إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مختصر العقيدة الواسطية - شرح الشيخ ابن العثيمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مختصر العقيدة الواسطية - شرح الشيخ ابن العثيمين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين الذى خلق فسوى والذي قدر فهدى والذى اخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، الحمد لله رب العالمين وحده الاله وحده إليه ادعوا واليه المئاب والصلاة والسلام على رحمة الله وخليل الله وخير خلقه صفيه ونجيه محمد بن عبد الله ،سيدنا وسيد المخلوقين العبد النبي الامى صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
    أما بعد
    فان هذا الكتاب الذى يسمى "العقيدة الواسطية" ألفه حبر الأمة في زمانه "أبو العباس شيخ الإسلام ،احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرانى رحمه الله المتوفى سنة 728 هجرية

    وهذا الكتاب كتاب مختصر ألفه شيخ الإسلام لأنه حضر إليه رجل من قضاة واسط شكا إليه
    ما كان الناس يعانونه من المذاهب المنحرفة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته فكتب هذه العقيدة التى تعد زبدة لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق با لامور التى خاض الناس فيها الكلام والقيل والقال.
    وقبل ان نبدأ الكلام على هذه الرسالة العظيمة نحب أن نبين ان جميع رسالات الرسل من أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى أخرهم محمد صلى الله عليه وسلم كلها تدعوا الى التوحيد.
    قال الله تعالى" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ" الانبياء:25
    وذلك ان الخلق خلقوا لواحد وهو الله عز وجل خلقوا لعبادته للتعلق قلوبهم به تألمها وتعظيمها وخوفا ورجاء وتوكلا ورغبة ورهبة حتى ينسلخوا عن كل شيء من الدنيا ليكون معينا لهم على توحيد الله عز وجل فى هذه الأمور،لأنك إذن مخلوق لابد ان تكون لخالقك قلبا وقالبا فى كل شيء
    ولهذا كانت دعوة الرسول عليهم لصلاة والسلام إلى هذا الأمر الهام العظيم ،عبادة الله وحده لاشريك له
    وقد قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام
    احدها توحيد الربوبية :
    وهو توحيد الله سبحانه وتعالى فى أمور ثلاثة فى الخلق والملك والتدبير اى توحيد الله فى أفعاله ودليل الخلق والتدبير قوله تعالى "
    أما الملك فدليله قوله تعالى"
    إذا فالرب عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير.

    القسم الثاني توحيد الألوهية:
    وهو أفراد الله عز وجل بالعبادة ،فلا تكون العبادة لغير الله( لاتعبد ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا شفيعا ولا أما ولا أبا ) لاتعبد إلا الله وحده ويسمى أيضا توحيد العبادة
    والعبادة مبنية على أمرين عظيمين هما المحبة والتعظيم الناتج عنهما " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا" الأنبياء: 90
    فالمحبة تكون الرغبة وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف ولهذا كانت العبادة أوامر ونواهي : أوامر مبنية على الرغبة وطلب الوصول الى الأمر ونواهي مبنية على التعظيم والرهبة من هذا التعظيم
    العبادة: تطلق على أمرين، على الفعل والمفعول
    ونعرفها باعتبار إطلاقها على الفعل بأنها: "التذلل لله عز وجل حباً وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه
    وتطلق على المفعول، أي: المتعبد به وهي بهذا المعنى تعرف بما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة
    وهذا النوعان من أنواع التوحيد لا يجحدهما ولا ينكرهما أحد من أهل القبلة المنتسبين إلى الإسلام، لكن حصل فيما بعد أن من الناس من ادعى ألوهية أحد من البشر، كغلاة الرافضة مثلاً، الذين يقولون: إن علياً إليه، كما صنع زعيمهم عبد الله بن سبأ، حيث جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: أنت الله حقاً‍ وعلى أبى طالب احرق السبئية بالنار لأنهم ادعوا الألوهية فكفروا بذلك.

    لكن الذى كثر فيه النزاع هو أهل القبلة وهو القسم الثالث:وهو توحيد الأسماء والصفات
    والذين خرجوا عن الحق والصواب فى هذا القسم هم الممثلة والمعطلة
    فالممثلة هم الذين اثبتوا صفات الله مع تمثيلها بصفات المخلوقين والعياذ بالله اما المعطلة الذين لم يثبتوا الصفات والأسماء انقسموا الى أقسام متعددة

    - قسم قالوا: لا يجوز أبداً أن نصف الله لا بوجود ولا بعدم، لأنه إن وصف بالوجود، أشبه الموجودات، وإن وصف بالعدم، أشبه المعدومات، ، وكل عقول بني آدم تنكر هذا الشيء ولا تقبله.
    2- وقسم آخر قالوا: نصفه بالنفي ولا نصفه بالإثبات، يعني: لا نقول: هو حي، وإنما نقول ليس بمبيت ولا نقول عليم، بل نقول: ليس بجاهل. وقالوا: لو أثبت له شيئاً شبهته بالموجودات، لأنه على زعمهم كل الأشياء الموجودة متشابهة، فأنت لا تثبت له شيئاً، وأما النفي، فهو عدم، مع أن الموجود في الكتاب والسنة في صفات الله من الإثبات أكثر من النفي بكثير.
    فان قيل لهم: إن الله قال عن نفسه: (سميع بصير).
    قالوا: هذا من باب الإضافات، بمعنى: نُسـب إليه السمع لا لأنه متصف به، ولكن لأن له مخلوقا يسمع، فـ(سميع)، يعني: ليس له سمع، لكن له مسموع.
    3- وقسم قالوا: يثبت له الأسماء دون الصفات، وهؤلاء هم المعتزلة أثبتوا أسماء الله، قالوا: إن الله سميع بصير قدير عليم حكيم لكن قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع بصير بلا بصر، عليم بلا علم، حكيم بلا حكمة.
    4- وقسم رابع قالوا: نثبت له الأسماء حقيقة، ونثبت له صفات معينة دل عليها العقل وننكر الباقي، نثبت له سبع صفات فقط والباقي ننكره تحريفاً لا تكذيباً، لأنهم لو أنكروه تكذيباً، كفروا، لكن ينكرونه تحريفاً وهو ما يدعون أنه "تأويل".
    الصفات السبع هي مجموعة في قوله:
    لـه الحياة والكلامُ والبصر سمـع إرادةُ وعلم واقتدر
    فهذه الصفات نثبتها لأن العقل دل عليها وبقية الصفات ما دل عليها العقل، فنثبت ما دل عليه العقل، وننكر ما لم يدل عليه العقل وهؤلاء هم الأشاعرة، آمنوا بالبعض، وأنكروا البعض.
    وهذه أقسام التعطيل في الأسماء والصفات
    و الله سبحانه تعالى بحكمته وحمده ومنته وفضله ما من بدعة خرجت إلا قيض الله لها من يدحضها ويبين عورها.
    ومن جملة الذين بينوا البدع وقاموا قياماً تاماً بدحضها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد ألف هذه "العقيدة" لبيان الحق ودحض الباطل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم


