بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة سمعتها من الشيخ خالد الراشد وهو داعية سعودي في شريط بعنوان العائدات الى الله اهديها لكم لعل الله ان ينفعكم بها
إلى هذه القصه ..
من فتاه تبحث عن السعادة ..
هيا نسمع كلمات ..
من فتاه انضمت إلى ..
قوافل العائدات ..
تقول الفتاه :
بدت أختي ..
شاحبه الوجه ..
نحيله الجسم ..
لكنها ..كعادتها ..
تقرأ القرآن الكريم ..
تبحث عنها - يعني تبحث عن أختها - ..
تجدها في مصلاها ..
راكعه ..
ساجده ..
رافعه يديها إلى السماء ..
هكذا حالها ..
في الصباح ..
وفي المساء ..
وفي جوف الليل ..
لا تفتر ، ولا تمل ..
تقول عن نفسها :
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنيه ، والكتب ذات الطابع القصصي ..
أشاهد الفيديو ، والتلفاز بكثره لدرجة أنني عُرفت به ..
ومَنْ أكثر من شيء عُرف به ..
تقول : لاأؤدي واجباتي كامله ..
ولست منضبطه في صلواتي ..
- ومثلها كثيرات ..أيتها الغاليه - ..
بعد ثلاث ساعات متواصله - تقول الفتاه - أغلقت التلفاز ..
وها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور
عدت إلى فراشي ..
فإذا بأختي تناديني من مصلاها ..
قلت : نعم ..ماذا تريدين يا نورا ؟!..
قالت لي بنبرة حاده :
لا تنامي قبل أن تصلي الفجر ..
قلت : أوووه ..باقي ساعه على صلاة الفجر ، والذي سمعتيه كان الأذان الأول ..
نادتني بنبرة حنونه :
هكذا هي ..حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث ، وتسقط طريحة الفراش ..
قالت : تعالي بجانبي يا هناء ..
وكنت لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها ..
كم تشعر بصفائها وصدقها ..
قلت لها : ماذا تريدين ؟..
قالت : اجلسي ..
قلت : ها قد جلست ، ماذا لديك ؟.
فقرأت بصوت عذب رخيم :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } ..
سكتت برهه ، ثم سألتني :
ألم تؤمني بالموت !!..
قلت : بلى ..ولكن ..
الله غفور رحيم ..
قالت :
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيره !..
قلت : بلى ..ولكن ..
الله غفور رحيم ..
والعمر طويل ..
قالت :
ألا تخافين أخيه من الموت بغته !..
أليست هند أصغر منك وقد توفيت في حادث سياره ، وفلانه ، وفلانه ..
أخيه ..
الموت ..
لا يعرف عمراً ..
وليس له مقياس ..
أجمع اهل العلم على أنَّ ..
الموت ليس له ..
سبب معين ..
ولا وقت معين ..
يأتي { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ..
أجبتها :
أني أخاف من الظلام ..
ولقد أخفتيني من الموت ..
كيف أنام الآن ؟! ..
كنت أظن أنك ستقولين أنك وافقت على السفر معنا في هذه الإجازه ..
فقالت بصوت متحشرج اهتزَّ له قلبي :
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
لعلي هذه السنه أسافر سفراً بعيداً ..
أسافر إلى مكان آخر ..
ربما يا هناء ..سكتت ثم قالت :
الأعمار بيد الله ..
وأخذنا نبكي سوياً
تفكرت في مرضها الخبيث ، وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً ..
ولكن من أخبرها بذلك ..
أم أنها تتوقع هذا الشيء..
قالت لي : ما لك تفكرين ، هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه !..
كلا ..
ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء ..
فرُبَّ صحيح مات بغير علة ورُبَّ سقيم عاش حيناً من الدهر
وأنت ..
وأنت إلى متى ستعيشين ..
ربما ..عشرين سنه ..
ربما ..أكثر ..
ثم ماذا ..
لا فرق بيننا ..
الكل سيرحل ..
وسنغادر هذه الدنيا ..
إما ..
إلى جنه ..
