هذه قصة طفلة من عهد النبوية
الا انها تعطنا مثالا فذاً في الحفاظ علي الهوية الاسلامية فياتري من هي أم خالد ؟؟؟؟؟؟؟؟
هي بنت صغيرة تربَّت في غربة وفي بيئة مختلفة، ومع ذلك استطاعت بفضل الله، ثمَّ والديها أن تكون صاحبة هوية قوية، مكنتها من التفاعل بإيجابية، وبدون انبهار بالمجتمع المحيط.
هذه البنت اسمها أمة خالد، وهي صحابية مشهورة بأم خالد، صحابية جليلة أبوها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمها : هُمَينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع من خثعمة بن سعد بن مليح بن عمرو بن خزاعة، ولدت في الحبشة في أثيوبيا في بلد إفريقي يختلف عن موطنها الأصلي مكة، الحجاز في الجزيرة العربية، بيئة مختلفة
في اللغة والدين والثقافة والطقس والموقع الجغرافي .
ترد قصة أمة على من يقول : إنَّ البيت وحده لا يستطيع أن يربّي ، فهناك فرق أن نقول: إنَّ زمننا صعب، والإغراءات فيه صارت كثيرة ، وأنَّ هناك عوامل تؤثر على البنت مثل التلفاز والإنترنت والصَّديقات، وبين أن نقول: إنَّ تأثير البيت أصبح صفراً على الشمال وانعدم تماماً.
ولدت أمة في بيت مسلم، لكنَّها نشأت في مجتمع إفريقي نصراني، ولم تولد في المدينة ولم تر الرَّسول، ولم تترب على يديه في سنوات طفولتها الأولى، ومع هذا لم تشعر أنَّها لا تستطيع أن تكون مسلمة محترمة إلاَّ إذا عبرت البحر الأحمر، واستقرت في المدينة بالقرب من المسجد النبوي، وعاشت بين الرَّسول والصَّحابة والخيرين والفضلاء.
بل هي نشأت مع أقليات مسلمة مكونة من 18 عائلة هاجرت من مكة للحبشة مع أسرتها وهناك 11 طفل وطفلة ولدوا ونشأوا في الحبشة مثلها، ولا شك ساعد هذا في بناء هويتها، لكن الذي بنى هويتها الإسلامية من الصفر، هي أسرتها داخل البيت بقيادة والدها خالد.
كانت أمة تعرض أسئلة على نفسها وأبيها؛ لماذا جئنا إلى هنا ؟ فأشكالنا مختلفة وطريقة حياتنا وصلاتنا مختلفة
لغتنا مختلفة؟
وكانت تتوجه بهذه الأسئلة الصَّعبة لوالدها، لأنَّها كانت مرتبطة معه بعلاقة صداقة وتواصل، فأبوها أوَّل صديق لها، وأمها أول صديقة لها، ولم يكن هناك فجوة حضارية بين جيلين، بين البنت وأبيها على اعتبار أنَّ أباها ولد في مكة وهي في الحبشة، وبالتالي اختلاف السن والثقافة والبيئة.
كان هناك علاقة صداقة بين الأب وابنته تردم أية فجوة موجودة بين كثير من البنات وأسرهن اليوم، لم يشرح خالد الإسلام لأمة شرحاً نظرياً، وإنَّما كان يسرد لها قصصاً تجعلها تحب دينها ونبيّها وتفخر بهويتها الإسلامية، حكى لها عن مكَّة التي لم ترها، وقال لها عن حياته قبل أن يسلم، ولم يخجل أن يكلمها عن ماضيه حتى تعرف الواقع ولا تعيش في المثاليات وتقدر ما هي فيه من نعمة، وهذا مهم في بناء هوية الطفل، أن يفتخر بإسلامه، شعورياً لا شكلياً، وقص عليها نقطة تحوله: قال لها: وأنا في مكة ، رأيت في منامي ما أزعجني، بل ما أخافني وكأنَّه كابوس، رأيت أبي يدفعني نحو حفرة فيها نار، وأنا أصرخ من الخوف، وإذا بمحمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام يأتي ويمسكني من ملابس ويبعدني عن الحفرة ونارها، وفي الصباح ذهبت إلى صديقي أبي بكر، لكي يفسِّر لي الحلم ، فقال لي : يا خالد، إنَّ الله يريد أن ينجيك من النار، فاذهب واتبع رسول الله، وفعلاً ذهبت إليه وقلت : أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأسلمت وتشاجرت مع أبي، وقرَّرت أن أرحل إلى الحبشة، وهذه قصة ولادتك في إفريقيا.
