السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ممكن تديني الحقنة دي...!!
يسألني بصوته الواهن الذي لا تكاد تتبين ملامح الكلمات فيه.
انظر إليه كأنني أراه لأول مرة, مع أنني بالفعل أراه كل يوم.
كان رجلاً عجوزاً ناحلاً, و اعتاد المجيء إلى الاستقبال يومياً, و كان كل يوم يسألني نفس السؤال,
و كل يوم أجيبه نفس الإجابة, فنحن لا نعطي الحقن هنا في الاستقبال ,
و ليست هذه هي مهمة الاستقبال, بل مهمتنا التعامل مع الحالات الطارئة ....إلخ.
كان كالعادة يهز كتفية و يمضي باحثاً عن شخص آخر يعطيه الحقنة.
مرت أيام و أيام, و هذا السيناريو يتكرر يومياً, و لم أسأل نفسي يوماً ما هذه الحقنة التي يأخذها هذا الرجل يومياً,
و لم أعتبر الانشغال بهذه النوعية من المرضى نوعاً من الشفقة, بل هو نوع من التهاون في حق الآخرين,
فالاستقبال له مهمته,و العيادة الخارجية لها مهمتها, و هكذا.
لهذا كنت أصر على تجاهله.
لكن في يوم من الأيام كان الاستقبال شبه فارغ, ولك أن تتخيل لماذا كان فارغاً..!!
نعم أصبت, كانت هناك مباراة لكرة القدم.
حتى المرض ينتظر قليلاً لما بعد المباريات...!!
أتى هذا الرجل إلي مرة أخرى....
هذا الرجل صبور فعلاً , فهو لا يمل أبداً.
قررت في نفسي أن أسأله, من باب الفضول , عن ماهية هذه الحقنة اليومية التي لا تنتهي أبداً.
- وريني يا حاج أيه الحقنة دي.
= دي حقنة بتشد العصب..!!
بتشد العصب...!!
تناولت علبة الحقن , فإذا بها حقن فيتامين ( ب ) مركب.
هذه هي الحقن الذي يأخذها صاحبنا كل يوم...!!
- مين اللي كتب لك الحقنة دي حاج ؟
= ما حدش كتبها, انا رحت للصيدلية و قلت للدكتور عاوز حقنة تشد العصب فاداني دي.
- و بقالك قد أيه بتاخدها يا حاج ؟
= سنين.
-سنين بتاخدها كل يوم....!!!!!!
أمسك رأسي من الدهشة و الحسرة, هذا الرجل يعيش في غيبوبة, و وهم كبير.
أحاول جاهداً أن أقنعه أن ما يفعله ليس صحيحاً بالمرة, بل لا علاقة له بالطب أصلاً, و هذه الحقن ليست كما يظن أبداً.
و لكن بلا جدوى, لقد استولت الفكرة عليه تماماً, و ما عاد يتخيل أنه يستطيع الحركة , و لا العيش بغير هذا العلاج الوهمي.
هذا الرجل أخطأ بالفعل, و لكننا كلنا شاركناه في الخطأ.
عندما نقدم لمريضنا ما يرضيه لا ما ينفعه فنحن في الحقيقة نجني عليه.
و نجرم في حقه.
و بقليل من التأمل...
أجد أننا نكرر هذا الخطأ في الكثير من مجالات حياتنا.
في تربية أطفالنا, في إدارة أعمالنا.
في تدبير حياتنا...
في محاولاتنا لإصلاح بلدنا.
الكثير من الأمور تدار بعقلية:
" ريح الزبون ".
و لكن الأمر في الواقع هو راحة لعقولنا, و لأنفسنا.
العلاج الحقيقي لأي مشكلة هو بالمواجهة الصريحة, و الأعمال الصحيحة.
بهذا يحدث التغيير...
لمن أراد التغيير..!!
د/ محمد فرحات
ممكن تديني الحقنة دي...!!
يسألني بصوته الواهن الذي لا تكاد تتبين ملامح الكلمات فيه.
انظر إليه كأنني أراه لأول مرة, مع أنني بالفعل أراه كل يوم.
كان رجلاً عجوزاً ناحلاً, و اعتاد المجيء إلى الاستقبال يومياً, و كان كل يوم يسألني نفس السؤال,
و كل يوم أجيبه نفس الإجابة, فنحن لا نعطي الحقن هنا في الاستقبال ,
و ليست هذه هي مهمة الاستقبال, بل مهمتنا التعامل مع الحالات الطارئة ....إلخ.
كان كالعادة يهز كتفية و يمضي باحثاً عن شخص آخر يعطيه الحقنة.
مرت أيام و أيام, و هذا السيناريو يتكرر يومياً, و لم أسأل نفسي يوماً ما هذه الحقنة التي يأخذها هذا الرجل يومياً,
و لم أعتبر الانشغال بهذه النوعية من المرضى نوعاً من الشفقة, بل هو نوع من التهاون في حق الآخرين,
فالاستقبال له مهمته,و العيادة الخارجية لها مهمتها, و هكذا.
لهذا كنت أصر على تجاهله.
لكن في يوم من الأيام كان الاستقبال شبه فارغ, ولك أن تتخيل لماذا كان فارغاً..!!
نعم أصبت, كانت هناك مباراة لكرة القدم.
حتى المرض ينتظر قليلاً لما بعد المباريات...!!
أتى هذا الرجل إلي مرة أخرى....
هذا الرجل صبور فعلاً , فهو لا يمل أبداً.
قررت في نفسي أن أسأله, من باب الفضول , عن ماهية هذه الحقنة اليومية التي لا تنتهي أبداً.
- وريني يا حاج أيه الحقنة دي.
= دي حقنة بتشد العصب..!!
بتشد العصب...!!
تناولت علبة الحقن , فإذا بها حقن فيتامين ( ب ) مركب.
هذه هي الحقن الذي يأخذها صاحبنا كل يوم...!!
- مين اللي كتب لك الحقنة دي حاج ؟
= ما حدش كتبها, انا رحت للصيدلية و قلت للدكتور عاوز حقنة تشد العصب فاداني دي.
- و بقالك قد أيه بتاخدها يا حاج ؟
= سنين.
-سنين بتاخدها كل يوم....!!!!!!
أمسك رأسي من الدهشة و الحسرة, هذا الرجل يعيش في غيبوبة, و وهم كبير.
أحاول جاهداً أن أقنعه أن ما يفعله ليس صحيحاً بالمرة, بل لا علاقة له بالطب أصلاً, و هذه الحقن ليست كما يظن أبداً.
و لكن بلا جدوى, لقد استولت الفكرة عليه تماماً, و ما عاد يتخيل أنه يستطيع الحركة , و لا العيش بغير هذا العلاج الوهمي.
هذا الرجل أخطأ بالفعل, و لكننا كلنا شاركناه في الخطأ.
عندما نقدم لمريضنا ما يرضيه لا ما ينفعه فنحن في الحقيقة نجني عليه.
و نجرم في حقه.
و بقليل من التأمل...
أجد أننا نكرر هذا الخطأ في الكثير من مجالات حياتنا.
في تربية أطفالنا, في إدارة أعمالنا.
في تدبير حياتنا...
في محاولاتنا لإصلاح بلدنا.
الكثير من الأمور تدار بعقلية:
" ريح الزبون ".
و لكن الأمر في الواقع هو راحة لعقولنا, و لأنفسنا.
العلاج الحقيقي لأي مشكلة هو بالمواجهة الصريحة, و الأعمال الصحيحة.
بهذا يحدث التغيير...
لمن أراد التغيير..!!
د/ محمد فرحات
تعليق