الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: وجوب الإيمان بالقرآن كله
ثم ذكر المصنف الآية التالية الدالة على الغرض من إنزال الكتب وبعث الأنبياء، وهي قوله تعالى:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:213]
أي: كان الناس أمة واحدة على التوحيد، وهذا هو المعنى الراجح؛
ولابد حينئذ من تقدير، وهو: كان الناس أمة واحدة موحدين، فاختلفوا وتفرقوا، وأشركوا وضلوا؛
(فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ). وأما قول من قال من المفسرين: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)
أي: على الشرك، فإنه قول مرجوح؛
والمعنى لا يحتاج فيه إلى تقدير، وهو أن الناس كانوا أمة واحدة مشركين فبعث الله إليهم النبيين وأنزل عليهم الكتب؛ لتردهم إلى التوحيد، لكن الراجح هو المعنى الأول،
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه:
[كان الناس عشرة قرون من بعد آدم على التوحيد ] .
وأما ما يذكر في علم الاجتماع والتربية، وعلوم الأحياء والدراسات الإنسانية،
أن أصل البشرية هو ما يسمى بإنسان الكهف، وإنسان الغابة، الذي كان يعبد مظاهر الطبيعة!
كما يقولون؛ فإنه كلام باطل،
والعجب أن هذا الكلام يدخل في معظم العلوم،
فلا يكاد يوجد منهج من مناهج العلوم الإنسانية إلا وهذا الكلام موجود فيه
وكلما قرأنا عن تاريخ الإنسانية القديم وجدنا هذا الكلام فيه! وهو كلام باطل بنص كتاب الله تعالى؛
فإن أصل الناس على التوحيد، ثم لما انحرفوا وأشركوا لم يشركوا كلهم،
بل في كل طبقة من طبقات الناس يوجد المؤمن والكافر،
وإن كفرت أمة فهناك أمة مؤمنة، وإن كفر بعضهم فبعضهم مؤمن، وإن خفيت آثار النبوة عن البعض فالبعض لديه بقية من آثارها.. وهكذا، فلم يغلب الشرك والكفر أبداً، بل كان هناك كفر وإيمان، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأظهر دينه على الدين كله،
فلن ترجع الجاهلية المطلقة ولا الظلام المطبق أبداً؛ بحيث لا يبقى في الأرض موحد ولا يبقى عليها مؤمن.
وهؤلاء يقولون: نحن إنما نتكلم بذلك من الناحية العلمية لا من الناحية الدينية؟!!
سبحان الله! يقال لهم: قال الله وقال رسوله، ويقولون: كلامنا إنما هو من الناحية العلمية! وهل هناك ناحية علمية ودينية؟! والله تعالى يقول:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
[البقرة:213]،
فالكتاب هو المرجع عند الاختلاف، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم به أمته فقال:
{تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي ..}
{تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وآل بيتي }،
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
[من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ :
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151]
إلى قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] ].
إذاً: فحل الخلاف، وجمع الكلمة، ومنطلق الدعوة، وبداية التصحيح، لن يكون إلا بأن نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نحكمهما في أمرنا كله:
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1]
لا برأي، ولا بمقال، ولا بحكم، ولا بخبر غير ما قال الله ورسوله، فإنه يتنافى مع الإيمان بالله والإيمان بالقرآن.
تعليق