أخطر دعوة معاصرة الدعوة إلى وحدة الأديان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الدين عند الله الإسلام ولا يقبل دينا سواه، وقد بعث الله به رسله من أولهم إلى آخرهم، فدين الرسل واحد وهو الإسلام الذي حقيقته عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسله؛ فأتباع موسى وعيسى عليهما السلام على دينهما قبل مبعث محمد كانوا على الإسلام قال تعالى: ﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾ [ آل عمران 52 ] وقال تعالى عن أهل الكتاب : ﴿وإذا يتلى عليهم ) أي القرآن (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين﴾ [ القصص 53 ].
ولما بعث الله محمدا نسخ الله بشريعته شرائع من قبله من الأنبياء فلم يكن على الإسلام الدين الحق إلا مَن آمن به واتبعه فكل من لم يؤمن به ويتبع شريعته من اليهود والنصارى وغيرهم فهو كافر مستحق للخلود بالنار إذا مات على ذلك كما في الحديث الصحيح «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي جئت به إلا دخل النار» [ أخرجه مسلم ].
وأصل هذا أن رسالة محمد عامة لجميع الناس قال الله تعالى : ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾ وقوله: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [ الأنبياء 107 ] وقوله: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ [ سبأ 28 ] وقال «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» [ أخرجه البخاري ] ، وهذا الأصل من ضروريات الدين؛ فمن اعتقد أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد فهو كافر.
ومن المعلوم أن كفر اليهود والنصارى مضاعف؛ فاليهود كفروا بقتل الأنبياء وتكذيبهم وتحريف التوراة ثم كفروا بتكذيب المسيح وقتله بزعمهم ثم بتكذيب خاتم النبيين محمد ، وكفر النصارى بقولهم إن الله هو المسيح عيسى بن مريم وقولهم إن الله ثالث ثلاثة ثم كفروا بتكذيب خاتم النبيين محمد .
وهذا مستقر في عقيدة المسلمين من بعثت خاتم النبيين محمد لا يشكون في هذا ولا يختلفون فيه. فجميع المسلمين يدينون بمعنى قوله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ [ آل عمران 85 ].
ولم تزل عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين أصلاً من أصول الدين أسوة بخليل الله إبراهيم ، وخليل الله محمد المبعوث رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ...﴾ [ الممتحنة 4 ] وقال تعالى ﴿ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ﴾ [ النحل 123 ].
وقد حدث في هذا العصر دعوتان، إحداهما طريق إلى الأخرى:
1- دعوة التعايش بين المسلمين والكفار أو السلام العالمي المزعوم الذي مضمونه من قبل المسلمين التنازل عن الجهاد لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله بل التنازل عن بغض الكفار والبراءة منهم ومن دينهم.
2- الدعوة إلى التقريب بين الملل الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام وعقد الوحدة بينها والدعوة إلى احترامها لأنها عند أصحاب هذه الدعوة أديان سماوية وطرق موصلة إلى الله وموجبة للنجاة والفوز بالآخرة، بل فوق ذلك من يصحح جميع الأديان أديان المشركين وأهل الكتاب، وهذا يتفق مع مذهب أصحاب وحدة الوجود، ولكن الدعوة الرائجة التي تلتبس على كثير من الناس هي دعوة الوحدة بين الملل الثلاث والتعايش بينهم، ولهذه الدعوة مؤسسات وجمعيات من المسلمين واليهود والنصارى، ومن المقترحات لهذه الدعوة إصدار المصحف والتوراة والإنجيل في كتاب واحد، وبناء مجمع يضم المعابد الثلاثة.
وأصل هذه الدعوة من عصبة الأمم التي صارت بعد ذلك هيئة الأمم فإن التعايش والتسامح من أهم مرتكزات وأهداف ميثاق هيئة الأمم فالدعوة إلى الوحدة بين الملل الثلاث متفرعة عن هذا الميثاق.
وأما الحوار مع الكفار لبيان أن الإسلام هو الدين الحق الذي يجب اتباعه، وأنه سبب النجاة من عذاب الله والفوز بالجنة والنجاة من النار، وبيان بطلان الشرك بأنواعه ومنه التثليث الذي تقوم عليه عقيدة النصارى فالحوار معهم لهذه الغاية حق مشروع وهو من أنواع الجهاد ويبين ما تقوم عليه عقيدة الإسلام من التوحيد وإخلاص ا لدين لله وتصديق الرسول ووجوب اتباعه فإن هذا هو أصل الدين ومداره، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال تعالى : ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ [ المائدة 64 ]، وقوله : ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير﴾ [ المائدة 19 ].
ولا يجوز أن يقتصر في مجادلتهم على بيان ما في الإسلام من الأخلاق الكريمة والشرائع القويمة والفضائل والكمالات فإنه لو التزم بها فرد أو مجتمع من غير أن يقر بأصل الدين لم تنفعه إلا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق وقد أمر الله تعالى بمجادلة أهل الكتاب وغيرهم بالتي هي أحسن، قال تعالى : ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾ [ النحل 125 ]، وقال تعالى: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾ [ العنكبوت 46 ].
وقد أمر الله نبيه بدعوة اليهود والنصارى إلى التوحيد فقال تعالى : ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون﴾ [ البقرة 21-22 ]، وقال تعالى : ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ [ المائدة 64 ].
نسأل الله أن يبصرنا بالدين وأن يعزالإسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين ويدمر أعداء الدين فإنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
نقلا عن موقع الشيخ البراك
حفظه الله
حفظه الله
تعليق