سبحان من جعل القوة سببًا لضعف الأقوياء وسبحان من جعل الضعف قوة للضعفاء
لقد ظن أكثر الناس قبل سنوات قلائل أن الغرب لا قوة تغلبهم وقد رأوا أساطيلهم تغطي البحار، وطائراتهم العملاقة تحلق في السماء، وأيقنوا أن لا شيء يهز اقتصادهم وقد بلغت صناعاتهم ما بلغت، وخيرات باطن الأرض تتدفق عليهم من كل مكان، وأعلنوا أن القرن قرنهم، وأن العالم كله مسخر لهم، وأن الدول تحت أيديهم وتصرفهم، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الْحَشْرِ: 2]، وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يُونُس: 24].
أيها المسلمون
لو جاءهم البلاء من قارعة سماوية أو عاصفة بحرية أو ريح عاتية لقال الناس: عذاب كعذاب الأمم المكذبة قبلهم، ولو ضربوا بفعل البشر لقيل: إنهم أخذوا على حين غرة وانتقامهم سيكون شديدًا أليمًا، أو هي خدعة سياسية يبتزون العالم بها، ويسوغون تدخلاتهم في الدول، ولكن البلاء جاءهم من نظريتهم الرأسمالية التي حاربوا عليها الاشتراكية سبعين سنة، وطوعوا العالم كله في منظمة التجارة العالمية وقوانين السوق الحرة المفتوحة.
لقد جاءهم العذاب من نظريتهم التي بنوها بأنفسهم، ويرونها الآن تسير إلى طريق الانهيار، بلا علم منهم بأسباب ذلك ولا آثاره الحقيقية ولا نتائجه الأكيدة، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفَتْحِ: 7]، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [الْمُدَّثِّرِ: 31].
عباد الله، منذ سنوات والشهادات تتوالى من عقلاء الغرب ورجالات الاقتصاد تنبه إلى خطورة الأوضاع التي يقود إليها النظام الرأسمالي، وضرورة البحث عن خيارات بديلة تصب في مجملها في خانة البديل الإسلامي.
فالغرب يحاول الآن الاتجاه نحو الاقتصاد الإسلامي كمحاولة للخروج من أزمته المالية الطاحنة، يقول أحد رؤساء التحرير في الصحافة الفرنسية: "لقد آن الأوان لأن يعتمد على الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي؛ لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة".
وفي استجابة على ما يبدو لهذه النداءات أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية ـ وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك ـ قرارًا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في سوق المنظمة الفرنسية.
والسؤال ـ عباد الله ـ الذي يفرض نفسه هو: هل سينجح العرب والمسلمون في استغلال هذه الأزمة لصالح تطوير النظام الاقتصادي الإسلامي والاستثمار في بلادهم بدلا من بلاد الغرب؟
وهل ستتوب الدول التي تقوم اقتصادياتها على الربا والغرر والقمار والحرية المطلقة الظالمة من ذلك وتستفيد مما حصل وتتعظ قبل أن ينالها ما نال أكبر اقتصاد في العالم؟
إذا كنـت في نعمة فارعهـا فإن الذنوب تزيـل النعم
و حطها بطاعة رب العبـاد فرب العبـاد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم
و سافر بقلبك بين الـورى لتبصر آثـار من قد ظلم
فتلك مسـاكنهم بعدهـم شهـود عليهم ولا تتهم
صلوا بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم
وأقوال الرسول لنا كتابا وجدنا فيه أقصا مبتغانا
وعزتنا بغير الدين ذل وقدوتنا شمائل مصطفانا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
تعليق