إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفِكرُ الحنبلي :

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفِكرُ الحنبلي :

    الفِكرُ الحنبلي :


    أطلق العلماء على أهل المذهب الحنبلي إسم ( أهل الأثر ) ، كما أطلقوا على أهل المذهب الحنفي إسم (أهل الرأي ) ، لارتجاع علماء الحنابلة بصفة مقامية أثناء التحليل والاستدلال في الأحكام الشرعية - في الأصول والفروع - إلى الكتاب والسّنّة .
    ممّا يدلّ على ذلك ، قول أحمد للأشاعرة القائلين بحَدَث القرآن :
    كيف أقول ما لم يُقَل -أي ما لم يقوله السلف -.
    وكذا قول الحنابلة أن محلّ العقل في القلب ، لقوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) .
    ويمتاز المذهب الحنبلي بقوة الأدلة التي يبني عليها أحكامه الشرعية، والرد على المخالفين وعلى الفِرق الضالة ..
    قال ابن كثير : يصعب على المبتدع أن يعيش في مكان يكثر به الحنابلة .
    كما وصف أبو الوفاء بن عقيل طائفة الحنابلة بقوله :
    والغالب على أحداث طائفة أصحاب أحمد العفة، وعلى مشايخهم الزهادة والنظافة.
    وقال ابن رجب :قرأتُ بخط الحافظ أبي محمد البرزالي قال: قرأتُ بخط الحافظ ضياء الدين المقدسي، قال:
    كتب بعضُهم إلى أبي الوفاء بن عقيل يقول له: صِف لي أصحابَ الإمام أحمد على ما عرفتمن الإنصاف.
    فكتب إليه يقول: هُم قوْم خُشُنٌ ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة، وغلظت طباعهم عن المداخلة، وغلب عليهم الجدّ، وقلَّ عندهم الهزل، وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءاة، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات، وتمسكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة، فلم يدققوا في العلوم الغامضة، بل دققوا في الورع، وأخذوا ما ظهر من العلوم، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشية باريها. لم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا، إنما غلبت عليهم الشناعة لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار. والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة، خالية من البدع، سوى من سلك هذا الطريق. والسلام.

    التعديل الأخير تم بواسطة راجية حب الرحمن; الساعة 12-01-2013, 02:29 PM. سبب آخر: التنسيق بارك الله فيكم

  • #2
    رد: الفِكرُ الحنبلي :

    ينسب المذهب الحنبلي إلى الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد الله الذهلي (164هـ - 241هـ)، ولد ببغداد ونشأ بها ورحل إلى المدن الأخرى لطلب العلم وتفقه على يد الشافعي حين قدم إلى بغداد، وصار مجتهدا مستقلا، واهتم بجمع السنة وحفظها حتى صار إمام المحدثين في عصره.
    وقد عدّه البعض (مثل الطبري) محدثا فقط، لا فقيها..
    وقد ردّ أبو الوفاء بن عقيل هذا الكلام وقال :
    ومن عجيب ما نسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه مُحَدِّث. وهذا غاية الجهل لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم. وخرج عنه من دقيق الفقه ما لا تراه لأحد منهم... وما يقصد هذا إلا مبتدع، قد تمزق فؤاده من خمود كلمته، وانتشار علم أحمد، حتى إن أكثر العلماء يقولون: أصلي أصلُ أحمد، وفرعي فرع فلان. فحسبك بمن يرضى به في الأصول قدوة.
    وكان يقول: هذا المذهب إنما ظلمه أصحابه لأن أصحاب أبي حنيفة والشافعي إذا برع واحد منهم في العلم تولى القضاء وغيره من الولايات. فكانت الولاية لتدريسه واشتغاله بالعلم. فأما أصحاب أحمد: فإنه قل فيهم من تعلق بطرفٍ من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد والتزهد لغلبة الخير على القوم، فينقطعون عن التشاغل بالعلم-انتهى كلام ابن عقيل .

