الشيخ أبو محمد الترجمان الميورقى
(756م – 832 هـ) القسيس.. أنسلم تور ميدا سابقاً
من أكبر علماء النصارى فى القرن الثامن الهجري
وأطلق عليه التونسيون لقب سيدي تحفة لإعجابهم الشديد بكتابه تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب
لنستمع لقصة إسلامه الرائعة من كتابه "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب"ي
(اعلموا - رحمكم الله - أن أصلي من مدينة ميورقة أعادها الله للإسلام - مدينة ميورقة هي مدينة إسبانية - وكان والدي محسوباً من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين، قرأت عليه الإنجيل، ثم أخذت فى تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق فى ست سنين ثم رحلت من بلدي ميورقة إلى مدينة لاردة وهى مدينة العلم عند النصارى فى ذلك القطر ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية بعد أربع سنين، وهى مدينة علم عند جميع أهل هذا القطر، فسكنت فى كنيسة لقسيس كبير السن عندهم، كبير القدر يدعى نقلا دمرتيل وكانت منزلته رفيعة فى العلم والدين، ولذلك تأتيه الأسئلة مصحوبة بالهدايا من كل مكان رغبة فى التبرك بهذا القس.. واستطرد قائلا: فقرأت عليه علم أصول الدين وأحكامه، ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بالكثير من وظائفه، وانتهيت فى تقربي إليه إلى أن دفع إليّ مفاتيح سكنه، فلازمته على ما ذكرت من القراءة والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يوماً من الدهر، فتخلف عن حضور مجلس أقرانه وهم يتذاكرون، إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول الله عز وجلّ على لسان نبيه عيسى فى الإنجيل: (إنه يأتي بعدي نبي اسمه البار قليط), فبحثوا فى تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء؟, - البار قليط أي الذى له حمد كثير وذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد - أى أحمد - فكثر بينهم الجدال، وأدلى كل بدلوه، فأتيت مسكن الشيخ فقال لي: ما الذى كان عندكم اليوم من البحث فى غيبتي؟, فأخبرته باختلاف القوم فى اسم البار قليط .... فقال الشيخ إن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون - فمن الواضح أن نقلا دمرتيل يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيظهر ويعرف أوصافه كما ذكر أن علماء أهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم - فقلت له: يا سيدي قد علمت أن لي فى خدمتك عشر سنين، وأنى ارتحلت إليك من بلد بعيد, فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا على بمعرفة هذا الاسم.. فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدى.. والله أنت لتعّز عليّ كثيراً من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، فى معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف أن تقتلك عامة النصارى.. فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك, فقال لي: يا ولدى إني سألتك فى أول قدومك عليّ عن بلدك.. وهل هو قريب من المسلمين؟, لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام.. فاعلم يا ولدى أن البار قليط هو اسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة فى الإنجيل, فقلت: يا سيدي وما تقول فى دين هؤلاء النصارى؟, فقال لي: يا ولدى لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله، فالأنبياء دينهم واحد، ولكن بدلوا وكفروا, فقلت له: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟, فقال: يا ولدي بالدخول فى دين الإسلام, فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟, قال لي: نعم ينجو فى الدنيا والآخرة, فقلت: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟, فقال لي: يا ولدى إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من فضل الإسلام، وشرف نبي أهل الإسلام إلا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولا عذر لنا فيه بل هو حجه الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا فى سنك، لتركت كل شىء، ودخلت فى دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة وأنا والحمد لله على دين عيسى وعلى ما جاء به، يعلم الله ذلك مني, فقلت له: يا سيدي أفتدلني أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل فى دينهم ؟, فقال لي: إن كنت عاقلاً طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة ولكن يا ولدى هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، فاكتمه غاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء تقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني.. ثم أخذت فى أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي وزودني بخمسين دينار ذهباً، وركبت البحر منصرفاً إلى ميورقة فأقمت ستة أشهر، ثم سافرت إلى جزيرة صقلية فأقمت خمسة أشهر ثم سافرت إلى تونس، وسمع بي من أحبار النصارى عند نزلت بديوان تونس فأتوا بمركب وحملوني معهم إلى ديارهم، فأقمت عندهم فى ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، ثم أتيت السلطان أبا العباس أحمد - رحمه الله - بعد أن اصطحبني الطبيب الخاص للسلطان ويدعى يوسف الطيب فقال لي عندما ذكرت له شرح حالي: قدمت قدوم خير، فأسلم على بركه الله ,فقلت للترجمان: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دين إلا ويكثر أهله القول فيه، والطعن فيه، فسألوا أحبار النصارى عنى ، واسمعوا ما يقولون فى جنابي، وبعد ذلك أسلم إن شاء الله.