أو إلى نار ..
ألم تسمعي قول الواحد القهار :{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } ، تصبحين على خير ..
هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني :
هداك الله ..لا تنسي الصلاه ..
في الثامنه صباحاً ..
أسمع طرقاً على الباب ..
هذا ليس موعد استيقاظي !!..
أسمع صوت بكاء ، وأصوات ..
يا إلهي ..
ماذا جرى !!..
قالوا لي : لقد تردت حالة نورا ، وذهب بها أبي إلى المستشفى ..
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ..لا سفر هذه السنة ..
مكتوب علينا البقاء هذه السنه في بيتنا بعد انتظار طويل ..
في الواحده ظهراً هاتفنا أبي من المستشفى قائلاً : تستطيعون زيارتها الآن ..هيا بسرعه ..
انطلقنا إلى المستشفى ، وأمي تدعو لها ..
إنها بنت صالحه ، مطيعة ..
لم أرها تضيع وقتها أبداً ..
دخلنا المستشفى ..
مناظر عجيبه ..
هذا يتأوه ..
وهذا يتألم ..
وهذا يصيح..
وثالث لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره ؟!!..
لا يعرف قيمة الصحه إلا من فقدها ..
صعدنا درجات السلم ..
كانت في غرفة العنايه المركزة ..
أخبرتنا الممرضه أنها في تحسن بعد الغيبوبه التي حصلت لها ..
لم يسمحوا إلا بدخول شخص واحد فقط ..
دخلت أمي ..
ووقفت أنظر من نافذة الغرفه الصغيره ..
وأنا أرى عينيها وهي تنظر إلى أمي واقفه بجوارها ..
خرجت أمي ..
لم تستطع إخفاء دموعها
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أمكث طويلاً فحالتها لا تسمح ..
دخلت ..
قلت : كيف حالك يا نورا ؟!..
لقد كنت بخير مساء البارحه ، ماذا جرى لك !!..
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي :
وأنا الآن ولله الحمد بخير ..
قلت :الحمد لله ، لكن يدك بارده !..
وكنت جالسه على حافة السرير ، ولامست يدي ساقها ..
فأبعدت يدي ..
قلت لها :آسفه إذ ضايقتك ..
قالت :كلا ..ولكني تفكرت في قوله تعالى : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}..
قالت : عليك يا هناء بالدعاء لي ..
فربما أستقبل عن قريب ..
أول أيام الآخره ..
سفري بعيد وزادي لن يبلغني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها
وقوتي ضعفت والموت يطلبني
الله يعلمها في السر والعلن
سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت ..
لم أعي أين أنا ..
استمرت عيناي في البكاء ..
أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورا ..
لم يتعودوا مني هذا البكاء والإنطواء في غرفتي ..
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ..
ساد صمت طويل في بيتنا ..
دخلت علي ابنة خالتي ..ثم ابنة عمتي ..
أحداث سريعه متتاليه ..
كثر القادمون ..
اختلطت الأصوات ..
شيء واحد عرفته ..
نورا ماتت..
نورا ماتت ..
لم أعد أميز من جاء ..
ولا أعرف ماذا قالوا ..
يالله ..
أين أنا !!..
وماذا يجري !!..
عجزت حتى عن البكاء ..
أخبروني فيما بعد أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير ..
وأني قبّلتها ..
ثم لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً ..
حين نظرت إليها ممدده على فراش الموت ..
تذكرت قولها وهي تقرأ قوله تعالى : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } ..
عرفت عندها الحقيقه ..
عرفت عندها الحقيقه ..
{ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } ..
في تلك الليله ..
ذهبت إلى مصلاها المظلم ..
وجلست فيه ..
تذكرت ..
من قاسمتني رحم أمي ..فنحن توأمين ..
تذكرت ..
من شاركتني همومي ..
تذكرت..
من نفَّست عني كربتي ..
تذكرت
تلك التي كانت تدعو لي بالهدايه ..
كم ذرفت من الدموع في ليالٍ طويله وهي تحدثني عن الموت ، والحساب ..والله المستعان..