    وأصول مذهبه قريبة من أصول الشافعي حيث يعتمد على الكتاب والسنة والاجماع وفتوى الصحابي والقياس، وعرف عنه أنه يقدم الحديث على ما سواه ، وإذا وجد فتوى لصحابي يقدمها على أي رأي أو قياس.
    من أشهر تلامذته :
    ابنه صالح بن أحمد بن حنبل
    ابنه عبد الله بن أحمد
    أبو بكر الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ
    أبوبكر المروذي أحمد بن محمد بن الحجاج
    إبراهيم بن إسحاق الحربي.
    ينتشر المذهب الحنبي في نجد والخليج ومصر والشام.
    ولمّا دخل السلطان جلال الدولة إلى بغداد، ومعه وزيره نظام الملك، سنة أربع وثمانين، قال النظام: أريدُ أن أستدعي بهم، وأسألهم عن مذهبهم، فقد قيل: إنهم مجسمة - يعني: الحنابلة.
    قال ابن عقيل: فأحببتُ أن أصوغ لهم كلامًا يجوز أن بقال إذًا، فقلت: ينبغي لهؤلاء الجماعة أن يُسألوا عن صاحبنا؟ فإذا أجمعوا على حفظه لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، إلا ما كان للرأي فيه مدخل من الحوادث الفقهية، فنحن على مذهب ذلك الرجل الذي أجمعوا على تعديله، على أنهم على مَذهب قومٍ أجمعنا على سلامتهم من البدعة. فإن وافقوا على أننا على مذهبه فقد أجمعوا على سلامتنا معه؟ لأن متبع السليم سليم. وإن ادّعوا علينا أنّا تركنا مذهبه، وتمذهبنا بما يخالف الفقهاء، فليذكروا ذلك ليكون الجواب بحسبه. وإن قالوا: أحمد ما شبَّه وأنتم ما شبَّهتم، قلنا: الشافعي لم يكن أشعريًّا، وأنتم أشعرية. فإن كان مكذوبًا عليكم فقد كذب علينا. ونحن نفزع من التأويل مع نفي التشبيه، فلا يُعَاب علينا إلا ترك الخوض والبحث وليس بطريقة السلف. ثم ما يريد الطاعنون علينا، ونحن لا نزاحمهم على طلب الدنيا.
    التعديل الأخير تم بواسطة راجية حب الرحمن; الساعة 12-01-2013, 02:37 PM. سبب آخر: التنسيق بارك الله فيكم

    تعليق


    • #3
      رد: الفِكرُ الحنبلي :


      الأصول في الفكر الحنبلي :

      الله عزّ وجلّ :

      وهو ما حكاه ابن الجوزي في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوّلُ و الآخِرُ .. ) :

      أول ليس له مبدأ، آخر جلّ عن منتهى، ظاهر بالدليل، باطن بالحجاب، يثبته العقل ولا يدركه الحس، كل مخلوق محصور، بحد مأسور في سور قطر، والخالق بائن مباين يعرف بعدم مألوف التعريف..
      إنما يقع الإشكال في وصف من له أشكال، وإنما تضرب الأمثال لمن له أمثال، فأما من لم يزل ولا يزال فما للحس معه مجال، عظمته عظمت عن نيل كف الخيال.
      كيف يقال له كيف، والكيف في حقه محال، أنى تتخايله الأوهام وهي صنعه، كيف تحده العقول وهي فعله، كيف تحويه الأماكن وهي وضعه، انقطع سير الفكر، وقف سلوك الذهن، بطلت إشارة الوهم، عجز لطف الوصف، عشيت عين العقل، خرس لسان الحس، لا طور للقدم في طور القدم، عز المرقى فيأس المرتقى، بحر لا يتمكن منه غايص، ليل لا يبين للعين فيه كوكب.
      جادة التسليم سليمة، وادي النقل بلا نقع، انزل عن علو غلو التشبيه، ولا تعل قلل أباطيل التعطيل، فالوادي بين جبلين، المشبه متلوث بفرث التجسيم، والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق لبن خالص هو التنزيه..
      ما عرفه من كيفه، ولا وحده من مثله، ولا عبده من شبهه، المشبه أعشى، والمعطل أعمى.
      فما ينزه عنه فم، فيما يجب نفيه بثم جل وجوب وجوده عن رجم لعل، سبق الزمان فلا يقال كان إذ، تمجد في وحدانيته عن زحام مع، تفرد بالإنشاء فلا يستفهم عن الصانع بمن، أبرز عرايس المخلوقات من كنّ كن، بث الحلم فلم يعارض بلم، تعالى عن بعضية من، وتقدس عن ظرفية في، وتنزه عن شبه كان، وتعظم عن نقص لو أن، وعز عن عيب إلا أن، وسما كماله عن تدارك لكن.
      إن وقف ذهن بوصفه صاح العز جز، إن سار فكر نحوه قالت الهيبة عد، إن قعد اللسان عن ذكره قال القلب قم، إن تجبر متكبر قال القهر شم، إن سأل محتاج قال الإنعام رش، إن تعرض فقير قال الوفر فر، إن سكت مذنب حيا قال الحلم قل، إن بعد ذو خطاء نادى اللطف إبْ، نثر عجايب النعم وقال للكل خذ.
      من بيان عظمته "رفيع الدرجات" من أثر قسره "تُسبِّح له السماوات" توقيع أمره "يأمر بالعدل" واقع زجره "ينهى عن الفحشاء" ينادي على باب عزته "لا يُسأل" يصاح على محجة حجته "لمن الأرض ومن فيها" ينذر جاسوس علمه "ما يكون من نجوى ثلاثة" يقول جهبذ طوله "وإن تعدُّوا نعمة الله" يترنم منشد فضله "لا تقنطوا" --انتهى.

