يقول أحد الدعاة : لقيني رجل في العقد الثامن من عمره ، وقال لي : ورثت من جدي مبلغاً كبيراً من المال
لا أدري ماذا أصنع به، فقد كبر أولادي ، وشقوا طريقهم في الحياة ، ولدي منزل جيد، وكل أموري في حالة حسنة، فما الذي أصنعه بهذا المال ؟
يقول الداعية : قلت له : قدِّمه لآخرتك : ابنِ مسجداً ، اكفل أيتاماً ، أنشئ وقفاً ... فما كان من الرجل إلا أن قال :
وهل أنا مخبول حتى أفعل ما تقول ؟!.
قال الداعية : أنت قلتَها فأنت عاجز عن الانتفاع بمالك في أي شيء من أمور دنياك وآخرنك ،و من تكون هذه حاله، فماذا يكون؟! .
السؤال الذي يطرح نفسه هو : إذا أخذنا معيار ذلك الداعية ، وطبقناه على أوضاع الأثرياء الكبار في عالمنا الإسلامي، فكم ستكون نسبة الناجين من ـ مع شديد الاعتذار ـ من الخبل ؟
نحن نعرف أن الإنسان سوف يُسأل عن المال مرتين : مرة عن طريقة اكتسابه والحصول عليه ومرة عن طريقة إنفاقه
ومن هنا فإن الخسارة ستكون فادحة جداً بالنسبة إلى من كسب المال من حرام،ولم يستفيد منه بأي وجه من وجوه الاستفادة .
إن ملكيتنا للمال ليس لها أي معنى إذا لم نستطع الاستفادة منه في دنيانا أو آخرتنا ، وقد وضَّح ذلك نبيناـ صلى الله عليه وسلم ـ بأبلغ عبارة حين قال :
(( يقول ابن آدم مالي ، مالي ، وهل لك يا ابن آدم ! من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقتَ، فأمضيت ))؟ (رواه مسلم)
إن عقولنا مفطورة على التفكير في الماهيات ، وإغفال شأن العلاقات مع أن العلاقات تؤثِّر في الماهيات إلى درجة نستطيع أن نقول معها في بعض الأحيان : إن الشيء هِبة علاقاته .
حين يكون المرء في حاجة إلى عشرين ألفاً في الشهر حتى يعيش حياة مريحة ومرفَّهة ، ثم يأتيه ثلاثمئة ألف كلَّ شهر، فكيف تكون علاقته بما زاد عن متطلبات رفاهيته ؟
إن علاقته حينئذ تكون وهمية : أرقام تدخل ، وأرقام تخرج ، والأثرياء ا جداً لا يستطيعون حتى رؤية تلك الأرقام، ومتابعتها ! .
تنشأ العلاقة الحقيقية بأموالنا حين نبذلها في بر الوالدين أو صلة رحم أو تفريج كربة مكروب أو إنشاء وقف لله ؛ تعالى ... .
علاقتنا بأموالنا وهمية ، وحين ننفقها على مسراتنا تصبح مؤقَّتة ، وإذا بذلناها في سبيل الله تحولت تلك العلاقة إلى علاقة أبدية ، حيث نلمس آثارها في دار الكرامة .
فهل من متأمل ، وهل ينجم عن التأمل شيء عملي ؟
د. عبد الكريم بكار
تعليق