(( حوار هادئ مع متشيع ))
(الحلقة الأولى)
الجزء الأول (بداية على غير المتوقع)
استقبلته بعد صلاة العشاء بقليل ... سلمت عليه بحفاوة ... علمت أنه يعمل طبيبا وله أسرة وأولاد ... ويعيش في نفس المدينة التي أعيش فيها.
وكان انطباعي الأول:
رأيت إنسانا مهذبا دمث الخلق ... أحسبه باحثا عن الحق ... يحب دينه ... ويتحير كيف ينصره؟ ... يحب آل البيت ويتحير كيف ينصرهم؟ ...
لم أشأ أن افتتح معه الحوار مباشرة ... فنبدأ بالصدام
ولكني بادرته قائلا (بوجه مبتسم) :مرحبا بك فيما تريد أن نتحدث.
قال: النور المحمدي.
شعرت أنه يتهرب من الدخول في أصل الحوار عن تشيعه (المزعوم)
قلت: وماذا عن النور المحمدي؟
قال: حديث جابر (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر قبض قبضة من وجهه وقال كوني محمدا)
فرددت:وهل يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: نعم
قلت: بل هو حديث مكذوب حكم عليه كثير من علماء الحديث بالوضع والنكارة.
قال: ومن قال ذلك؟
قلت: ما رأيك نبحث عن هذا الحديث من مصادر بحث موثقة؟
فتحت محرك البحث
فوجدت نص الحديث عن جابر- رضي الله عنه- قال : سألت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن أول شئ خلقه الله تعالى؟ فقال: ((هو نور نبيك يا جابر ... )) وهو حديث طويل نسبيا
وهو حديث مشهور بين الصوفية ذكره غير واحد منهم ...
وقد عزاه بعض رؤوس المتصوفة لـ(مصنف عبد الرزاق)(وهذا كذب وافتراء) و السيوطيُّ في الخصائص الكبرى والقسطلاني وابن عربي الصوفي وأحمد رضا البريلوي ومحمد عثمان عبده البرهاني وجماعة آخرون من المتصوفة ، كما ذكره الديار بكري في "الخميس في سيرة أنفس نفيس"
و الحديث له ألفاظ عديدة... وبعض الشواهد الباطلة التي قد يتوهم بعض من لا علم له بفن الحديث أنها تشهد لهذا الحديث الباطل المكذوب .
وهذا حديث بحق موضوع لا أصل له في شيء من كتب الحديث.
وقد رَدَ على السيوطي سؤال صيغته: هل الوارد في الحديث أن الله تعالى خلق نور محمد -صلى الله عليه وسلم- فجزأه أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول العرش وخلق من الجزء الثاني القلم وخلق من الثالث اللوح ثم قسم الرابع وجزأه أربعة أجزاء وخلق من الجزء الأول العقل وخلق من الجزء الثاني المعرفة وخلق من الجزء الثالث نور الشمس والقمر وبور الأبصار ونور النهار وجعل الجزء الرابع تحت ساق العرش مدخوراً) يقتضي أن نور الشمس غير نور النهار أم لا؟
فكان مما أجاب: والحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه.ا.هـ
الحاوي للفتاوي (1/223-325)
و قال عبد الله بن الصديق الغماري- معلقاً على كلام السيوطي - ( وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع ، واضح النكارة ، وفيه نفس صوفي…إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق مع أنه لا يوجد في مصنفه ولا تفسيره ولا جامعه وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدق هذا العزو المخطيء فركب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر ، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له فجابر –رضي الله عنه- بريء من رواية هذا الحديث وعبد الرزاق لم يسمع به) ملحق قصيدة البردة لعبد الله الغماري(ص/75).
وقال أحمد بن الصديق الغماري: مستدركاً على السيوطي- أيضاً -: (وهو حديث موضوع لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه ، وبقيته تقع في ورقتين من القطع الكبير؛ مشتملة على ألفاظ ركيكة ، ومعاني منكرة) المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير(المقدمة:ص/7)
وحكم بوضعه الشيخ محمد أحمد عبد القادر الشنقيطي- رحمه الله - في رسالة خاصة سماها: "تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق" .
