إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قضاء الله كله خير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قضاء الله كله خير

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قال الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية رحمه الله تعالى

    في كتابه ( شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ) ( 2/ 509 - 536) طبعة العبيكان بتحقيق عمر بن سليمان الحفيان :

    الباب الحادي والعشرون

    في تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ، ودخوله في المقضي


    قال الله تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران : 36]

    فصدَّر الآية سبحانه
    بتفرده بالملك كله ، وأنه هو سبحانه الذي يؤتيه من يشاء ، وينزعه ممن يشاء لا غيره .
    فالأول : تفرده بالملك .
    والثاني : تفرده بالتصرف فيه ، وأنه سبحانه هو الذي يعز من يشاء بما يشاء من أنواع العز ، ويذل من يشاء بسلب ذلك العز عنه ، وأن الخير كله بيديه ، ليس لأحد معه منه شيء .

    ثم ختمها بقوله :
    {إنك على كل شيء قدير}

    فتناولت الآية :
    ملكه وحدهوتصرفهوعموم قدرته .

    وتضمنت : أن هذه التصرفات كلها بيده ،
    وأنها كلها خير :

    فسلبُه الملكَ عمن يشاء وإذلاله من يشاء
    خير ، وإن كان شرا بالنسبة إلى المسلوب الذليل ، فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل ، والحكمة والمصلحة ، لا يخرج عن ذلك ، وهذا كله خير يحمد عليه الرب ويثنى عليه به ، كما يحمد ويثني عليه بتنزيهه عن الشر ، وأنه ليس إليه ، كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يثني على ربه بذلك في دعاء الاستفتاح في قوله :

    "
    لبيك وسعديك ، والخير [كله] في يديك ، والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت"

    فتبارك وتعالى عن
    نسبة الشر إليه ، بل كل ما نسب إليه فهو خير ، والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه ، فلو أضيف إليه لم يكن شرا كما سيأتي بيانه .

    وهو سبحانه
    خالقالخير والشر ،فالشر في بعض مخلوقاتهلا في خلقه وفعله ، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله .

    ولهذا
    تنزه سبحانه عن الظلمالذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه كما تقدم ، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها ، وذلك خير كله .

    والشر وضع الشيء في غير محله ، فإذا وضع في محله لم يكن شرا ، فعلم أن الشر ليس إليه


    وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك ، فإن منها : القدوس السلام العزيز الجبار المتكبر .

    فالقدوس : المنزه عن كل شر ونقص وعيب

    كما قال أهل التفسير : هو
    الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به ، وهذا قول أهل اللغة .

    وأصل الكلمة من
    الطهارة والنزاهة .

    ومنه
    بيت المقدس لأنه مكان يتطهر فيه من الذنوب ، ومن أمَّهُ لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه .

    ومنه سميت الجنة
    حظيرة القدسلطهارتها من آفات الدنيا .

    ومنه سمي
    جبريلروح القدس لأنه طاهر من كل عيب .

    ومنه قول الملائكة :
    {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }

    فقيل المعنى : ونقدس أنفسنا لك ، فعدي باللام ،
    وهذا ليس بشيء .

    والصواب أن المعنى :
    نقدسك وننزهك عما لا يليق بك ، هذا قول جمهور أهل التفسير .

    وقال ابن جرير:
    "
    {ونقدس لك }ننسبك إلى ما هو من صفاتك ، من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك .
    قال: وقال بعضهم :
    نعظمك ونمجدك ، قاله أبو صالح ، وقال مجاهد : نعظمك ونكبرك " . انتهى .

    وقال بعضهم :
    ننزهك عن السوء ، فلا ننسبه إليك ، واللام فيه على حدها في قوله : {رَدِفَ لكم } لأن المعنى تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله .

    قلت : ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم :
    {نسبح بحمدك }فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء .

    قال ميمون بن مهران :
    (سبحان الله ) كلمة يُعظم بها الرب ، ويحاشى بها من السوء .

    وقال ابن عباس :
    هي تنزيه لله من كل سوء .

    وأصل اللفظة من المباعدة ، من قولهم : سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها . ومنه : { كل في فلك يسبحون } .

    فمن أثنى على الله ، ونزهه عن السوء فقد سبحه .

    ويقال :
    سبَّح اللهَ وسبَّح له ، وقدسه وقدس له .


    وكذلك اسمه "
    السلام " : فإنه الذي سلم من العيوب والنقائص .

    ووصفه
    بالسلام أبلغ في ذلك من وصفه بالسالم .

    ومن
    موجبات وصفه بذلك : سلامة خلقه من ظلمه لهم .

    فسلم سبحانه من إرادة الظلم والشر ، ومن التسمية به ومن فعله ومن نسبته إليه ، فهو
    السلام من صفات النقص وأفعال النقص وأسماء النقص ، المُسلِّم لخلقه من الظلم .

    ولهذا وصف سبحانه
    ليلة القدر بأنها سلام ، والجنة بأنها دار السلام ، وتحية أهلهاالسلام ، وأثنى على أوليائه بالقول السلام ؛ كل ذلك : السالم من العيوب .


