بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه ثم أما بعد:
فتلك ليس بحكاية من الزمن البعيد بل هي حدثت قريبا وهي كما سمعتها من شيخ جليل
رحمه الله وغفر له ولنا أجمعين
قال لي :
كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير .. قضى
حياته في الصلاة والتعليم ..
لاحظ أن عدد المصلين يتناقص .. كان مهتماً بهم .. يشعر أنهم أولاده ..
ذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم : ما بال أكثر الناس ..
خاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه ..
فأجابه المصلون : إنهم في المراقص والملاهي ..
قال الشيخ : مراقص !! وما المراقص ؟
فقال أحد المصلين : المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة ..
تصعد عليها الفتيات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن ..
قال الشيخ : أعوذ بالله .. والذين ينظرون إليهن مسلمون ..
قالوا : نعم ..
فقال بكل براءة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. يجب أن ننصح الناس ..
قالوا : يا شيخ .. أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص ..؟
فقال نعم .. ثم نهض خارجاً من المسجد .. وهو يقول : هيا بنا إلى
المرقص ..
حاولوا أن يثنوه عن عزمه .. أخبروه أنهم سيواجهون بالسخرية
والاستهزاء .. وسينالهم الأذى ..
فقال : وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم !!
ثم أمسك الشيخ بيد أحد المصلين .. وقال : دلني على المرقص ..
مضى الشيخ يمشي .. بكل صدق وثبات ..
وصلوا إلى المرقص ..
رآهم صاحب المرقص من بعيد .. ظن أنهم ذاهبين لدرس أو
محاضرة ..
فلما أقبلوا عليه .. تعجب .. فلما توجهوا إلى باب المرقص ..
سألهم : ماذا تريدون ؟
قال الشيخ : نريد أن ننصح من في المرقص ..
تعجب صاحب المرقص .. وأخذ ينظر إليهم .. واعتذر عن
قبولهم ..
أخذ الشيخ يساومه .. ويذكره بالثواب العظيم .. لكنه أبى ..
فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم .. حتى دفعوا له مبلغاً من المال
يعادل دخله اليومي ..
فوافق صاحب المرقص .. وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند
بدء العرض اليومي !
فلما كان الغد والناس في المرقص ..
وخشبة المسرح تعج بالمنكرات .. والشياطين تحف الناس وتصفق
لهم ..
وفجأة أسدل الستار ..
ثم فُتح .. فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي ..
دُهش الناس .. وتعجبوا .. ظن بعضهم أنها فقرة فكاهية ..
بدأ الشيخ بالبسملة .. والحمد لله .. والثناء عليه .. وصلى على
النبي عليه الصلاة والسلام ..
ثم بدأ في وعظ الناس ..
نظر الناس بعضهم إلى بعض .. منهم من يضحك .. ومنهم من
ينتقد .. ومنهم من يعلق بسخرية .. والشيخ ماض في موعظته لا
يلتفت إليهم ..
حتى قام أحد الحضور .. وأسكت الناس ..
وطلب منهم الإنصات ..
بدأ الهدوء يحيط بالناس .. والسكينة تنزل على القلوب ..
حتى هدأت الأصوات .. فلا تسمع إلا صوت الشيخ ..
قال كلاماً ما سمعوه من قبل ..
آيات تهز الجبال .. وأحاديث وأمثال .. وقصص لتوبة بعض
العصاة ..
وأخذ يدافع عبراته ويقول ..
يا أيها الناس .. إنكم عشتم طويلاً .. وعصيتم الله كثيراً ..
فأين ذهبت لذة المعصية .. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف
سوداء ..
ستسألون عنها يوم القيامة ..
سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إلا الله الواحد القهار ..
أيها الناس .. هل نظرتم إلى أعمالكم .. والى أين ستؤدّي بكم ..
إنكم لا تتحملون النار في الدنيا .. وهي جزء من سبعين جزءاً من
نار جهنم ..
فبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان ..
وبدا الشيخ متأثراً وهو يعظ .. كانت كلماته قد خرجت من القلب ..
فوصلت إلى القلب ..
بكى الناس .. فزاد في موعظته .. ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة ..
وهم يرددون : آمين .. آمين ..
ثم قام من على كرسيه .. تجلله المهابة والوقار ..
وخرج الجميع وراءه .. - نعم الجميع - ..
وكانت توبتهم على يده .. عرفوا سرَّ وجودهم في الحياة .. وما
تغني عنهم الرقصات واللذات .. إذا تطايرت الصحف وكبرت
السيئات ..
حتى صاحب المرقص .. تاب وندم على ما كان منه
تعليق