· فقال السلطان أنت طلبت ما طلب عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم.. ففعل السلطان ذلك وأثنى الأحبار عليه ثم جئت فشهدت شهادة الحق بحضرتهم، فصلبوا عليّ وجوههم، وقالوا ما حمله على هذا إلا حب الترويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج..) أ . ه
وأخيراً .. فهذا طرف من سيرة الشيخ الميورقي وجهاده بقلمه ولسانه فى سبيل الله عز وجل، أما جهاده بيده فقد اشترك رحمه الله فى جهاد بني جلدته من الكافرين، وفي حملة الأسطول الحفصى على جزيرة صقلية سنة 796 هـ تقريبا كان يتولى منصب القائد البحري
اللهم ارحمه وأسكنه جنات الخلد واجعل مثواه الفردوس الأعلى يارب العالمين
منقول بتصرف من
القصة كاملة لفضيلة الشيخ محمد بن اسماعيل المقدم حفظه الله
(756م – 832 هـ) القسيس.. أنسلم تور ميدا سابقاً
من أكبر علماء النصارى فى القرن الثامن الهجري
وأطلق عليه التونسيون لقب سيدي تحفة لإعجابهم الشديد بكتابه تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب
لنستمع لقصة إسلامه الرائعة من كتابه "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب"ي
(اعلموا - رحمكم الله - أن أصلي من مدينة ميورقة أعادها الله للإسلام - مدينة ميورقة هي مدينة إسبانية - وكان والدي محسوباً من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين، قرأت عليه الإنجيل، ثم أخذت فى تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق فى ست سنين ثم رحلت من بلدي ميورقة إلى مدينة لاردة وهى مدينة العلم عند النصارى فى ذلك القطر ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية بعد أربع سنين، وهى مدينة علم عند جميع أهل هذا القطر، فسكنت فى كنيسة لقسيس كبير السن عندهم، كبير القدر يدعى نقلا دمرتيل وكانت منزلته رفيعة فى العلم والدين، ولذلك تأتيه الأسئلة مصحوبة بالهدايا من كل مكان رغبة فى التبرك بهذا القس.. واستطرد قائلا: فقرأت عليه علم أصول الدين وأحكامه، ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بالكثير من وظائفه، وانتهيت فى تقربي إليه إلى أن دفع إليّ مفاتيح سكنه، فلازمته على ما ذكرت من القراءة والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يوماً من الدهر، فتخلف عن حضور مجلس أقرانه وهم يتذاكرون، إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول الله عز وجلّ على لسان نبيه عيسى فى الإنجيل: (إنه يأتي بعدي نبي اسمه البار قليط), فبحثوا فى تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء؟, - البار قليط أي الذى له حمد كثير وذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد - أى أحمد - فكثر بينهم الجدال، وأدلى كل بدلوه، فأتيت مسكن الشيخ فقال لي: ما الذى كان عندكم اليوم من البحث فى غيبتي؟, فأخبرته باختلاف القوم فى اسم البار قليط .... فقال الشيخ إن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون - فمن الواضح أن نقلا دمرتيل يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيظهر ويعرف أوصافه كما ذكر أن علماء أهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم - فقلت له: يا سيدي قد علمت أن لي فى خدمتك عشر سنين، وأنى ارتحلت إليك من بلد بعيد, فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا على بمعرفة هذا الاسم.. فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدى.. والله أنت لتعّز عليّ كثيراً من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، فى معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف أن تقتلك عامة النصارى.. فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك, فقال لي: يا ولدى إني سألتك فى أول قدومك عليّ عن بلدك.. وهل هو قريب من المسلمين؟, لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام.. فاعلم يا ولدى أن البار قليط هو اسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة فى الإنجيل, فقلت: يا سيدي وما تقول فى دين هؤلاء النصارى؟, فقال لي: يا ولدى لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله، فالأنبياء دينهم واحد، ولكن بدلوا وكفروا, فقلت له: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟, فقال: يا ولدي بالدخول فى دين الإسلام, فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟, قال لي: نعم ينجو فى الدنيا والآخرة, فقلت: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟, فقال لي: يا ولدى إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من فضل الإسلام، وشرف نبي أهل الإسلام إلا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولا عذر لنا فيه بل هو حجه الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا فى سنك، لتركت كل شىء، ودخلت فى دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة وأنا والحمد لله على دين عيسى وعلى ما جاء به، يعلم الله ذلك مني, فقلت له: يا سيدي أفتدلني أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل فى دينهم ؟, فقال لي: إن كنت عاقلاً طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة ولكن يا ولدى هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، فاكتمه غاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء تقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني.. ثم أخذت فى أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي وزودني بخمسين دينار ذهباً، وركبت البحر منصرفاً إلى ميورقة فأقمت ستة أشهر، ثم سافرت إلى جزيرة صقلية فأقمت خمسة أشهر ثم سافرت إلى تونس، وسمع بي من أحبار النصارى عند نزلت بديوان تونس فأتوا بمركب وحملوني معهم إلى ديارهم، فأقمت عندهم فى ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، ثم أتيت السلطان أبا العباس أحمد - رحمه الله - بعد أن اصطحبني الطبيب الخاص للسلطان ويدعى يوسف الطيب فقال لي عندما ذكرت له شرح حالي: قدمت قدوم خير، فأسلم على بركه الله ,فقلت للترجمان: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دين إلا ويكثر أهله القول فيه، والطعن فيه، فسألوا أحبار النصارى عنى ، واسمعوا ما يقولون فى جنابي، وبعد ذلك أسلم إن شاء الله.
· فقال السلطان أنت طلبت ما طلب عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم.. ففعل السلطان ذلك وأثنى الأحبار عليه ثم جئت فشهدت شهادة الحق بحضرتهم، فصلبوا عليّ وجوههم، وقالوا ما حمله على هذا إلا حب الترويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج..) أ . ه
وأخيراً .. فهذا طرف من سيرة الشيخ الميورقي وجهاده بقلمه ولسانه فى سبيل الله عز وجل، أما جهاده بيده فقد اشترك رحمه الله فى جهاد بني جلدته من الكافرين، وفي حملة الأسطول الحفصى على جزيرة صقلية سنة 796 هـ تقريبا كان يتولى منصب القائد البحري
اللهم ارحمه وأسكنه جنات الخلد واجعل مثواه الفردوس الأعلى يارب العالمين
منقول بتصرف من
القصة كاملة لفضيلة الشيخ محمد بن اسماعيل المقدم حفظه الله
المشاركة الأصلية بواسطة ابراهيم ابو عمر 2
مشاهدة المشاركة
تعليق