14) مسلم (770)،وأبو داود(767)والترمذي(3420)،وابن ماجة(1357)،والنسائي(1625) .
    (15)حسن صحيح:رواه أحمد في"المسند" (25145)قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حديث حسن ، ، وأبو داود(766، 5085)، والنسائي(1617،5535)، وابن ماجة(1356)وصححه الألباني.
    (16) مسلم(771)،وأحمد(803)،وأبو داود(760) ،والترمذي(3421،3422)،والنسائي (897) عن علي بن أبي طالب.
    (17) حسن :رواه الطبراني في"الكبير"وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (1266) .
    (18) مسلم (395)،وأحمد(7289)،وأبو داود(821)،وابن ماجة(3784) .
    (19)حسن: رواه أحمد في"المسند"(19161) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث حسن بطرقه ،وأبو داود(832)
    ،والنسائي(924)وحسنه الألباني، وابن حبان (1810)،قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن.
    (20)صحيح:رواه أحمد(23002) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ، والترمذي (3475)وصححه الألباني.
    (21)صحيح: رواه أحمد في" المسند (12226) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح،والترمذي(3544)،والنسائي
    (1300)وصححه الألباني.
    (22)البخاري(1120،7499)،ومسلم(769).
    (23)"مدارج السالكين"للإمام ابن القيم –رحمه الله-ط.دار التقوى-مصر-(ص:20-21)
    (24)حسن :رواه أحمد في"المسند"(3514) تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين غير كامل
    ،وأبو داود(850) ، والترمذي(284) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي ،و "مشكاة المصابيح "(900)وحسنه الألباني .
    (25)صحيح :رواه أحمد في" المسند (1718) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات ،وأبو داود(1425)،وابن ماجة(1178)،وابن حبان في" صحيحه(722،945)
    الشرح: ( رب أعني ) أي على الأعداء . ( ولا تعن علي ) أي لا تعن الأعداء علي .
    ( وامكر لي ) مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه . وقيل هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة
    ( رهابًا لك ) أي خوافًا خاشعًا .
    ( مخبًتا ) من الإخبات وهو الخشوع والتواضع
    ( أواهًا ) أي متضرعا وقيل بكاء .
    ( منيبًا ) من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة
    ( حوبتي ) أي إثمي . ( و اسلل ) أي انزع . ( السخيمة ) الحقد .
    (26)صحيح: رواه أحمد في" المسند"(1997) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير طليق بن قيس ، وأبو داود(1510)،والترمذي(3551)،وابن ماجة(3830)،وابن حبان(948)،وصححه الألباني.
    (27)مسلم (2867)،وأحمد(21701)عن زيد بن ثابت رضي الله عنه .
    (28) البخاري (1120) ،ومسلم (2717)، واللفظ له ،عن ابن عباس رضي الله عنه .
    (29) صحيح :رواه أبو داود (5094)،والترمذي(3427)،ابن ماجة( 3884 )،والنسائي(5486)، وصححه الألباني في "المشكاة " (2442).
    (30)صحيح : رواه أبو داود(3201) ، ابن ماجة(1498) ، وصححه الألباني – رحمه الله – في " صحيح ابن ماجة (1217) ، و" المشكاة (1675) عن أبي هريرة .
    (31)صحيح :رواه أحمد(8795) تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد ضعيف لضعف أيوب بن عتبة لكنه قد توبع وباقي رجاله ثقات ،والترمذي(1024)،وأبي يعلي في"مسنده"(6598) قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح ،وابن حبان(3073) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
    (32)لبخاري(5534)،ومسلم(2628)،وأحمد(190640).
    (33)حسن: رواه أحمد في"المسند"(8015،8398) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد ،وأبو داود (4833)، والترمذي(2378)0وحسنه الألباني.
    (34)"عون المعبود شرح سنن أبي داود"للمؤلف : محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب ،الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت.
    (35)رواه مسلم(2638)،وأحمد(10969)،وأبو داود(4834)،وابن حبان في "صحيحه)(6168).
    (36)حسن:رواه أحمد في"المسند(11355) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ،وأبو داود في"سننه"(4832)،والترمذي في "سننه"(2395)وحسنه الألباني.
    (37)"محاسن التأويل"للإمام محمد جمال الدين القاسمي
    (38)البخاري(3366)،ومسلم(520).
    (39)حسن:رواه الترمذي(2953،2954)وحسنه الألباني،وذكره ابن حجر في (8/9/ الفتح ) ط. الريان.
    (40)حسن: رواه أحمد في " المسند" (11927) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ،والترمذي(2407)،وأبو نعيم في"الحلية" والبيهقي في"شعب الإيمان"(وأبو يعلى في" مسنده"(1185)،وعبد بن حميد في"مسنده"(979).
    (41)رواه أحمد في" المسند" (13071) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف ، و" البيهقي في" شعب الإيمان"(8)عن الحسن عن بعض أصحابه، وابن أبي الدنيا في "الصمت"وحسنه الألباني في" السلسلة الصحيحة"(2841)،و" صحيح الترغيب والترهيب" (2554،2865).
يعمل...
X