      واعلم أن مذهب الحنابلة في الأسماء والصفات الإيمان بها توقيفاً ، وتحريم تأويلها ،إذ يُعتبرتأويلها خطراً عظيماً و غرراً جسيماً وإثماً موبقاً و دخولاً في من قال الله عز وجل في حقه : (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله )...
      قال أبو الوفاء ابن عقيل :
      مذهب السلف وأئمة الخلف الايمان بالأسماء و الصفات توقيفاً لا يخرج عن ظاهرها إلى تأويل دليل العقول و شواهد النظر ..و لا يقومون بتفتيش صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله وتلقتها الصحابة و القرابة بالإيمان بها و التسليم لها من غير رد و لا تأويل لها كما ابتدعته الاشاعرة والكلابية ومن وافقهما من المبتدعة ..و قد علموا بأن النقل لما وصل إليهم ..أنه سئل عليه السلام عن الروح أهو شيء مخلوق يناله الحدوث ؟ ..قال الله له : (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )..فلما شذَّ عنهم علم باب صفة الروح من أوصافنا ..فبأن نمنع من تفتيش وصفه أولى و أحرى ..فوجب أن نتلقاه تسليما ..و لا نكيّف فنقول ما اليدان وما النفس وما المجيء وما الإتيان وما الوجه وما السمع وما البصر وما النزول وما الضحك؟..وجميع الصفات التي نقلها الثقات والأئمة الأثبات ..فيكون سؤالنا عن أوصافه بعد كتمه هذا وصفا من أوصافنا غباوة وجهلا..بل نقول كما قال و نمسك عما وراء ذلك ..ولو قدمنا على أخذها بقياس أفعالنا جاء من هذا الكفر المحض ..فإن من بنى فأتقن ثم هدم ..وجمع ثم فرّق ..وأمكن من مخالفته فأنظر إبليس مع علمه بأن انظاره يعود بفساد أكثر خلقه و مخالفة أكثر أوامره ..وهذا جميعه في الواحد منّا سفه وهو جل وعز منه حكمة ..فإذا كانت أفعاله كذا لا يقوم لها تأويل ولا يصح في العقل لها تعطيل ..كان غاية أمرنا التسليم ..فأوصافه أولى لان مفعولاته مخلوقة و أوصافه قديمة..
      ووجدنا رواة أخبار الصفات أئمة المسلمين و صدورهم و المرجوع إليهم في الفتاوى كسفيان الثوري ومالك بن انس و الحمادين وبن عيينة و الاوزاعي وأحمد و الشافعي ...الخ وغير هؤلاء من الحفاظ الاثبات هم والله سرج البلاد و نور العباد ..فغير جائز أن يكون خبرهم إلا صحيحا ..
      وقد ذكر ابن الانباري عن ابن مسعود و ابن عباس قوله تعالى : (و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به )..قالوا كلهم بأجمعم :الواو للإستئناف و ليست عاطفة ..وذكر ابو سليمان البستي أن الوقف التام في هذه الآية عند قوله : (إلا الله ) وما بعده استئناف .
      وقال إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه : لا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ..وقال ايضا : قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمان ..وقال : خلق آدم على صورته وخلق آدم بيده ..كل ذلك نقول به لورود الحديث به ...وذكر ابو عيسى الترمذي في كتابه : (و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة منها رؤية الرب يوم القيامة وذكر القدم و ما أشبه هذه الأشياء ..والمذهب في هذا كله عند أهل العلم مثل سفيان و مالك و ابن المبارك ووكيع و ابن عيينة و غيرهم أنهم قالوا : أمِّروها و لا تقولوا كيف ؟ و هذا أمر أهل العلم الذي اختاروه و ذهبوا إليه )..-انتهى.