    شرح مقدمة ابن تيمية
    قول المؤلف رحمه الله "بسم الله الرحمن الرحيم"
    -الشرح:
    البداءة بالبسملة هي شأن جميع المؤلفين، إقتداء بكتاب الله، حيث أنزل البسملة في ابتداء كل سورة واستناداً إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
    قوله" الحمد الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا"
    الشرح:
    قوله" الحمد الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق" يعنى ان الله تعالى يحمد على كماله عز وجل وعلى إنعامه، فنحن نحمد الله عز وجل لأنه كامل الصفات من كل وجه، ونحمده لأنه كامل الأنعام والإحسان: )وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53]، وأكبر نعمة أنعم الله بها على الخلق إرسال الرسل الذي به هداية الخلق، ولهذا يقول المؤلف "الحمد لله الذي أرسل رسول رسوله بالهدى ودين الحق".
    وقوله "ليظهره على الدين كله" أي: يعليه، لأن الظهور بمعنى العلو، ومنه: ظهر الدابة أعلاها ومنه: ظهر الأرض سطحها، كما قال تعالى: )وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ)(فاطر: من الآية45) .
    فإن من تمسك بهذا الدين الحق، فهو الظاهر العالي، ومن ابتغى العزة في غيره، فقد ابتغى الذل، لأنه لا ظهور ولا عزة ولا كرامة إلا بالدين الحق، ولهذا أنا أدعوكم معشر الأخوة إلى التمسك بدين الله ظاهراً و باطناً في العبادة والسلوك والأخلاق، وفي الدعوة إليه، حتى تقوم الملة وتستقيم الأمة.
    وقوله"وكفى بالله شهيداً "شهادة من الله عز وجل فعلية بأنه صادق وأن دينه حق، هذه الشهادة فعلية، ما أخذه الله ولا فضحه ولا كذبه بل نصره وأيده.
    قوله وأشهد ان لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له، إقراراً به وتوحيدا
    الشرح:
    "أشهد"، بمعنى: أقر بقلبي ناطقاً بلساني، الشهادة أصلها من شهود الشيء، أي: حضوره ورؤيته، فكأن هذا المخبر عما في قلبه الناطق بلسانه، كأنه يشاهد الأمر بعينه.
    "لا إله إلا الله"، أي: لا معبود حق إلا الله، وحده لا شريك له"وحده"هى توكيد للثبات الألوهية و"لاشريك له"توكيد لنفى ألوهية غيره.
    قوله"وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"
    الشرح :
    نقول في "أشهد" ما قلنا في "أشهد" الأولى.
    ومحمد صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي الذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم، أشرف الناس نسباً، عليه الصلاة والسلام
    هذا النبي الكريم هو عبد الله ورسوله، وهو أعبد الناس لله، وأشدهم تحقيقاً لعبادته، كان عليه الصلاة والسلام يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويقال له: كيف تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً"
    فكان صلى الله عليه وسلم أتقى الناس، وأخشى الناس لله، وأشدهم رغبة فيما عند الله تعالى، فهو عبد الله ، ومقتضى عبوديته أنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً وليس له حق في الربوبية إطلاقاً بل هو عبد محتاج إلى الله مفتقر له يسأله ويدعوه ويرجوه ويخافه، بل إن الله أمره أن يعلن وأن يبلغ بلاغاً خاصاً بأنه لا يملك شيئاً من هذه الأمور فقال: )قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء)(لأعراف: من الآية188)
    ونظائر ذلك فى القرآن كثيرة.
    وإذا كان محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بهذه المثابة، فما بالك بمن دونه من عباد الله؟! فإنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا لغيرهم أبداً وبهذا يتبين سفه أولئك القوم الذين يدعون من يدعونهم أولياء من دون الله عز وجل.
    ومحمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم النبيين، ختم الله به النبوة والرسالة أيضاً، لأنه إذا انتفت النبوة، وهي أعم من الرسالة، انتفت الرسالة التي هي أخص.
    قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
    معنى "صلى الله عليه": أحسن ما قيل فيه ما قاله أبو العالية رحمه الله، قال: "صلاة الله على رسوله: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى".
    قوله: "وعلى آله"، و(آله) هنا: أتباعه على دينه هذا إذا ذكرت الآل وحدها أو مع الصحب، فإنها تكون بمعنى أتباعه على دينه منذ بعث إلى يوم القيامة ويدل على أن الآل بمعنى الإتباع على الدين قوله تعالى في آل فرعون: )النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) ، أي: أتباعه على دينه.
    أما إذا قرنت بالأتباع، فقيل: آله وأتباعه، فالآل هم المؤمنون من آل بيت النبى الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وقوله وسلم تسليماً مزيداً: (سلم) فيها السلامة من الآفات، وفي الصلاة حصول الخيرات وأخصها: الثناء عليه في الملأ الأعلى ـ وأن يزيل عنه الآفات، وكذلك من اتبعه.
    قوله أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة الى قيام الساعة اهل السنة والجماعة"
    الشرح
    اعتقاد": افتعال من العقد وهو الربط والشد هذا من حيث التصريف اللغوي، وأما في الاصطلاح عندهم، فهو حكم الذهن الجازم، يقال: اعتقدت كذا، يعنى: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع، فصحيح، وإن خالف الواقع، ففاسد، فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل، لأنه مخالف للواقع ووجه ارتباطه بالمعنى اللغوي ظاهر، لأن هذا الذي حكم في قلبه على شيء ما كأنه عقده عليه وشده عليه بحيث لا يتفلت منه.
    و "الفرقة" بكسر الفاء، بمعنى: الطائفة، وأما الفرقة بالضم، فهي مأخوذة من الافتراق.
    "الناجية": اسم فاعل من نجا، إذا سلم، ناجية في الدنيا من البدع سالمة منها وناجية في الآخرة من النار.
    وقوله "المنصورة إلى قيام الساعة" عبر المؤلف بذلك موافقة للحديث، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين " اخرجه ابو داود واحمد
    وقوله أهل السنة والجماعة: أضافهم إلى السنة، لأنهم متمسكون بها، والجماعة، لأنهم مجتمعون عليها. هذه الفرقة مجتمعة على الحق، وإن كان قد يحصل بينهم خلاف،فهو خلاف سائغ مثل: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه أم لم يره؟ مسائل تعد فرعية بالنسبة للأصول،فصدرهم يتسع لمثل هذه الاختلافات البسيطة التى اختلف الصحابة فيها من قبلنا
    قوله"وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره
    الشرح
    هذه العقيدة أصلها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ متى الساعة؟ فالإيمان ـ قال له ـ: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره
    والإيمان في اللغة: الإقرار بالشيء عن تصديق به
    إذا فالإيمان يتضمن معنى زائداً على مجرد التصديق، وهو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام،فأبليس يصدق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه غير مقر لها وأنا مثلا اصدق ان شخصا ما يدخن وأنا لست مقرا لفعله
    فالإيمان هو التصديق مع الإقرار المستلزم للانقياد والإذعان لما يؤمن به.
    والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
    1- الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.
    2- الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.
    3- الإيمان بانفراده بالألوهية.
    4- الإيمان بأسمائه وصفاته.
    وقول المؤلف وملائكته
    فالملائكة عالم غيبي، خلقهم الله عز وجل من نور، وجعلهم طائعين له متذللين له، ولكل منهم وظائف خصه الله بها.
    وهم عالم غيبي لا يشاهدون، وقد يشاهدون، إنما الأصل أنهم عالم ويجب علينا ان نؤمن بأسماء من علمنا بأسمائهم ونؤمن بوظائف من علمنا بوظائفهم وهم أجساد، بدليل قوله تعالى: ) جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَة) [فاطر، 1]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق والحديث فىالبخارى ومسلم.
    فهم أجساد ولهم عقول لان الله تعالى كلفهم بأمور والعقل مناط التكليف فمثلا كلف الله جبريل بإنزال الوحي وكلف ملك الموت بقبض الأرواح وهم مع ذلك قياما وركعا وسجد الله وقد أثنى الله عليهم فهم لهم عقول.

    وقول المؤلف كتبه أي كتب الله التي أنزلها مع الرسل.
    و نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً.
    وقول المؤلف ورسله
    أي: رسل الله وهم الذين أوحى الله إليهم بالشرائع وأمرهم بتبليغها، وأولهم نوح
    وآخر هم محمد صلى الله عليه وسلم .
    فإن قلت: عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان وهو رسول، فما الجواب؟.
    نقول: هو لا ينزل بشريعة جديد، وإنما يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم .
    وقول المؤلف البعث بعد الموت
    البعث بمعنى الإخراج، يعني: إخراج الناس من قبورهم بعد موتهم.
    وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل إجماع اليهود والنصارى،فهذا البعث اتفقت عليه الأديان السماوية.

    وقول المؤلف" والإيمان بالقدر خيره وشره"

    والقدر هو: "تقدير الله عز وجل للأشياء".
    وقد كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى اخرجه مسلم والترمذى واحمد وغيرهم ،و كما قال الله تعالى: )أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج: 70].
    وقوله: "خيره وشره": أما وصف القدر بالخير، فالأمر فيه ظاهر. وأما وصف القدر بالشر، فالمراد به شر المقدور لا شر القدر الذي هو فعل الله، فإن فعل الله عز وجل ليس فيه شر، كل أفعاله خير وحكمة، ولكن الشر في مفعولاته ومقدوراته، فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل، فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والشر ليس إليك"اخرجه مسلم
    فمثلاً، نحن نجد في المخلوقات المقدورات شراً، ففيها الحيات والعقارب والسباع والأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، وكل هذه بالنسبة للإنسان شر، لأنها لا تلائمه، وفيها أيضاً المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك، وكل هذه شر، لكن باعتبار نسبتها إلي الله هي خير، لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمة بالغة عظيمة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
    وعلى هذا يجب أن تعرف أن الشر الذي وُصِِِِفَ به القدر إنما هو باعتبار المقدورات والمفعولات، لا باعتبار التقدير الذي هو تقدير الله وفعله"
    و اعلم أيضاً أن هذا المفعول اوالمقدور شراً مطلق لكنه نسبى فهو شر فى وجهه وخير فى وجه اخر او عده جهات اخرى.
    قوله ومن الإيمان بالله(الإيمان بما وصف به نفسه فى كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم "
    الشرح:
    و قوله: "بما وصف به نفسه في كتابه" يعنى القرآن، وفي هذه الجملة مباحث:
    المبحث الأول: أن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه:
    ووجه ذلك أن الإيمان بالله ـ كما سبق ـ يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته، فإنه ذات الله تسمى بأسماء وتوصف بأوصاف، ووجود ذات مجردة عن الأوصاف مستحيل
    لهذا، كان الإيمان بصفات الله من الإيمان بالله، لو لم يكن من صفات الله إلا أنه موجود واجب الوجود، وهذا باتفاق الناس، وعلى هذا، فلا بد أن يكون له صفة.
    المبحث الثاني: أن صفات الله عز وجل من الأمور الغيبية، والواجب على الإنسان نحو الأمور الغيبية: أن يؤمن بها على ما جاءت دون أن يرجع إلى شيء سوى النصوص.
    قال الإمام أحمد: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث".
    يعني أننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
    ويدل لذلك القرآن والعقل:
    ففي القرآن: يقول الله عز وجل: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف، 33]، فإذا وصفت الله بصفة لم يصف الله بها نفسه، فقد قلت عليه مالا تعلم وهذا محرم بنص القرآن.
    وأما الدليل العقلي، فلأن صفات الله عز وجل من الأمور الغيبية ولا يمكن في الأمور الغيبية أن يدركها العقل، وحينئذ لا نصف الله بما لم يصف به نفسه
    فنحن الآن لا ندرك ما وصف الله به نعيم الجنة من حيث الحقيقة مع أنه مخلوق، في الجنة فاكهة ونخل ورمان وسرر وأكواب وحور ونحن لا ندرك حقيقة هذه الأشياء، ولو قيل: صفها لنا، لا نستطيع وصفها، لقوله تعالى: )فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17]، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"متفق عليه
    فإذا كان هذا في المخلوق الذي وصف بصفات معلومة المعنى ولا تعلم حقيقتها، فكيف بالخالق جلا وعلا ؟!

