السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احذروا دعاة الديمقراطية (العلمانيون – الليبراليون "الوفديون" – التحرريون – التقدميون – الإسلاميون السياسيون)
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والحكمة وأقام بهما على عباده الحجة وضمن فيهما السداد والعصمة من اتبع فقد اهتدى ومن أعرض فقد ضل و غوي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا ند ولا مثيل له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ... ثم أما بعد ...،
عرفنا أحبتي في الله أن العلم المقيد بالشرع مخرج من كل فتنة وعاصمة من كل بلية ولتراجعوا ما أصلناه في موضوعنا ( الفتنة إذا هاجت لم يعرفها إلا العلماء (خطبة الجمعة غرة ربيع الأول 1432) ) وإني أرى من واجبي الشرعي هنا أن أنقل لإخواني وأخواتي شيئا من الحقيقة لما يراد بهم وبأمتنا المسلمة ...
وجب علينا جميعا أن نستبين طريق أهل الحق وأهل الباطل ، فإن مما يظهر لكل صاحب عقل كيف ينحو أصحاب المذاهب المنحرفة عن الدين الحق بشباب أمتنا الذين غيب معظمهم عن دينهم الحق فهذه ليبرالية وهذه ديمقراطية وهذه ... هموم ثقيلة ابتلي بها المسلمون يوم بعدوا عن دينهم الذي ارتضى الله لهم .
ما يظهر لي الآن – عن يقين – أن هناك فئة من سيئي النية سواء من النظام الحاكم أو من مدعيي الحرية والديمقراطية أو المسيّسين يستغلون شبابنا بدعوى غد أفضل لأمة مقهورة .
لذلك رأيت من واجبي أن أنقل لكم طائفة حقائق عن أصنام معاصرة يريد الغرب لنا أن نعبدها من دون الله وأول هذه الأصنام :
الديمقراطية
فما حقيقة الديمقراطية؟
أنقل لكم من
تمهيد
الديمقراطية مذهب من المذاهب الضالة الخداعة التي أنتجتها العقلية الأوربية في التفافها على الكنيسة وديانتها الزائفة والديمقراطية اسم جذاب – إذ يقصدون به العدالة والحرية في الظاهر مما جعل كثيرا من المسلمين ومن غيرهم يتأثرون بدعاية المذهب ظانين أنها تحمل تحت هذا الاسم ما يوحي بظاهره – ولم يعلموا أنها تسمية سراب – وأن المستفيدين منها هم الطبقات العليا طبقة الحكام والأثرياء الذين هم نسخة عن الإقطاعيين في الزمن القديم، أو من لهم غرض في محاربة الأديان وخصوصا الإسلام.
أولا: معنى الديمقراطية ونشأتها
الديمقراطية كلمة يونانية في أصلها ومعناها سلطة الشعب والمقصود بها بزعمهم حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي.
ويذكر الباحثون أن أول من مارس هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثينا وأسبرطة ولكنها ارتبطت في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق وكانت طريقتهم تتمثل في أنهم كانوا يشكلون حكومة من جميع رجال المدينة وأطلقوا عليها اسم (حكومة المدينة) حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم ينتخبون لهم حاكما ويصدرون القوانين في كل قضية تعرض عليهم ويتخذون لها حلا يكون حاسما ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم علهم يجدون متنفسا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط الانفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحل محل ذلك الحكم البغيض ولم يكن أيام حكم المدينة غائبا عن أذهانهم خصوصا وقد اتصل كثير من الأوربيين بالمسلمين وتفهموا كثيرا من تصورات المسلمين ونظامهم الإلهي العادل الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين فاتخذوه شعارا – بغض النظر عن تحقيقه – يحاربون تحته ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلك فقد وجد الدعاة له من المشقة والتنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها و على أيدي البابوات والوجهاء الأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف وهو أمر بديهي إلا أن دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم فكانوا كما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وتم لهم بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسي السلطة وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات أصحاب الحق الإلهي المقدس بزعمهم ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عما فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران :140]. وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض ولا يزال بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى.