      مسألة القرآن :

      قال الإمام أحمد رضي الله عنه : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر..
      قال عبد الله بن احمد :قال أبي : تكلم الله بصوت ..وقال : لا ينكر هذا الا الجهمية....
      وقال إمامنا أحمد لابي أحمد الاسدي : يوجه القرآن على خمس جهات : حفظ بالقلب وتلاوة باللسان وسمع بأذن وبصر بعين وخط بيد..فأشكل علي قوله وبقيت متحيرا في ذلك ..فقال لي : ما حالك ؟..القلب مخلوق و المحفوظ به غير مخلوق ..و اللسان مخلوق و المتلو به غير مخلوق والاذن مخلوقة والمسموع اليها غير مخلوق..واليد مخلوقة و المخطوط بها غير مخلوق ..و العين مخلوقة والمنظور اليها غير مخلوق..قال فقلت :يا ابا عبد الله .. العين تنظر الى السواد و الورق..فقال لي :مه..أصح شيء في هذا ...(لا تسافروا بالقرآن الى ارض العدو )..ولم يذكر حبرا ولا ورقا ..وهل نهاهم الا عن الحروف المضمنة فيه ؟

      وقال أبو الوفاء ابن عقيل ردّاً على القائلين بِحدَث القرآن -كالأشاعرة -:
      الاشاعرة تقول : إن جبريل لم يسمع كلام الله من الله ..و القراءة عندهم والتلاوة و الكتابة مخلوقة..و القرآن صفة قائمة في نفس المتكلم لا تظهر لاحساس المكلفين ..وانما الحروف والاصوات حكايتها ..واعتمدوا على نفي الحروف والاصوات بأن الحروف متغايرة مختلفة : الألف غير الجيم ..والميم غير الغين..و القديم لا يتغير ولا يختلف لانه ذات واحدة ..ولان الاصوات تحتاج الى اصطكاك اجرام..والحروف تحتاج الى مخارج مخصوصة من مجوفات الاجسام ..و الباري تعالى ليس بجسم ولا ذي آلات ولهوت..فبطل أن يكون الكلام الا وصفا قائما بنفس المتكلم ..
      وهذا باطل والجواب عنه من وجوه :
      احدها : من حيث اللغة .و الثاني : القرآن المرتب بظهوره على اللغة .و الثالث : السنة .والرابع : أدلة العقول. .أما طريق اللغة فإنه إجماع أهل اللسان على أن الممسك عن الحروف والاصوات من غير آفة ساكت ..وإن كان يمكن أن يكون متفكرا..فلو كان الكلام هو تصوير في النفس لكان المتفكر أحق باسم المتكلم من الذي تظهر منه الحروف والاصوات ..ولوجب ألا يسمى القارئ غير المتفكر فيما يقوله متكلما ..ولوجب ان يكون المعتبر متكلما ..لانه على أصلهم متكلم ..وسقط عنه تسمية الاعتبار و التفكر وإن لم يبد منه النطق وإنما قام فيه فكر في النفس..وأجمع فقهاء شريعة الاسلام على ان من حلف لا يتكلم ثم تفكر لم يحنث..وبخلاف هذا من ظهرت منه الحروف والاصوات سمي متكلما وان لم يكن له فكر ولا اعتبار ..ولهذا سمى الله الايدي والارجل متكلمة بقوله : (وتكلمنا ايديهم )..لكونها تنطق بالشهادة عليهم و ان لم يوجد منها فكر ولم يكن لها نفس يقوم بها الكلام الذي يشير اليه الاشاعرة .
      ولهذا قال الله عز وجل : (ولا يكلمهم الله يوم القيامة ) ..ولا يخلو انه عز وجل يريد ألاّ يسمعهم صوته ووليس ألاّ يكون في نفسه كلام لهم ..
      لان عند الاشعري أن كلام الله الذي هو وعيد الكفار وامرهم ونهيهم هو قائم في نفسه اليوم ويوم القيامة وكل يوم من ايام الابد لا يزول عنه..لم يبق إلا انه اراد ألاّ يسمعهم صوته ..فثبت أن كلامه تعالى هو الصوت المسموع بالمعاني المخصوصة ليقع به الفهم..فهذا دليل اللغة.
      وأما دليل الكتاب فقوله تعالى : ( حتى يسمع كلام الله ) فسمى الذي سمع من القارئ كلاما له .. وعند الاشعري ان المسموع ليس بكلام وانما الكلام هو المعنى القائم بالنفس..وهذا خلاف ظاهر لنصه سبحانه و تعالى.