    المبحث الثالث : وجوب إجراء النصوص الواردة في الكتاب والسنة على ظاهرها، لا نتعداها.
    مثال ذلك: لما وصف الله نفسه بأن له عيناً، هل نقول: المراد بالعين الرؤية لا حقيقة العين؟ لو قلنا ذلك، ما وصفنا الله بما وصف به نفسه.
    المبحث الرابع: عموم كلام المؤلف يشمل كل ما وصف الله به نفسه من الصفات الذاتية المعنوية والخبرية .
    فالصفات الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها وهي نوعان: معنوية وخبرية:
    فالمعنوية، مثل: الحياة، والعلم، القدرة، والحكمة... وما أشبه ذلك، وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر.
    والخبرية، مثل: اليدين، والوجه، والعينين... وما أشبه ذلك مما سماه، نظيره أبعاض وأجزاء لنا.
    واصطلح العلماء رحمهم الله على أن يسموها الصفات الذاتية، قالوا: لأنها ملازمة للذات، لا تنفك عنها.
    اما الصفات الفعلية هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
    صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضى، فالله عز وجل إذا وجد سبب الرضى، رضي، كما قال تعالى: )إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
    وصفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
    ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين، فالكلام صفة فعلية باعتبار آحاده لكن باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً لكنه يتكلم بما شاء متى شاء، كما سيأتي في بحث الكلام إن شاء الله تعالى.
    اصطلح العلماء رحمهم الله أن يسموا هذه الصفات الصفات الفعلية، لأنها من فعله سبحانه وتعالى.
    وليس في إثباتها لله تعالى نقص بوجه من الوجوه بل هذا من كماله أن يكون فاعلاً لما يريد.
    وأولئك القوم المحرفون يقولون: إثباتها من النقص! ولهذا ينكرون جميع الصفات الفعلية، يقولون: لا يجيء ولا يرضى، ولا يسخط ولا يكره ولا يحب.. ينكرون كل هذه، بدعوى أن هذه حادثة والحادث لا يقوم إلا بحادث وهذا باطل، لأنه في مقابلة النص، وهو باطل بنفسه، فإنه لا يلزم من حدوث الفعل حدوث الفاعل.
    المبحث الخامس: أن العقل لا مدخل له في باب الأسماء والصفات:
    وذلك لأن مدار إثبات الأسماء والصفات أو نفيها على السمع، فعقولنا لا تحكم على الله أبداً، فالمدار إذاً على السمع، خلافاً للأشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل التعطيل، الذين جعلوا المدار في إثبات الصفات أو نفيها على العقل، فقالوا: ما اقتضى العقل إثباته، أثبتناه، سواء أثبته الله لنفسه أم لا! وما اقتضى نفيه، نفيناه، وإن أثبته الله! وما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه، فأكثرهم نفاه، وقال: إن دلالة العقل إيجابية، فإن أوجب الصفة، أثبتناها، وإن لم يوجبها، نفيناها! ومنها من توقف فيه، فلا يثبتها لأن العقل لا يثبتها لكن لا ينكرها، لأن العقل لا ينفيها، ويقول: نتوقف فى الامر لا نثبت ولا ننفى.
    فصار هؤلاء يحكمون العقل فيما يجب أو يمتنع على الله عز وجل.
    ولهذا يقولون: ليس لله عين، ولا وجه، ولا له يد، ولا استوى على العرش، ولا ينزل إلى السماء الدنيا لكنهم يحرفون ويسمون تحريفهم تأويلاً.
    والحاصل أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله وصفاته
    وقوله "وبما وصف به رسوله"
    قوله: "وبما وصفه به رسوله": ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما بالقول، أو بالفعل، أو بالإقرار.
    أ-أما القول فكثير ومنه "ياحى ياقيوم" وقوله"يضحك ربنا "وقوله"ان القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن.
    ب- وأما الفعل، فهو أقل من القول، مثل إشارته إلى السماء يستشهد الله على إقرار أمته بالبلاغ، وهذا في حجة الوداع في عرفة، خطب الناس، وقال: "ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم ثلاث مرات. قال "اللهم! أشهد" يرفع إصبعه إلى السماء، وينكتها إلى الناس. فرفع إصبعه إلى السماء، هذا وصف الله تعالى بالعلو عن طريق الفعل.
    وأحياناً يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام الصفة من صفات الله بالقول ويؤكدها بالفعل، وذلك حينما تلا قوله تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء: 58] فوضع إبهامه على أذنه اليمنى، والتي تليها على عينه وهذا إثبات للسمع والبصر بالقول والفعل.
    جـ- أما الإقرار، فهو قليل بالنسبة لما قبله، مثل: إقراره الجارية التي سألها: "أين الله؟" قالت: في السماء. فأقرها وقال: "أعتقهافهى مؤمنة" والديث اخرجه مسلم "537" وغيره
    وكإقراره الحبر من اليهود الذي جاء وقال للرسول عليه الصلاة والسلام: إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والثرى على إصبع.. آخر الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقوله وهذا إقرار والحديث متفق عليه.
    وقوله من غير تحريف:
    في هذه الجملة بيان صفة إيمان أهل السنة بصفات الله تعالى، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بها إيماناً خالياً من هذه الأمور الأربعة: التحريف والتعطيل، والتكييف، والتمثيل.
    فالتحريف:هو التغيير وهو إما لفظي وإما معنوي، والغالب أن التحريف اللفظي لا يقع، وإذا وقع، فإنما يقع من جاهل، فما تجد أحداً يقول: "الحمد لله رب العالمين" بفتح الدال، إلا إذا كان جاهلاً.
    لكن التحريف المعنوي هو الذي وقع فيه كثير من الناس.
    وأهل السنة والجماعة إيمانهم بما وصف الله به نفسه خال من التحريف، يعني: تغيير اللفظ أو المعنى.
    وتغيير المعنى يسميه القائلون به تأويلاً ويسمون أنفسهم بأهل التأويل، لأجل أن يصبغوا هذا الكلام صبغة القبول، لأن التأويل لا تنفر منه النفوس ولا تكرهه، لكن ما ذهبوا إليه في الحقيقة تحريف، لأنه ليس عليه دليل صحيح.
    ولهذا عبر المؤلف رحمه الله بالتحريف دون التأويل مع أن كثيراً ممن يتكلمون في هذا الباب يعبرون بنفي التأويل، يقولون: من غير تأويل، لكن ما عبر به المؤلف أولى لوجوه أربعة:
    الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن، فإن الله تعالى قال: ) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46]، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى من غيره.
    الوجه الثاني: أنه أدل على الحال، وأقرب إلى العدل، فالمؤول بغير دليل ليس من العدل أن تسميه مؤولاً، بل العدل أن نصفه بما يستحق وهو أن يكون محرفاً.
    الوجه الثالث: أن التأويل بغير دليل باطل، يجب البعد عنه والتنفير منه، واستعمال لفظ التحريف أبلغ فى التنفيراً .
    الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" [42]، وقال الله تعالى: ) وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم) [آل عمران: 7]، فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
    و التأويل له معان متعددة ، يكون بمعنى التفسير ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
    (أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون: تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أولنا الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه .
    (ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.
    مثاله في الخبر قوله تعالى )هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومال ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت رسل ربنا بالحق.
    ومثاله في الطلب قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1]، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن أي: يعمل به" حديث اخرجه البخارى ومسلم"
    (جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول، وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب باب التحريف، وليس من باب التأويل.
    وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
    مثاله قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل: معنى ( اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    فأما قوله تعالى )أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوه) [النحل: 1]، فمعنى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ(، أي سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه دليل وهو قوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوه(.
    وكذلك قوله تعالى: )فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة، فالتأويل عليه دليل من السنة فهو صحيح
    ولهذه الوجوه الاربع قلنا بان التعبيربالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى.
    قوله "ولا تعطيل" التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: ) وَبِئْرٍ مُعَطَّلَة) [الحج: 45]، أي: مخلاة متروكة.
    والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً.
    فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات الله ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً.
    فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
    قلنا: التحريف هو ان يقول القائل ان معنى قوله تعالى"لما خلقت بيدى"اى قوتاه، فهذا محرف للدليل.
    اما اذا قال"بيدى"لاادرى افوض الامر الى الله لا اثبت اليد الحقيقية ولا اليد المعرف اليها اللفظ فنحن نقول ان هذا معطل وليس محرف لانه لم يغير معنى اللفظ ولم يفسر بغير مراده ولكنه عطل معناه الذى يراد منه وهو اثبات اليد لله عز وجل"
    و أهل السنة والجماعة يتبرءون من الطريقتين طريقة و طريقة التفويض ولا شك ان الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة هو التفويض، أنهم أخطئوا، لأن مذهب أهل السنة هو إثبات المعنى وتفويض الكيفية.
    وليعلم أن القول بالتفويض ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ من شر أقوال أهل البدع والإلحاد!
    عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها.
    لكن يقول شيخ الإسلام: هذا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍.
    وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول صلى الله عليه وسلم واستطالة للفلاسفة.
    تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: ) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) [النحل: 89]، وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن تبياناً لكل شيء؟‌ أين البيان؟
    إن هؤلاء يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري، فغيره من باب أولى.
    وتجهيل للرسول صلى الله عليه وسلم فمعنى قولهم هذا ان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في صفات الله، ولا يدري ما معناه فإذا قال "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا "وسئل ما معنى "ينزل ربنا"؟ قال: لا أدري!
    وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم .
    فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وفيه أيضا فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقالوا: أنتم لا تعلمون شيئاً، بل نحن الذين نعلم، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم، لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم! ففتحوا بذلك باب شرعظيم
    وقوله" ومن غير تكييف ولا تمثيل"
    التكييف: هو أن تذكر كيفية الصفةوالتمثيل هو ذكر مماثل للشىء وبينهما اى التمثيل والتكييف:عموم وخصوص مطلق لان كل ممثل مكيف وليس كل مكيف ممثل لان التكييف ذكر كيفية غيرمقرونة بمماثل مثل ان نقول :لى قلم لونه كذا وحجمه كذا فهذا تكيييف فاذا قرنته بمماثل صار تمثيلا مثل ان تقول هذا القلم مثل هذا القلم.
    وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون: إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا، له بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا له يد وليست مثل أيدينا.... وهكذا جميع الصفات فهم يثبتون المعنى ويفوضون الكيفية، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية:
    أ- الأدلة السمعية:
    تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
    - فمن الخبر قوله تعالى: ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) [الشورى: 11]، فالآية فيها نفي صريح للتمثيل وقوله: ) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) [مريم: 65]، فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر، لأنه استفهام بمعنى النفي وقوله: )وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص: 4]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية.
    - وأما الطلب، فقال الله تعالى: ) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادا) [البقرة: 22] أي: نظراء مماثلين. وقال )فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال) [النحل: 74].
    فمن مثل الله بخلقه، فقد كذب الخبر وعصى الأمر ولهذا أطلق بعض السلف القول بالتكفير لمن مثل الله بخلقه، فقال نعيم بن حماد الخز اعي شيخ البخاري رحمه الله: "من شبه الله بخلقه، فقد كفر" [48]، لأنه جمع بين التكذيب بالخبر وعصيان الطلب.
    وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين الخالق والمخلوق: فمن وجوه:
    أولاً: أن نقول لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً، وذلك أن وجود الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال: إنهما متماثلان.
    ونحن نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق فى صفاته وفى افعاله ففى صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفى ومهما بعد لا تختلف عليه الاصوات ولا تعجزه اللغات.
    ثانياً: نقول: إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف في المسميات، ولهذا، لا يمكن لأحد أن يقول: إن لي يداً كيد الجمل، أو لي يداً كيد الهر، فكل هذه ايادى متفقة في الاسم مختلفة فى الكيفية فأذا جاز التفاوت بين المسميات فى المخلوقات مع اتفاق الاسم فجوازه بين الخالق والمخلوق من باب اولى.
    و هناك دليل فطرى ، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون أن يلقن يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة؛ ما ذهب يدعو الخالق.
    قوله "بل يؤمنون بأن الله سبحانه )ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) "
    الشرح
    قوله "بل يؤمنون أي: يقر أهل السنة والجماعة بذلك إقراراً وتصديقاً بأن الله ليس كمثله شيء؛ كما قال عن نفسه:)َليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)( الشورى:11) ؛ فهنا نفى المماثلة، ثم أثبت السمع والبصر فنفى العيب، ثم أثبت الكمال.
    قوله"فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه
    الشرح
    قوله"فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه "أي: لا ينفي أهل السنة والجماعة عن الله ما وصف به نفسه، لأنهم متبعون للنص نفياً وإثباتاً، فكل ما وصف الله به نفسه يثبتونه على حقيقته، فلا ينفون عن الله ما وصف الله به نفسه.
    قوله" ولا يحرفون الكلم عن مواضعه"
    (الكلم): اسم، جمع كلمة ويراد به كلام الله وكلام رسوله.
    لا يحرفونه عن مواضعه، أي: عن مدلولاته، فمثلاً قوله تعالى:" لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
    " [ص 75]، يقولون هى يد حقيقية ثابتة لله من غير تكييف ولا تمثيل والمحرفون يقولون قوته او نعمته.
    قوله "ولا يلحدون في أسماء الله وآياته"
    الشرح
    قوله: "ولا يلحدون" أي: أهل السنة والجماعة.
    والإلحاد في اللغة: الميل، ومنه سمي اللحد في القبر، لأنه مائل إلى جانب منه وليس متوسطاً.
    فهم لا يلحدون في أسماء الله، ولا يلحدون أيضاً في آيات الله، فأفادنا المؤلف رحمه الله أن الإلحاد يكون في موضعين: في الأسماء وفي الآيات.
    هذا الذي يفيده كلام المؤلف قد دل عليه القرآن قال الله تعالى: )وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]، فأثبت الله الإلحاد في الأسماء، وقال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) [فصلت: 40]، فأثبت الله الإلحاد في الآيات.
    - فالإلحاد في الأسماء هو الميل فيها عما يجب، وهو أنواع:
    النوع الأول: أن يسمى الله بما لم يسم به نفسه، كما سماه الفلاسفة علة فاعلة وسماه النصارى: أباً، وعيسى: الابن، تعالى الله عما يصفون فهذا الحاد فى في أسماء الله.
    النوع الثاني: أن ينكر شيئاً من أسمائه، عكس الأول، فينكر الاسم، سواء أنكر كل الأسماء أو بعضها.
    وهناك من الناس من أنكر الأسماء، كغلاة الجهمية، فقالوا: ليس لله اسم أبداً! قالوا: لأنك لو أثبت له اسماً، شبهته بالموجودات،وهذا الحاد فى الاسماء.
    النوع الثالث: أن ينكر ما دلت عليه من الصفات، فهو يثبت الاسم، لكن ينكر الصفة التي يتضمنها هذا الاسم، مثل أن يقول: إن الله سميع بلا سمع، وعليم بلا علم، وخالق بلا خلق، وهذا معروف عن المعتزلة.
    النوع الرابع من أنواع الإلحاد في الأسماء: أن يثبت الأسماء لله والصفات، لكن يجعلها دالة على التمثيل، أي دالة على بصر كبصرنا وعلم كعلمنا، ومغفرة كمغفرتنا... وما أشبه ذلك، فهذا إلحاد، لأنه ميل بها عما يجب فيها، إذ الواجب إثباتها بلا تمثيل.
    النوع الخامس: أن ينقلها إلى المعبودات، أو يشتق أسماء منها للمعبودات، مثل أن يسمي شيئاً معبوداً بالإله، فهذا إلحاد، أو يشتق منها أسماء للمعبودات مثل: اللات من الإله، والعزى والعزيز، ومناة من المنان، فنقول: هذا أيضاً إلحاد في أسماء الله، لأن الواجب عليك أن تجعل أسماء الله خاصة به.
    و الإلحاد في آيات الله تعالى، فالاية هي العلامة المميزة للشيء عن غيره
    وآيات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: آيات كونية، وآيات شرعية:
    فالآيات الكونية: ما يتعلق بالخلق والتكوينوكانت آية لله لأنه لا يستطيع الخلق أن يفعلوها، فمثلاً: لا يستطيع أحد أن يخلق مثل الشمس والقمر، ولا يستطيع أن يأتي بالليل إذا جاء النهار، ولا بالنهار إذا جاء الليل، فهذه الآيات كونية.
    القسم الثاني من الآيات: الآيات الشرعية، وهي ما جاءت به الرسل من الوحي، كالقرآن العظيم ،ويكون الإلحاد فيها إما بتكذيبها أو تحريفها أو مخالفتها: فتكذيبها: أن يقول: ليست من عند الله، فيكذب بها أصلاً، أو يكذب بما جاء فيها من الخبر مع تصديقه بالأصل، فيقول مثلاً: قصة أصحاب الكهف ليست صحيحة، وقصة أصحاب الفيل ليست صحيحة والله لم يرسل عليهم طيراً أبابيل.
    وأما التحريف، فهو تغيير لفظها، أو صرف معناها عما أراد الله بها ورسوله، مثل أن يقول: استوى على العرش، أي: استولى، أو: ينزل إلى السماء الدنيا، أي: ينزل أمره.
    وأما مخالفتها، فبترك الأوامر أو فعل النواهي.
    قال الله تعالى في المسجد الحرام: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ([الحج: 25]، فكل المعاصي إلحاد في الآيات الشرعية، لأنه خروج بها عما يجب لها، إذ الواجب علينا أن نتمثل الأوامر وأن نجتنب النواهي، فإن لم نقم بذلك، فهذا إلحاد.
    قوله "ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفء له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه"
    قال المؤلف هذا تمهيداً وتوطئة لوجوب قبول ما دل عليه كلام الله تعالى من صفاته وغيرها، ، وذلك أنه يجب قبول ما دل عليه الخبر إذا اجتمعت فيه أوصاف أربعة:
    الأول: أن يكون صادراً عن علم، وإليه الإشارة بقوله: "فإنه أعلم بنفسه وبغيره".
    الثاني: الصدق، وأشار إليه بقوله: "وأصدق قيلاً".
    الوصف الثالث: البيان والفصاحة، وأشار إليه بقوله: "وأحسن حديثاً".
    الوصف الرابع: سلامة القصد والإرادة، بأن يريد المخبر هداية من أخبرهم.
    فاجتمع في كلام الله الأوصاف الأربعة التي توجب قبول الخبر.
    وإذا كان كذلك، فإنه يجب أن نقبل كلامه على ما هو عليه، وأن لا يلحقنا شك في مدلوله، لأن الله لم يتكلم بهذا الكلام لأجل إضلال الخلق، بل ليبين لهم ويهديهم، وصدر كلام الله عن نفسه أو عن غيره من أعلم القائلين، ولا يمكن أن يعتريه خلاف الصدق، ولا يمكن أن يكون كلاماً عيياً غير فصيح، وكلام الله لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله ، لما استطاعوا فإذا أجتمعت هذه الأمور الأربعة في الكلام، وجب عل المخاطب القبول بما دل عليه.
    مثال ذلك: قوله تعالى مخاطباً إبليس: ) مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي) [ص: 75]، قال قائل: في هذه الآية إثبات يدين لله عز وجل يخلق بهما من شاء فنثبتهما، لأن كلام الله عز وجل صادر عن علم وصدق، وكلامه أحسن الكلام وأفصحه وأبينه، ولا يمكن أن لا يكون له يدان لكن أراد من الناس أن يعتقدوا ذلك فيه، ولو فرض هذا، لكان مقتضاه أن القرآن ضلال، حيث جاء بوصف الله بما ليس فيه، وهذا ممتنع، فإذا كان كذلك، وجب عليك أن تؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين خلق بهما آدم.
    وإذا قلت: المراد بهما النعمة أو القدرة.
    قلنا: لا يمكن أن يكون هذا هو المراد، إلا إذا اجترأت على ربك ووصفت كلامه بضد الأوصاف الأربعة التي قلنا، فنقول: هل الله عز وجل حينما قال: (بِيَدَي): عالم بأن له يدين؟ فسيقول: هو عالم. فنقول: هل هو صادق؟ فسيقول: هو صادق بلا شك. ولا يستطيع أن يقول: هو غير عالم، أو: غير صادق، ولا أن يقول: عبر بهما وهو يريد غيرهما عياً وعجزاً، ولا أن يقول: أراد من خلقه أن يؤمنوا بما ليس فيه من الصفات إضلالاً لهم! فنقول له: إذاً، ما الذي يمنعك أن تثبت لله اليدين؟! فاستغفر ربك وتب إليه، وقل: آمنت بما أخبر الله به عن نفسه، لأنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره وأتم إرادة من غيره أيضاً.
    فقد قال تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ([النساء: 26].
    أما ما أخبرت به الرسل فقال المؤلف: "ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ".
    الشرح
    قوله" ثم رسله صادقون مصدقون"
    قوله" ثم رسله صادقون مصدقون"
    فالصادق هو المخبر بما طابق الواقع، فكل الرسل صادقون ومصدقون اى أنهم مصدقون من قبل الله بالآيات الكونية والشرعية، مصدقون من قبل الخلق، أي: يجب أن يصدقوا .
    ولكن يجب أن يثبت السند إلى الرسل عليهم السلام، فإذا قالت اليهود: قال موسى كذا وكذا، فلا نقبل، حتى نعلم صحة سنده إلى موسى. وإذا قالت النصارى: قال عيسى كذا وكذا، فلا نقبل، حتى نعم صحة وهذه المهمة مرجعها الى اهل الحديث فهم جهابذة هذا الفن.
    واما قوله"بخلاف الذين يقولون على الله مالا يعلمون" فهؤلاء كاذبون أو ضالون، لأنهم قالوا مالا يعلمون.
    وكأن المؤلف يشير إلى أهل التحريف، لأن أهل التحريف قالوا على الله مالا يعلمون من وجهين: قالوا: إنه لم يرد كذا وأراد كذا! فقالوا في السلب والإيجاب لما لا يعلمون.
    مثلاً: قالوا: لم يرد بالوجه الحقيقي! فهنا قالوا على الله مالا يعلمون بالسلب، ثم قالوا: والمراد بالوجه الثواب! فقالوا على الله ما لا يعلمون في الإيجاب.
    وهؤلاء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون لا يكونون صادقين ولا مصدوقين ولا مصدقين بل قامت الأدلة على أنهم كاذبون مكذوبون بما أوحى إليهم الشيطان.
    قزله "ولهذا قال سبحانه وتعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين"(الصافات 180-183) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب
    معنى هذه الجملة واضح وبقى ان يقال"حمد الله نفسه عز وجل بعد أن نزهها، لأن في الحمد كمال الصفات، وفي التسبيح تنزيه عن العيوب، فجمع في الآية بين التنزيه عن العيوب بالتسبيح، وإثبات الكمال بالحمد والثناء.