ثانيا: الحكم على الديمقراطية
أما منزلتها في الإسلام : فقد ظهر أن بعض المنخدعين بها قد تصور أنه لا فرق بين الديمقراطية وبين الإسلام بل ويزعم أن مبادئ الديمقراطية هي نفس المبادئ التي دعا إليها الإسلام ولا شك أن من قرأ ما كتبه علماء المسلمين عن الديمقراطية سيلمس الفرق واضحا لا خفاء فيه والقائل بعدم الفرق إما أن يكون جاهلا أو مخادعا أو ملحدا مغالطا ومن الفوارق الواضحة أن أهداف الديمقراطية وحلولها للمشكلات كلها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك هي غير الأهداف وغير الحلول التي جاء بها الإسلام، ولابد أن يحصل الاختلاف بكل بساطة ووضوح حلول الإسلام دائمة وعامة وحلول الديمقراطية مؤقتة ولمصالح. كما أن تعاليم الإسلام جاءت من رب العالمين عالم الغيب والشهادة بينما تعاليم الديمقراطية لم تقم إلا بتجارب البشر وبالاحتجاجات ضد طغيان السلطات الرأسمالية وقبلها الإقطاع وبالمظاهرات الصاخبة والاضطرابات المتوالية إلى أن ترقوا بمفهوم الديمقراطية إلى ما وصلوا إليه في ظاهر الأمر بينما الأمر في الإسلام يختلف تماما ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى سلوك مثل تلك المهامة ولا يحتاجون إلا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليجدوا أنفسهم في غاية السعادة و في غاية التكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي و في أتم ما يكون من الأحكام العادلة الرحيمة التي يطبقها المسلم على نفسه قبل أن يطالب بها غيره ومن تصور هذا الفرق هان عليه معرفة الفرق بين الإسلام وبين الديمقراطية كما أن تعاليم الإسلام تجعل المرء يشعر ويحسن بمسئوليته أمام الله تعالى وتوجد في داخل نفسه المراقبة الذاتية لله تعالى التي لا تصل إليها أي قوة غير قوة مراقبة الله تعالى التي يتغير بموجبها سلوك الإنسان نحو معاملته لربه ومعاملته لإخوانه المسلمين بل ومع غير المسلمين في تنظيم بديع لن يصل إليه بل ولن يقاربه أي تنظيم بشري هو عرضة للنقض والتغيير بين كل فترة وأخرى وفرق بين سلوك ينتج عن مراقبة الله وخوفه وسلوك ينتج عن غيره فما من شخص يزعم أن الديمقراطية هي التي تحقق السعادة للشعوب أو أنها أرحم من التعاليم الربانية ما من شخص يزعم ذلك إلا وتجده إما جاهلا جهلا مركبا وإما ملحدا لا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئا أو مخدوعا بشعارات الديمقراطية البراقة لم يتعظ بما يشاهده من حال بلدان دعاة الديمقراطية، كما نجد كذلك أن تعاليم الإسلام لا تجيز الفصل بين الدين والدولة بل الدين الإسلامي هو الشامل والمهيمن على كل أمور الحياة وما لم تصدر عنه فإنها تعتبر من الضلال ومن اتخاذ البشر بعضهم بعضها أربابا من دون الله تعالى بينما تعاليم الديمقراطية قائمة على الفصل بينهما فرجال الدين مهمتهم تنحصر في أماكن العبادة والمواعظ الدينية ونحو ذلك ورجال الدنيا لا حد لمهماتهم فهم المشرعون والمنفذون ومعنى هذا أن الإسلام والديمقراطية الغربية ضدان هنا فأين التوافق الذي يدعيه المغالطون.
كما أن الديمقراطية لا تعتمد الحكم بما أنزل الله وتنفر منه لأنها في الغرب قامت من أول يوم على محاربة الأديان وكل شيء فيها يتصل بها وأن الحكم فيها يجب أن يتم على تشريع الشعوب والبرلمانات ورؤساء الدول وقوانينهم مقدمة على الحكم بما أنزل الله تعالى بينما الإسلام يعتبر هذا خروجا عن الدين وكفرا ومحادة لله وردا لشرعه خصوصا ممن يعلم بهذا الحق ولكنه يرفضه ويفضل حكم الجاهلية عليه كما أن في الديمقراطية الوصول للحكم مشاع لكل أحد ومن حق المرأة أن تصل إلى القضاء والتمثل الدبلوماسي والجندية والرئاسة وغير ذلك بينما الإسلام يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب فجعل للرجال مجالات وجعل للنساء مجالات أخرى تتناسبها ولهذا فإننا نجده لم يجز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى لأمور كثيرة تذكر في كتب العلم ولا يجوز لها مزاحمة الرجال في حق الانتخابات.
