الله تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) [سبأ: 23] : أن هذا من البراهين الدالة على أنه لا يستحق أحد أن يكون شريكاً مع الله، لأن الملائكة وهم أقرب ما يكون من الخلق لله - عز وجل ـ، ما عدا خواص بني آدم يحصل منهم عند كلام الله - سبحانه - الفزع.
* * *
قوله تعالى: (حتى إذ فزع عن قلوبهم)، قال ذلك ولم يقل: "فزعت قلوبهم"، إذ "عن" تفيد المجاوزة، والمعنى: جاوز الفزع قلوبهم، أي: أزيل الفزع عن قلوبهم. والفزع: الخوف المفاجئ، لأن الخوف المستمر لا يسمى فزعاً. وأصله: النهوض من الخوف. وقوله تعالى: (عن قلوبهم)، أي: قلوب الملائكة، لأن الضمير يعود عليهم بدليل ما سيأتي من حديث أبي هريرة، ولا أحد من الخلق أعلم بتفسير القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: (قالوا ماذا قال ربكم) جواب الشرط، والمعنى: قال بعضهم لبعض: وإنما قلنا ذلك لأن في الكلام قائلاً ومقولاً له، فلو جعلنا الضمير في قالوا عائداً على الجميع، فأين المقول له؟ والمعنى: أي شيء قال ربكم؟ وإعراب ماذا على أوجه: 1- ما: اسم استفهام مبتدأ، وذا: اسم موصول خبر، أي: ما الذي. 2- ماذا: اسم استفهام مركب من ما و ذا. 3- ما اسم استفهام، وذا زائدة، قال ابن مالك: ومثل ماذا بعدما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام وقوله: (قالوا الحق)، أي: قال المسؤولون. والحق: صفة لمصدر محذوف مع عامله، والتقدير قال القول الحق. والمعنى: أن الله - سبحانه - قال القول الحق لأنه سبحانه هو الحق، ولا يصدر عنه إلا الحق، ولا يقول ولا يفعل إلا الحق. والحق في الكلام هو الصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام، كما قال الله تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) [الأنعام: 115]. ولا يفهم من قوله: (قالوا الحق) أنه قد يكون قوله باطلاً، بل هو بيان للواقع، فإن قيل: ما دام بياناً للواقع ومعروفاً عند الملائكة أنه لا يقول إلا الحق، فلماذا الاستفهام؟! أجيب: أن هذا من باب الثناء على الله بما قال، وأنه سبحانه لا يقول إلا الحق. قوله تعالى: (وهو العلي الكبير)، أي: العلي في ذاته وصفاته، والكبير: ذو الكبرياء وهي العظمة التي لا يدانيها شيء، أي العظيم الذي لا أعظم منه. مناسبة الآية للتوحيد: أنه إذا كان منفرداً في العظمة والكبرياء، فيجب أن يكون منفرداً في العبادة. والعلو قسمان: الأول: علو الصفات، وقد أجمع عليه كل من ينتسب للإسلام حتى الجهمية ونحوهم. الثانية: علو الذات، وقد أنكره كثير من المنتسبين للإسلام مثل الجهمية وبعض الأشاعرة غير المحققين منهم، فإن المحققين منهم أثبتوا علو الذات. وعلوه لا ينافي كونه مع الخلق يعلمهم ويسمعهم ويراهم، لأنه ليس كمثله شيء في جميع صفاته. وفي الآية فوائد: 1- أن الملائكة يخافون الله، كما قال تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم) [النحل: 50] 2- إثبات القلوب للملائكة، لقوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم). 3- إثبات أنهم أجسام وليسوا أرواحاً مجردة من الجسمية، وهو أمر معلوم بالضرورة، قال تعالى: (جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة) [فاطر: 1]، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل له ست مئة جناح قد سد الأفق(1)، فالقول بأنهم أرواح فقط إنكار لهم في الواقع، وهو قول باطل. لكنهم لا يأكلون ولا يشربون، وإنما أكلهم وشربهم التسبيح بدليل قوله تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [الأنبياء: 20]، ففي هذا دليل على أن ليلهم ونهارهم مملؤان بذلك، ولهذا جاء: (يسبحون الليل)، ولم يقل: يسبحون في الليل، أي: أن تسبيحهم دائم، والتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به. 4- أن لهم عقولاً، إذا إن القلوب هي محل العقول خلافاً لمن قال: إنهم لا يعقلون، ولأنهم يسبحون الله، ويطوفون بالبيت المعمور. 5- إثبات القول لله - سبحانه وتعالى - ، وأنه متعلق بمشيئته، لأنه جاء بالشرط: (إذا فزع)، وإذا الشرطية تدل على حدوث الشرط والمشروط، خلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم بمشيته، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه، فهو قائم بالله أزلي أبدي، كقيام العلم والقدرة والسمع والبصر. ولا ريب أن هذا باطل، وأن حقيقته إنكار كلام الله، ولهذا يقولون: إن الله يتكلم بكلام نفسي أزلي أبدي، كما يقولون: هذا الكلام الذي سمعه موسى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم شيء مخلوق للتعبير عن كلام الله القائم بنفسه. وهذا في الحقيقة قول الجهمية، كما قال بعض المحققين من الأشاعرة: ليس بيننا وبين الجهمية فرق، فإننا اتفقنا على أن هذا الذي بين دفتي المصحف مخلوق، لكن نحن قلنا عبارة عن كلام الله، وهم قالوا: هو كلام الله. 6- إثبات أن قول الله حق، وهذا جاء في القرآن: (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) [الأحزاب: 4]، وقال: (فالحق والحق أقول) [ص 84]، فالله تعالى لا يقول إلا حقاً، لأنه هو الحق، ولا يصدر عن الحق إلا الحق.