    قوله" وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات"
    الشرح
    فأفادنا- رحمه الله- ان الصفات قسمان
    1- صفات مثبتة: وتسمى عندهم: الصفات الثبوتية.
    2- وصفات منفية: ويسمونها: الصفات السلبية، من السلب وهو النفي، ولا حرج من أن نسميها سلبية، وإن كان بعض الناس توقف وقال: لا نسميها سلبية، بل نقول: منفية.
    فنقول: ما دام السلب في اللغة بمعنى النفي، فالاختلاف في اللفظ ولا يضر.
    فصفات الله عز وجل قسمان: ثبوتية وسلبية، أو إن شئت، فقل: مثبتة ومنفية، والمعنى واحد.
    فالمثبتة: كل ما أثبته الله لنفسه، ولكها صفات كمال، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، ومن كمالها أنه لا يمكن أن يكون ما أثبته دالاً على التمثيل، لأن المماثلة للمخلوق نقص.
    وإذا فهمنا هذه القاعدة، عرفنا ضلال أهل التحريف، الذين زعموا أن الصفات المثبتة تستلزم التمثيل، ثم أخذوا ينفونها فراراً من التمثيل.
    و الصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    - صفة كمال مطلق.
    - وصفة كمال مقيد.
    - وصفة نقص مطلق.
    أما صفة الكمال على الإطلاق، فهي ثابتة لله عز وجل، كالمتكلم، والفعال لما يريد، والقادر.. ونحو ذلك.
    وأما صفة الكمال بقيد، فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيداً، مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء.. وما أشبه ذلك، فهذه الصفات كمال بقيد، إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك، فهي كمال، وإن ذكرت مطلقة، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل، ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر أو المستهزئ أو الخادع، بل تقيد فنقول: ماكر بالماكرين، مستهزئ بالمنافقين، خادع للمنافقين، كائد للكافرين، فتقيدها لأنها لم تأت إلا مقيدة.
    وأما صفة النقص على الإطلاق، فهذه لا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، كالعاجز والخائن والأعمى والأصم، لأنها نقص على الإطلاق، فلا يوصف الله بها وانظر إلى الفرق بين خادع وخائن، قال الله تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم ) [النساء: 142]، فأثبت خداعه لمن خادعه لكن قال في الخيانة: ( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم) [الأنفال: 71] ولم يقل: فخانهم، لأن الخيانة خداع في مقام الائتمان، والخداع في مقام الائتمان نقص، وليس فيه مدح أبداً.
    إذا قال قائل: فهمنا الصفات وأقسامها، فما هو الطريق لإثبات الصفة فنقول: هناك عدة طرق لإثبات الصفة:
    الطريق الأول: دلالة الأسماء عليها، لأن كل اسم، فهو متضمن لصفة
    الطريق الثاني: أن ينص على الصفة، مثل الوجه، واليدين، والعينين.. وما أشبه ذلك، فهذه بنص من الله عز وجل، ومثل الانتقام، فقال عنه تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام ) [إبراهيم: 47]، ليس من أسماء الله المنتقم، خلافاً لما يوجد في بعض الكتب التي فيها عد أسماء الله، لأن الانتقام ما جاء إلا على سبيل الوصف أو اسم الفاعل مقيداً، كقوله: ( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ([السجدة: 22].
    الطريق الثالث : أن تؤخذ من الفعل ، مثل: المتكلم، فأخذها من ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ) [النساء: 164].
    هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة وبناء على ذلك نقول: الصفات أعم من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم.
    وأما الصفات المنفية عن الله عز وجل، فكثيرة ولكن الإثبات أكثر و صفات النفي اما عامة، او مفصلة
    فالعامة، كقوله تعالى ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( [الشورى: 11]، قال ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( في علمه وقدرته وسمعه وبصره وعزته وحكمته ورحمته.. وغير ذلك من صفاته، فلم يفصل.
    أما إذا كان مفصلاً، فلا تجده إلا لسبب، كقوله )مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ)[المؤمنون: 91]، رداً لقول من قال: إن لله ولداً وقوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) [ق: 38]، لأنه قد يفرض الذهن الذي لا يقدر الله حق قدره أن هذه السماوات العظيمة والأرض العظيمة إذا كان خلقها في ستة أيام، فسيلحقه التعب، فقال: ( وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ( [ق: 38]، أي: من تعب وإعياء.
    والصفات السلبية التي نفاها الله عن نفسه متضمنة لثبوت كمال ضدها، فقوله (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ): متضمن كمال القوة والقدرة وقوله: ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداًً) [الكهف: 49]: متضمن لكمال العدل .
    هذه هي الصفات فيها مثبت وفيها منفي، أما الأسماء فكلها مثبتة لكن أسماء الله تعالى المثبتة منها ما يدل على معنى إيجابي، ومنها ما يدل على معني سلبي.
    فمثال التي مدلولها إيجابي كثير وهو الغالب.
    ومثال التي مدلولها سلبي: السلام. ومعنى السلام، قال العلماء: معناه: السالم من كل عيب. إذاً، فمدلوله سلبي، بمعنى: ليس فيه نقص ولا عيب، وكذلك القدوس قريب من معنى السلام، لأن معناه المنزه عن كل نقص وعيب.
    قوله "فلا عدول لأهل السنة والجماعة(1) عما جاء به المرسلون فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين"
    الشرح
    العدول: معناه الانصراف والانحراف، فأهل السنة والجماعة لا يمكن أن يعدلوا عما جاءت به الرسل.
    وإنما جاء المؤلف بهذا النفي، ليبين أنهم لكمال اتباعهم رضي الله عنهم لا يمكن أن يعدلوا عما جاءت به الرسل بل طريقتهم أنهم يقولون: سمعنا وأطعنا في الأحكام وسمعنا وصدقنا في الأخبار.
    قوله "وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن"
    الشرح
    قوله: "دخل في هذه الجملة" يحتمل أنه يريد بها قوله: "وهو قد جمع فيما وصف وسمي به نفسه بين النفي والإثبات" ويحتمل أن يريد ما سبق من أن أهل السنة والجماعة يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله، وأياً كان، فإن هذه السورة وما بعدها داخلة في ضمن ما سبق، من أن الله تعالى جمع فيما وصف وسمي به نفسه بين النفي والإثبات وأن أهل السنة يؤمنون بذلك.
    وهذه السورة المباركة تعدل ثلث القرآن في الجزاء لا في الأجزاء ولذلك لو قرأ احد سورة الإخلاص في الصلاة ثلاث مرات، لم تجزئه عن قراءة الفاتحة.
    والصَّمَد معناها هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع المخلوقات فهى كلمة جامعة لجميع صفات الكمال لله وجامعة لجميع صفات النقص في المخلوقات.
    وقوله تعالى "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ" هذا تأكيد للصمدية والوحدانية
    وكفوا: اى لا يكافئه أحد في جميع صفاته.
    وفى هذه السورة صفات ثبوتية وصفات منفية
    الصفات الثبوتية "الله"التى تتضمن الالوهية "احد"تنفى الاحدية"الصمد"تنفى الصمدية
    والصفات المفية"لم يلد""ولم يولد""ولم يكن له كفوا احد "وهذا النفى يتضمن من الاثبات كمال الاحدية والصمدية.
    قوله "وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتاب الله حيث يقول: ]الله لا إله إلا هو الحي القيوم
    "
    (1) قوله: ]وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتاب الله لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم"(البقرة :255)
    )اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) في هذه الآية يخبر الله بأنه منفرد بالألوهية
    وقوله ] الحي الْقَيُّوم[ الحى :اى:ذو الحياة الكاملة المتضمنة لجميع صفات الكمال لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه.
    والحى من اسماء الله تبارك وتعالى
    و الْقَيُّوم أي: أنه القائم بنفسه، فقيامه بنفسه يستلزم استغناءه عن كل شيء، لا يحتاج إلى أكل ولا شرب ولا غيرها، وغيره لا يقوم بنفسه بل هو محتاج إلى الله عز وجل في إيجاده وإعداده وإمداده.
    و معنى (الْقَيُّوم)ُ ايضا أنه قائم على غيره وإذا كان قائماً على غيره، لزم أن يكون غيره قائماً به
    هذان الاسمان فيهما الكمال الذاتي والكمال السلطاني، فالذاتي في قوله: ]الْحَيُّ[ والسلطاني في قوله:(الْقَيُّومُ(، لأنه يقوم على كل شيء ويقوم به كل شيء.
    وقوله" لاتأخذه سنة ولا نوم"
    السنة النعاس وهي مقدمة النوم والنوم من صفات النقص، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام"رواه مسلم
    وهذه صفة من صفات وهى تتضمن ثبات الكمال اى كمال الحياة والقيومية
    و الكرسي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه موضع قدمي الله عز وجل"، وليس هو العرش، بل العرش أكبر من الكرسي وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أن السماوات والسبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة"رواه البهيقى
    " ولا يؤوده حفظهما" يعنى لايثقله ويكرهه حفظ السموات والارض
    وهذه الآيةالعظيمة تتضمن من أسماء الله خمسة وهي: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم.
    وتتضمن من صفات الله ستاً وعشرين صفة منها خمس صفات تضمنتها هذه الأسماء.
    والسادسة: انفراده بالألوهية.
    السابعة: انتفاء السنة والنوم في حقه، لكمال حياته وقيوميته.
    الثامنة: عموم ملكه، لقوله:) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
    التاسعة: انفراده الله عز وجل بالملك، ونأخذه من تقديم الخبر.
    العاشرة: قوة السلطان وكماله، لقوله: ]من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه[.
    الحادية عشرة: إثبات العندية، وهذا يدل على أنه ليس في كل مكان، ففيه الرد على الحلولية.
    الثانية عشرة: إثبات الإذن من قوله: ]إلا بإذنه[.
    الثالثة عشرة: عموم علم الله تعالى لقوله: ]يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم[.
    الرابعة عشرة والخامسة عشرة: أنه سبحانه وتعالى لا ينسى ما مضى، لقوله: ]وما خلفهم[ ولا يجهل ما يستقبل، لقوله ]ما بين أيديهم[.
    السادسة عشرة: كمال عظمة الله، لعجز الخلق عن الإحاطة به.
    السابعة عشرة: إثبات الكرسي، وهو موضع القدمين.
    التاسعة عشرة والعشرون والحادية والعشرون: إثبات العظمة والقوة والقدرة، لقوله: ]وسع كرسيه السموات والأرض[، لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.
    الثانية والثالثة والرابعة والعشرون: كمال علمه ورحمته وحفظه، من قوله: ]ولا يئوده حفظهما[.
    الخامسة والعشرون: إثبات علو الله لقوله: ]وهو العلي[ ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى عال بذاته، واما علو الصفات فهو محل اجماع من كل من يدين او يتسمى بالاسلام.
    السادسة والعشرون: إثبات العظمة لله عز وجل، لقوله: ]العظيم[.
    قوله ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة، لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح
    الشرح
    وهذا دل عليه حديث رواه البخارى عن ابى هريرة
    قوله" وقوله سبحانه ]هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم[ "(الحديد 3)
    الشرح
    ]الأول[: فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "الذي ليس قبله شيء"
    ]والآخر[: فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "الذي ليس بعده شيء"
    ]والظاهر[: من الظهور وهو العلو ، ومنه ظهر الدابة لأنه عال عليها، ومنه قوله تعالى: ] فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوه [ [الكهف: 97]، أي يعلوا عليه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في تفسيرها: "الذي ليس فوقه شيء".
    ]والباطن[: فسره النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الذي ليس دونه شيء" وهذا كناية عن إحاطته بكل شيء، ولكن المعنى أنه مع علوه عز وجل، فهو باطن، فعلوه لا ينافي قربه عز وجل، فالباطن قريب من معنى القريب.
    واستفدنا من هذه الآية الكريمة إثبات أربعة أسماء لله، وهي الأول والآخر والظاهر والباطن.
    واستفدنا منها خمس صفات: الأولية، والآخرية، والظاهرية، والباطنية وعموم العلم.
    واستفدنا من مجموع الأسماء: إحاطة الله تعالى بكل شيء زمناً ومكاناً.
    قوله"وهو بكل شىء عليم" هذا إكمال لما سبق من الصفات الأربع، يعني: ومع ذلك، فهو بكل شيء عليم.
    قوله"وقوله سبحانه: ]وتوكل على الحي الذي لا يموت[(الفرقان58)
    (1) التوكل: مأخوذ من وكل الشيء إلى غيره، أي: فوضه إليه.
    وعرفه بعض العلماء التوكل على الله بأنه صدق الاعتماد على الله اعتماداً فى جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به سبحانه وتعالى مع فعل الأسباب الصحيحة.
    في هذه الآية من أسماء الله: الحي، وفيها من صفاته: الحياة، وانتفاء الموت المتضمن لكمال الحياة، ففيها صفتان واسم.
    قول المؤلف"وقوله: ]وهو العليم الحكيم[(التحريم20)
    الشرح
    سبق تعريف العلم، وسبق أن العلم صفة كمال وسبق أن علم الله محيط بكل شيء.
    أما ]الحكيم[ فيدل هذا الاسم الكريم على أن الحكم لله، ويدل على أن الله موصوف بالحكمة، لأن الإحكام هو الإتقان، والإتقان وضع الشيء في موضعه. ففي الآية إثبات حكم وإثبات حكمة.
    وفي هذه الآية من أسماء الله: العليم، والحكيم. ومن صفاته: العلم والحكمة.
    وقوله: ]وهو العليم(1) الخبير(2)[(التحريم30)
    العليم: سبق الكلام فيه.
    الخبير: هو العليم ببواطن الأمور فيكون هذا وصفاً أخص بعد وصف أعم، فنقول: العليم بظواهر الأمور، والخبير ببواطن الأمور.
    وفي هذه الآية من أسماء الله تعالى: العليم، والخبير ومن صفاته: العلم، والخبرة.
    وقوله ]يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [ [سبأ: 2].
    ]وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [ [الأنعام: 59].
    وقوله: ] وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه [ [فاطر: 11].
    الشرح
    هذه الآيات في تفصيل صفة العلم

