طلوع الشمس من مغربها
أيها الأحبة الكرام :
إن الشمس منذ أن خلقها اللـه عز وجل تشرق من المشرق وتغرب فى المغرب بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر بصورة تطالع الأنظار والمدارك لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن ، قال جل وعلا :
) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَـازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون (
[ يس : 38،40]
لا ريب أنها أية من الآيات التى تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية اللـه جل وعلا ، علامة بارزة على قدرة اللـه .
ولذا نرى نبى من أنبياء اللـه - خليل اللـه إبراهيم - قد تحدى بهذه الآية طاغوتاً من طواغيت أهل الأرض وسجل اللـه جل وعلا ذلك فى كتابه الحكيم :
) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [ البقرة : 258 ] .
انظر أيها الحبيب كيف تحدى الخليل الطاغية النمرود بن كنعان ، إذ يقول إبراهيم :
) رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ( .
فيرد الجاهل الطاغية المجرم :
) أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ( .
ولكن أين يذهب هذه الغر الجاهل أمام نور النبوة الباهر ، إذ قال له الخليل بذكاء النبوة ونورها الباهر :
) فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( .
فالشمس منذ خلقها اللـه تشرق من الشرق وتغرب فى الغرب بصورة منتظمة متكررة لا تكاد تتخلف أو تتأخر فى يوم من الأيام حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها !!
ففى صحيح مسلم من حديث أبى ذر الغفارى رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب :
(( أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟! )) قالوا اللـه ورسوله أعلم فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعى ، ارجعى من حيث جئت ، فترتفع ، فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله عز وجل فلا تزال كذلك حتى يقال لهـا : ارتفعـى ارجعى من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ( أى المشرق ) فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تجرى ثم تسـتقر فى مكانها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى ، ارتفعى اصبحى طالعة من مغربك ، فتصبح الشمس طالعة من مغربهــا )) ([1]) .
لا تتعجب فكل شئ فى هذه الكون يسجد لله .
قال جل فى علاه :
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيـرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــاءُ ( [ الحج : 18 ] .
فكل شئ فى الكون يسجد لرب الأرض والسموات إلاكفرة الجن والإنس .
انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه ، ومن سمائه إلى أرضه لتتعرف على وحدانية اللـه ، وعظمة الخالق جل فى علاه .
انظر إلى السماء وارتفاعها ، والأرض واتساعها ، والجبال وأثقالها والأفلاك ودورانها ، والبحار وأمواجها .
انظر إلى كل متحرك وساكن ، واللـه إن الكل يقر بتوحيد اللـه ويعلن السجود لله ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من كفر من الجن والإنس ولا حول ولا قوة إلا باللـه .
انظــــر لتلـك الشجـــرة
ذات الغصـــــون النضــرة
كيف نمـــــت مــن حبـة
وكيف صــــــارت شجـرة
ابحث وقل
مــن ذا الذى يخــــرج منها
الثمـــــرة؟! ذاك هـو اللـه
الـذى أنعمه منهمــرة ذو حكمة
بالغـــــــة وقدرة مقتـدرة
وانظر إلى الشمس التى جذوتها مستعرة
فيها ضيـاء وبهـا حرارة منتشرة
ابحث وقل
مـ، ذا الذى يخـــــــرج منها
الشـــررة؟! ذاك هـــو اللـه
الذى أنعمــه منهمـــرة ذو حكمة
بالغة وقـــــــدرة مقتـدرة
الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته
والبـر والبحر فيـض من عطاياه
الطير سبحــــه والوحــش مجده
والموج كبــره والحــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصـم قدسه
والنحل يهتـف له حمداً فى خلاياه
والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم
والعبد ينســى وربـى ليس ينساه
اصبحى أيتها الشمس طالعة من المغرب فتسرع الشمس على الفور لتنفيذ أمر العزيز الحميد فتصبح طالعة من المغرب ، انظر إلى هذا العجب !!
وضح هذه المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بالشواهد من حديث عبد اللـه بن أبى أوفى أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال : (( يأتى على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم ، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون ، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ، ثم ينام فيفزعون إلى المساجد فإذا هم كذلك فإذا هم يرون الشمس قد طلعت من مغربها )) ([2]).
انظر ماذا قال المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم فإذا كان كذلك يعرفها المتنفلون : أى يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين !
اللـه أكبر!!! .. ما الذى يترتب على هذه الآية العظيمة ؟!
الذى يترتب على ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال فى رواية أبى ذر التى ذكرتها آنفا قال :
(( أتدرون متى ذاكم ؟! )) أى أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها ؟! قالوا : اللـه ورسوله أعلم ، قال : (( ذاك حين ) لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ( [ الانعام : 158 ] .