هذه أول ليله لها في قبرها ..
اللهم ..ارحمها ..
اللهم ..اغفر لها ..
اللهم ..نوّر لها قبرها ..
نظرت حولي ..
هذا هو ..مصحفها ..
وهذه ..سجادتها ..
بل هذا هو ..الفستان الوردي الذي قالت لي : سأخبئه لزواجي ..
تذكرتها ..
وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعه ..
بكيت بكاءً متواصلاً ..
ودعوت الله أن ..
يرحمني ..
ويتوب علي ..
ويعفو عني ..
دعوت الله أن ..
يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو ..
فجأه ..
سألت نفسي : ماذا لو كنت أنا الميته ؟!.
فجأه ..
سألت نفسي : ماذا لو كنت أنا الميته ؟!.
نعم ..أيتها الغاليه ..
اسألي نفسك هذا السؤال ..
ماذا لو كنت أنتِ الميته ، وما هو المصير ؟!..
تقول : لم أبحث عن الإجابه من الخوف الذي أصابني ..
بكيت بحرقه ..
ثم انطلق صوت :
الله أكبر ..الله أكبر ..
ها هو أذان الفجر قد ارتفع ..
ولكن ..
ما أعذبه هذه المره ..
أحسست بطمأنينه وراحه ..
وأنا أردد ما يقوله المؤذن ..
لففت ردائي ..
وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر ..
صليت صلاة مودع ..
كما صلتها أختي من قبل ..
وكانت آخر صلاة لها ..
جلست أدعو وأقول :
اللهم ..اغفر لي ..
اللهم ..ارحمني ..
اللهم ..اقبلني في ..
قوافل العائدات ..
أختي الغاليه ..
لا أظنك ترضين بجهنم يوم القيامة ..موطناً ..
ولا بلهيب النار ..متنفساً..
ما بالك ..تلقين نفسك فيها راضيه ..
أراك تعصين رب الأرض والسماوات الذي ..
إن شاء أبدل ..
فرحك ..حزناً ، وهما ..
وعافيتك ..مرضاً ، وسقماً ..
وسعادتك ..شقاءً ، ونكداً ..
هل تستطيعين ذلك ؟!..
أم هل تملكين من الأمر شيئاً ؟!..
أختي الغاليه ..
يوم القيامه ..
لن يقف معك ..
أب ، ولا أم ، لا صاحبة ، ولا قريب ..
ستقفين ..
وحيدة ..
ذليله ..
أرهقتك ..الذنوب ، والمعاصي ..
وكبلتك .. الخطايا ، والعثرات ..
تنظرين يمنه
فلا ترين إلا ..
روح ، وريحان ..
وتنظرين يسره ..
فلا ترين إلا ..
لهب جهنم ، ودخانها ..
وفحيح عقاربها ، ودوابها ..
ألا فاختاري ..
ألا فاختاري..
إما الانضمام إلى ..
قوافل العائدات ..
فحينها ابشري ..
بروح ، وريحان ، وربّ راض غير غضبان ..
أبشري حينها ..
بعز الدنيا ، وسعادة الآخره ..
وإلا ..
فاسمعي النتيجه ..
صياح بأعلى الصوت : { يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } ..
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} ..
ويزداد الصياح { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }
فلا مجيب لهم : { كَذَلِكَ يُريهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بَخَارِجِينَ مِنَ الْنَّارِ }
أختي الفاضلة فعلاً إنها قصة يخشع لها القلب لله وتدمع لها العين ، إنا لله وإن إليه راجعون ، والحمد لله ، فالله رحيماً بعباده أراد أن يقبض روح التائبة المصلية حتى تموت على حُسن الخاتمة ، ولم يقبض روح الغافلة اللاهية ، لإن الله يمهل ولا يهمل .
والعين تبكي لا على من مات صالحاً وتائباً ، بل تبكي على من مات غافلاً لاهياً مضيعاً لصلاته محللاً على نفسه ما حرم الله
أسأل الله لكم ولي ولكافة المسلمين والمسلمات حُسن الخاتمة
اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين
السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة سمعتها من الشيخ خالد الراشد وهو داعية سعودي في شريط بعنوان العائدات الى الله اهديها لكم لعل الله ان ينفعكم بها
إلى هذه القصه ..