    وقوله: )لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماًً[ [الطلاق: 12]
    الشرح
    وهذه الاية فى اثبات صفة القدرة
    و القدرة وصف يتمكن به الفاعل من الفعل بدون عجز، فهو على كل شيء قدير، يقدر على إيجاد المعدوم وعلى إعدام الموجود.
    وقوله تعالى ] وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماًً[فيه احاطة علم الله بكل شيء، فالله سبجانه وتعالى على كل شىء قدير.
    وذكر الله عز وجل العلم والقدرة بعد الخلق، لأن الخلق لا يتم إلا بعلم وقدرة، ودلالة الخلق على العلم والقدرة من باب دلالة التلازم وقد سبق أن دلالات الأسماء على الصفات ثلاثة أنواع.
    تنبيه: ذكر في "تفسير الجلالين" ـ عفا الله عنا وعنه ـ في آخر سورة المائدة ما نصه "وخص العقل ذاته، فليس عليها بقادر"!
    ونحن نناقش هذا الكلام من وجهين:
    الوجه الأول: أنه لا حكم للعقل فيما يتعلق بذات الله وصفاته، بل لا حكم له في جميع الأمور الغيبية، ووظيفة العقل فيها التسليم التام، وأن نعلم أن ما ذكره الله من هذه الأمور ليس محالاً، ولهذا يقال: إن النصوص لا تأتي بمحال، وإنما تأتي بمحار، أي: بما يحير العقول، لأنها تسمع ما لا تدركه ولا تتصوره.
    والوجه الثاني: قوله: "فليس عليها بقادر": هذا خطأ عظيم، كيف لا يقدر على نفسه وهو قادر على غيره، فكلامه هذا يستلزم أنه لا يقدر أن يستوى ولا أن يتكلم ولا أن ينزل إلى السماء الدنيا ولا يفعل شيئاً أبداً وهذا خطير جداً!!
    لكن لو قال قائل: لعله يريد: "خص العقل ذاته، فليس عليها بقادر"، يعني: لا يقدر على أن يلحق نفسه نقصاً قلنا: إن هذا لم يدخل في العموم حتى يحتاج إلى إخراج وتخصيص، لأن القدرة إنما تتعلق بالأشياء الممكنة، لأن غير الممكن ليس بشيء، لا في الخارج ولا في الذهن" فالقدرة لا تتعلق بالمستحيل.
    فينبغي للإنسان أن يتأدب فيما يتعلق بجانب الربوبية، لأن المقام مقام عظيم.
    إذاً، نحن نطلق ما أطلقه الله، ونقول إن الله على كل شيء قدير، بدون استثناء ولا تخصيص.
    وقوله: ]إن الله هو الرزاق¬ ذو القوة المتين[(الذاريات 58)
    و ]الرزاق[: من الرزق، وهو العطاء، قال تعالى ] َإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [ [النساء: 8]، أي: أعطوهم.
    وينقسم الرزق إلى قسمين: عام وخاص.
    فالعام: كل ما ينتفع به البدن، سواء كان حلالاً أو حراماً، وسواء كان المرزوق مسلماً أو .
    أما الرزق الخاص، فهو ما يقوم به الدين من العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال المعين على طاعة الله، ولهذا جاءت الآية الكريمة: ]الرزاق[ ولم يقل: الرازق، لكثره رزقه وكثرة من يرزقه
    وقوله "ذو قوة" القوة: صفة يتمكن الفاعل بها من الفعل بدون ضعف، والدليل على قوله تعالى: ]اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّة [ [الروم: 54]، وليست القوة هي القدرة، لقوله تعالى: ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراًً[ [فاطر: 44]
    فالقدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، ، والفرق بينهما: أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره. فالحديد قوي وليس قادر، لكن ذو الشعور تقول: إنه قوي، وإنه قادر.
    فالقوة اخص من القدرة فالكل قوى من ذى الشعور قادر وليس كل قادر قوى.
    وقوله" المتين قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشديد. أي الشديد في قوته، والشديد في عزته، الشديد في جميع صفات الجبروت، وهو من حيث المعنى توكيد للقوي.
    ويجوز أن نخبر عن الله بأنه شديد، ولا نسمي الله بالشديد، بل نسميه بالمتين، لأن الله سمى نفسه بذلك.
    في هذه الآية إثبات اسمين من أسماء الله، هما: الرزاق، والمتين، وإثبات ثلاث صفات، وهي الرزق، والقوة، وما تضمنه اسم المتين.
    قوله" ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير["
    هذه الآية ساقها المؤلف لإثبات اسمين من أسماء الله وما تضمناه من صفة، وهما السميع والبصير
    و]السميع[ له معنيان أحدهما: بمعنى المجيب فمثلوا له بقوله تعالى عن إبراهيم: ] إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [ [إبراهيم: 39]، أي: لمجيب الدعاء.
    . والثاني: بمعنى السامع للصوت وهذا قسموه العلماء إلى عدة أقسام:
    الأول: سمع يراد به بيان عموم إدراك سمع الله عز وجل، وأنه ما من صوت إلا ويسمعه الله.
    الثاني: سمع يراد به النصر والتأييد.
    الثالث: سمع يراد به الوعيد والتهديد.
    مثال الأول: قوله تعالى: ]قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه [ [المجادلة: 1]، فهذا فيه بيان إحاطة سمع الله تعالى بكل مسموع.
    ومثال الثاني: كما في قوله تعالى لموسى وهارون: ]إنني معكما أسمع وأرى[ [طه: 46]. فهذا اسماع نصر وتأييد.
    ومثال الثالث: الذي يراد به التهديد والوعيد: قوله تعالى: ]أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [ [الزخرف: 80]، فإن هذا يراد به تهديدهم ووعيدهم، حيث كانوا يسرون ما لا يرضى من القول.
    والسمع بمعنى إدراك المسموع من الصفات الذاتية.
    والسمع بمعنى النصر والتأييد من الصفات الفعلية، لأنه مقرون بسبب.
    والسمع بمعنى الإجابة من الصفات الفعلية أيضاً.
    * وقوله: ]البصير[، يعني: المدرك لجميع المبصرات، ويطلق البصير بمعنى العليم،فقد قال تعالى: ] وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ [الحجرات: 18]، والذي نعمل بعضه مرئي وبعضه غير مرئي، فبصر الله إذاً ينقسم إلى قسمين، وكله داخل في قوله: ]البصير[.
    في هذه الآية إثبات اسمين من أسماء الله، هما: السميع، والبصير. وثلاث صفات، هي: كمال صفاته من نفي المماثلة، والسمع، والبصر.