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (( إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون )) ([3]) .
ولكن هيهات هيهات !!.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال :
(( ثـلاث إذا خرجـن لا ينفـع نفساً إيـمانهـا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً ، طلـوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض )) ([4]) .
أيها الفاضل وأيتها الفاضلة أذكر نفسى وأذكرك بالمبادرة بالتوبة والأوبة إلى اللـه عز وجل قبل أن يغلق اللـه باب التوبة علينا .
فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول والحديث رواه أحمد بسند صحيح قال :
(( لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل )) ([5]) .
أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الغافل .. أيها المضيع للتوحيد .. أيها المضيع للصلاة .. أيها المضيع للزكاة .. أيها العاق لوالديه .. أيها المنصرف عن اللـه :
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
و اذكر ذنوبـــك وأبكها يا مذنب
لم ينسـه الملكــان حيـن نسيته
بـل أثبتـــــاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعــة أودعتهــا
ستردها بالرغــم منــك وتسلب
وغرور دنيـاك التــى تسعى لها
دار حقيقتهـا متـــــاع يذهب
الليل فاعلم و النهار كلاهمــــا
أنفاسنـا فيهما تعـد وتحســـب
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى :
(( إن اللـه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) ([6]) .
هنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيمُ على طاعة اللـه ، اللـهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان والاستقامة ووفقنا للعمل الصالح الذى يرضيك يا رب العالمين .
قال جل وعلا :
) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (
[ فصلت : 30، 32 ] .
([1]) رواه البخارى رقم (4802) ، فى تفسير سورة يس ، وفى بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر ، ومسلم رقم (159) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3225) ،فى التفسير ، باب ومن سورة يس .
([2]) رواه ابن مردويه بسند حسن .
([3]) رواه البخـارى رقـم (6506) ، فى الرقاق ، باب قول النبى r : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ومسلم رقم (157) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، وأبو داود رقم (4312) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .
([4]) رواه مسلم رقم (158) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3074) ، فى التفسير ، باب ومن سورة الأنعام .
([5]) رواه أبو داود ، فى البيعة ، باب ذكر الاختلاف ، وصححه الألبانى ، فى الإرواء (1208) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7469) .
([6]) رواه مسلم رقم (2760) ، فى التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1871) .
أيها الأحبة الكرام :
إن الشمس منذ أن خلقها اللـه عز وجل تشرق من المشرق وتغرب فى المغرب بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر بصورة تطالع الأنظار والمدارك لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن ، قال جل وعلا :
) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَـازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون (
[ يس : 38،40]
لا ريب أنها أية من الآيات التى تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية اللـه جل وعلا ، علامة بارزة على قدرة اللـه .
ولذا نرى نبى من أنبياء اللـه - خليل اللـه إبراهيم - قد تحدى بهذه الآية طاغوتاً من طواغيت أهل الأرض وسجل اللـه جل وعلا ذلك فى كتابه الحكيم :
) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( [ البقرة : 258 ] .
انظر أيها الحبيب كيف تحدى الخليل الطاغية النمرود بن كنعان ، إذ يقول إبراهيم :
) رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ( .
فيرد الجاهل الطاغية المجرم :
) أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ( .
ولكن أين يذهب هذه الغر الجاهل أمام نور النبوة الباهر ، إذ قال له الخليل بذكاء النبوة ونورها الباهر :
) فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( .
فالشمس منذ خلقها اللـه تشرق من الشرق وتغرب فى الغرب بصورة منتظمة متكررة لا تكاد تتخلف أو تتأخر فى يوم من الأيام حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها !!
ففى صحيح مسلم من حديث أبى ذر الغفارى رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب :
(( أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟! )) قالوا اللـه ورسوله أعلم فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعى ، ارجعى من حيث جئت ، فترتفع ، فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله عز وجل فلا تزال كذلك حتى يقال لهـا : ارتفعـى ارجعى من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ( أى المشرق ) فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تجرى ثم تسـتقر فى مكانها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى ، ارتفعى اصبحى طالعة من مغربك ، فتصبح الشمس طالعة من مغربهــا )) ([1]) .
لا تتعجب فكل شئ فى هذه الكون يسجد لله .
قال جل فى علاه :
) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيـرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــاءُ ( [ الحج : 18 ] .
فكل شئ فى الكون يسجد لرب الأرض والسموات إلاكفرة الجن والإنس .
انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه ، ومن سمائه إلى أرضه لتتعرف على وحدانية اللـه ، وعظمة الخالق جل فى علاه .
