يقول الشيخ تركي الغامدي :
بعد أن انتهيت من إلقاء إحدى المحاضرات جاءني شاب وقال :
إني أريد أن أحدثك ، فلما جلست معه قال : إني قد تأثرت بما سمعت آنفاً وإني والله لا أريد إلا التوبة.
فقلت : حسناً ما صنعت ، وأبشر بتوبة الله عليك وأبشر بالخير .. وأثناء حديثي إليه عن فضائل التوبة إذا به يهز رأسه ويطرق به إلى الأرض ويرفعه ويفعل ذلك مراراًَ ، ثم قال لي : يا شيخ ممكن تضربني ؟.
قلت له متعجباً : نعم !! فقال : ممكن تضربني ؟ قلت : أأنت جاد ؟ قال : نعم. أنا جاد . فقلت : ما يحملك على هذا ؟ قال : أنا أحدثك الآن وأنا في حالة سكر وأنا أركز قليلاً ويذهب عقلي أحياناً أخرى وأنا والله أريد الخير ، فاضرب رأسي لعلي أفيق ثم أنتبه لكلامك .
فعجبت والله ، فأنا لأول مرة أرى مثل هذا المشهد ، ففعلت ما طلب ثم رفع رأسه وقال : نعم .. أسمع.
فتحدثت إليه فقلت : كم عمرك ؟ قال : عمري ثمانية عشر عاماً.
قلت : ثمانية عشر عاماً وأنت على المسكر ؟! كيف لو رآك والدك وأنت على هذه الحال.
فقال : حسبي الله على والدي . فسكت ، ثم قلت : ولماذا ؟ قال : لأن والدي هو الذي علمني شرب الخمر.
قلت : والدك يشرب الخمر ؟ قال : نعم ، وأخي وأعمامي ، وأنا على هذه الحال منذ زمن.
قال : وقد تستغرب إذا قلت لك : إن أمي هي المرأة الصالحة الوحيدة في البيت .. ثم ذرفت عيناه ، قال : والله إنها مع والدي ما يقرب من ثلاثين عاماً ووالدي على هذه الحال والأسرة كلها إلا هي ، وقد كان والدي يذهب بنا إلى بعض المراقص في غير هذه البلاد فيدخلها والدي ويجبرها على الدخول ، فكانت إذا جلست أطرقت برأسها وقالت : سبحان الله .. الحمد لله .. لا إله إلا الله .. الله أكبر ، وتكرر ذلك حتى ننقضي نحن من العبث ، ثم نخرج وهي على الطاعة.
ثم قال : إني أريد أن أتوب إلى الله لعل الله أن يقر عين والدتي بي .. فقلت له : وماذا عندك غير الخمر ؟ فذكر لي أن عنده من الظلم والفواحش والسرقة والموبقات وذكر أشياء كثيرة ..
ثم قلت له : هل تصلي ؟ قال: لا ، منذ أربع سنين لاأصلي إلا في المدرسة وبلا وضوء .
فقلت : عجباً ! أربع سنوات لا تصلي ، فلا ضير أن تفعل هذه الموبقات لأنك لا تصلي ، ألم يقل ربنا جل وعلا : (( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )) [العنكبوت:45] شخص لا يصلي كيف لا يقع في المنكر ؟.
فقلت لهذا الشاب : إن كنت جاداً فالآن تصلي ، وأريد أيضاً أن تترك الخمر والفواحش ، وبعد أسبوع أراك إن كنت جاداً .
وبعد أسبوع قابلته فقلت له : ما صنعت ؟ فقال : والله ما فاتتني صلاة ، ولا رفعت الكأس إلى فمي ، قال : والله أني عندما حدثتك في المرة الأولى أني كنت أفكر في الانتحار .
فقلت له : عليك أن تغير صحبتك السابقة وسيعوضك الله بالصالحين وقلت له : أراك بعد أسبوع .
ثم قابلته فقال لي : أبشرك .. غيرت صحبتي وتركت الأغاني ، وأبشرك أني الآن أقرأ في اليوم أقل ما يكون جزءاً من كتاب الله .. وأصلي السنن الرواتب وأعمل من الصالحات ما يكون إن شاء الله بيني وبين ربي .. وأجد من السعادة شيئاً عظيماً لو حيزت لي الدنيا لا تساوي هذه السعادة ولم أجدها إلا في هذه الطاعة.
سبحان الله ! ما أعظم سعة رحمة الله .. قبل شهر كان يكلمني هذا الشاب وهو سكران والآن يقوم الليل بالطاعة وقد تهلل وجهه ، وهذا هو نور الإيمان .
فيا إخوتي ! الصلاة .. الصلاة ، وصية محمد صلى الله عليه وسلم حتى في مرض موته ، وإن على الذين لا يصلون أن يتقون الله في أنفسهم . وإن على الذين يهملون الصلاة أن يراقبوا الله .. وأن يلتحقوا بصفوف المصلين .
المصدر: من شريط ( قصص لم تسمع بها ) . للشيخ : تركي الغامدي.
تعليق