وأقره عليه وقرظ رسالته الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله-.
وقال اللكنوي: (قد ثبت من رواية عبد الرزاق أولية النور المحمدي خلقاً ، وسَبْقته على المخلوقات سبقاً وقد اشتهر بين القصاص حديث : (( أول ما خلق الله نوري )) وهو حديث لم يثبت بهذا المبنى وإن ورد غيره موافقاً له في المعنى) الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة(ص/43).
فقوله: ( ثبت) باطل ومردود بما سبق بيانه.
وقوله : (ورد غيره موافقاً له في المعنى) باطل -أيضاً- ليس له مستند من الكتاب ، ولا من السنة ؛ بل هو مردود من وجوه:
الوجه الأول: أنه لم يرد فيما ادعاه نص من كتاب ، ولا سنة ؛ فهو قول على الله بلا علم.
الوجه الثانى: ما ورد من حديث أبي رزين- رضي الله عنه-أنه قال: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: ( كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء) رواه أحمد في مسنده(4/11) والترمذي في سننه (5/288 رقم3109) وابن ماجه (1/64رقم182) وابن حبان في صحيحه (14/8-9رقم6141) وغيرهم وهو حديث حسن.
فالحديث صريح في أن العرش أو الماء أول المخلوقات ، ولو كان النور المحمدي- بزعمهم- مخلوقاً لما أغفله النبي –صلى الله عليه وسلم-.
الوجه الثالث: أن المحققين من أهل العلم لم يقل أحد منهم-فيما وقفت عليه- بأن النور المحمدي-بزعمهم- أول مخلوق وإنما هو من دين الصوفية ومن قلدهم الذي فارقوا به جماعة المسمين والله أعلم.
الوجه الرابع: أنه على رواية( أول ما خلق الله نور نبيك من نوره) باطل لمعارضته لبشرية النبي-صلى الله عليه وسلم- إذ من المقطوع به أن نبينا محمداً-صلى الله عليه وسلم-من بني آدم وآدم خلق من طين لا من نور.
وفي الحديث غير ما سبق ذكره من المخالفات وانظرها في رسالة الأخ الصادق محمد إبراهيم الموسومة بـ"خصائص المصطفى بين الغلو والجفا"(ص/83-89).
ثم إن ثبت الحديث –ودون ذلك خرط القتاد- فمعناه : أنه –صلى الله عليه وسلم-أول ما خلق الله من النبيين كما في حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم- (( كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث)) رواه ابن أبي حاتم[كما في تفسير ابن كثير(ص/1052)] وابن عدي في الكامل (3/49،372، 373) وأبو نعيم في الدلائل(ص/6) وتمام في الفوائد (4/207 رقم 1399) وغيرهم وضعفه الألباني-رحمه الله- في “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”(2/115رقم661)
وسنده ضعيف ، والصحيح أنه عن قتادة مرسلاً رواه ابن سعد في الطبقات(1/149) وأبو نعيم في الدلائل [ كما في البداية والنهاية (2/298)
وعليه فجميع الرواة المتخصصين الذي عزا لهم الصوفية الحديث (واحتجوا بهم) حكموا بكذبه ووضعه ونكارته أما غير المتخصصين فهم مجرد نقلة لا علم لهم بعلم الحديث وعلله.
والله أعلم.
تنبيه
أردت بهذا التفصيل أن أظهر لمحدثي أن علم الحديث والبحث في دروبه لا يتقنه إلا من بذل الوقت والجهد وأن العلم ليس بالكلام المرسل الذي لا أصل له بل بالكلام المسند الذي شهد له العلماء المشهود لهم بالعلم.