* * *
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) [سبأ: 23]. قوله: "وفي الصحيح"، سبق الكلام عليها. قوله: "قضي الله الأمر في السماء"، المراد بالأمر الشأن، ويكون القضاء بالقول، لقوله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) [آل عمران: 47]. قوله: "خضعاناً"، أي: خضوعاً، لقوله: "كأنه"، أي: صوت القول في وقعه على قلوبهم. قوله: "صفوان" هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم. وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا، لأن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11]، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه بفزع من يسمع سلسلة على صفوان. قوله: "ينفذهم ذلك"، النفوذ: هو الدخول في الشيء، ومنه، نفذ السهم في الرمية، أي: دخل فيها، والمعنى: إن هذا الصوت يبلغ منهم كل مبلغ. قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم)، أي: أزيل عنها الفزع. قوله: (قالوا)، أي: قال بعضهم لبعض. قوله: (ماذا قال ربكم قالوا الحق)، أي: قالوا: قال الحق، أي: قال القول الحق، فالحق صفة لمصدر محذوف مع عامله، تقديره: قال القول الحق، وهذا الجواب الذي يقولونه هل هم يقولونه لأنهم سمعوا ما قال وعلموا أنه حق، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا يقول إلا الحق؟ يحتمل أن يكونوا قد علموا ما قال، وقالوا: إنه الحق، فيكون هذا عائداً إلى الوحي الذي تكلم الله به. ويحتمل أنهم قالوا ذلك لعلمهم أن الله - سبحانه - لا يقول إلا الحق، فلذلك قالوا هذا لأن ذلك صفته سبحانه وتعالى.
من القول المفيد لابن عثيمين رحمه الله
* * *
قوله تعالى: (حتى إذ فزع عن قلوبهم)، قال ذلك ولم يقل: "فزعت قلوبهم"، إذ "عن" تفيد المجاوزة، والمعنى: جاوز الفزع قلوبهم، أي: أزيل الفزع عن قلوبهم. والفزع: الخوف المفاجئ، لأن الخوف المستمر لا يسمى فزعاً. وأصله: النهوض من الخوف. وقوله تعالى: (عن قلوبهم)، أي: قلوب الملائكة، لأن الضمير يعود عليهم بدليل ما سيأتي من حديث أبي هريرة، ولا أحد من الخلق أعلم بتفسير القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: (قالوا ماذا قال ربكم) جواب الشرط، والمعنى: قال بعضهم لبعض: وإنما قلنا ذلك لأن في الكلام قائلاً ومقولاً له، فلو جعلنا الضمير في قالوا عائداً على الجميع، فأين المقول له؟ والمعنى: أي شيء قال ربكم؟ وإعراب ماذا على أوجه: 1- ما: اسم استفهام مبتدأ، وذا: اسم موصول خبر، أي: ما الذي. 2- ماذا: اسم استفهام مركب من ما و ذا. 3- ما اسم استفهام، وذا زائدة، قال ابن مالك: ومثل ماذا بعدما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام وقوله: (قالوا الحق)، أي: قال المسؤولون. والحق: صفة لمصدر محذوف مع عامله، والتقدير قال القول الحق. والمعنى: أن الله - سبحانه - قال القول الحق لأنه سبحانه هو الحق، ولا يصدر عنه إلا الحق، ولا يقول ولا يفعل إلا الحق. والحق في الكلام هو الصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام، كما قال الله تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) [الأنعام: 115]. ولا يفهم من قوله: (قالوا الحق) أنه قد يكون قوله باطلاً، بل هو بيان للواقع، فإن قيل: ما دام بياناً للواقع ومعروفاً عند الملائكة أنه لا يقول إلا الحق، فلماذا الاستفهام؟! أجيب: أن هذا من باب الثناء على الله بما قال، وأنه سبحانه لا يقول إلا الحق. قوله تعالى: (وهو العلي الكبير)، أي: العلي في ذاته وصفاته، والكبير: ذو الكبرياء وهي العظمة التي لا يدانيها شيء، أي العظيم الذي لا أعظم منه. مناسبة الآية للتوحيد: أنه إذا كان منفرداً في العظمة والكبرياء، فيجب أن يكون منفرداً في العبادة. والعلو قسمان: الأول: علو الصفات، وقد أجمع عليه كل من ينتسب للإسلام حتى الجهمية ونحوهم. الثانية: علو الذات، وقد أنكره كثير من المنتسبين للإسلام مثل الجهمية وبعض الأشاعرة غير المحققين منهم، فإن المحققين منهم أثبتوا علو الذات. وعلوه لا ينافي كونه مع الخلق يعلمهم ويسمعهم ويراهم، لأنه ليس كمثله شيء في جميع صفاته. وفي الآية فوائد: 1- أن الملائكة يخافون الله، كما قال تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم) [النحل: 50] 2- إثبات القلوب للملائكة، لقوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم). 