- في الديمقراطية لا حرج في أن يتولى الحكم أفسق الفاسقين وأكفر الناس لا حرج أن يتولى الحكم على المسلمين وغيرهم ما دام قد فاز – كما يصفون - في الانتخابات بينما الإسلام لا يبيح للكافر أن يحكم المسلم أو يشاركه في الحكم ولا يجيز كذلك للمسلمين أن يولوا ابتداءا شخصا معروفا بالفسق والفجور بل عليهم أن يختاروا أصلح الموجودين وأن يجتهدوا في ذلك ما أمكن.
- في الديمقراطية الشورى تتم عن مشاورة عامة الشعب دون تخصيص أهل الرأي والعلم فتحصل فوضى وتدخلات الأهواء ويصبح الحق ما نادت به الأكثرين خيرا كان أم شرا، بينما الشورى في الإسلام تعتمد على مجموعة هم أفاضل الناس وفقهائهم – كما سيأتي تفصيل هذا.
- في الديمقراطية لا حدود أخلاقية لحرية الفرد والجماعة ولا مكان للفضيلة ولا حاجز عن الفواحش وسوء المعاملات والكفر الصريح في الديمقراطية تحت مسميات عديدة حرية الكلمة الحرية الشخصية، حرية الفكر، حرية التملك، حرية التدين... الخ.
بينما الإسلام يجعل للحرية طريقا واضحا يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد بحيث لا تختلط الحريات الفوضوية الظالمة بالحرية الحقيقية التي تحقق مصلحة الجميع وتؤلف بين القلوب.
في الديمقراطية الحث على تفرق الناس وقيام الأحزاب المختلفة ومعارضة بعضهم بعضا ونشوب المكائد بعد ذلك واحتقار وسب بعضهم بعضا وصار مثلهم كمثل اليهود والنصارى فيما أخبر الله عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ } [ البقرة:113].
فإن كل حزب يهون شأن الحزب الآخر ولا يهتم كل حزب إلا بكيف يكسب أصوات الناخبين ومن هنا تكثر الوعود الكاذبة والتنجيح بكثرة الإنجازات التي ستتم حينما يتولى الحكم فلان. بينما الإسلام لا يأمر بذلك بل ينهى عن التفرق والكذب والخداع ويأمر بالحب في الله والبغض فيه والعمل لمصلحة الإنسان لنفسه وبغيره واحتساب الأجر عند الله في تحمل المسئولية وفي أدائها ما تفتقده الديمقراطية الغربية.
يتبع بمشيئة الله
احذروا دعاة الديمقراطية (العلمانيون – الليبراليون "الوفديون" – التحرريون – التقدميون – الإسلاميون السياسيون)
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والحكمة وأقام بهما على عباده الحجة وضمن فيهما السداد والعصمة من اتبع فقد اهتدى ومن أعرض فقد ضل و غوي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا ند ولا مثيل له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ... ثم أما بعد ...،
عرفنا أحبتي في الله أن العلم المقيد بالشرع مخرج من كل فتنة وعاصمة من كل بلية ولتراجعوا ما أصلناه في موضوعنا ( الفتنة إذا هاجت لم يعرفها إلا العلماء (خطبة الجمعة غرة ربيع الأول 1432) ) وإني أرى من واجبي الشرعي هنا أن أنقل لإخواني وأخواتي شيئا من الحقيقة لما يراد بهم وبأمتنا المسلمة ...
وجب علينا جميعا أن نستبين طريق أهل الحق وأهل الباطل ، فإن مما يظهر لكل صاحب عقل كيف ينحو أصحاب المذاهب المنحرفة عن الدين الحق بشباب أمتنا الذين غيب معظمهم عن دينهم الحق فهذه ليبرالية وهذه ديمقراطية وهذه ... هموم ثقيلة ابتلي بها المسلمون يوم بعدوا عن دينهم الذي ارتضى الله لهم .
ما يظهر لي الآن – عن يقين – أن هناك فئة من سيئي النية سواء من النظام الحاكم أو من مدعيي الحرية والديمقراطية أو المسيّسين يستغلون شبابنا بدعوى غد أفضل لأمة مقهورة .
لذلك رأيت من واجبي أن أنقل لكم طائفة حقائق عن أصنام معاصرة يريد الغرب لنا أن نعبدها من دون الله وأول هذه الأصنام :
الديمقراطية
فما حقيقة الديمقراطية؟
أنقل لكم من
تمهيد
الديمقراطية مذهب من المذاهب الضالة الخداعة التي أنتجتها العقلية الأوربية في التفافها على الكنيسة وديانتها الزائفة والديمقراطية اسم جذاب – إذ يقصدون به العدالة والحرية في الظاهر مما جعل كثيرا من المسلمين ومن غيرهم يتأثرون بدعاية المذهب ظانين أنها تحمل تحت هذا الاسم ما يوحي بظاهره – ولم يعلموا أنها تسمية سراب – وأن المستفيدين منها هم الطبقات العليا طبقة الحكام والأثرياء الذين هم نسخة عن الإقطاعيين في الزمن القديم، أو من لهم غرض في محاربة الأديان وخصوصا الإسلام.