      وقال تعالى ; ( و إذ نادى ربك موسى )..وقال : ( وانا اخترتك فاستمع لما يوحى )..الى قوله (انني انا الله )..فقرن النداء بالسمع ..ومعلوم ان السمع لا يحله شيء سوى الصوت ..سيما وقد قرن به النداء ..و النداء لا يكون إلا صوتا..
      وفي سياق الاية (انني انا الله )...ولا يقول غير الله (انني انا الله ) إلا ويكون كاذبا..كيف وقد خص الله ذلك بقوله : (ومن يقل منهم اني اله فذك نجزيه جهنم ..وقد عنَّف نبيا من انبيائه بقوله : (آنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله ...)..وقال تعالى ; (طسم.تلك آيات الكتاب المبين )..فذكر سبحانه حروفا وكنى عنها بانها آيات الكتاب ..وفي الحديث : (لا تسافروا بالقرآن الى ارض العدو )..وما منع السفر به الا الحروف المكتوبة ..
      وأما من حيث المعقول ..فإن ما ليس بحرف ولا صوت وانما هو في النفس فقد انفرد في الشاهد بتسميته وهو كونه فكراً ووسوسة وخاطرا وغير ذلك مما يهجس في النفس ..ولأنه يستغنى بإرادة الأحداث للأصوات المضمنة الامر والنهي عن الكلام القائم في النفس..فإن الذي فإن الذي نشير إليه هو هذه الحروف المخصوصة و الاصوات المسموعة المتضمنة المعاني المفيدة ..فلا معنى لتسمية الشيء الواحد بإسميْن وقد يوجد الاجتزاء باحدهما عن الاخر ..وأما ما ذكروه من أن الحروف تتغاير وتختلف فذلك يوجب حدوثها ..يبطل على الاشاعرة بنفس الكلام لكونه أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا ..وليس الامر هو النهي ..بل هو ضده ..لان الامر استدعاء الفعل ..والنهي استدعاء الترك..فما هربت منه الاشاعرة وقعت فيه ..لانها هربت من اثبات الحروف خوف التغاير ..وقعت في تغاير الكلام بكونه خبرا و استخبارا وأمرا ونهيا ووعدا ووعيدا..فإن كابرت الاشاعرة وقالت ليس الامر غير النهي ..ساغ ان يقال لهم إن الالف ليس غير الجيم ..وهذا ركوب الجهالات..
      ولان الاشاعرة فد أثبتت الصفات من العلم و القدرة والحياة والارادة والكلام و الوجه واليدين والسمع و البصر ..وكل واحد من هذه الصفات ليس هو الاخر ..ولم يدخل فيه التغاير والاختلاف..كذلك هاهنا ..
      وأما قول الاشاعرة إن إنكارنا الحروف و الاصوات خوفا أن يؤدي إلى إثبات الجسم و الادوات و المخارج المخصوصات وذلك مستحيل على القديم واستحال ا لا يحتاج إليه إثباته ..فغلط ..لانه قد لزم الاشعري مثل هذا في إثبات الكلام القائم بالنفس ..فإن ما يكون في انفسنا نحن انما هو محتاج الى الى محل يقوم به من آلات تخيل وفكر وهو القلب والرأس والشيء المخصوص الذي يتعاهد على إحداث الفكر فإذا
      أثبته في النفس ولم يخرج الى آلات التفكر في حقنا و ما يقوم بأنفسنا ..هذا ما نثبته كلاما على حد ما نعقله لا بآلات و أدوات ..و لا انفصال عن هذا إلا الهوس و التدليس على من يعجز عن إقامة البرهان..و الله الموفق للصواب.-انتهى
      التعديل الأخير تم بواسطة راجية حب الرحمن; الساعة 12-01-2013, 02:38 PM. سبب آخر: التنسيق بارك الله فيكم

      تعليق


      • #4
        رد: الفِكرُ الحنبلي :

        جزاكم الله خيرا شرح طيب للمنهج الحنبلي

        اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

        تعليق


        • #5
          رد: الفِكرُ الحنبلي :

          وجيز في مُعتقد الإمام أحمد :