3- إثبات أنهم أجسام وليسوا أرواحاً مجردة من الجسمية، وهو أمر معلوم بالضرورة، قال تعالى: (جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة) [فاطر: 1]، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل له ست مئة جناح قد سد الأفق(1)، فالقول بأنهم أرواح فقط إنكار لهم في الواقع، وهو قول باطل. لكنهم لا يأكلون ولا يشربون، وإنما أكلهم وشربهم التسبيح بدليل قوله تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [الأنبياء: 20]، ففي هذا دليل على أن ليلهم ونهارهم مملؤان بذلك، ولهذا جاء: (يسبحون الليل)، ولم يقل: يسبحون في الليل، أي: أن تسبيحهم دائم، والتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به. 4- أن لهم عقولاً، إذا إن القلوب هي محل العقول خلافاً لمن قال: إنهم لا يعقلون، ولأنهم يسبحون الله، ويطوفون بالبيت المعمور. 5- إثبات القول لله - سبحانه وتعالى - ، وأنه متعلق بمشيئته، لأنه جاء بالشرط: (إذا فزع)، وإذا الشرطية تدل على حدوث الشرط والمشروط، خلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم بمشيته، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه، فهو قائم بالله أزلي أبدي، كقيام العلم والقدرة والسمع والبصر. ولا ريب أن هذا باطل، وأن حقيقته إنكار كلام الله، ولهذا يقولون: إن الله يتكلم بكلام نفسي أزلي أبدي، كما يقولون: هذا الكلام الذي سمعه موسى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم شيء مخلوق للتعبير عن كلام الله القائم بنفسه. وهذا في الحقيقة قول الجهمية، كما قال بعض المحققين من الأشاعرة: ليس بيننا وبين الجهمية فرق، فإننا اتفقنا على أن هذا الذي بين دفتي المصحف مخلوق، لكن نحن قلنا عبارة عن كلام الله، وهم قالوا: هو كلام الله. 6- إثبات أن قول الله حق، وهذا جاء في القرآن: (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) [الأحزاب: 4]، وقال: (فالحق والحق أقول) [ص 84]، فالله تعالى لا يقول إلا حقاً، لأنه هو الحق، ولا يصدر عن الحق إلا الحق.
* * *
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) [سبأ: 23]. قوله: "وفي الصحيح"، سبق الكلام عليها. قوله: "قضي الله الأمر في السماء"، المراد بالأمر الشأن، ويكون القضاء بالقول، لقوله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) [آل عمران: 47]. قوله: "خضعاناً"، أي: خضوعاً، لقوله: "كأنه"، أي: صوت القول في وقعه على قلوبهم. قوله: "صفوان" هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم. وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا، لأن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11]، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه بفزع من يسمع سلسلة على صفوان. قوله: "ينفذهم ذلك"، النفوذ: هو الدخول في الشيء، ومنه، نفذ السهم في الرمية، أي: دخل فيها، والمعنى: إن هذا الصوت يبلغ منهم كل مبلغ. قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم)، أي: أزيل عنها الفزع. قوله: (قالوا)، أي: قال بعضهم لبعض. قوله: (ماذا قال ربكم قالوا الحق)، أي: قالوا: قال الحق، أي: قال القول الحق، فالحق صفة لمصدر محذوف مع عامله، تقديره: قال القول الحق، وهذا الجواب الذي يقولونه هل هم يقولونه لأنهم سمعوا ما قال وعلموا أنه حق، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا يقول إلا الحق؟ يحتمل أن يكونوا قد علموا ما قال، وقالوا: إنه الحق، فيكون هذا عائداً إلى الوحي الذي تكلم الله به. ويحتمل أنهم قالوا ذلك لعلمهم أن الله - سبحانه - لا يقول إلا الحق، فلذلك قالوا هذا لأن ذلك صفته سبحانه وتعالى.
من القول المفيد لابن عثيمين رحمه الله