من فتاه تبحث عن السعادة ..
هيا نسمع كلمات ..
من فتاه انضمت إلى ..
قوافل العائدات ..
تقول الفتاه :
بدت أختي ..
شاحبه الوجه ..
نحيله الجسم ..
لكنها ..كعادتها ..
تقرأ القرآن الكريم ..
تبحث عنها - يعني تبحث عن أختها - ..
تجدها في مصلاها ..
راكعه ..
ساجده ..
رافعه يديها إلى السماء ..
هكذا حالها ..
في الصباح ..
وفي المساء ..
وفي جوف الليل ..
لا تفتر ، ولا تمل ..
تقول عن نفسها :
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنيه ، والكتب ذات الطابع القصصي ..
أشاهد الفيديو ، والتلفاز بكثره لدرجة أنني عُرفت به ..
ومَنْ أكثر من شيء عُرف به ..
تقول : لاأؤدي واجباتي كامله ..
ولست منضبطه في صلواتي ..
- ومثلها كثيرات ..أيتها الغاليه - ..
بعد ثلاث ساعات متواصله - تقول الفتاه - أغلقت التلفاز ..
وها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور
عدت إلى فراشي ..
فإذا بأختي تناديني من مصلاها ..
قلت : نعم ..ماذا تريدين يا نورا ؟!..
قالت لي بنبرة حاده :
لا تنامي قبل أن تصلي الفجر ..
قلت : أوووه ..باقي ساعه على صلاة الفجر ، والذي سمعتيه كان الأذان الأول ..
نادتني بنبرة حنونه :
هكذا هي ..حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث ، وتسقط طريحة الفراش ..
قالت : تعالي بجانبي يا هناء ..
وكنت لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها ..
كم تشعر بصفائها وصدقها ..
قلت لها : ماذا تريدين ؟..
قالت : اجلسي ..
قلت : ها قد جلست ، ماذا لديك ؟.
فقرأت بصوت عذب رخيم :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } ..
سكتت برهه ، ثم سألتني :
ألم تؤمني بالموت !!..
قلت : بلى ..ولكن ..
الله غفور رحيم ..
قالت :
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيره !..
قلت : بلى ..ولكن ..
الله غفور رحيم ..
والعمر طويل ..
قالت :
ألا تخافين أخيه من الموت بغته !..
أليست هند أصغر منك وقد توفيت في حادث سياره ، وفلانه ، وفلانه ..
أخيه ..
الموت ..
لا يعرف عمراً ..
وليس له مقياس ..
أجمع اهل العلم على أنَّ ..
الموت ليس له ..
سبب معين ..
ولا وقت معين ..
يأتي { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ..
أجبتها :
أني أخاف من الظلام ..
ولقد أخفتيني من الموت ..
كيف أنام الآن ؟! ..
كنت أظن أنك ستقولين أنك وافقت على السفر معنا في هذه الإجازه ..
فقالت بصوت متحشرج اهتزَّ له قلبي :
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
لعلي هذه السنه أسافر سفراً بعيداً ..
أسافر إلى مكان آخر ..
ربما يا هناء ..سكتت ثم قالت :
الأعمار بيد الله ..
وأخذنا نبكي سوياً
تفكرت في مرضها الخبيث ، وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً ..
ولكن من أخبرها بذلك ..
أم أنها تتوقع هذا الشيء..
قالت لي : ما لك تفكرين ، هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه !..
كلا ..
ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء ..
فرُبَّ صحيح مات بغير علة ورُبَّ سقيم عاش حيناً من الدهر
وأنت ..
وأنت إلى متى ستعيشين ..
ربما ..عشرين سنه ..
ربما ..أكثر ..
ثم ماذا ..
لا فرق بيننا ..
الكل سيرحل ..
وسنغادر هذه الدنيا ..
إما ..
إلى جنه ..
أو إلى نار ..