          قال أبو العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الإصطخري قال قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل:
          هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
          فكان قولهم إن الأيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والأيمان يزيد وينقص ويستثنى في الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية عند العلماء.
          قال وإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فإنه يقول أنا مؤمن إن شاء الله أو مؤمن أرجو أو يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجىء ومن زعم أن إيمانه كايمان جبريل وميكائيل والملائكة فهو مرجىء ومن زعم أن المعرفة تنفع في القلب لا يتكلم بها فهو مرجىء.
          قال والقدر خيره وشره وقليله وكثيره وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله قضاء قضاه وقدرا قدره عليهم لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل ولا يجاوز فاءه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقفون فيما قدر عليهم لأفعاله وهو عدل منه عز ربنا وجل والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن أن عصي تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة المعصية وخلقهم لها وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها وكل يعمل لما خلق له وصائر لما قضي عليه وعلم منه لا يعدو واحد منهم قدر الله ومشيئته والله الفاعل لما يريد الفعال لما يشاء.
          ومن زعم أن الله شاء لعباده الذين عصوه الخير والطاعة وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئة العباد أغلظ من مشيئة الله تبارك وتعالى فأي افتراء أكثر على الله عز وجل من هذا.
          ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد وهل مضى في سابق علمه فإن قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا هو الشرك صراحاً.
          ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله.
          ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل وأن ذلك بمشيئته في خلقه فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله وأي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك بمشيئته في خلقه وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد ومن أقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقمأ.
          ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي فنصدقه ونعلم أنه كما جاء ولا ننص الشهادة ولا نشهد على أحد أنه في الجنة بصالح عمله ولا بخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا ننص الشهادة.
          والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والجمعة والعيدان والحج منع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه.
          والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على فتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك والله المعين.
          والكف عن أهل القبلة ولا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه من الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديث فيروى الحديث كما جاء وكما روي وتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روي نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام فاتبع الأثر في ذلك ولا تجاوزه.
          والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب وهو أكذب الكاذبين.
          وعذاب القبر حق يسأل العبد عن دينه وعن ربه وعن الجنة وعن النار ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسأل الله الثبات.
          وحوض محمد صلى الله عليه وسلم حق ترده أمته وله آنية يشربون بها منه والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة من وراء ذلك نسأل الله السلامة والميزان حق توزن به الحسنات والسيئات كما يشاء الله أن توزن والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين وللحساب والقضاء والثواب والعقاب والجنة والنار واللوح المحفوظ تستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من المقادير والقضاء والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر تبارك وتعالى.
          والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار ويخرج قوم من النار بشفاعة الشافعين ويخرج قوم من النار بعد ما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار وقوم يخلدون فيها أبدا وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار.
          وقد خلقت الجنة وما فيها والنار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما لا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبداً.
          فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل "كل شيء هالك إلا وجهه" وبنحو هذا من متشابه القرآن.
          قيل له: كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل.
          وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء.
          والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما ينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحار ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصى والرمل والتراب ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نور ونار وظلمة وما هو أعلم به.
          فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" وبقوله "وهو معكم أينما كنتم" وقوله "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" إلى قوله "هو معهم أينما كانوا" ونحو هذا من متشابه القرآن.