أولا: معنى الديمقراطية ونشأتها
الديمقراطية كلمة يونانية في أصلها ومعناها سلطة الشعب والمقصود بها بزعمهم حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي.
ويذكر الباحثون أن أول من مارس هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثينا وأسبرطة ولكنها ارتبطت في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق وكانت طريقتهم تتمثل في أنهم كانوا يشكلون حكومة من جميع رجال المدينة وأطلقوا عليها اسم (حكومة المدينة) حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم ينتخبون لهم حاكما ويصدرون القوانين في كل قضية تعرض عليهم ويتخذون لها حلا يكون حاسما ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم علهم يجدون متنفسا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط الانفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحل محل ذلك الحكم البغيض ولم يكن أيام حكم المدينة غائبا عن أذهانهم خصوصا وقد اتصل كثير من الأوربيين بالمسلمين وتفهموا كثيرا من تصورات المسلمين ونظامهم الإلهي العادل الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين فاتخذوه شعارا – بغض النظر عن تحقيقه – يحاربون تحته ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلك فقد وجد الدعاة له من المشقة والتنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها و على أيدي البابوات والوجهاء الأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف وهو أمر بديهي إلا أن دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم فكانوا كما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وتم لهم بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسي السلطة وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات أصحاب الحق الإلهي المقدس بزعمهم ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عما فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران :140]. وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض ولا يزال بأسهم بينهم شديدا وقلوبهم شتى.
ثانيا: الحكم على الديمقراطية
أما منزلتها في الإسلام : فقد ظهر أن بعض المنخدعين بها قد تصور أنه لا فرق بين الديمقراطية وبين الإسلام بل ويزعم أن مبادئ الديمقراطية هي نفس المبادئ التي دعا إليها الإسلام ولا شك أن من قرأ ما كتبه علماء المسلمين عن الديمقراطية سيلمس الفرق واضحا لا خفاء فيه والقائل بعدم الفرق إما أن يكون جاهلا أو مخادعا أو ملحدا مغالطا ومن الفوارق الواضحة أن أهداف الديمقراطية وحلولها للمشكلات كلها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك هي غير الأهداف وغير الحلول التي جاء بها الإسلام، ولابد أن يحصل الاختلاف بكل بساطة ووضوح حلول الإسلام دائمة وعامة وحلول الديمقراطية مؤقتة ولمصالح. كما أن تعاليم الإسلام جاءت من رب العالمين عالم الغيب والشهادة بينما تعاليم الديمقراطية لم تقم إلا بتجارب البشر وبالاحتجاجات ضد طغيان السلطات الرأسمالية وقبلها الإقطاع وبالمظاهرات الصاخبة والاضطرابات المتوالية إلى أن ترقوا بمفهوم الديمقراطية إلى ما وصلوا إليه في ظاهر الأمر بينما الأمر في الإسلام يختلف تماما ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى سلوك مثل تلك المهامة ولا يحتاجون إلا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليجدوا أنفسهم في غاية السعادة و في غاية التكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي و في أتم ما يكون من الأحكام العادلة الرحيمة التي يطبقها المسلم على نفسه قبل أن يطالب بها غيره ومن تصور هذا الفرق هان عليه معرفة الفرق بين الإسلام وبين الديمقراطية كما أن تعاليم الإسلام تجعل المرء يشعر ويحسن بمسئوليته أمام الله تعالى وتوجد في داخل نفسه المراقبة الذاتية لله تعالى التي لا تصل إليها أي قوة غير قوة مراقبة الله تعالى التي يتغير بموجبها سلوك الإنسان نحو معاملته لربه ومعاملته لإخوانه المسلمين بل ومع غير المسلمين في تنظيم بديع لن يصل إليه بل ولن يقاربه أي تنظيم بشري هو عرضة للنقض والتغيير بين كل فترة وأخرى وفرق بين سلوك ينتج عن مراقبة الله وخوفه وسلوك ينتج عن غيره فما من شخص يزعم أن الديمقراطية هي التي تحقق السعادة للشعوب أو أنها أرحم من التعاليم الربانية ما من شخص يزعم ذلك إلا وتجده إما جاهلا جهلا مركبا وإما ملحدا لا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئا أو مخدوعا بشعارات الديمقراطية البراقة لم يتعظ بما يشاهده من حال بلدان دعاة الديمقراطية، كما نجد كذلك أن تعاليم الإسلام لا تجيز الفصل بين الدين والدولة بل الدين الإسلامي هو الشامل والمهيمن على كل أمور الحياة وما لم تصدر عنه فإنها تعتبر من الضلال ومن اتخاذ البشر بعضهم بعضها أربابا من دون الله تعالى بينما تعاليم الديمقراطية قائمة على الفصل بينهما فرجال الدين مهمتهم تنحصر في أماكن العبادة والمواعظ الدينية ونحو ذلك ورجال الدنيا لا حد لمهماتهم فهم المشرعون والمنفذون ومعنى هذا أن الإسلام والديمقراطية الغربية ضدان هنا فأين التوافق الذي يدعيه المغالطون.
