عقيدة أهل السنة والجماعة
في الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم
بقلم العلامة
فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله -
أدلة من الكتاب والسنة على فضل الصحابة وعظم منزلتهم
بلغ الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها فكان لهم الأجر العظيم :
لصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه في سبيل الله
وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام ولهم مثل أجور من بعدهم لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا , كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه
وقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز
وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة
وحسبهم ذلك فضلا وشرفا
قال الله تعالى:
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
وقال تعالى:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}
وقال الله تعالى:
{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
وقال تعالى في بيان مصارف الفيء:
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ والَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
هذه ثلاث آيات من سورة الحشر
الأولى منها في المهاجرين
والثانية في الأنصار
والثالثة في الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار مستغفرين لهم
سائلين الله تعالى أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم
وليس وراء هذه الأصناف الثلاثة إلا الخذلان والوقوع في حبائل الشيطان
ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير بشأن بعض هؤلاء المخذولين:
"أمروا أن يستغفروا لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسبُّوهم"
أخرجه مسلم في أواخر صحيحه
وقال النووي في شرحه بعد ذكر آية الحشر:
"وبهذا احتج مالك في أنه لا حق في الفيء لمن سب الصحابة رضي الله عنهم
لأن الله إنما جعله لمن جاء من بعدهم يستغفر لهم"
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
"وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
وقال صلى الله عليه وسلم:
"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما
وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:
"خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" والله أعلم ذكر الثالث أم لا
وأخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
"سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟
قال: " القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث"
وفي الصحيحين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس
فيقال: هل فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فيقولون : نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام من الناس
فيقال : هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقولون : نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس
فيقال : هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : نعم فيفتح لهم"
وروى ابن بطة بإسناد صحيح - كما في منهاج السنة لابن تيمية -
عن ابن عباس أنه قال:
"لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة - يعني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – خير من عمل أحدكم أربعين سنة "
وفي رواية وكيع:
"خير من عمل أحدكم عمره"
ولما ذكر سعيد بن زيد رضي الله عنه العشرة المبشرين بالجنة قال:
"والله لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه
خير من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح"
أخرجه أبو داود والترمذي
وعن جابر رضي الله عنه قال:
قيل لعائشة : أن أناسا يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت: " ما تعجبون من هذا ؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر"
أخرجه رزين كما في جامع الأصول لابن الأثير
ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
"إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة
ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا
فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"
وروى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"
وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"
وأخرج من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ولفظه:
"كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"
فإذا كان سيف الله خالد بن الوليد وغيره ممن أسلم بعد الحديبية لا يساوي العمل الكثير منهم القليل من عبد الرحمن بن عوف وغيره ممن تقدم إسلامه مع أن الكل تشرف بصحبته صلى الله عليه وسلم فكيف بمن لم يحصل له شرف الصحبة بالنسبة إلى أولئك الأخيار إن البون لشاسع وإن الشقة لبعيدة فما أبعد الثرى عن الثريا بل وما أبعد الأرض السابعة عن السماء السابعة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
هذه بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على فضل أولئك الأخيار
الذين مثلهم ما كانوا ولا يكونون رضي الله عنهم
الصحابة كلهم عدول
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول
* بتعديل الله تعالى لهم
* وثناء رسوله عليهم صلى الله عليه وسلم
قال النووي في التقريب الذي شرحه السيوطي في تدريب الراوي :
"الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به" انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة:
"اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة" انتهى
ولهذا لا تضر جهالة الصحابي فإذا قال التابعي: "عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم" لم يؤثر ذلك في المروي لأن الجهالة في الصحابة لا تضرلأنهم كلهم عدول
قال الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية:
"كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم
لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم
سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن"
ثم ساق بعض الآيات والأحاديث في فضلهم ثم قال:
"على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من :الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون بعدهم أبد الآبدين"
وروى بإسناده عن أبي زرعة قال:
"إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق
وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإنما يريدوا أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"
ملخص
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة رضي الله عنهم
ومذهب أهل السنة والجماعة فيهم وسط بين طرفيها الإفراط والتفريط
وسط بين المُفْرطين الغالين الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى ما لا يليق إلا بالله أو برسله وبين المُفرِّطين الجافين الذين ينقصونهم ويسبونهم
فهم وسط بين الغلاة والجفاة يحبونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون ولا يقصرون بهم عما يليق بهم فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم وقلوبهم عامرة بحبهم
وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون
إما مصيبون فلهم أجر الاجتهاد والإصابة
وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور
وليسوا معصومين بل هم بشر يصيبون ويخطئون
ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم
وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم
ولهم من الله المغفرة والرضوان
وكتب أهل السنة مملوء ببيان هذه العقيدة الصافية النقية
في حق هؤلاء الصفوة المختارة من البشر لصحبة خير البشر
صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين
ـــــــــــــــــــ
كتب ورسائل عبد المحسن بن حمد العباد البدر
كتاب : عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم
( ص: 193 -199 )
نقلته لكم راجيةً منكم الدعاء
تعليق