          فقل إنما يعنى بذلك العلم لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان.
          ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل على عرشه ليس له حد والله أعلم بحده والله عز وجل سميع لأي شك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى يقظان لا يسهو قريب لا يغفل يتحرك ويتكلم وينظر ويبصر ويضحك ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط ويرحم ويعفو ويفقر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف يشاء "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد وخلق آدم بيده على صورته والسموات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فتزوى ويخرج قوما من النار بيده وينظر أهل الجنة إلى وجهه يرونه فيكرمهم ويتجلى لهم فيعطيهم ويعرض عليه العباد يوم القيامة ويتولى حسابهم بنفسه لا يلي ذلك غيره عز وجل.
          والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق ومن زعم أن القرآن مخلوق فهم جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم.
          وكلم الله موسى تكليما من فيه وناوله التوراة من يده إلى يده ولم يزل الله عز وجل متكلما فتبارك الله أحسن الخالقين.
          والرؤيا من الله عز وجل وهي حق إذا رأى صاحبها شيئاً في منامه ما ليس هو صغث فقصها على عالم وصدق فيها وأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي فأي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم الرب عبده وقال إن الرؤيا من الله عز وجل وبالله التوفيق.
          ومن الحجة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساويهم والخلاف الذي شجر بينهم فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدا منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة.
          وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع.
          ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حبهم إيمان وبغضهم نفاق ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل فإن لهم بدعة ونفاقا وخلافاً.
          ومن حرم المكاسب والتجارات وطيب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف بل المكاسب من وجهها حلال فقد أحلها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله من فضل ربه فإن ترك ذلك على أنه لا يرى الكسب فهو مخالف وكل أحد أحق بماله الذي ورثه واستفاده أو أوصى له به أو كسبه لا كما يقول المتكلمون المخالفون.
          والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالأخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم والمتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار لا يعرفون بدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف وليسوا بأصحاب قياس ولا رأي لأن القياس في الدين باطل والرأي كذلك وأبطل منه وأصحاب الرأي والقياس في الدين مبتدعة ضلال إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات.
          ومن زعم أنه لا يرى التقليد ولا يقلد دينه أحدا فهو قول فاسق عند الله ورسول صلى الله عليه وسلم إنما يريد بذلك إبطال الأثر تطيل العلم والسنة والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف وهذه المذاهب والأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والآثار وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أصحاب صدق يقتدي بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أصحاب بدعة ولا خلاف ولا تخليط وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم.
          فتمسكوا بذلك رحمكم الله وتعلموه وعلموه وبالله التوفيق.
          ولأصحاب البدع ألقاب وأسماء لا تشبه أسماء الصالحين ولا العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
          فمن أسمائهم المرجئة وهم الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل وأن الإيمان قول والأعمال شرائع وأن الإيمان مجرد وأن الناس لا يتفاضلون في إيمانهم وأن إيمان الملائكة والأنبياء واحد وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وإن الإيمان ليس فيه استثناء وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا قول المرجئة وهو أخبث الأقاويل وأضله وأبعده من الهدى.
          والقدرية وهم الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة والقدرة وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر والضر والنفع والطاعة والمعصية والهدى والضلال وأن العباد يعملون بدءاً من غير أن يكون سبق له ذلك من الله عز وجل أو في علمه وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية وهو أصل الزندقة.
          والمعتزلة وهم يقولون بقول القدرية ويدينون بدينهم ويكذبون بعذاب القبر والشفاعة والحوض ولا يرون الصلاة خلف أحد من أهل القبلة ولا الجمعة إلا وراء من كان على أهوائهم ويزعمون أن أعمال العباد ليست في اللوح المحفوظ.
          والنصيرية وهم قدرية وهم أصحاب الحبة والقيراط الذين يزعمون أن من اخذ حبة أو قيراطا أو دانقاً حراماً فهو كافر وقولهم يضاهي قول الخوارج.
          والجهمية أعداء الله وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن الله عز وجل لم يكلم موسى وأن الله ليس بمتكلم ولا يتكلم ولا ينطق وكلاما كثيراً أكره حكايته وهم كفار زنادقة أعداء الله.
          والواقفة وهم يزعمون أن القرآن كلام الله ولكن ألفاظنا بالقرآن وقراءتنا له مخلوقة وهم جهمية فساق.
          والرافضة وهم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ويكفرون الأئمة الأربعة علي وعمار والمقداد وسلمان وليست الرافضة من الإسلام في شيء.