كما أن الديمقراطية لا تعتمد الحكم بما أنزل الله وتنفر منه لأنها في الغرب قامت من أول يوم على محاربة الأديان وكل شيء فيها يتصل بها وأن الحكم فيها يجب أن يتم على تشريع الشعوب والبرلمانات ورؤساء الدول وقوانينهم مقدمة على الحكم بما أنزل الله تعالى بينما الإسلام يعتبر هذا خروجا عن الدين وكفرا ومحادة لله وردا لشرعه خصوصا ممن يعلم بهذا الحق ولكنه يرفضه ويفضل حكم الجاهلية عليه كما أن في الديمقراطية الوصول للحكم مشاع لكل أحد ومن حق المرأة أن تصل إلى القضاء والتمثل الدبلوماسي والجندية والرئاسة وغير ذلك بينما الإسلام يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب فجعل للرجال مجالات وجعل للنساء مجالات أخرى تتناسبها ولهذا فإننا نجده لم يجز للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى لأمور كثيرة تذكر في كتب العلم ولا يجوز لها مزاحمة الرجال في حق الانتخابات.
- في الديمقراطية لا حرج في أن يتولى الحكم أفسق الفاسقين وأكفر الناس لا حرج أن يتولى الحكم على المسلمين وغيرهم ما دام قد فاز – كما يصفون - في الانتخابات بينما الإسلام لا يبيح للكافر أن يحكم المسلم أو يشاركه في الحكم ولا يجيز كذلك للمسلمين أن يولوا ابتداءا شخصا معروفا بالفسق والفجور بل عليهم أن يختاروا أصلح الموجودين وأن يجتهدوا في ذلك ما أمكن.
- في الديمقراطية الشورى تتم عن مشاورة عامة الشعب دون تخصيص أهل الرأي والعلم فتحصل فوضى وتدخلات الأهواء ويصبح الحق ما نادت به الأكثرين خيرا كان أم شرا، بينما الشورى في الإسلام تعتمد على مجموعة هم أفاضل الناس وفقهائهم – كما سيأتي تفصيل هذا.
- في الديمقراطية لا حدود أخلاقية لحرية الفرد والجماعة ولا مكان للفضيلة ولا حاجز عن الفواحش وسوء المعاملات والكفر الصريح في الديمقراطية تحت مسميات عديدة حرية الكلمة الحرية الشخصية، حرية الفكر، حرية التملك، حرية التدين... الخ.
بينما الإسلام يجعل للحرية طريقا واضحا يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد بحيث لا تختلط الحريات الفوضوية الظالمة بالحرية الحقيقية التي تحقق مصلحة الجميع وتؤلف بين القلوب.
في الديمقراطية الحث على تفرق الناس وقيام الأحزاب المختلفة ومعارضة بعضهم بعضا ونشوب المكائد بعد ذلك واحتقار وسب بعضهم بعضا وصار مثلهم كمثل اليهود والنصارى فيما أخبر الله عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ } [ البقرة:113].
فإن كل حزب يهون شأن الحزب الآخر ولا يهتم كل حزب إلا بكيف يكسب أصوات الناخبين ومن هنا تكثر الوعود الكاذبة والتنجيح بكثرة الإنجازات التي ستتم حينما يتولى الحكم فلان. بينما الإسلام لا يأمر بذلك بل ينهى عن التفرق والكذب والخداع ويأمر بالحب في الله والبغض فيه والعمل لمصلحة الإنسان لنفسه وبغيره واحتساب الأجر عند الله في تحمل المسئولية وفي أدائها ما تفتقده الديمقراطية الغربية.
يتبع بمشيئة الله
تعليق