ورد محدثي (أتدرون ماذا قال؟):
(هذا ما أنقله لكم في الحلقة الثانية من الجزء الأول)
وكتبه: أمين بن عباس - عفا الله عنه -
(الحلقة الأولى)
الجزء الأول (بداية على غير المتوقع)
استقبلته بعد صلاة العشاء بقليل ... سلمت عليه بحفاوة ... علمت أنه يعمل طبيبا وله أسرة وأولاد ... ويعيش في نفس المدينة التي أعيش فيها.
وكان انطباعي الأول:
رأيت إنسانا مهذبا دمث الخلق ... أحسبه باحثا عن الحق ... يحب دينه ... ويتحير كيف ينصره؟ ... يحب آل البيت ويتحير كيف ينصرهم؟ ...
لم أشأ أن افتتح معه الحوار مباشرة ... فنبدأ بالصدام
ولكني بادرته قائلا (بوجه مبتسم) :مرحبا بك فيما تريد أن نتحدث.
قال: النور المحمدي.
شعرت أنه يتهرب من الدخول في أصل الحوار عن تشيعه (المزعوم)
قلت: وماذا عن النور المحمدي؟
قال: حديث جابر (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر قبض قبضة من وجهه وقال كوني محمدا)
فرددت:وهل يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: نعم
قلت: بل هو حديث مكذوب حكم عليه كثير من علماء الحديث بالوضع والنكارة.
قال: ومن قال ذلك؟
قلت: ما رأيك نبحث عن هذا الحديث من مصادر بحث موثقة؟
فتحت محرك البحث
فوجدت نص الحديث عن جابر- رضي الله عنه- قال : سألت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن أول شئ خلقه الله تعالى؟ فقال: ((هو نور نبيك يا جابر ... )) وهو حديث طويل نسبيا
وهو حديث مشهور بين الصوفية ذكره غير واحد منهم ...
وقد عزاه بعض رؤوس المتصوفة لـ(مصنف عبد الرزاق)(وهذا كذب وافتراء) و السيوطيُّ في الخصائص الكبرى والقسطلاني وابن عربي الصوفي وأحمد رضا البريلوي ومحمد عثمان عبده البرهاني وجماعة آخرون من المتصوفة ، كما ذكره الديار بكري في "الخميس في سيرة أنفس نفيس"
و الحديث له ألفاظ عديدة... وبعض الشواهد الباطلة التي قد يتوهم بعض من لا علم له بفن الحديث أنها تشهد لهذا الحديث الباطل المكذوب .
وهذا حديث بحق موضوع لا أصل له في شيء من كتب الحديث.
وقد رَدَ على السيوطي سؤال صيغته: هل الوارد في الحديث أن الله تعالى خلق نور محمد -صلى الله عليه وسلم- فجزأه أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول العرش وخلق من الجزء الثاني القلم وخلق من الثالث اللوح ثم قسم الرابع وجزأه أربعة أجزاء وخلق من الجزء الأول العقل وخلق من الجزء الثاني المعرفة وخلق من الجزء الثالث نور الشمس والقمر وبور الأبصار ونور النهار وجعل الجزء الرابع تحت ساق العرش مدخوراً) يقتضي أن نور الشمس غير نور النهار أم لا؟
فكان مما أجاب: والحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه.ا.هـ
الحاوي للفتاوي (1/223-325)
و قال عبد الله بن الصديق الغماري- معلقاً على كلام السيوطي - ( وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع ، واضح النكارة ، وفيه نفس صوفي…إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق مع أنه لا يوجد في مصنفه ولا تفسيره ولا جامعه وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدق هذا العزو المخطيء فركب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر ، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له فجابر –رضي الله عنه- بريء من رواية هذا الحديث وعبد الرزاق لم يسمع به) ملحق قصيدة البردة لعبد الله الغماري(ص/75).
وقال أحمد بن الصديق الغماري: مستدركاً على السيوطي- أيضاً -: (وهو حديث موضوع لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه ، وبقيته تقع في ورقتين من القطع الكبير؛ مشتملة على ألفاظ ركيكة ، ومعاني منكرة) المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير(المقدمة:ص/7)
وحكم بوضعه الشيخ محمد أحمد عبد القادر الشنقيطي- رحمه الله - في رسالة خاصة سماها: "تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق" .