    وقوله: ]إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سمعياً بصيراً)[النساء 85)
    ]إن الله كان سميعاً بصيراً[، وقوله: ]كان[: هذه فعل، لكنها مسلوبة الزمن، ، فالمراد بها الدلالة على الوصف فقط، أي: أن الله متصف بالسمع والبصر، وإنما قلنا: إنها مسلوبة الزمن، لأننا لو أبقيناها على دلالاتها الزمانية، لكان هذا الوصف قد انتهى، كان في الأول سميعاً بصيراً، أما الآن فليس كذلك، ومعلوم أن هذا المعنى فاسد باطل، وإنما المراد أنه متصف بهذين الوصفين السمع والبصر على الدوام، و(كان) في مثل هذا السياق يراد به التحقيق.
    وقرأ أبو هريرة هذه الآية، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع إبهامه وسبابته على عينه وأذنه [73]. والمراد بهذا الوضع تحقيق السمع والبصر، لا إثبات العين والأذن، فإن ثبوت العين جاءت في أدلة أخرى، والأذن عند أهل السنة والجماعة لا تثبت لله ولا تنفى عنه لعدم وجود نص فى هذه المسألة.
    وفي الآية من أسماء الله إثبات اسمين هما: السميع، والبصير. ومن الصفات: إثبات السمع، والبصر، والأمر، والموعظة.
    وقوله: ]ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله[(الكهف: 39)
    وقوله: ]ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(البقرة:235 )
    وقوله: ) أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)(المائدة: 1)
    وقوله: ] فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [(الانعام 25)
    الشرح :
    هذه آيات في إثبات صفتي المشيئة والإرادة:
    فالآية الأولى: قوله تعالى: ]ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله[ [الكهف: 39].
    في هذه الآية: إثبات اسم من أسماء الله، وهو: الله، وإثبات ثلاث صفات: الألوهية، والقوة، والمشيئة.
    ومشيئة الله: هي إرادته الكونية، وهي نافذة فيما يحبه وما لا يحبه، ونافذة على جميع العباد بدون تفصيل، ولابد من وجود ما شاء بكل حال، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

