بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آاله وصحبه وسلم
أمـا بعــد..
فأنقل إليكم أيها الكرام بعضا من قصص عباد الله الذين صبروا وأحتسبوا عند ربهم وأحسنوا الظن به سبحانه،
فشكروا ورضوا بقضائه، فوفقهم الله تعالى لتحقيق الإيمان وذاقوا حلاوته،
وذلك استكمالاً وتتمةً لفائدة هذا الموضوع:
سبحان من وهب لنا نعمة الحمد والدعاء ، وكفى بها نعمة من رب الأرض
فضلاً، لمن لم يقرؤه، يرجى المرور عليه وتحمل الإطالة حتى نهايته، عسى أن تجدوا فيه فائدة ونفعا بإذن الله تعالى
قصص سريعة لبعض من السلف الصالح،
وهذا الصحابي الجليل:
معاذ بن جبل رضي الله عنه
_____________________________________________
يُرْوَى عن معافى بن عمران عن شهاب بن خراش عن عبد الرحمن بن غنم قال: _____________________________________________
دخلنا على معاذ رضي الله عنه وهو قاعد عند رأس ابن له وهو يجود بنفسه، فما ملكنا أنفسنا أن ذرفت أعيننا وانتحب بعضنا فزجره معاذ،
وقال:
مه، فوالله لئن يعلم اللهُ برضائي بهذا أحَبُّ إليَّ من كلِّ غزاةٍ غَزَوْتُها.
من كان له عزيزًا وبه ضنينًا فصبر على مصيبته واحتسبه أبدلَ الله الميت دارًا خيرًا من داره وقرارًا خيرًا من قراره
وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان.
قال:
فما برحنا حتى قضى الغلام فقام وغسَّله وحنَّطَه وكفَّنه وصلَّينا عليه، فنزل في قبره ووضعه، ثم سوى عليه التراب،
ثم رجع إلى مجلسه فدعا بدهن فادهن وبكحل فاكتحل وببرده جميلة فلبسها، وأكثر من التبسم ينوي ما ينوي،
ثم قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون، في الله خلف من كل هالك وعزاء من كل مصيبة، ولله الأمر من قبل ومن بعد ولكن أكثر الناس لا يعلمون
عمر بن عبد العزيز رحمه الله
________________________________________________
في وفاة ابنه عبد الملك:
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لابنه عبد الملك:
كيف تجدك يا بني؟
قال:
أجدني في الموت فاحتسبني، فإن ثواب الله خيرًا لك منِّي،
قال:
والله يا بُنَّي لئن تَكُن في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك،
قال:
وأنا والله لئن يَكُن ما تحِبُّ أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أُحِبُّ
ثُمَّ تُوُفِّي في ذلك المرض فذهب به عمر بن عبد العزيز وغسله وصلى عليه ودفنه وسوَّى عليه التراب،
وسوُّوا قبره بالأرض، ووضعوا عنده خشبتين من زيتون: إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة،
فاستوى قائمًا وأحاط به الناس،
فقال:
رحمك الله يا بُنَيَّ فقد كنتَ بَرًّأ بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا بك،
ولا والله ما كنت قطّ أشد بك ولا أزجي لحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيَّرك الله إليه،
فرحمك الله وغفر لك ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب،
رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين، ثُمَّ انصرف.
وعندما رجع إلى ديوانه كتب إلى عُمَّاله:
إن عبد الملك كان عبدًا من عبيد الله، أحسن الله إليه وإليَّ فيه، أعاشه ما شاء، وقبضه حين شاء،
وكان ما علمت من صالحي شباب أهل بيته قراءة للقرآن، وتحريًا للخير،
وأعوذ بالله أن تكون لي محبة أخالف فيها محبة الله، فإن ذلك لا يَحْسُن في إحسانه إليَّ، وتتابعِ نِعَمِه عليَّ،
ولأعلمن ما بكت عليه باكية، ولا ناحت عليه نائحة، قد نهينا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه.
وكان قبل وفاة ابنه عبد الملك، قد هلك أخوه سهل وهو من أحبِّ إخوته، وهلك مولاه مزاحم وهو عزيز عليه،
كل ذلك في أوقات متتابعة، فلمَّا استوى في مجلسه، جاء الربيع بن سبرة عليه رحمة الله،
فقال:
عظَّم الله أجرك يا أمير المؤمنين ما رأيت أحدًا أصيب بأعظم من مصيبتك، ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولى قط،
فطأطأ عمر رحمه الله رأسه، فقال أحد الحاضرين:
لقد هيجت عليه،
فرفع عمر بن عبد العزيز رحمه الله رأسه، فقال:
كيف قلت يا ربيع أَعِد.
قال:
فأعدت عليه،
فقال:
لا والذي قضى عليهم الموت ما أُحِبُّ أن شيئًا ممَّا كان لم يكن.
تعليق