          والمنصورية وهم رافضة من الروافض وهم الذين يقولون من قتل أربعين نفسا ممن خالف هواهم دخل الجنة وهم الذين يخيفون الناس ويستحلون أموالهم وهم الذين يقولون أخطأ جبريل عليه السلام بالرسالة وهذا هو الكفر الواضح الذي لا يشوبه إيمان فنعوذ بالله منهم.
          والسبئية وهم رافضة وهم قريب ممن ذكرت مخالفون للأئمة كذابون وصنف منهم يقولون علي في السحاب وعلي يبعث قبل يوم القيامة وهذا كذب وزور وبهتان و الزيدية وهم رافضة وهم الذين يتبرؤون من عثمان وطلحة والزبير وعائشة ويرون القتال مع كل من خرج من ولد علي برا كان أو فاجرا حتى يغلب أو يغلب.
          والخشبية وهم يقولون بقول الزيدية وهم فيما يزعمون ينتحلون حب آل محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا بل هم المبغضون لآل محمد صلى الله عليه وسلم دون الناس إنما الشيعة لآل محمد المتقون أهل السنة والأثر من كانوا وحيث كانوا الذين يحبون آل محمد صلى الله عليه وسلم وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون أحدا منهم بسوء ولا عيب ولا منقصة فمن ذكر أحدا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليهم أو تبرأ من أحد منهم أو سبهم أو عرض بعيبهم فهو رافضي خبيث مخبث.
          وأما الخوارج فمرقوا من الدين وفارقوا الملة وشردوا عن الإسلام وشذوا عن الجماعة فضلوا عن السبيل والهدى وخرجوا على السلطان وسلوا السيف على الأمة واستحلوا دماءهم وأموالهم وعادوا من خالفهم إلا من قال بقولهم وكان على مثل قولهم ورأيهم وثبت معهم في بيت ضلالتهم وهم يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصهاره وأختانه ويتبرؤون منهم ويرمونهم بالكفر والعظائم ويرون خلافهم في شرائع الإسلام ولا يؤمنون بعذاب القبر ولا الحوض ولا الشفاعة ولا بخروج أحد من النار ويقولون من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو في النار خالدا مخلدا أبدا وهم يقولون بقول البكرية في الحبة والقيراط وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة لا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم وهم يرون تأخير الصلاة عن وقتها ويرون الصوم قبل رؤية الهلال والفطر قبل رؤيته وهم يرون النكاح بغير ولي ولا سلطان ويرون المتعة في دينهم ويرون الدرهم بدرهمين يدا بيد ولا يرون الصلاة في الخفاف ولا المسح عليها ولا يرون للسلطان عليهم طاعة ولا لقريش عليهم خلافة وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله وكفى بقوم ضلالة أن يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم وليسوا من الإسلام في شيء.
          ومن أسماء الخوارج الحرورية وهم أصحاب حروراء والأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق وقولهم أخبث الأقاويل وأبعده من الإسلام والسنة والنجدية وهم أصحاب نجدة بن عامر الحروري والإباضية وهم أصحاب عبد الله بن إباض والصفرية وهم أصحاب داود بن النعمان والمهلبية والحارثية والخرمية كل هؤلاء خوارج فساق مخالفون للسنة خارجون من الملة أهل بدعة وضلالة والشعوبية وهم أصحاب بدعة وضلالة وهم يقولون إن العرب والموالي عندنا واحد لا يرون للعرب حقا ولا يعرفون لهم فضلا ولا يحبونهم بل يبغضون العرب ويضمرون لهم الغل والحسد والبغضة في قلوبهم وهذا قول قبيح ابتدعه رجل من أهل العراق فتابعه عليه يسير فقتل عليه.
          وأصحاب الرأي وهم مبتدعة ضلال أعداء للسنة والأثر يبطلون الحديث ويردون على الرسول عليه الصلاة والسلام ويتخذون أبا حنيفة ومن قالب قوله إماما ويدينون بدينهم وأي ضلالة أبين ممن قال بهذا وترك قول الرسول وأصحابه واتبع قول أبي حنيفة وأصحابه فكفى بهذا غياً مردياً وطغياناً.
          والولاية بدعة والبراءة بدعة وهم الذين يقولون نتولى فلاناً ونتبرأ من فلان وهذا القول بدعة فاحذروه.
          فمن قال بشيء من هذه الأقاويل أو رآها أو صوبها أو رضيها أو أحبها فقد خالف السنة وخرج من الجماعة وترك الأثر وقال بالخلاف ودخل في البدعة وزال عن الطريق وما توفيقي إلا بالله.
          وقد رأيت لأهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم والطعن عليهم والوقيعة فيهم والإزراء بهم عند السفهاء والجهال.
          فأما المرجئة فإنهم يسمون أهل السنة شكاكا وكذبت المرجئة بل هم بالشك أولى بالتكذيب أشبه.
          وأما القدرية فإنهم يسمون أهل السنة والإثبات مجبرة وكذبت القدرية بل هم أولى بالكذب والخلاف ألغوا قدر الله عز وجل عن خلقه وقالوا ليس له بأهل تبارك وتعالى.
          وأما الجهمية فإنهم يسمون أهل السنة المشبهة وكذبت الجهمية أعداء الله بل هم أولى بالتشبيه والتكذيب افتروا على الله عز وجل الكذب وقالوا الإفك والزور وكفروا بقولهم.
          وأما الرافضة فإنهم يسمون أهل السنة الناصبة وكذبت الرافضة بل هم أولى بهذا لانتصابهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب الشتم وقالوا فيهم بغير الحق ونسبوهم إلى غير العدل كفارا وظلما وجرأة على الله عز وجل واستخفافا بحق الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أولى بالتعبير والانتقام منهم.
          وأما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة وكذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر.
          وأما أصحاب الرأي فإنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وحشوية وكذب أصحاب الرأي أعداء الله بل هم النابتة والحشوية تركوا آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وحديثه وقالوا بالرأي وقاسوا الدين بالاستحسان وحكموا بخلاف الكتاب والسنة وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال وطاب دنيا بالكذب والبهتان.
          رحم الله عبداً قال بالحق واتبع الأثر وتمسك بالسنة واقتدى بالصالحين وبالله التوفيق.

          تعليق

          يعمل...
          X