    وكذلك "
    الكبير" من أسمائه و"المتكبر " :

    قال قتادة وغيره : هو
    الذي تكبر عن السوء ، وقال أيضا : الذي تكبر عن السيئات .
    وقال مقاتل :
    المتعظم عن كل سوء .
    وقال أبو إسحاق :
    الذي تكبر عن ظلم عباده .



    وكذلك اسمه "
    العزيز" : الذي له العزة التامة .
    ومن تمام عزته براءته عن كل سوء وشر وعيب فإن ذلك ينافي العزة التامة .



    وكذلك اسمه "
    العلي" : الذي علا عن كل عيب وسوء ونقص .
    ومن كمال علوه أن لا يكون فوقه شيء بل يكون فوق كل شيء .


    وكذلك اسمه "
    الحميد" : وهو الذي له الحمد كله .
    فكمال حمده يوجب أن لا ينسب إليه شر ولا سوء ولا نقص ، لا في أسمائه ، ولا في أفعاله ، ولا في صفاته .

    فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه .

    مع أنه سبحانه
    الخالق لكل شيء ، فهو الخالق للعباد وأفعالهم وحركاتهم وأقوالهم .

    والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعلالشر والسوء .

    والرب سبحانه هو الذي جعله فاعلا لذلك ، وهذا الجعل منه عدل وحكمة وصواب ، ( فجعْلُه فاعلا ) خير ، و(المفعول) شر قبيح ، فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء موضعه ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة التي يحمد عليها ، فهو خير وحكمة ومصلحة ، وإن كان وقوعه من العبدعيبا ونقصا وشرا .


    وهذا أمر معقول في الشاهد :

    فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء ، والحجر المكسور ، واللبنة الناقصة ،
    فوضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه ، كان ذلك منه عدلا وصوابا يمدح به .

    وإن كان في
    المحل عوج ونقص وعيب يذم به المحل .

    ومن وضع الخبائث في موضعها ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلا وصوابا . وإنما السفه والظلم أن يضعها في غير موضعها .

    فمن وضع العمامة على الرأس ، والنعل في الرجل ، والكحل في العين ، والزبالة في الكناسة ،
    فقد وضع الشيء موضعه ، ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلهما .

    ومن أسمائه سبحانه "
    العدل" و "الحكيم" الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه .

    فهو
    المحسن الجواد الحكيم الحَكَمُ العدل في كل ما خلقه ، وفي كل ما وضعه في محله وهيَّأه له .

    وهو سبحانه له
    الخلق والأمر ، (فـكما) :

    أنه في
    أمره لا يأمر إلا بأرجح الأمرين ، ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإذا تعارض أمران رجح أحسنهما وأصلحهما .

    وليس في الشريعة :
    أمر يفعل إلا ووجودهللمأمورخير من عدمه
    ولا
    نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده .



    فإن قلت :
    فإذا كان
    وجوده خيرا من عدمه ، فكيف لا يشاءوجوده ؟
    فإذا كان
    عدمه خيرا ، من وجوده فكيف يشاءوجوده ؟
    فالمشيئة العامة تنقض عليك هذه القاعدة الكلية ؟



    قلت : لا تنقضها ، لأن
    وجوده وإن كان خيرا من عدمه ، فقد يستلزم وجوده فوات محبوب له ، هو أحب إليه من وقوع هذا المأمور من هذا المعنى .

    وعدم المنهي وإن كان خيرا من وجوده فقد يكون وجوده وسيلة وسببا إلى ما هو أحب إليه من عدمه .

    وسيأتي تمام تقرير ذلك في باب اجتماع القدر والشرع وافتراقهما إن شاء الله .



    والرب سبحانه
    إذا أمر بشيء فقد أحبه ورضيه وأراده إرادة دينية ، وهو لا يحب شيئا إلا ووجوده خير من عدمه.

    وما نهى عنه فقد أبغضه وكرهه ، وهو لا يبغض شيئا إلا وعدمه خير من وجوده .

    هذا :
    بالنظر إلىذاتهذاوهذا .

    وأما باعتبار : إفضائه إلى ما يحب ويكره فله حكم آخر ، ولهذا أمر سبحانه عباده أن يأخذوا بأحسن ما أنزل إليهم ، فالأحسن هو المأمور به وهو خير من المنهي عنه .



    وإذا كانت هذه
    سنته في أمره وشرعه(فـهكذا)سنته في خلقهوقضائه وقدره :

    فما أراد أن يخلقه أو يفعله : كان أن يخلقه ويفعله خيرا من أن لا يخلقه ولا يفعله .
    وبالعكس .

    وما كان عدمه خيرا من وجوده ، فوجوده شر ، وهو لا يفعله بل هو منزه عنه ، والشر ليس إليه .


    وفقكم الله


  • #2
    رد: قضاء الله كله خير

    سبحانه جل فى علاه
    وجزاكم الله خيراً على الموضوع الرائع
    ونفع اللهبكم الأمة
    آمييييييييييييييييييييييين

    تعليق


    • #3
      رد: قضاء الله كله خير

      وجزاكم الله خيراً
      عيد سعيد

      تعليق


      • #4
        رد: قضاء الله كله خير

        جزاك الله خير
        على الدرس المفيد
        ادام الله عليك علمك وغزرة
        لا إلله إلا الله
        أكبر ولله الحمد

        تعليق

        يعمل...
        X