أمة لم تكن قد رأت الرَّسول، ولم تر أبا بكر الصديق، ولكنَّها تعرَّفت عليهما في سياق عاطفي قوي، وفي حالة انجذاب جميع حواسها، وتعلق قلبها بقصة حياة أبيها.
بقيت أمة في الحبشة سبع سنوات، وقال البعض: ثماني سنوات، أو تسع سنوات... المهم أنَّها كانت سنوات تأسيس شخصيتها، ولما فتحت خيبر في الجزيرة العربية، سمح الرَّسول للمسلمين في الحبشة بالسفر إلى المدينة، وكانت هذه المرَّة الأولى التي تسافر فيها أمة، وكان اللقاء بالحبيب رسول الله، لم تجل عندما رأته وإنَّما استبقت جعفر بن أبي طالب وبقية الكبار، وأبلغت الرسول سلام النجاشي، وكأنَّ النجاشي وصاها هي فقط أن تبلغه السلام، تخيَّلي مشهد الطفلة وهي تدخل وسط الكاميرا وأمام كبار الصَّحابة، وكأنَّ العلاقة بينها وبينه كانت أقوى من أن تخجل أو أن تنكمش في الصفوف الخلفية، لأنَّها ما زالت طفلة، وإنما انطلقت تعبر عن حبها ممن تحب.
أحبّها الرَّسول الكريم كما أحبته، ولما أتته هدية عبارة عن ملابس ، طلب أمة بكنيتها أم خالد، وأهداها الثياب، وقال لها : " أبلي وأخلفي " أكثر من مرَّة ، وقال : " هذا سنا يا أم خالد ، هذا سنا "، وسنا كلمة أثيوبية ليست عربية ومعناها جميل وحسن وحلو، دعا لها رسول الله بطول العمر، فعاشت حوالي 90 سنة ملأتها بالإنجازات، وتركت بصمة لن تنساها الأجيال من بعدها ، فقد اندمجت بسرعة في المجتمع المدني وساهمت في تطويره وتعليمه، فروت للنَّاس أحاديث سمعتها وحفظتها من الرَّسول عندما كانت طفلة، وتزوَّجت من الزبير بن العوام حواري رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، و ابن عمَّته، و أحد فرسان الصَّحابة وشجعانهم، فعاشت معه زمناً، ولم يفترقا حتَّى استشهد يوم معركة الجمل، وأنجبت عمر، و لم تنس أن تسمّي ولدها الثاني خالد تيّمناً باسم أبيها وتحبّباً، وأيضاً حتى يبقى لقب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين لقّبها بأم خالد قد تحقق وحتى يظل دوي الاسم في أذنيها قائماً مستمراً، فكانت زوجة صالحة وأمّاً مربية.
وأهم إنجاز من إنجازات هويتها الواثقة؛ هي أنَّها عاشت في عهد عثمان بن عفان، ومن بعده، وعاصرت صغار التابعيات، فكانت جسر تواصل بينهم وبين الرَّسول، ومثلما ارتبطت بالرَّسول من دون أن تراه، من خلال قصص أبيها خالد، كانت تفعل الشيء نفسه مع بنات التابعين اللواتي لم يرين الرسول، كانت تروي لهم القصص الحقيقية عن هذه الشَّخصية العظيمة ، فيحبونها مباشرة، لأنَّها تروي بأسلوب ذي صلة بحياتهن اليومي .
تعليق