ألم تسمعي قول الواحد القهار :{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } ، تصبحين على خير ..
هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني :
هداك الله ..لا تنسي الصلاه ..
في الثامنه صباحاً ..
أسمع طرقاً على الباب ..
هذا ليس موعد استيقاظي !!..
أسمع صوت بكاء ، وأصوات ..
يا إلهي ..
ماذا جرى !!..
قالوا لي : لقد تردت حالة نورا ، وذهب بها أبي إلى المستشفى ..
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ..لا سفر هذه السنة ..
مكتوب علينا البقاء هذه السنه في بيتنا بعد انتظار طويل ..
في الواحده ظهراً هاتفنا أبي من المستشفى قائلاً : تستطيعون زيارتها الآن ..هيا بسرعه ..
انطلقنا إلى المستشفى ، وأمي تدعو لها ..
إنها بنت صالحه ، مطيعة ..
لم أرها تضيع وقتها أبداً ..
دخلنا المستشفى ..
مناظر عجيبه ..
هذا يتأوه ..
وهذا يتألم ..
وهذا يصيح..
وثالث لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره ؟!!..
لا يعرف قيمة الصحه إلا من فقدها ..
صعدنا درجات السلم ..
كانت في غرفة العنايه المركزة ..
أخبرتنا الممرضه أنها في تحسن بعد الغيبوبه التي حصلت لها ..
لم يسمحوا إلا بدخول شخص واحد فقط ..
دخلت أمي ..
ووقفت أنظر من نافذة الغرفه الصغيره ..
وأنا أرى عينيها وهي تنظر إلى أمي واقفه بجوارها ..
خرجت أمي ..
لم تستطع إخفاء دموعها
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أمكث طويلاً فحالتها لا تسمح ..
دخلت ..
قلت : كيف حالك يا نورا ؟!..
لقد كنت بخير مساء البارحه ، ماذا جرى لك !!..
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي :
وأنا الآن ولله الحمد بخير ..
قلت :الحمد لله ، لكن يدك بارده !..
وكنت جالسه على حافة السرير ، ولامست يدي ساقها ..
فأبعدت يدي ..
قلت لها :آسفه إذ ضايقتك ..
قالت :كلا ..ولكني تفكرت في قوله تعالى : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}..
قالت : عليك يا هناء بالدعاء لي ..
فربما أستقبل عن قريب ..
أول أيام الآخره ..
سفري بعيد وزادي لن يبلغني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها
وقوتي ضعفت والموت يطلبني
الله يعلمها في السر والعلن
سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت ..
لم أعي أين أنا ..
استمرت عيناي في البكاء ..
أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورا ..
لم يتعودوا مني هذا البكاء والإنطواء في غرفتي ..
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ..
ساد صمت طويل في بيتنا ..
دخلت علي ابنة خالتي ..ثم ابنة عمتي ..
أحداث سريعه متتاليه ..
كثر القادمون ..
اختلطت الأصوات ..
شيء واحد عرفته ..
نورا ماتت..
نورا ماتت ..
لم أعد أميز من جاء ..
ولا أعرف ماذا قالوا ..
يالله ..
أين أنا !!..
وماذا يجري !!..
عجزت حتى عن البكاء ..
أخبروني فيما بعد أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير ..
وأني قبّلتها ..
ثم لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً ..
حين نظرت إليها ممدده على فراش الموت ..
تذكرت قولها وهي تقرأ قوله تعالى : { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } ..
عرفت عندها الحقيقه ..
عرفت عندها الحقيقه ..
{ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } ..
في تلك الليله ..
ذهبت إلى مصلاها المظلم ..
وجلست فيه ..
تذكرت ..
من قاسمتني رحم أمي ..فنحن توأمين ..
تذكرت ..
من شاركتني همومي ..
تذكرت..
من نفَّست عني كربتي ..
تذكرت
تلك التي كانت تدعو لي بالهدايه ..
كم ذرفت من الدموع في ليالٍ طويله وهي تحدثني عن الموت ، والحساب ..والله المستعان..