    (1) الآية الثانية: قوله: ] وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد [ [البقرة: 253]:
    في هذه الآية من الأسماء: الله. ومن الصفات: المشيئة، والفعل، والإرادة.

    (1)الآية الثالثة: قوله: ] أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [ [المائدة: 1].
    * وقوله: ]إن الله يحكم ما يريد[: هذه الإرادة شرعية، لأن المقام مقام تشريع، ويجوز أن تكون إرادة شرعية كونية، ونحمل الحكم على الحكم الكوني والشرعي، فما أراده كوناً، حكم به وأوقعه، وما أراده شرعاً، حكم به وشرعه لعباده.
    في هذه الآية من الأسماء: الله. ومن الصفات: التحليل، والحكم، والإرادة.
    (1) الآية الرابعة: قوله ] فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [ [الأنعام: 125].
    المراد بالإرادة هنا إلارادة الكونية والمراد بالهداية هداية التوفيق فتجده منشرح الصدر فى ششرائع الاسلام وشعائره يفعلها بفرح وسرور وانطلاق.
    ولمزيد من الايضاح دونك اقسام الارادة
    الإرادة تنقسم إلى قسمين:
    القسم الأول: إرادة كونية: وهذه الإرادة مرادفة تماماً للمشيئة، فـ(أراد) فيها بمعنى (شاء)، وهذه الإرادة:
    1- تتعلق فيما يحبه الله وفيما لا يحبه.
    وعلى هذا فإذا قال قائل: هل أراد الله الكفر؟ فقل: بالإرادة الكونية نعم أراده، ولو لم يرده الله عز وجل، ما وقع.
    2- يلزم فيها وقوع المراد، يعني: أن ما أراده الله فلا بد أن يقع، ولا يمكن أن يتخلف.
    القسم الثاني: إرادة شرعية: وهي مرادفة للمحبة، فـ(أراد) فيها بمعنى (أحب)، فهي:
    أولاً: تختص بما يحبه الله، فلا يريد الله الكفر بالإرادة الشرعية ولا الفسق.
    ثانياً: أنه لا يلزم فيها وقوع المراد، بمعنى: أن الله يريد شيئاً ولا يقع، فهو سبحانه يريد من الخلق أن يعبدوه، ولا يلزم وقوع هذا المراد، قد يعبدونه وقد لا يعبدونه، بخلاف الإرادة الكونية.
    فصار الفرق بين الإرادتين من وجهين:
    1- الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والشرعية لا يلزم.
    2- الإرادة الشرعية تختص فيما يحبه الله، والكونية عامة فيما يحبه وما لا يحبه.
    فإذا قال قائل: كيف يريد الله تعالى كوناً ما لا يحبه، بمعنى: كيف يريد الكفر أو الفسق أو العصيان وهو لا يحبه؟!
    فالجواب: أن هذا محبوب إلى الله من وجه مكروه إليه من وجه آخر، فهو محبوب إليه لما يتضمنه من المصالح العظيمة، مكروه إليه لأنه معصية.
    ولا مانع من أن يكون الشيء محبوباً مكروها باعتبارين، فها هو الرجل يقدم طفله الذي هو فلذة كبده وثمرة فؤاده، يقدمه إلى الطبيب ليشق جلده ويخرج المادة المؤذية فيه ولو أتى أحد من الناس يريد أن يشقه بظفره وليس بالمشرط، لقاتله، لكن هو يذهب إلى الطبيب ليشقه، وهو ينظر إليه، وهو فرح مسرور، يذهب به إلى الطبيب ليحمي الحديد على النار حتى تلتهب حمراء، ثم يأخذها ويكوي بها ابنه، وهو راض بذلك، لماذا يرضى بذلك وهو ألم للابن؟ لأنه مراد لغيره للمصلحة العظيمة التي تترتب على ذلك.
    .
    قوله: ] وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (البقرة: 195)
    هنا شرع المؤلف فى سياق الايات المثبتة لصفة المحبة وهى ثمان آيات هذه أولاهن
    وفي هذه الآية من الأسماء: الله. ومن الصفات الألوهية، والمحبة.
    الآية الثانية: قوله: ] وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ [الحجرات: 9].
    وفي الآية من الأسماء والصفات ما سبق في التي قبلها.
    الآية الثالثة: قوله: ] فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [ [التوبة: 7].
    و المتقون هم الذين اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، هذا من أحسن وأجمع ما يقال في تعريف التقوى.
    وفي الآية من الأسماء والصفات كالتي قبلها.
    الآية الرابعة: قوله: ] إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينََ [ [البقرة: 222].
    وهنا جمع بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن: طهارة الباطن بقوله: ]التوابين[، والظاهر بقوله: ]المتطهرين[.
    وفي الآية من الأسماء والصفات ما سبق في التي قبلها.
    الآية الخامسة: قوله: ] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه [ [آل عمران: 31].
    يسمى علماء السلف هذه الآية: آية المحنة، يعني الامتحان، لأن قوماً ادعوا أنهم يحبون الله فأمر الله نبيه أن يقول لهم: ] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [، وهذا تحد لكل من ادعى محبة الله، أن يقال له: إن كنت صادقاً في محبة الله، فاتبع الرسول ، فمن أحدث في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، وقال: إنني أحب الله ورسوله بما أحدثته، قلنا له: هذا كذب لو كانت محبتك صادقة، لا تبعت الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تتقدم بين يديه بإدخال شيء في شريعته ليس من دينه، فكل من كان أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان لله أحب.
    وفي الآية من الأسماء والصفات مما سبق في التي قبلها.
    الآية السادسة: قوله: ] فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ [المائدة: 54].

    وفي الآية من الأسماء والصفات ما سبق في التي قبلها، وزيادة أن الله تعالى يكون محبوباً.
    الآية السابعة: قوله: ] إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [[الصف: 4].
    وفي الآية من الأسماء والصفات ما سبق في التي قبلها.
    الآية الثامنة: قوله: ] وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [ [البروج: 14].
    *]الْغَفُور[: الساتر لذنوب عباده المتجاوز عنها.
    *]الْوَدُود[ مأخوذ من الود، وهو خالص المحبة، وهي بمعنى: واد، وبمعنى: مودود، لأنه عز وجل محب ومحبوب.
    وفي الآية اسمان من أسماء الله: الغفور، والودود. وصفتان: المغفرة، والود.
    وأتمنى لو أن المؤلف أضاف آية تاسعة في المحبة، وهي الخلة، لقوله تعالى: ]واتخذ الله إبراهيم خليلاً[ [النساء: 125]، والخليل هو من كان في أعلى المحبة، فالخلة أعلى أنواع المحبة، لأن الخليل هو الذي وصل حبه إلى سويداء القلب وتخلل مجاري عروقه، وليس فوق الخلة شيء من أنواع المحبة أبداً.
    يقول الشاعر لمعشوقته:
    قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلاً
    والنبي عليه الصلاة والسلام يحب أصحابه كلهم، لكن ما اتخذ واحداً منهم خليلاً أبداً، قال النبي عليه الصلاة وهو يخطب الناس : "لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر " [86] ، إذاً، أبو بكر هو أحب الناس إليه، لكن لم يصل إلى درجة الخلة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتخذ أحداً خليلاً، لكن إخوة الإسلام ومودته، وأما الخلة، فهي بينه وبين ربه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً"رواه البخارى ومسلم
    والخلة لا نعلم أنها ثبتت لأحد من البشر، إلا لاثنين، هما إبراهيم محمد عليهما الصلاة والسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذني خليلاً".
    وهذه الخلة صفة من صفات الله عز وجل وهى أعلى أنواع المحبة
    فلدينا الآن محبة وود وخلة، فالمحبة والود مطلقة، والخلة خاصة بإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام .
    وهناك من أنكر وجود المحبة بين الله والعبد مثل الأشاعرة، يقولون: أن العقل لا يدل عليها، وكل ما لا يدل عليه العقل، فإنه يجب أن ننزه الله عنه.
    ونحن نقول: نثبت المحبة بالأدلة العقلية، كما هي ثابتة عندنا بالأدلة السمعية،فنقول وبالله التوفيق:
    إثابة الطائعين بالجنات والنصر والتأييد وغيره، هذا يدل بلا شك على المحبة
    واذا تنزلنا و سلمنا أن العقل لا يدل على المحبة، فالسمع دل عليها، وهو دليل قائم بنفسه، والله عز وجل يقول في القرآن: ]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء [ [النحل: 89]،
    فإذاً قلتم: إن العقل لا يدل على إثبات المحبة بين الخالق والمخلوق، فإن السمع دل عليه بأجلى دليل وأوضح بيان.

  • #2
    رد: مختصر العقيدة الواسطية - شرح الشيخ ابن العثيمين

    أرجو تكملة الموضوع جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم

    تعليق


    • #3
      رد: مختصر العقيدة الواسطية - شرح الشيخ ابن العثيمين

      المشاركة الأصلية بواسطة ام عبدالرحمن 70 مشاهدة المشاركة
      أرجو تكملة الموضوع جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم

      تعليق

      يعمل...
      X