وأقره عليه وقرظ رسالته الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله-.
وقال اللكنوي: (قد ثبت من رواية عبد الرزاق أولية النور المحمدي خلقاً ، وسَبْقته على المخلوقات سبقاً وقد اشتهر بين القصاص حديث : (( أول ما خلق الله نوري )) وهو حديث لم يثبت بهذا المبنى وإن ورد غيره موافقاً له في المعنى) الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة(ص/43).
فقوله: ( ثبت) باطل ومردود بما سبق بيانه.
وقوله : (ورد غيره موافقاً له في المعنى) باطل -أيضاً- ليس له مستند من الكتاب ، ولا من السنة ؛ بل هو مردود من وجوه:
الوجه الأول: أنه لم يرد فيما ادعاه نص من كتاب ، ولا سنة ؛ فهو قول على الله بلا علم.
الوجه الثانى: ما ورد من حديث أبي رزين- رضي الله عنه-أنه قال: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: ( كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء) رواه أحمد في مسنده(4/11) والترمذي في سننه (5/288 رقم3109) وابن ماجه (1/64رقم182) وابن حبان في صحيحه (14/8-9رقم6141) وغيرهم وهو حديث حسن.
فالحديث صريح في أن العرش أو الماء أول المخلوقات ، ولو كان النور المحمدي- بزعمهم- مخلوقاً لما أغفله النبي –صلى الله عليه وسلم-.
الوجه الثالث: أن المحققين من أهل العلم لم يقل أحد منهم-فيما وقفت عليه- بأن النور المحمدي-بزعمهم- أول مخلوق وإنما هو من دين الصوفية ومن قلدهم الذي فارقوا به جماعة المسمين والله أعلم.
الوجه الرابع: أنه على رواية( أول ما خلق الله نور نبيك من نوره) باطل لمعارضته لبشرية النبي-صلى الله عليه وسلم- إذ من المقطوع به أن نبينا محمداً-صلى الله عليه وسلم-من بني آدم وآدم خلق من طين لا من نور.
وفي الحديث غير ما سبق ذكره من المخالفات وانظرها في رسالة الأخ الصادق محمد إبراهيم الموسومة بـ"خصائص المصطفى بين الغلو والجفا"(ص/83-89).
ثم إن ثبت الحديث –ودون ذلك خرط القتاد- فمعناه : أنه –صلى الله عليه وسلم-أول ما خلق الله من النبيين كما في حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم- (( كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث)) رواه ابن أبي حاتم[كما في تفسير ابن كثير(ص/1052)] وابن عدي في الكامل (3/49،372، 373) وأبو نعيم في الدلائل(ص/6) وتمام في الفوائد (4/207 رقم 1399) وغيرهم وضعفه الألباني-رحمه الله- في “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”(2/115رقم661)
وسنده ضعيف ، والصحيح أنه عن قتادة مرسلاً رواه ابن سعد في الطبقات(1/149) وأبو نعيم في الدلائل [ كما في البداية والنهاية (2/298)
وعليه فجميع الرواة المتخصصين الذي عزا لهم الصوفية الحديث (واحتجوا بهم) حكموا بكذبه ووضعه ونكارته أما غير المتخصصين فهم مجرد نقلة لا علم لهم بعلم الحديث وعلله.
والله أعلم.
تنبيه
أردت بهذا التفصيل أن أظهر لمحدثي أن علم الحديث والبحث في دروبه لا يتقنه إلا من بذل الوقت والجهد وأن العلم ليس بالكلام المرسل الذي لا أصل له بل بالكلام المسند الذي شهد له العلماء المشهود لهم بالعلم.
ورد محدثي (أتدرون ماذا قال؟):
(هذا ما أنقله لكم في الحلقة الثانية من الجزء الأول)
وكتبه: أمين بن عباس - عفا الله عنه -
تعليق