هذه أول ليله لها في قبرها ..
اللهم ..ارحمها ..
اللهم ..اغفر لها ..
اللهم ..نوّر لها قبرها ..
نظرت حولي ..
هذا هو ..مصحفها ..
وهذه ..سجادتها ..
بل هذا هو ..الفستان الوردي الذي قالت لي : سأخبئه لزواجي ..
تذكرتها ..
وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعه ..
بكيت بكاءً متواصلاً ..
ودعوت الله أن ..
يرحمني ..
ويتوب علي ..
ويعفو عني ..
دعوت الله أن ..
يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو ..
فجأه ..
سألت نفسي : ماذا لو كنت أنا الميته ؟!.
فجأه ..
سألت نفسي : ماذا لو كنت أنا الميته ؟!.
نعم ..أيتها الغاليه ..
اسألي نفسك هذا السؤال ..
ماذا لو كنت أنتِ الميته ، وما هو المصير ؟!..
تقول : لم أبحث عن الإجابه من الخوف الذي أصابني ..
بكيت بحرقه ..
ثم انطلق صوت :
الله أكبر ..الله أكبر ..
ها هو أذان الفجر قد ارتفع ..
ولكن ..
ما أعذبه هذه المره ..
أحسست بطمأنينه وراحه ..
وأنا أردد ما يقوله المؤذن ..
لففت ردائي ..
وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر ..
صليت صلاة مودع ..
كما صلتها أختي من قبل ..
وكانت آخر صلاة لها ..
جلست أدعو وأقول :
اللهم ..اغفر لي ..
اللهم ..ارحمني ..
اللهم ..اقبلني في ..
قوافل العائدات ..
أختي الغاليه ..
لا أظنك ترضين بجهنم يوم القيامة ..موطناً ..
ولا بلهيب النار ..متنفساً..
ما بالك ..تلقين نفسك فيها راضيه ..
أراك تعصين رب الأرض والسماوات الذي ..
إن شاء أبدل ..
فرحك ..حزناً ، وهما ..
وعافيتك ..مرضاً ، وسقماً ..
وسعادتك ..شقاءً ، ونكداً ..
هل تستطيعين ذلك ؟!..
أم هل تملكين من الأمر شيئاً ؟!..
أختي الغاليه ..
يوم القيامه ..
لن يقف معك ..
أب ، ولا أم ، لا صاحبة ، ولا قريب ..
ستقفين ..
وحيدة ..
ذليله ..
أرهقتك ..الذنوب ، والمعاصي ..
وكبلتك .. الخطايا ، والعثرات ..
تنظرين يمنه
فلا ترين إلا ..
روح ، وريحان ..
وتنظرين يسره ..
فلا ترين إلا ..
لهب جهنم ، ودخانها ..
وفحيح عقاربها ، ودوابها ..
ألا فاختاري ..
ألا فاختاري..
إما الانضمام إلى ..
قوافل العائدات ..
فحينها ابشري ..
بروح ، وريحان ، وربّ راض غير غضبان ..
أبشري حينها ..
بعز الدنيا ، وسعادة الآخره ..
وإلا ..
فاسمعي النتيجه ..
صياح بأعلى الصوت : { يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } ..
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} ..
ويزداد الصياح { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }
فلا مجيب لهم : { كَذَلِكَ يُريهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بَخَارِجِينَ مِنَ الْنَّارِ }
أختي الفاضلة فعلاً إنها قصة يخشع لها القلب لله وتدمع لها العين ، إنا لله وإن إليه راجعون ، والحمد لله ، فالله رحيماً بعباده أراد أن يقبض روح التائبة المصلية حتى تموت على حُسن الخاتمة ، ولم يقبض روح الغافلة اللاهية ، لإن الله يمهل ولا يهمل .
والعين تبكي لا على من مات صالحاً وتائباً ، بل تبكي على من مات غافلاً لاهياً مضيعاً لصلاته محللاً على نفسه ما حرم الله
أسأل الله لكم ولي ولكافة المسلمين والمسلمات حُسن الخاتمة
اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين
تعليق