انظر إلى السماء وارتفاعها ، والأرض واتساعها ، والجبال وأثقالها والأفلاك ودورانها ، والبحار وأمواجها .
انظر إلى كل متحرك وساكن ، واللـه إن الكل يقر بتوحيد اللـه ويعلن السجود لله ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من كفر من الجن والإنس ولا حول ولا قوة إلا باللـه .
انظــــر لتلـك الشجـــرة
ذات الغصـــــون النضــرة
كيف نمـــــت مــن حبـة
وكيف صــــــارت شجـرة
ابحث وقل
مــن ذا الذى يخــــرج منها
الثمـــــرة؟! ذاك هـو اللـه
الـذى أنعمه منهمــرة ذو حكمة
بالغـــــــة وقدرة مقتـدرة
وانظر إلى الشمس التى جذوتها مستعرة
فيها ضيـاء وبهـا حرارة منتشرة
ابحث وقل
مـ، ذا الذى يخـــــــرج منها
الشـــررة؟! ذاك هـــو اللـه
الذى أنعمــه منهمـــرة ذو حكمة
بالغة وقـــــــدرة مقتـدرة
الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته
والبـر والبحر فيـض من عطاياه
الطير سبحــــه والوحــش مجده
والموج كبــره والحــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصـم قدسه
والنحل يهتـف له حمداً فى خلاياه
والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم
والعبد ينســى وربـى ليس ينساه
اصبحى أيتها الشمس طالعة من المغرب فتسرع الشمس على الفور لتنفيذ أمر العزيز الحميد فتصبح طالعة من المغرب ، انظر إلى هذا العجب !!
وضح هذه المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بالشواهد من حديث عبد اللـه بن أبى أوفى أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال : (( يأتى على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم ، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون ، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ، ثم ينام فيفزعون إلى المساجد فإذا هم كذلك فإذا هم يرون الشمس قد طلعت من مغربها )) ([2]).
انظر ماذا قال المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم فإذا كان كذلك يعرفها المتنفلون : أى يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين !
اللـه أكبر!!! .. ما الذى يترتب على هذه الآية العظيمة ؟!
الذى يترتب على ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال فى رواية أبى ذر التى ذكرتها آنفا قال :
(( أتدرون متى ذاكم ؟! )) أى أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها ؟! قالوا : اللـه ورسوله أعلم ، قال : (( ذاك حين ) لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ( [ الانعام : 158 ] .
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (( إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون )) ([3]) .
ولكن هيهات هيهات !!.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال :
(( ثـلاث إذا خرجـن لا ينفـع نفساً إيـمانهـا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً ، طلـوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض )) ([4]) .
أيها الفاضل وأيتها الفاضلة أذكر نفسى وأذكرك بالمبادرة بالتوبة والأوبة إلى اللـه عز وجل قبل أن يغلق اللـه باب التوبة علينا .
فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول والحديث رواه أحمد بسند صحيح قال :
(( لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل )) ([5]) .
أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الغافل .. أيها المضيع للتوحيد .. أيها المضيع للصلاة .. أيها المضيع للزكاة .. أيها العاق لوالديه .. أيها المنصرف عن اللـه :
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
و اذكر ذنوبـــك وأبكها يا مذنب
لم ينسـه الملكــان حيـن نسيته
بـل أثبتـــــاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعــة أودعتهــا
ستردها بالرغــم منــك وتسلب
وغرور دنيـاك التــى تسعى لها
دار حقيقتهـا متـــــاع يذهب
الليل فاعلم و النهار كلاهمــــا
أنفاسنـا فيهما تعـد وتحســـب
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى :
(( إن اللـه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) ([6]) .
هنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيمُ على طاعة اللـه ، اللـهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان والاستقامة ووفقنا للعمل الصالح الذى يرضيك يا رب العالمين .
قال جل وعلا :
) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (
[ فصلت : 30، 32 ] .
([1]) رواه البخارى رقم (4802) ، فى تفسير سورة يس ، وفى بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر ، ومسلم رقم (159) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3225) ،فى التفسير ، باب ومن سورة يس .
([2]) رواه ابن مردويه بسند حسن .
([3]) رواه البخـارى رقـم (6506) ، فى الرقاق ، باب قول النبى r : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ومسلم رقم (157) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، وأبو داود رقم (4312) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .
([4]) رواه مسلم رقم (158) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3074) ، فى التفسير ، باب ومن سورة الأنعام .
([5]) رواه أبو داود ، فى البيعة ، باب ذكر الاختلاف ، وصححه الألبانى ، فى الإرواء (1208) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7469) .
([6]) رواه مسلم رقم (2760) ، فى التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1871) .
تعليق